|
الطريق المسدود
سعود سالم
كاتب وفنان تشكيلي
(Saoud Salem)
الحوار المتمدن-العدد: 7473 - 2022 / 12 / 25 - 13:33
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
أركيولوجيا العدم العودة المحزنة لبلاد اليونان ٣٤ - الطريق المسدود أسطورة أورفيوس، إلى جانب العديد من الأساطير الأخرى - اختطاف بيرسيفوني، وموت ديونيسوس وتقطيع أوصاله، وإيزيس، وقيامة أوزيريس، وهبوط عشتار للجحيم والتقاليد الهندوسية قبل البوذية إلخ ... هي تعبير فني أو انعكاس لـ "قصص وأساطير عمرها آلاف السنين تخيلها الإنسان نفسه عن الحياة والإنسان والطبيعة وبداية التكوين والموت وعالم الأموات. وعلى وجه التحديد، يمكن لأسطورة أورفيوس التي أشرنا إليها سابقا أن تشير إلى ظهور بوادر ثورة روحية، واستجواب الآلهة من قبل الإنسان لضرورة الموت وإمكانية الحياة بعد الموت بطريقة أو بأخرى. ليس من المستغرب أن تظهر نفس هذه الإهتمامات في ثقافات مختلفة وإن كانت متباعدة زمنيا وجغرافيا، ردًا على نفس الأسئلة الممثلة لظاهرة القلق الإنساني في مواجهة الفناء. على الرغم من أنه من غير الممكن إجراء تقييم دقيق لتأثير أسطورة أورفيوس على الفكر والفلسفة في العصور القديمة، إلا أنه من الواضح حضور هذه الأسطورة - الديانة في الطقوس الشعبية أكثر منه في الأدب أو الفكر أو الفلسفة. فقد أدخلت الديانة الأورفية Orphism إلى اليونان ممارسات ومعتقدات أصلية كانت تتعارض أحيانًا مع الدين الرسمي، مثل رفض التضحيات والنباتية المرتبطة بها وفكرة التناسخ. وهناك من يرى إن تعاليم أورفيوس عن الموت قريبة بشكل غريب من تعاليم البوذية بخصوص وجود دورات الموت والحياة بالتناوب أو ما يسمى بـ "التناسخ". وأيضا كان الآباء المسيحيون على دراية جيدة بالأدب الأورفي، وهناك العديد من المقولات المسيحية يمكن إرجاعها إلى الأورفية، والمسيح ذاته نراه في العديد من القصص يظهر بصفات أورفيوس. يبدو أن المسيحيين، الذين يختبئون وراء حقيقة أن أورفيوس يمكن اعتباره شخصية تاريخية، قد منحوه قدرًا معينًا من التبجيل ونسبوا إليه مرتبة النبوة. ومن الواضح أن هذه الحركة الطائفية الدينية تتميز بطريقتها في الحياة ونظامها الفكري، برفض النظام الاجتماعي السائد تضامناً مع النظام السياسي الديني المنظم حول الأولمبيين. التصوف الأورفي ليس بحثًا مطلقًا بدون مرجع تاريخي: إنه استجواب منهجي للدين الرسمي للمدينة اليونانية، غير أنه قرب نهاية القرن الرابع، أفرغت الأورفية نفسها من جزء كبير من مميزاتها الاحتجاجية التمردية مما جعلها تتحول بعد ذلك إلى تيار واسع من الأدب الفلسفي الديني. وكانت الأخوة الأورفية منتشرة على نطاق واسع في كل من اليونان الكلاسيكية والعالم الروماني، وكان هناك نوع من الكهنوت "الرحّال" والغير مستقر المكون من الكهنة المتجولون، المتسولون والدجالون، المشتبه في أنهم لا يمثلون الدرجات العليا أو التيارات الجدية من الدين. لاشك أن القصص والحكايات والأساطير، والميثولوجيا عموما سواء كانت يونانيه، بابلية، مصرية أو يهودية ستبقى هي الخطوة الأولى والقفزة الكبرى من قِبل الإنسان لإدراك العالم والإنسان كوحدة أنطولوجية متماسكة، حيث الوعي البشري يعيش في تداخل وفي وحدة حلولية مع الطبيعة، حيث يخضع هذا الوعي المتحفز العالم والكينونة لروحيته ولخياله المبدع - ببساطة وبراءة ودون قلق أو عذاب وجودي، ودون الإهتمام أو التساؤل حول مدي التوافق بين تصورات هذا الخيال وبين الأشياء الحقيقية. وهذه الخطوة التي خطاها الإنسان ليبتعد عن أصوله الغريزية والبيولوجية، ومهما كانت هذه القصص والخرافات طفولية وساذجة، فإنها تشكل إبداعا فنيا وجماليا رفيعا، حُرم منه الوعي الإدراكي - اللوغوس - الأكثر عقلانية في تطوره اللاحق، والذي ظل عاجزا عن أن يلغي هذا النشاط والإنتاج الحر للمخيلة أو أن يكون بديلا عنه. ولكي تنقشع الرؤية في هذه الدوامة الفكرية، يمكن القول بأنه في البداية كان التساؤل الناتج عن القلق والحيرة والخوف والضياع وسط محيط طبيعي مجهول، ثم كانت الأسطورة كإجابة مباشرة وقتية لحفظ التوازن ومواصلة الحياة، وتطورت الأسطورة إلى أسطورة عملية أي إلى ديانة لها طقوسها وصلواتها ومعابدها، ثم تحولت هذه الديانات إلى فلسفة تستخدم العقل على حساب الشعر والخيال والفلسفة أنتجت بدورها العلوم النظرية ثم التطبيقية التي أنتجت التنكنولوجيا التي نعيش في عصرها الحالي. ومع كل هذا التطور والتغير الذي أستغرق عدة آلاف من السنين، يعود الإنسان اليوم لنفس النقطة التي بدأ منها: التساؤل والقلق والضياع في عالم بلا بداية ولا نهاية وبدون سبب أو غاية.
يتبع
#سعود_سالم (هاشتاغ)
Saoud_Salem#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
دكتاتورية القانون
-
خصائص الآلهة
-
الديانة اليونانية
-
الموت والعدم
-
الفن وضرورة العدم
-
العقل العرضي
-
العقل العدمي
-
الثورة المستحيلة
-
عقل الزواحف
-
العقل بين الأرض والسماء
-
الإله البارد
-
الوجود بين الواقع والخيال
-
الإله اللامنتمي
-
تعايش العلم والخرافة
-
المثلية وحقوق الإنسان
-
مفارقة العقل والإيمان
-
النمل وكلام الله
-
الكلمات والكائنات
-
القرآن .. بين القراءة والفهم
-
-الحجر- بين العلم والفلسفة
المزيد.....
-
الحزب الحاكم في كوريا الجنوبية: إعلان الأحكام العرفية وحالة
...
-
عقوبات أميركية على 35 كيانا لمساعدة إيران في نقل -النفط غير
...
-
كيف أدت الحروب في المنطقة العربية إلى زيادة أعداد ذوي الإعاق
...
-
لماذا تمثل سيطرة المعارضة على حلب -نكسة كبيرة- للأسد وإيران؟
...
-
مام شليمون رابما (قائد المئة)
-
مؤتمــر، وحفـل، عراقيان، في العاصمة التشيكية
-
مصادر ميدانية: استقرار الوضع في دير الزور بعد اشتباكات عنيفة
...
-
إعلام: الولايات المتحدة وألمانيا تخشيان دعوة أوكرانيا إلى -ا
...
-
نتنياهو: نحن في وقف لاطلاق النار وليس وقف للحرب في لبنان ونن
...
-
وزير لبناني يحدد هدف إسرائيل من خروقاتها لاتفاق وقف النار وي
...
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|