|
وسيظلّ بوذا يحتفل بالكريسماس ولو كَرِهْتم
ليندا كبرييل
الحوار المتمدن-العدد: 7472 - 2022 / 12 / 24 - 14:35
المحور:
حقوق الانسان
بدءاً من أول ديسمبر/ كانون الأول وحتى السادس والعشرين منه، ستحْسِب نفسك تتجوّل في شوارع بلد مسيحي، وأنت في بلد ترسَّختْ المبادئ البوذية الشنتوية في رقائق طبائع أهله، والمقومات الثقافية الكونفوشية تكمن في اعماق تكوينهم النفسي، وكونغ فو تسو ( كونفوشيوس ) يبارك عقل أتباعه ! استعداداً لمناسبة عيد الميلاد المجيد ( كريسماس )، يبدِع اليابانيون في تزيين بيوتهم وشرفاتها، وشوارعهم وأشجارها، ومحلاتهم وواجهاتها، وستتحوّل الشبية خلال هذه الفترة الحمراء، إلى ( باباوات وماماوات نويل NOEL وليس " نوال " كما يلفظها إخواننا العرب) وهي توزّع الهدايا الرمزية في الحدائق المُزدانة بِحُلّة ضوئية فاخرة، أو وهي تَصْدَح بأجمل أناشيد عيد الميلاد أمام المخازن الكبيرة.
اليوم موعد الاحتفال بال( كريسماس ) سيُحْييه مركز تأهيل المعاقين، وسيكون لنا مُشاركة فيه أنا وصديقتي اليابانية العزيزة " مينامي " بحكم عملنا في التطوّع.
توجَّهْنا إلى موقف السيارات، ونحن بكامل الأناقة والزينة . فتحتْ مينامي باب الشاحنة المتواضعة، وقالت: تفضلي. حدّجْتُها باستياء: ــ هل ستركب هاتان الحسناوان شاحنة في نَفَسِها الأخير وفي يوم عيد؟! قالت : ــ سيارة "مستر بين " معطوبة، ولست مستعدة أن أدفع مبلغاً كبيراً ثمن بطاقة القطار .. "جيمس بوند" لا بأس بها ما دامت تؤدي غرضاً. ثم أوْمَأتْ بيدها وقد أحْنَت رأسها في حركة سينمائية وقالت: ــ هيا سيدتي .. تفضلي، لا وقت لدينا لِنُضَيِّعه في المظاهر، أخْفِي وجهك بهذا الغطاء إن كنت تخجلين.
مينامي تَتَباهَى بشاحنة زوجها النجار، وقد أصبحت تستخدمها بعد وفاته، لِمساعدة " الشياطين الحمر ، والتنين المُرعب " ، فريقَيْ الفتيان والأشبال لكرة القدم التابع لمنطقتنا، ونقلهم إلى الملعب تطوُّعاً. تتغزّل بها فتقول: ــ شاحنة قديمة، فقدتْ رونقها، إنما .. جبارة صُنِعتْ بأيادٍ يابانية مخلصة جداً . لا تَشيخ، تخترق الطريق الوَعْر باندفاع الشباب . سمّيتُها " جيمس بوند " لقوّتها ومتانتها. ثم تبدأ في محاضرة عن ميكانيك السيارات.. وأنا أهزّ رأسي دون أن أفهم شيئاً.
كانت "جيمس بوند" المدلّلة تخترق الشوارع الأنيقة في طريقنا إلى المسرح . وكلما رأت مينامي مجموعة من الشبيبة تؤدي أناشيد عيد الميلاد، صفّرتْ بفمها لتلفت الانتباه و لوَّحتْ بيدها هاتفةً: ميري كريسماس، فتُرَدّ التحية بحرارة.
وإني لأتأمّل هذه المشاهد السارّة، إذ خطرتْ على بالي ذكرى العام الماضي في مثل هذا الوقت بالضبط . فوجدتُ نفسي أسْحب خيوط الذكرى حتى تجمَّعتْ واضحة أمام عيني.
يا لتلك الذكرى ! كنتُ آنذاك آخِذةً نفسي على مَحْمَل الجَدِّ جداً، حامِلةً السُلَّم بالعرض كأني أبو الدين وأمه، وكأن الله فَوَّضَني لأُفَصِّل قناعات البشر لتتناسب مع مِقياسي الديني ! وإذا ~؟ وإذا بالحقيقة تأتي فجأة صادمة لرغباتي لِأُدرِك أن لا أحد ينتظرني، فالعالم يمضي إلى الأمام بحضوري أو من دوني !
في ذلك اليوم( ينذكر ولا ينعاد)، كنتُ أتأمَّل زينة عيد الميلاد من الواجهة الزجاجية لصالون الحي، عندما دعتْني صاحبته الفنانة ( يامازاكي سانْ *) بلطفٍ إلى الدخول. وجدتُها تُشْرِف بحماس شديد على تعليم الأولاد، كيفيَّة صُنْع الزينة اليدوية لشجرة الكريسماس. بعد انتهاء الحصّة سألتُها باهتمام: ــ جميل ما تفعلون، ولكن هل تزورون الكنائس في عيد الميلاد؟ حدَّقتْ في وجهي مُستغرِبة وأجابت ببرود: ــ لماذا؟ ــ لماذا ! لأنه عيد ميلاد السيد المسيح. ــ معظمنا لا يعرف سبب المناسبة . لسنا مسيحيين على كل حال. غضبتُ في داخلي، بماذا يحتفل هؤلاء إذاً ؟ قلت لها: ــ اسْمحي لي أن ألفت نظرك، إلى أنكم تفسِّرون المناسبة تفسيراً لا صلة له بالسبب. ــ ألا توضّحين لِأفهم قصدكِ؟ أجبتُها ببعض الانفعال: ــ تصبح الاحتفالات تقليداً ساذجاً إذا جُرِّدَتْ من قيمتها الدينية والروحية. أجابت يامازاكي بهدوء وأدب: ــ عفواً، نحن لا نعتني بالبُعْد الديني، نحن نركّز على البُعْد الإنساني فحَسْب. ــ من المُضحك استقبالكم الحافِل لمناسبة لا تعلمون سببها. رمتْني بنظرة شك وردَّتْ بلهجة تهكُّم: ــ ستضحكين أكثر إذا علمتِ أن مهرجاناتنا الصيفية التي تنال إعجابكم أنتم الأجانب، لها أصل ديني، ولن تعثري على واحد منا يفيدكِ بأسبابها. نحن .. قاطعتُها: ــ هذا شأنكم الخاص، لكن عيد الميلاد مناسبة دينية مسيحية عالمية، واحتفالكم به يجب أن لا يكون دون اقتِرانه بمعناه الجليل، وإلا .. كان احتفالاً أقرب إلى اللهو، بل هو اللهو بعينه . والحقيقة أن العقل التجاري يحتفل بسقوط اللاهِين في فخِّه! أجابت السيدة يامازاكي بابتسامة ساخرة: ــ حقاً ؟ هاتي أسْمِعينا إذاً طريقتكِ المُثْلَى في الاحتفال، لعلكم أنتم أيضاً مخدوعون مثلنا! قلتُ مُستاءةً: ــ أبداً .. هذه مناسبة تمتُّ بصلة وثيقة إلى ديني . فلو عاد يسوع إلى الأرض وشاهَدَ احتفالاتكم، لَتملَّكه العجب وقال : ولِدتُ فقيراً في مغارة نائية، بأسْمال بالية، وعشْتُ عيشة الكفاف .. ما لهؤلاء يحتفلون بذكرى ميلادي وهم يرقصون ويرفلون في أبهى الثياب ويشربون ألَذّ الشراب ويأكلون أفخر الطعام .. هذا العالم ليس مني وأنا لست منه!
كانت السيدة تتأمّلني بدهشة وكأنها لا تصدِّق ما تسمع، وما إن فتحتْ فمها لتردّ، حتى عاجلتُها: ــ ملايين الأطفال في هذه اللحظة يموتون من الجوع والبرد والعطش، وأنتم في سُعار زِحامكم كأنكم في يوم القيامة، تهرعون لشراء فروج الكنتاكي، أو لاختيار أروع قالب كاتو، أو لاستلام خَمْر ( بوجوليه Beaujolais ) المُوَصَّى عليه من فرنسا قبل شهرين من العيد ! ملايين الأطفال لا يجدون ما يلعبون به وأنتم تتقافزون لشراء أغلى الألعاب الإلكترونية هدايا لأولادكم ! أين روح الذكرى الجليلة ؟ إن منْ يسمعكم تتبادلون التهنئة ( ميري كريسماس ) بحرارة سيتولّاهُ العجب ! ردَّتْ يامازاكي بِحدّة: ــ لا تنْسي، 95 بالمئة من المسيحيين أنفسهم أهْملوا سبب المناسبة، ويحتفلون بيسوع في الكازينو والديسكو والكباريهات ! النزعات النسْكية اضطهاد للإنسانية وسَحْق للرغبات الطبيعية. عطفتُ وجهي باسْتياء، كنتُ في تلك اللحظة مُسْتنفِرة للذَّوْد عن قناعاتي . حدّقتُ في وجهها برُبْع عين وقلت مستنكِرةً: ــ هذا إهدار للقيم الدينية . الاحتفال بهذه الطريقة ليس صحيحاً، فهو ابتذال لمعنى المناسبة الجليل، وتلهية عن مغزاها السامي . هل من حقكم التعامل مع عيد لا يخُصُّكم بهذا الاستخفاف ؟ أنتم وهؤلاء تلعبون وتتلهون . يجب ألا تنجرّوا إلى العقلية التجارية الخبيثة . سمعتُ أن نسبة مبيعات الألعاب ترتفع ثلاثين بالمئة وأكثر في هذا العيد بالذات!
غاظَني أنْ أظهرتْ مُحَدِّثتي دهشةً مصطنعة وهي تهزّ رأسها مبتسمةً بهدوء مُريب، ثم ردّتْ دون أن تُداري سخريتها: ــ فاتكِ يا حضرة الناسِكة أن ترتدي ثياب الراهبة قبل أن تُلقي علينا موعظتك الدينية ! هل جاء في كتابكِ المقدس ما يشير إلى طريقة الاحتفال بالكريسماس أو أنه محصور بالمسيحيين تحديداً ؟ إنه تقليد قديم تَبَنَّتْه الكنيسة وأعْطَتْه معاني ترتبط بذكرى ميلاد المسيح. ثم ارتفع صوت يامازاكي فجأة وقالت بصرامة: ــ نعم .. نحن نلعب ونتلهَّى ونفرح ونسعد، وإيّاكِ أن تَنْجَرّي إلى العقلية التجارية الخبيثة .. اِذهبي وتبرّعي بأموالك لصندوق الكنيسة أو لشراء الشموع، وعلى فكرة حتى شراء الشموع تجارة ! وإذا أردتِ الإيمان، فلكِ الكنيسة لِتَسْعدي فيها مع الكهنة صلاة وتمجيداً للمسيح. قال فنّانة .. هه ! ثم رفعتْ سبابتها أمام صدري وقالت بتهجّم: ــ لا يحقّ لنا .. !؟ وليس صحيحاً .. !؟ منْ أنتِ لِتفرِضي رأيك على اختياراتنا وتُرشِدينا إلى الصواب والخطأ ؟ وكيف أعلم أنك على حقّ وأني على باطل ؟ هل تدركين أن دعوتك هذه تؤدي على مستوى التطبيق إلى احتكار حق القرار ؟ نحن نحتفل بالكريسماس لا كإحْياء ديني فَرَحه أنانيّ كَفرحكِ، بهجته تقتصر على العشيرة التي تنتمين إليها عقائدياً، وإنما نعتبره وقتاً مُبهِجاً للتسوُّق وتبادل الهدايا، نحتفل به كتقليد اجتماعي يساعد على تعزيز أواصر العلاقات الإنسانية، لِتَعُمَّ السعادة والمحبة في قلوب الناس دون قيود الدين التي تفرِّق ولا تجمع، كما تفعلين الآن. فكّرناكِ موسى طلعتِ فرعون!!
ــ احتفال هزيل لا روح فيه رغم كل مظاهره البرّاقة. هزّتْ يامازاكي رأسها كأنها ترثي لي وقالت بجفاء: ــ وسنبثُّه حرارةً من روحنا حتى تدبّ فيه الحياة . احتفالكم ذاته بمعناه الديني غير منطقي لو تعلمين. ــ ماذا ؟؟ ــ عندما يتدخّل العقل والبحث العلمي الرصين في أصل هذه المناسبة، ستجدين الشكوك تحيط بها وبكل المعتقدات الدينية منذ فجر الإنسان وإلى اليوم . اِصْحي من غروركِ .. رجال الدين هم منْ صنعوا لنا ولكم ذاتاً دينية مُنغلِقة من أساطير العقل البدائي، وسَيّجوها بطقوس بليدة.
وجدتُ نفسي مُطالَبة بالدفاع عن ذاتي الدينية الجريحة، فقلت مُتحدِّية: ــ ديننا ليس مُنغَلِقاً، نحن منفتحون على كل الاختلافات. ــ هاهاها~ تثيرين ضحكي .. بل أشفق عليك يا مسكينة . كل المتديّنين يُردِّدون نفس قولك، فإذا حقّ الأمر لاذَ كل منكم بأهله وعشيرته . اَسْعِفينا بما ينفع البشر .. كل البشر دون اعتبار لأجناسهم وألوانهم وطبقاتهم وبدون شرط وبدون ترهيب أو تهديد بالعقاب . أتُجْبرينا على الانقياد إلى أدبياتك الإيمانية، وأقاصيص مُفبْرَكة يضحك منها طفل في الابتدائية !؟
ناديتُ كِبْريائي .. لبّتْني، وما إن رأتْني في عَجْزي فارقَتْني .. فشعرتُ بإحساس منْ يريد دفْعَ التهمة عن نفسه برجاء انتهاء الحوار بسلام ويا دار ما دخلك شر. قلت محاولةً التلطُّف: ــ المعذرة أنا لا أجبركِ، وإنما أرشِدك إلى تقويم سلوك خاطئ، وقد غاب الصواب عنكم وغلبتْ الأهواء .. فقط لا غير. رفعت يامازاكي سانْ رأسها في غطرسة وعلا صوتها: ــ منْ أعطاكِ حقَّ تقويمي ؟ هل أسْندوا إليك وزارة التربية ؟ لكِ أن تُطلِعينا على منهجكم في الحياة، لا أكثر .. ولي أن أتمعّن وأختار بحرّيتي ما يقنعني. يا داخِل بين البصلة وقشْرتها ...
هزّت يامازاكي رأسها في حيرة، ثم رشقتْني بنظرة حادّة وتابعتْ: ــ كيف للمليارات من البشر أن تعيش في وئام وسلام، إذا اعتقدَ كل فرد أنه على صواب والآخر على خطأ ؟ هذا أسلوب أهْوائيّ للنقد، ألا يُشعِرك بالقلق ؟ إنه يحمل هَيأة التصويب السليم بنيّة طيبة لا أشكّ فيها، لكنه في الحقيقة يَسْتَبْطِن التسلّط، يمكن أن توصِلنا نتائجه إلى قتْلِ الإنسانية في مهدها! تباً لها.. إنها تتقصَّد وضْع العقدة في المنشار. ــ عفواً رأيي نابع من تراثي الديني المعروف. ــ أنتِ واهِمة . صرخت يامازاكي وظلت سبّابتها مرفوعة وهي تُحَدِّق بي . ثم كررتْ: ــ أنت واهمة . لعلمكِ فقط، أنا قارئة جيدة للثقافات القديمة بحكْم عملي، وألفتُ نظرك إلى أن سيرة ميلاد يسوع وحياته تتكرر بذاتها في ثقافات أقْدَم من المسيحية . ستجدين قصصاً خرافية عند شعوب الأرض قاطِبة، تَخَيَّلَها وابتكَرَها الإنسان القديم، لأن ذهنه كان عاجزاً عن تفسير الكون وفَهْم ظواهر الطبيعة، وآمنَ بها لتحصّنه نفسياً من الخوف والقلق.
هزَّتْها نوبة سعال من شدة الانفعال، توقفتْ لحظات ثم تابعتْ: ــ لم يَرِدْ في الإنجيل أيُّ ذِكْرٍ لتاريخ ولادة يسوع . وأزيدك علماً : 25 ديسمبر كان عيداً وثنياً لتكريم الشمس ثم تبّنتْه الكنيسة في وقت متأخر . أفلا تعتبرين اختلاف الكنائس الغربية والشرقية في يوم ميلاد يسوع صراعَ البابوات على النفوذ ؟ هل يلد يسوع مرتين؟ ثم ضحكت يامازاكي وأردفتْ: ــ ويصلب ويقوم من القبر مرتين ؟! فكّري مرتين قبل أن تتّهمينا. وداعاً يا كبريائي المُطوَّحة!
وفكّرتُ، ثم سألتُها: ــ ما دمتِ ترين في هذه القصص سذاجة، فَلِمَ تأخذكِ الحَمِيَّة للاحتفال بالكريسماس؟ أجابت وقد هدأت ثورتها: ــ حتى لو كان الحدث نابعاً من أساطير خرافية، فلا بأس أن نحتفي بهذا الإرث الثقافي بعد عزْل العناصر الخارقة عنه، وتحْميله معايير إنسانية . نحن وإن كنا لا نؤمن بالمسيح، لكننا نستطيع أن نسْتخلِص من الصورة المثالية للحدث، عوامل فنّية تشدّ البشر للتقارُب إنسانياً وتضفي بهجة على خشونة الحياة. ورقّقتْ يامازاكي صوتها كمنْ يعتذر: ــ الاحتفال بكل المناسبات الدينية على وجه الأرض تجاري بحت، حتى الموت أصبح تجارة رابحة . وراء كل حركة مُبْتدَعة للإنسان، عقل تجاري نفعي عظيم . لاحِظي أن زيادة نسبة المبيعات التي أزعجتكِ تعني حركة اقتصادية نشيطة، وصناعات تعتمد اعتماداً كلياً على مثل هذه المناسبة تزيد من فرص العمل، مثل طباعة البطاقات والروزنامات وبيع الأشجار وزينتها والهدايا، وحتى دور الملاهي والسينما تخصصُ ميزانيات عالية للإقبال الكبير خلال موسم الأعياد . نحن في عالم يقوم على الصراع الاجتماعي والاقتصادي، لا على المثاليات والقيم.
اسْتنام غضبي، كان من الأجْدى أن أتذكَّر بَهْرَجة الاحتفالات في بلدي، في المطاعم والفنادق الكبيرة، والسهر حتى الفجر دبْكاً ورقصاً وغناءً ! شعرتُ بحاجة شديدة للانسحاب، لكن السيدة يامازاكي شدَّتْني من شرودي وهي تقول: ــ لعلك سمعتِ بالاحتجاجات السخيفة من بعض أبناء بلادكم، على تعبير لِمذيع، لم يجد ما يشبِّه التجمعات البشرية الكبيرة في منطقة ( هاراجوكو* Harajuku ) في العاصمة توكيو إلا بالقول : إنها أشبه ب ( مكّة ) . فغضب المسلمون وانتترَ المتعصِّبون وتداعوا إلى مظاهرة تثير الضحك احتجاجاً على هذا التشبيه !! إذ كيف يشبِّه المذيع هاراجوكو الماجِنة الخليعة بمكان مقدّس عالمياً ؟! وانفضّ الأمر فوراً بسلام عندما اعتذر المذيع . ما مشكلتكم مع حالة الهلع التي تصيبكم كلما اقترب أحد من مقدَّساتكم؟ وبلهجة الإصرار والتصميم، طرقتْ يامازاكي الطاولة برأس سبابتها وقالت: ــ ستظلّ أحياء هاراجوكو و شيبويا و شينجوكو متألِّقة بزينة الكريسماس البديعة .. وستظلّ غاصَّةً ببَشَرها السعيد ! ما أضعف قلوبكم وما أشدّ سطحيَّة إيمانكم ! مواقفكم المتطرِّفة تُكرِّس العزلة حقاً.
الحقيقة أني لم أسمع بخبر هاراجوكو وتشبيه التجمُّعات فيها ب (مكة)، لكني غضبتُ في داخلي مع السيدة يامازاكي ؛ نعم .. ما به هذا التشبيه ؟ هل سيُشانُ الإسلام من تشبيه بسيط عفوِيّ كهذا ؟ الحق معها. !! رَدَعَني داخلي ! مهلاً مهلاً.. لا تأخذْكِ الحَمِيّة .. اِهْدئي وأجيبي بلا انفعال : ما الفرق بين الغضب لِمكة، وبين احتجاجك على احتفالات اليابانيين بالكريسماس وليس بِإحياء ذكرى ميلاد معلِّمك ومرشدكِ ؟
تنبَّهْتُ من سَهْوتي وصديقتي مينامي تقول: ــ وصلنا . سيغصّ المسرح اليوم بالحضور.
هذا الحدث جرى في أواخر التسعينات من القرن الماضي. اليوم، أُضيف إلى الفتنة والبريق الخلّاب في الكريسماس، الهالوين والفالنتاين، ولم تعد احتفالات أهل الشنتو والبوذية متواضعة، هؤلاء القوم لا يعرفون التواضع فيما يضفي جمالاً وحبوراً على الحياة، يقْبِضون على كل حدث بهيجٍ ويتعشَّقونه، وينفخون فيه من حرارة قلوبهم لِيذوب سعادة وسروراً في عروقهم.
نعم لا أحد ينتظرنا، لا أحد ينتظر أحداً .. فالعالم يمضي إلى الأمام بحضورنا أو من دوننا .. والذي لا يعجبه له أن يبلِّط البحر !!
غداً سيحتفل العالم بالكريسماس، فكل عام والبشرية بخير. بدأ الناس يودِّعون ( عام النمر 2022) استعداداً لاستقبال السنة الجديدة 2023 التي توافِق (عام الأرنب) وفقاً للأبراج اليابانية التي تعتمد على التقويم الصيني، أتمنّاها سنة حياة وسلام ؛ بلا عنصرية، بلا كراهية، بلا ذبح، بلا حرق، بلا غرق، بلا اعتداء، بلا ترهيب، بلا تهديد، بلا خوف. هاتوا عهداً واحداً تحققتْ فيه هذه الأمنيات التي نكررها ببغائياً كل عام جديد ! ومع ذلك أتمنى ~
الفنانة صباح: بكرا بتشرق شمس العيد https://www.youtube.com/watch?v=_eREYSHXYzk
Joy to the World (2017) - Gabriel Trumpet Ensemble & The Tabernacle Choir https://www.youtube.com/watch?v=7r3VVMUhAxU
يامازاكي سانْ:( سانْ ) تعني السيد أو السيدة.
هاراجوكو Harajuku. شيبويا Shibuya. شينجوكوShinjuku .
أحياء مشهورة في العاصمة توكيو.
#ليندا_كبرييل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
- لما بدا يتثنّى - لروح الأستاذ محمد البدري
-
أنزِلوا الجبال أرضاً لِنَرى وجه الشمس!
-
والشمس المُغَيَّبة في الطين حياتنا طين في طين!
-
هل تكتب العلمانية شهادة وفاتِها بنفسها؟ 7
-
ثمة فارِق هائل: بين عَمَل الجَرّاح وعمل الجَزّار!!
-
قِفْ! حجاب .. منطقة حريم عسكرية! 4
-
لا مِنَّة لكم علينا، بضاعتنا رُدَّتْ إلينا!
-
حوار في الأديان في حمّام مقطوعة مَيْتو 3
-
أنُدافِع عن مُهَيِّجيْ الفِتَن باسم حقوق الإنسان؟ 2
-
حقوق الإنسان لا حُلول عباد الرحمن!
-
لحظة أسطورية في حياتي: تسونامي اليابان 2011
-
الأديان من برّا هلّا هلّا ومن جوّا يعلم الله !!
-
لا حياة لمَنْ تنادي، وأنت تنفخ في رماد
-
اتّحادٌ فوَحْدة فمُتوحِّد في واحِد وَحيد
-
جاوزَ الكفّارُ الأمْرَ، فحقَّ علينا الأمَرّان الأحْمران !
-
الحوثيّون يستنفرون لِسلْخ البهائيين والمسيحيين
-
اعترفوا يرحمكم الله أن أخلاقنا بلا أخلاق! 3
-
هل اليابان حقاً يابانُ بِفضْل أخلاقها ؟ 2
-
هل اليابان حقاً يابانُ بِفضْل أخلاقها ؟
-
كأني موسى الناجي من ظلم فرعون !
المزيد.....
-
الخارجية الفلسطينية: تسييس المساعدات الإنسانية يعمق المجاعة
...
-
الأمم المتحدة تندد باستخدام أوكرانيا الألغام المضادة للأفراد
...
-
الأمم المتحدة توثق -تقارير مروعة- عن الانتهاكات بولاية الجزي
...
-
الأونروا: 80 بالمئة من غزة مناطق عالية الخطورة
-
هيومن رايتس ووتش تتهم ولي العهد السعودي باستخدام صندوق الاست
...
-
صربيا: اعتقال 11 شخصاً بعد انهيار سقف محطة للقطار خلف 15 قتي
...
-
الأونروا: النظام المدني في غزة دُمر.. ولا ملاذ آمن للسكان
-
-الأونروا- تنشر خارطة مفصلة للكارثة الإنسانية في قطاع غزة
-
ماذا قال منسق الأمم المتحدة للسلام في الشرق الأوسط قبل مغادر
...
-
الأمم المتحدة: 7 مخابز فقط من أصل 19 بقطاع غزة يمكنها إنتاج
...
المزيد.....
-
مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي
/ عبد الحسين شعبان
-
حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة
/ زهير الخويلدي
-
المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا
...
/ يسار محمد سلمان حسن
-
الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
نطاق الشامل لحقوق الانسان
/ أشرف المجدول
-
تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية
/ نزيهة التركى
-
الكمائن الرمادية
/ مركز اريج لحقوق الانسان
-
على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
المزيد.....
|