|
(الله) الشرق الأوسط -4-
نبيل قرياقوس
الحوار المتمدن-العدد: 7471 - 2022 / 12 / 23 - 00:18
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
لغاية يومنا هذا، ما تزال بعض المجتمعات الشرقية، لاسيما مجتمعات الشرق الأوسط التي تسود فيها ديانة واحدة، تربط مسألة وجود (الله) بموقف بعض الأفراد فيها من مسألة (الدين). في عموم مجتمعات الشرق الأوسط يتم إجتماعياً إتهام الفرد فيها بكونه كافراً لا يؤمن بوجود الله حالما يُعلن ذلك الفرد بأنه يرى أنّ (الدين) هو إبتكار بشري حصِل نتيجة حاجة مجتمعات بدائية قبل آلاف السنين الى نظام إداري يُنظّم العلاقات الإقتصادية والإجتماعية فيها بعد ظهور العملة المالية لأول مرة في التاريخ البشر، ويستند الإتهام المجتمعي لذلك الفرد وفقاً لإعتبار أنّ (الدين) هو مجموعة أحكام إلهية لا تَقبل المناقشة والتشكيك مُطْلقاً حتى لو كانت مجموعة الأحكام الدينية تلك لمْ تعُد تتناسب مع أسس الفهم الحديث لـ (العدل) و (حقوق الإنسان)، وهكذا فأن عموم أفراد معظم مجتعمات الشرق الأوسط ترى في عدم قناعة أيّ فرد فيها بالإحكام والقصص الخيالية الواردة في الكتب الدينية ما يدل على أنّ ذلك الفرد هو إنسان لا يعتقد بوجود الله، وأنه إنسان شاذ وقد يقوم بكل الأعمال والأخلاق السيئة مِن قتلٍ وسرقةٍ وكذبٍ وإعتداءٍ على الآخرين طالما هو لا يخاف من عقاب (الله) الذي لا يؤمن بوجوده! عموم مجتمعات الشرق الأوسط ما تزال لا تتفهم إن العقل البشري ومنذ عشرات العقود إبتكر في مجتمعات شرقية عديدة وفي معظم المجتمعات الغربية أنظمة جديدة متتالية في تسمياتها وتنوّعها وتطوّرها لغرض إدارة الشؤون الإقتصادية والإجتماعية والسياسية وفقاً لقوانين لا صلة لها مطلقاً بمعتقد الإنسان حول الدين أو حول الله، حيث يَخضع جميع أفراد هذه المجتمعات الى مجموعة قوانين غير جامدة يتم تطويرها بإستمرار لكي تكون متناسبة مع المتغيرات الإقتصادية والإجتماعية ومع الفهم المتطوّر للحرية والمساواة وحقوق الإنسان. يرى أغلب المُثقفين في العالم أنّ سبب أستمرار ربط موضوع (الدين) بمسألة وجود (الله) في أغلب مجتمعات الشرق الأوسط لغاية يومنا هذا يرجع الى بعض أو كل العوامل الآتية: أولاً: الرغبة الدائمة واللامحدودة لأغلب رجال الدين لزيادة نفوذهم وأموالهم القادمة من إدارة وتشغيل أماكن ومؤسسات العبادة، حيث غالباً ما يقوم الأغنياء الشرقيون بتسديد الأموال لدى تلك الموؤسسات الدينية بدافع من المصلحة الذاتية المشروعة لعقولهم البشرية بهدف الحصول على المزيد من الغِنى والصحة والتوفيق بعد تسديد المبالغ المالية التي تُقررها الأحكام الدينية الإلهية (حسب إعتقادهم)، وكذا يقوم الفقراء أيضاً بِتسديد الأموال والتبرعات في تلك الأماكن الدينية لكي يلتمسون من الله الرحمة بهم وتحسين أمورهم المالية والصحية والإجتماعية، في حين يدّعي رجال الدين قيامهم بتوزيع تلك الأموال المُتجمِعة لديهم على الفقراء والمحتاجين وعلى أدامة دُور وأماكن وموؤسسات العبادة. يسعى أغلب رجال الدين في مجتمعات الشرق الأوسط الى إستغلال الحالة الطبيعية العامة السائدة عند كل إنسان في تمنّي وجود (الله) وليقوموا بتحشيد عموم الناس ضد كل مَنْ لا يعتقد بصحة (الدين)، عن طريق الترويج الدائم لثقافة مجتمعية تُفيد بأنّ الذي لا يعتقد بصحة (الدين) هو إنسان لا يؤمن ولا يعتقد بوجود (الله)، وأنه إنسان شاذ ويمكن تَوقُع كل أخلاق السوء منه نظراً لأنه لا يخاف من حساب وعقاب الله! ثانياً: الثقافة والأصول الدينية التي يتم توارثها من جيل الى آخر إجتماعياً تُساهم في تهيئة البيئة المناسبة والمجال الواسع للأمكانيات والقدرات الماديّة المؤثرة لأغلب رجال الدين ومؤسساتهم الدينية لمعاداة وتحجيم أيّ إدراكٍ أو نشاطٍ مجتمعي مُضاد يُنادي بأنظمة وقوانين وأحكام جديدة وغير دينية متماشية مع ما حققه العقل البشري فعلياً من تطوّر في مجال إدارة شؤون الحياة في مجتمعات أخرى شرقية وغربية، وهكذا يستمر حال التخلف في أغلب مجتمعات الشرق الأوسط، كما يستمر حرمان الأنسان الشرقي من حقوقه في حرية الفكر والتعبير وحريته في نمط حياته الجنسية الخاصة. ثالثا: في حال قيام أي مجتمع بأدارة نفسه بأنظمة قانونية حديثة متطوّرة تُؤمِّن العدل والمساواة وتُوفر العمل والمعيشة الكريمة والسكن والرعاية الصحية للجميع في ظلّ حرية المُعتقد وحرية التفكير والتعبير فأن ذلك يؤدي طبيعياً الى قلة حاجة الأغلبية من الناس الى الذهاب الى دُور ومؤسسات العبادة لطلب الرحمة والمساعدة من رجال الدين وموؤسساتهم، وهذا يؤدي بالنتيجة الى إنحسار نفوذ أغلب رجال الدين وإنحسار مواردهم، وهذا ما لا يُريدونه ولا يتمنونه رغم أنهم كرجال دين يتظاهرون بالعكس تماماً حيث أنهم دائماً ما يُعلنون رغبتهم وعملهم لكي يحصل كل إنسان على ظروف الحياة الكريمة، وهكذا يكون إستمرار حالة التخلف ومصادرة حقوق الإنسان في أيّ مجتمع هو الهدف الحقيقي الغير مُعلن لأغلب مُمتهني مهنة (رجل دين) أينما كانوا، مُنوّهين الى : دوام وجود نسبة محدودة جداً من بسطاء المجتمعات مِمّن قد يُؤمِنون فعلاً بكل تفاصيل (الدين) لكنهم خارج إتّجاه دائرة رجال الدين في تمنّي إستمرار حالة التخلف والعوز ومصادرة حقوق الإنسان في مجتمعاتهم، ومثل هؤلاء القلة من الأفراد تراهم لا يتقبلون أيّ مَنافع أو مبالغ مقابل إيمانهم وإعتقادهم الديني، كما أنّ مثل هؤلاء القلة من الأفراد لا يُؤثرون سلباً أو أيجاباً في مجتمعاتهم في المجال الديني، بل يمكن إعتبارهم أحياناً مِن ضحايا أصحاب المهن الدينية. يتبع .. أعلاه هو الجزء الاول من المقال الثاني من كتاب ( أحترم جداً هذا الدين )!
#نبيل_قرياقوس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الله -3-
-
الله -2-
-
الله -1-
-
أحترمُ جداً هذا الدين!
-
رسالتي الى منظمة الصحة العالمية - مقترح تغيير تسميات
-
أيها المقاتلون الروس والأوكران !
-
الله يُحبْ الاعدامات !
-
أختراق فيسبوك مسوؤل حكومي عراقي !
-
وِسادة قاضي بغداد !
-
بَعْدَ كورونا .. لا سُجون للبَشَر !
-
أعْمِدة مَشانِقْ !!
-
لا ل ( رحيم العكيلي ) رئيساً للوزراء !
-
أغتيال القاضي رحيم العكيلي وسط بغداد !!
-
الولايات المتحدة الاسلامية الامريكية ( استبيان آراء
...
-
انتحار قاضيان مصريان والهند افضل دولة في العالم !
-
حملة تضامن مع المفكرة المصرية فاطمة ناعوت ودعوة الحكومة المص
...
-
أسلمة أطفال العراق بالاكراه ... ثقافة بدوية متوارثة
-
صحفي وشاعر مصري : نحن موحدون مذ خلقنا وغزوات بدو الصحراء دمر
...
-
الشرقيون يذبحون أنفسهم !
-
ضد اعدام محمد وفاطمة
المزيد.....
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
-
الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
-
إيهود باراك يفصح عما سيحدث لنتنياهو فور توقف الحرب على غزة
-
“ألف مبروك للحجاج”.. نتائج أسماء الفائزين بقرعة الحج 2025 في
...
-
“ماما جابت بيبي” تردد قناة طيور الجنة الجديد 2024 بجودة عالي
...
-
طقوس بسيطة لأسقف بسيط.. البابا فرانسيس يراجع تفاصيل جنازته ع
...
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|