أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سعود سالم - دكتاتورية القانون














المزيد.....

دكتاتورية القانون


سعود سالم
كاتب وفنان تشكيلي

(Saoud Salem)


الحوار المتمدن-العدد: 7470 - 2022 / 12 / 22 - 14:01
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


إن ما يميز الديموقراطيات المعاصرة، أو ما يسمى بالديموقراطيات البرلمانية، سواء في أوروبا أو في أمريكا او في اليابان، هو ظاهرة طغيان القانون والتشريع على كل جوانب الحياة الإجتماعية بما فيها الإقتصاد والسياسة والثقافة .. إلخ. فهناك العشرات من القوانين والمحاكم المختلفة التي تنظم كل تفاصيل الحياة من لحظة الميلاد إلى لحظة الموت، وهذا لا يتعلق فقط بإلإنسان وإنما يشمل الحيوان والنبات والجماد. فهناك قوانين الأحوال الشخصية وقوانين الجنايات وقوانين العقارات وقوانين الإدارات وقوانين المرور والقوانين البحرية والجوية وقوانين تخص الصحة والأكل والأدوية والقوانين المتعلقة بالصناعة والزراعة والتجارة والبيئة والحيوانات البرية والأليفة وقوانين الصيد البري والبحري .. إلخ. كل تفاصيل الحياة والعلاقات المعقدة بين الإنسان والإنسان وبين الإنسان ومحيطه مقننة لحظة بلحظة. كل شيء وكل موقف له قانونه الخاص أو مرسوم قانوني ينظمه. ورغم عدم وجود إحصائية شاملة لعدد القوانين في فرنسا على سبيل المثال، فإنه يوجد اليوم أكثر من 10500 قانون وأكثر من 127000 مرسوم، هذا بالإضافة للقوانين الملغية أو المعدلة. وعندما تتدخل أوروبا، تدخل الترسانة القانونية في حالة من التضخم التشريعي تتجاوز كل الحدود: إلى هذه القوانين البالغ عددها 10500 قانون ، يجب أن نضيف 7400 معاهدة و 17000 نص يخص المجموعة الأوروبية.. بطبيعة الحال هذه المؤسسة الضخمة المسماة بالهيئة التشريعية أو القضائية أو القانونية هدفها المعلن هو العدالة بين الناس وحماية البيئة من المواطن وحماية المواطن من جاره المواطن. النتيجة أن هذا المواطن لا يستطيع أن يجتاز أو يقطع الطريق خارج الخطوط البيضاء التي خطها المشرع ولا يستطيع أن يقطع الطريق إلا في الضوء الأخضر ولا يستطيع أن يقود سيارته بدون حزام الأمان، وإذا أراد ذات يوم أن يذهب للنهر المجاور للصيد فعليه أن يتأكد أولا من صلاحية رخصته ومن التاريخ المصرح له بالصيد في هذه المنطقة وكذلك بالمواصفات المتعلقة بالسمك الذي لديه الحق في اصطياده وبالأدوات التي لديه الحق في إستعمالها لهذا الغرض. المثال ربما يبدو غريبا في منطقتنا الجافة الخالية من الأنهار ومن أسماك الأنهار وكذلك خالية من القوانين الوضعية كما هو الحال في الديموقراطيات الرأسمالية، ولكن هذا المثال له أهميته في الموضوع الذي نعالجه والمتعلق بطريقة ما بالسمك والأسماك. المغالاة في التقنين جعلت الحياة بكاملها موضوعا شرعيا وجعلت المواطن الغربي عموما يفقد إتصاله بالواقع وينسى كيفية الحياة البسيطة المبنية على العقل والمنطق الإجتماعي الذي واكب الحياة والتطور التدريجي للشعوب منذ العصور الساحقة القديمة. إن هذا المواطن تسحقه اليوم هذه القوانين المتعددة والتي لا يستطيع الهروب منها بأية وسيلة. فهو مطارد ومسجل ومحاصر ومراقب ومحاسب في كل ثانية يعيشها في هذا المجتمع، وفي كل تصرفاته وعلاقاته وتحركاته في الحياة اليومية، وفي كل لحظة ليس عليه أن يتسائل إذا كان هذا الأمر الذي يقوله أو يفعله أو شاهدا عليه يتوافق مع الموقف أو المنطق أو الأخلاق أو مع الشخص وخلفيته النفسية أو الإجتماعية، وإنما هل هذا الأمر مصرح به أم هو ممنوع وفي أية ظروف ؟ المواطن الأوروبي لا يلقي علبة سجائره او زجاجة البيرة في الشارع، ليس لأنه مؤدب وحسن التربية ويراعي المصلحة العامة، وإنما لأنه ممنوع قانونيا أن يرمي الإنسان الأوساخ في الشارع، وقد يتعرض للمخالفة ودفع الغرامة المالية وربما قضاء عدة أيام في السجن. القانون هو الذي يفرض عليك ألا تدخن في الأماكن العامة ولا تصرخ ولا تبصق في الشارع أو على الرصيف ولا تبول على الحائط، ويفرض عليك ألا تسير عاريا في الأماكن العامة وفي نفس الوقت ألا تغطي وجهك. بطبيعة الحال هذه القوانين تجعل الحياة أكثر سهولة، والعلاقات بين المواطنين أكثر وضوحا وأكثر عدالة مما عليه الحياة في بلدان العالم الثالث حيث يقضي الإنسان جل وقته في محاولة إقناع جاره بألا يلقي أوساخه أمام بيته رغم إن الذي نقوله عن القوانين الأوربية الوضعية ينطبق أيضا على القوانين المستندة على الشريعة والقوانين الإلهية، حيث الحلال والحرام يحل محل الممنوع والمصرح به. غير أن الجانب المظلم لهذه الظاهرة، هو تدجين المواطن ليصبح مجرد حيوان مطيع وخاضع لسلطة القانون وسلطة الدولة. لأن المشرع الذي يمنعك من التدخين في محطة القطار كما في المقهى لأسباب تتعلق بالصحة العامة يستطيع أيضا أن يمنعك من التظاهر والتعبير عن رأيك في بعض القضايا. إنه نفس المشرع الدي يسمح بنشر كاريكاتيرات ساخرة ومسيئة لشخصيات مقدسة في نظر بعض المواطنين، يمنع في نفس الوقت أي رأي معارض للفكر الرسمي المتعلق ببعض القضايا الحساسة، مثل كل ما يتعلق بإسرائيل وفلسطين إلخ.
بالإضافة إلى ظاهرة الطاعة العمياء للقوانين وتحويل المواطن إلى مجرد خروف خانع وخاضع للقانون وليس للمنطق أو للحس السليم والمصلحة العامة، فإن المبالغة والمغالات في التشريع وتقنين كل تفاصيل الحياة لتدخل في إطار الشرعية أو اللاشرعية، يجعل الحياة الإجتماعية تنزلق نحو نوع من الضبابية وعدم الواقعية. الناس لا يعيشون ببساطة وعفوية وإنما بطريقة منظمة ومرسومة مسبقا بدقة مرعبة. فالطفل قبل أن يولد بشهور عديدة يسجل في الحضانة ويحجز له مكانه، والمواطن بعد وصوله سن التقاعد وقبل موته بسنوات يحجز له مكانه في المقبرة ويدفع مراسيم الدفن. وبين الميلاد والموت يحيا الإنسان حياته وكأنه قي حلم لا يستطيع الخلاص منه إلا بالموت أو الجنون. حياة تخلو تماما من العرضية والمفاجأة والغير متوقع. وربما هذا ما يدفع الأجيال الجديدة في العالم بأسره للبحث عن هذا الشيء الذي يعطي للحياة طعما ونكهة مغايرة وذلك بالغوص في عالم مصطنع كليا من البيانات الرقمية على شاشات الهواتف الجوالة.



#سعود_سالم (هاشتاغ)       Saoud_Salem#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- خصائص الآلهة
- الديانة اليونانية
- الموت والعدم
- الفن وضرورة العدم
- العقل العرضي
- العقل العدمي
- الثورة المستحيلة
- عقل الزواحف
- العقل بين الأرض والسماء
- الإله البارد
- الوجود بين الواقع والخيال
- الإله اللامنتمي
- تعايش العلم والخرافة
- المثلية وحقوق الإنسان
- مفارقة العقل والإيمان
- النمل وكلام الله
- الكلمات والكائنات
- القرآن .. بين القراءة والفهم
- -الحجر- بين العلم والفلسفة
- الإنسان الآلي


المزيد.....




- من حمد بن جاسم إلى ساويرس والغرير.. قائمة -مليارديرات- عربية ...
- وزراء بريطانيون يدعون الديمقراطيين الأمريكيين إلى -استبدال ب ...
- اشتباكات في نابلس والقوات الإسرائيلية تعتقل فلسطينيا
- روسيا تطور سفينة صاروخية جديدة للجيش
- اكتشاف علاقة بين العنف في مرحلة الطفولة والمشكلات الأسرية في ...
- تصاعد التوتر بين حزب الله وإسرائيل ينذر بـ -حرب حقيقية-
- إلى جانب الأم.. كيف تؤثر تغذية الأب على صحة نسله لاحقاً؟
- من هو الرئيس الحقيقي؟ تفاصيل غريبة في سلوك بايدن خلال تجمع ح ...
- موريتانيا تشهد انتخابات رئاسية والغزواني الأوفر حظا من بين 7 ...
- ترامب يواجه اتهامات بالـ-عنصرية- بسبب استخدامه كلمة -فلسطيني ...


المزيد.....

- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام
- سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري - / الحسن علاج
- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سعود سالم - دكتاتورية القانون