أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - أمين أحمد ثابت - 42 – مدخل . . إلى العقل المتصنم متشوه الإرث البشري عربيا















المزيد.....


42 – مدخل . . إلى العقل المتصنم متشوه الإرث البشري عربيا


أمين أحمد ثابت

الحوار المتمدن-العدد: 7468 - 2022 / 12 / 20 - 10:51
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


كنا قد عبرنا سابقا – تقريبا الحلقة 35 – حول الإرث البشري العام ، الذي لعب دوره في تطور انسان الشعوب العالمية المختلفة ، وهو ما قاد الى تطور واقعها المجتمعي والحياتي خلال مسار التاريخ الى الامام – وهو الارث المتمثل ب ( التاريخ ، الفن ، الدين والعلم ) – وهنا نعود لبناء مستكمل تلك الابعاد الرئيسية الأربعة وفق منظورنا فيما سنأتي عليه – غير ما جئنا عليه كحكم تعميمي جوهري موضوعي استقراء للتاريخ – بأن المؤسسات الذهنية النظرية المجردة – المذكورة سالفا – تبين بوضوح خضوع العقل ( المجرد غير الملموس بطبيعته ) ، كمنتج نهائي عن آليات نشط الدماغ في وظائفه العليا للمخ ، يخضع ذاته للقانونية الموضوعية التي يبنى عليها جوهر التاريخ للوجود المادي غير الحي والحي المطبوع على الحركة – في مدلوله الزمني الافتراضي المجرد – والمتمثلة بالتغير التطوري ، فالمعرفة الذهنية تتجدد بطبيعة اكثر تطورا وتعقدا و . . مثلها مقدرة التخيل وآليات التفكير المجرد للمخ ، وذلك بعد مرور فترات او مراحل من عمر انسان المجتمعات عموما . . في صورة الاجيال المتعاقبة تاريخيا في وجودها الحي – إلا اننا نستدرك تذكيرا مما قلناه قبلا ، أن أي تطور للعقل معرفيا يفقد قيمته الحقيقية إن لا تتحول تلك الافكار والمتخيلات والتأملات التحليلية الاستبصارية الذهنية من طبيعتها المجردة الى طابع ممارس على هيئة سلوك ونشاط مادي ملموس حسيا ، ويمثل العمل المنتج – من صور ذلك النشاط السلوكي الممارس – جوهرا ( لحقيقة وجود نوع الانسان ) وتحقق التغير التطوري لذاته المفردة والعامة بمسمى المجتمعات البشرية ، ويدمغ حقيقة تاريخ الانساني بالتغير التطوري ، والمجتمع هنا المقصود به كل ما يحتويه مفهومه من ابعاد وجوانب متعددة مختلفة ( مادية وروحية ) – بما في ذلك معرف الواقع و . . بمجمل المعبر عنه حصيلة بالحياة .

* مستقطع قواعد فهمية الحكم مبسطة :
- تغير الانسان ( عقلا وممارسة ) عبر مسار التاريخ البشري . . هو ما يفرقه عن بقية الكائنات الحية ( الحيوانية منها ) وتحديدا الراقية ، فإن لم يحدث ذلك ك . . ( حقيقة ملموسة ) . . يفقد الانسان ومجتمعه صفة الانسان .


- تفقد الحياة معناها – الخاصة بالإنسان – إن فقدت طبيعتها المبنية على التغير التطوري ، أي إن وسمت بالجمود خاص مسار التاريخ البشري و . . إن خطت بمسار حركي مغلق لأي مجتمع على نفسه ويكون خارج المجرى الطبيعي لتاريخ المجتمع البشري برمته – فمثل هذه المجتمعات تكون حياتها جوهرا لا تختلف عن جوهر حياة الاحياء البيولوجية . وبمعنى لا قيمة لحياة دون تغير ، فجمودها تتلاشى معه سمة الهدفية عند انسان المجتمع ، وهو ما يطبع حياة اناس المجتمع البشري بقانونية صراع وحشية الغاب من اجل البقاء والاستمرار ، القائم على قوة الافتراس والخداع والانتهازية الأنانية ب . . الإخضاع .

وعودة لذي بدء ، كيف لمخلقات الفكر النظري المجرد ( العقلي ) . . أن تمثل البؤرة المحورية – في مسار التاريخ المجتمعي لعموم البشرية – لتطبع انسانها على التطور والتغير في مجمل حياته وواقعه ، ولنأخذ بعد التاريخ مثالا يمكن أن نستقرئ على منواله الابعاد الثلاثة الاخرى والمتمثلة بالدين والفن والعلم .

ف . . التاريخ : طبيعيا ، يقصد به عامة المسار الوجودي لحياة الانواع واستمرارها ، وخاصة بالنوع ( افرادا في مجتمع النوع الواحد ) . . خصوصيتها عن غيرها في طابع وجودها الملموس ، إن ظلت مستمرة او قد حدث لها انقراض في فترة من فترات التاريخ – أما بالنسبة لعالم الانسان ، فالإقراض معبر عنه مرحليا من التاريخ العام باندثار حضارة او حضارات قديمة كانت موجودة لمجتمعات ما وانتهت و . . تعد حضارات خاصة بها – طالما وأن الجنس البشري لمجتمعات تلك الحضارات القديمة الزائلة ما زالت مستمرة في وجودها .
أما مجتمعيا ، فهو سجل تحرك زمني امامي . . معلم انتقالا خلال مراحل متعاقبة - كعام لكافة الشعوب وخاص لجنس إنسان شعب مجتمع بعينه نقصده بذاته دونا عن غيره .
ويخص ماهية نوع الانسان في مسألة التاريخ . . ليس بقاء واستمرار السلالة الوراثية الجينية ، ولكن ما أملأه انسان المجتمع العام البشري او ما أملأه انسان مجتمع بعينه من إرث ( مادي وروحي ) في تلك المراحل والفترات القديمة ، البعيدة او القريبة ، وبما فيها المرحلة الحديثة الاخيرة من عمر تاريخ هذا المجتمع المعني ، التي تعلم بفترات زمنية – قد تطول او تقصر – وصولا الى راهن اليوم المعاصر . . من مكون الفترة الزمنية الاخيرة القائمة . . بالنسبة لوجودنا .
ولأن مختلف اعراق الجنس البشري الاول القديمة لم يمح منها أي عرق او جنس من حيث وجوده الى يومنا هذا – كمجموعات او بمعبر المجتمعات الصغيرة او الكبيرة بصفة متحد الامة – حتى وإن تداخلت مختلف من الاعراق والاجناس البشرية تزاوجا فيما بينها خلال انتشارها عبر امتداد يابسة الكوكب وخلال عشرات . . بل ومئات من آلاف السنين ، أكان كتنقلات بحث عن مقومات العيش او الحروب والمنتج عنها إما بصورة الاعتداء او الاحتلال والضم او الهروب لمجاميع بحثا عن موطن جديد آمن بعيد – بهذا التوسع والتكاثر اعيد تأسيس مجتمعات العشائر ( المصغرة ) وايضا مجتمعات الامة ( الكبيرة ) مرات كثيرة في التاريخ القديم ، بحيث يضم كل مجتمع منها متداخل الاعراق المختلفة عبر التكاثر التزاوجي ، ليصبح كل مجتمع يستقر في مدى زمنيا طويلا من التاريخ . . يعبر عنه بصفة الهوية المجتمعية الواحدة بدلا عن موصف العرقية ، وصولا الى ما بعد تلاشي الدولة الاسلامية – العربية الاولى ، ظاهرة الضم والالحاق – المعتادة على امتداد التاريخ الاقدم - للمجتمعات الضعيفة او الصغيرة لمراكز الامبراطوريات العظمي وصولا الى الزمن الحديث بظاهرة الاستعمار الاحتلالي . . نشأت ظاهرة مقابلة مضادة واقعا ، والمتمثلة بتجزؤ بعض متعدد من هوية المجتمعات القديمة – عبر صراع دول السيطرة على العالم وقبلها صراع الامبراطوريات الكبرى – حيث كان منتج تلك الصراعات اقتسام بلدان المجتمعات تلك كتابعة إلحاقا لهذا الطرف وذاك ، بما ابقى على هويتها الخاصة ( الجزئية ) ولكن في وضعيتها الملحقة لمركز النفوذ عليها – تكررت هاتين الظاهرتين المورثتين في التاريخ البشري وصولا الى الحربين العالميتين – كان منها تمزيق مجتمع الامة الاسلامية – الثاني العثماني – للمنطقة العربية من مجتمع واحد الهوية القومية الى مجتمعات بلدان اقليمية مجزأة عرفت بعدها هوية كل مجتمع بلد منها بالهوية الوطنية – ومثلها ما جرى على امريكا اللاتينية والشرق الاسيوي في اقتسام واوروبا خلال الصراع الايديولوجي بين المعسكرين ك . . المانيا مزقت الى الشرقية والغربية ، وتكرر سيناريو التاريخ العام نفسه بعد سقوط التجربة الاشتراكية في معبر التوازن العالمي السابق كانتهاء للقطب الاشتراكي ، ففي مقابل إعادة توحيد الالمانيتين مزقت تشيكوسلوفاكيا وبلغاريا والاتحاد السوفيتي الى بلدان عرقية مجزأة . . وهكذا الخ . . حتى اللحظة وفي المستقبل المنظور القادم ، المؤشر عليه حاليا في الحرب الروسية – الامريكو اوروبية على اوكرانيا ، ومخوفات تخلق الحرب الصينية – الغربية على تايوان . . .
وبعودة للمضمون الاخير المقدم سابقا ، وهو ما يخص مجتمعات البلدان الملحقة – المعرفة بهويتها المحلية الوطنية – من حيث المنظور الطبيعي الاجتماعي فتاريخيا وجودها الاستمراري الى حاضر اللحظة قائما ومستقبلا – وتحديدا هنا فيما يخصنا ( عربا ) لم تندثر او تختفى ماهيتنا عن وجودها المادي المستمر في التاريخ البشري العام او الخاص بكل قطر منا – حتى بعد أفول حضاراتنا القديمة - لكن التساؤل المحوري . . المفقود في عقولنا ولذا لا وجود لإجابة عليه . . لماذا شعوب بلدان لم تعرف لها حضارات عريقة في التاريخ القديم - مقارنة بنا كسليلي حضارات عملاقة في التاريخ القديم – تسلك حركتها المجتمعية طبيعيا خلال المسار التطوري البشري العام في التاريخ ، بينما نجد انفسنا منذ آلاف من السنين خارج تلك القانونية الطبيعية للتاريخ البشري ؟ ؟ ! ! – وهذا ما سنحاول فيه البحث عن الإجابة للتساؤل و . . بما يصب في متسق موضوعنا لاحقا ، وذلك بعد طرح المحددات المستكملة لمحورنا الاول – أي بعد التاريخ – والمتمثلة ( فيما يخصنا ومن هم اقرب الى حقيقتنا الراهنة ) – أن استمرارية وجودنا البشري ( المادي الحي ) في المعطى الطبيعي لفهم التاريخ ، لا يمنحنا تأهيلا صفة جوهر حقيقة الوجود المجتمعي الانساني – أي المجتمع الطبيعي السوي – حيث أن جوهر حقيقة الانسان ( فردا ومجتمعا ) انهما كائنا وكيانا يعيشان تواجدا خارج التاريخ البشري ومساره ، ولا يكونان محكومان بجوهر الوجود عموما ومساره عبر التاريخ ، وهو الجوهر المبني على سمة التغير التطوري – ولذا حين يكون وجودنا الحي بشرا مستمرا الى الان ومستقبلا بترافق مع وجود غيرنا من اناس شعوب المجتمعات الاخرى من العالم ، ولكنه وجودا فاقدا لخاصية التطور ، فإن التاريخ الذي قطعناه كمجتمعات عربية بآلاف السنين الماضي والراهنة والمستقبلية استقراء . . هو تاريخ فاقد للقيمة والمعنى – أي لمجتمع الانسان الحقيقي – لكون وجودنا الزئبقي ذلك مفتقد للطبيعة الجوهرية للإنسان ككائن نوعي مغير لما حوله ومخلق لحياته ونظمها وقيمها ومغير لذاته هو نفسه عبر مسار التاريخ زمنيا ، وهو ما يعطي حكما واضحا أن وجودنا لآلاف السنين الاخيرة الى اليوم هو وجود سلبي في حكم اللا موجود مضمونا ( بمعنى الانسان ) – إنه اشبه بمريض سريري في غيبوبة طويلة بانهيار تام لكل منظومته الحيوية والعضوية ولم تنطفي لديه كهربيته الدماغية ، فهو طبيا ليس ميت كليا . . بل ميت سريريا ويظل في حكم الحي الذي لم يمت ، وهو بوجوده في وسط عالم حي متحرك بشريا ، ما يجعل وجوده بالحقيقة محكوم بالغياب او اللا وجود مجازا .

وبذا فإن جوهر معنى التاريخ بالنسبة لنوع الانسان عامة في كل مجتمعات شعوب الارض . . لا يقوم على مبدأ الوجود الموضوعي على اساس نزعة البقاء والاستمرار – كنوع حي بشري – بل فيما يخلفه انسان ذات المجتمعات الخاصة عبر مراحل سابقة او فترات سابقة من ثقافة مادية ملموسة لفعل الانسان التغييري التطوري ، والتي تظهر بشواهد تعرف بالآثار - الهندسية والمعمارية والتصميمات او مخططات بناء المدن القديمة ومخططات التخلص من الفضلات والمخلفات العضوية او بناء مسارات المياه – من الامطار او الينابيع او الانهار – منها للشرب واخرى لسقاية الحيوانات المدجنة او شق المسارات الدقيقة لتوزيع مياه السقاية للحقول المختلفة بنظرية متوازنة التوزيع واقتصادية ، ومن جانب اخر تصميم الاحواض الصخرية كسدود لخزن المياه واخرى لتغذية المياه الجوفية ، او مخلفات التطور التقني وقتها من ادوات الاستهلاك – أكانت للاستخدام الغذائي او الشرب او الحلي او المستخدمة لعمل النقوش – وذاتها – الى جانب الرسومات كشواهد تاريخية - أو ادوات ووسائل و وسائل انتاج حرفي او للصيد او الرعي الآمن أو طرق الزراعة – اليمن مثلا ، منها بناء المدرجات الزراعية لمختلف انواع الغذاء النباتي والتذوقي للإنسان وما يخلف منه كغذاء للحيوانات المدجنة لصالح بقائه على وفرة غذائية تحقق له الاستمرار و . . على قمم وسفوح الجبال والهضاب الشاهقة ، والمخلفة عن الانسان القديم – هذه وغيرها الكثير من مجسدات الثقافة المادية القديمة عادة تحضر ( الخاصة بالإنتاج المادي المعيشي او الذوقي ) كتقاليد ممارسيه خبراتية منقولة من الماضي – رغم خضوعها ذاتها للتطوير في ازمان لاحقة – أما الثقافة الروحية فتتجسد في انسان المجتمعات اللاحقة زمنيا – كخبرات معرفية نظرية مجردة متناقلة شعبيا شفاهية – قبل ظهور الكتابة ، وحتى بعد ظهورها ولكن في مجتمعات ظلت تعاني من الامية المجتمعية الغالبة المطلقة حتى منتصف القرن العشرين ، ومازالت نسبتها مرتفعة في كل مجتمع عربي قطري الى النصف او ما يزيد عنه عند بعضها ، وتعلم بفقد تدويني قديم او عدم وجود مخلفات يستند عليها لبناء تدوين حقيقي لتاريخ مراحل قديمة حول بعدها الثقافي الروحي النظري وقتها ، والتي منها اصول تنظيم المجتمع ونظم الحكم والمعايير الاخلاقية الحاكمة والموجهة لبناء العلاقات بين افراد المجتمع – في كل الابعاد ، ومنها العاطفية والاجتماعية التعايشية والعمل – هذا غير تلك المعتمد عليها حكما في الجزاء والعقاب كتفريق بين قيم الفضيلة والرذيلة او الخير والشر في افعال الانسان الفرد او المجموعة داخل المجتمع او تجاه شعوب مجتمعات اخرى معادية او عند الاعتداء ومسألة ما يخرج عن الاحتراب وإيقاف الحرب ، والتي نتج عنها في ازمان لاحقة ما يعرف ب ( الاعراف . . الى جانب التقاليد والعادات الاجتماعية الخاصة بهذا المجتمع مقارنة بغيره الاخر ) ، والتي تحولت من عند الالفية الثلاث او الاربع الاخيرة الى يومنا هذا بمسمى القانون ، وحديثا بما لا يزيد عن بضع مئات قليلة من السنين الماضية وحتى اليوم ، تم التمييز في مسألة القانون المشرع المنظم للمجتمعات الاكثر تطورا خلال تلك الزمنية . . بين الدستور كقواعد فقهية قانونية عامة تحكم المجتمع ونظام الحكم وبين القوانين التشريعية ذات الاختصاصات المختلفة – المدنية ، التجارية ، الشرعية ، الجنائية . . الخ – والتي تبنى وفقا لنصوص الدستور ، ويحكم صحة صياغتها او تأويلاتها من خلال النص الدستوري الواضح – هذا غير الثقافة الروحية المتعلقة بالإرث الفكري والتصوري التأويلي المعرفي والتخيلي الفني كالأساطير والحكايات والامثال والحكم والعبر وحتى الخرافات كحكايات شعبية منتقلة شفاهية اجتماعيا بين الازمنة الماضية والراهنة - أي خلال التربية الاسرية والتربية المجتمعية – ومن تلك الثقافة ايضا التزين الذاتي المجتمعي كتعبير عن الذوق والتذوق الجمالي – كاستخدام الروائح العطرية مثل البخور وغيره الى مساحيق التجميل للمرأة او للحروب او كعادات طقسية منها التعبدية او التزاوج او الخروج للصيد او طقوس الشكر بالعودة بصيد وافر او انتصار في غزوة او درء معتدي اخر على المجتمع ذاك .

إذن ، فقيمة معنى التاريخ ودلالته لأي انسان مجتمع كان . . يقوم على مسألة الالتقاط التفاعلي ( الايجابي ) . . كخبرات انسانية تكتسب من تاريخ وتجارب الشعوب وما خلفته من حضارات بمحاميل ثقافية متنوعة ، تحرض عقله وتوقظ وعيه بما يتحقق لديه وعيا ارقى يمكنه من تطوير ذاته وواقعه وحياته – فكل منتجات تطورية ( نظرية مجردة او عملية او تقنية ) لشعب من الشعوب ، من حضارات قديمة او حديثة . . تعد إرثا بشريا عاما بطبيعة الانسان الحية الواسمة له خاصية التفاعل بغائيته العقلية تطويع ما تصل إليه من معارف نظرية او خبرات ممارسيه ليس فقط نقلها أو تقليدها نسخا ، بل اخضاعها لتخليق معادلا جديدا لها ، إما تطويرا او تعديلا بما يتناسب حاجاته بتلاؤم بيئي ( مجتمعي وطبيعي ) – ويجري فهما تساوقاي ما طرحناه عن مسألة التاريخ بالنسبة فيما يعنى به قصدا بالنسبة للإنسان في مختلف كل المجتمعات البشرية ك . . ( قيمة مادية ومعنوية ) . . هو ذاته بالنسبة للفن والدين والعلم ، وإن كان كل مفهوم يتحلى بخصوصيته النوعية المختلفة مع غيره عند التناول – نقول ذلك حتى لا يمل القارئ منا ومن متابعة ما نقدمه – لكننا من باب الاستعراض العابر المهم التنويه به حول تمييز تلك الخصوصية النوعية بين المفاهيم الاربعة من حيث القيمة لكل واحد منهم على تطور انسان المجتمعات البشرية على مسار التاريخ ، أكان من حيث وعيه – بكل اشكاله وتعبيراته – او وجوده ( المادي المعيشي والحياتي والعلاقاتي او الروحي المعرفي النظري او الفني او الذوقي او الاخلاقي والحقوقي ) الى جانب واقعه المادي المتطور وفق تطور حاجاته المادية الاستهلاكية المتجددة والروحية ايضا – فإن كانت قيمة التاريخ تتجسد وتتجلى قيمة كخبرات معرفية نظرية و عملية و مهارتيه يتم اكتسابها من تجارب الشعوب الاخرى المختلفة ، فإن الدين والفن قد فعلا خاصية الدماغ البشري على التخيل المجرد وتطور فاعليتها كقدرة في العقل البشري ، فإنهما لعبا دورا تطويريا لعقل الانسان في اتجاه التفكير المجرد – التأويلي والتفسيري المنطقي او القياسي - والظني والتخميني بما خلق الفلسفة والجدل الفلسفي ، وايضا في تهذيب الاخلاق البشرية والسمو بالذات ، بينما يختص الفن منفردا بسمته المؤثرة على الانسان – عقلا ونفسا ووجودا حياتيا ممارسيا – كمهذب للذائقة العامة والفردية وحتى الذوقية المعاملاتيه والارتقاء به جماليا وصفاء روحيا وتوسيعا للمدارك والقدرات الذاتية – أما ما يميزه بتفريق خاص عن غيره الثلاثة الاخرين ، أنه بطبيعته دون غيره لا يتقيد وجوده واثره في المكانية والزمانية كمحددة له – مثل تسجيلية التاريخ كمراحل وفترات زمنية وحتى موضعية مكانية محددة ، ومثله الدين بمعنى مجازي تعبيري مختلف كونه معطى روحيا بينما تدوين التاريخ موضوعيا ، فكليهما مشدودان نصا وموضوعا الى تلك المرحلة الاساسية الماضية من التاريخ – أي أن الفن من طبيعته استباق الزمن ، ومن خواصه طبيعته التمرد على محدودية الزمن والمكان – بينما العلم يمثل بعدا اختزاليا للزمن ، يكون وجوده واثره محققا لطابع القفزات النوعية في التاريخ بمعبر التغير التطوري ( للذات والمعرفة النظرية والعملية والحياتية الحاجاتية الى جانب الواقع المادي المعاش فيه اجتماعيا ) – ومن العقود الثلاثة الاخيرة من القرن العشرين الى اليوم تمت عملية مزاوجة بين العلم والفن ، فكان اثر الثاني تطوير القدرات الذهنية للإنسان من خلال خاصية التخيل والتخييل المتجرد عن الزمن ، لتخليق معرف الخيال العلمي ونماء القدرة التنبؤية العلمية ( التخيلية القياس ) للمستقبل القريب او البعيد ، بينما اثر الاول على الثاني بخوض تفاصيل الفهم النظري للبعد المجرد على المحسوس بذاتها من العقل والنفس البشرية لخروج متصل الفن كفكر نظري مؤصل غير مرتبك او ضبابي تخميني ، كقواعد معرفية فهمية حول نظرية الفن والنقد الفني – بما فيهما مجالات ألوان الادب المختلفة – هذا غير توسيع تخلق مجسدات الابداع الفني ( الحقيقي ) كمتحرر عن القيود القديمة المحدة لتحرر مواضيعه وفضاءاته الفنية .

وهنا نكون قد وصلنا اخيرا الى تساؤل سابق اخرنا الاجابة عنه – ما هو مفقود فينا ومغاير لحقيقتنا البشرية عن غيرنا من انسان الشعوب الاخرى . . فيما يتصل بموضوعنا هذا – والجواب اعتقد اصبح مفهوما باستقراء ما سبق من الصفحات الاخيرة ، أن انسان المجتمعات العربية حين تطبع في مرحلة تاريخية قديمة على التبعية الانقيادية – السلبية ومن ثم تحولها الى طبع او طبيعة تخصنا في مراحل لاحقة من الماضي وتم توارثها عبر مختلف المراحل اللاحقة وصولا الى اليوم وغدا المنظور – هذا الطابع المعاق فينا كإشكالية تاريخية معادة نولد ونعيش فيها وننقلها للأجيال اللاحقة بعدنا ، قد غيرت من عقولنا فدمغتها على التلقني التلقيني والنقلي المقلد انقيادا بشكل مباشر وغير مباشر للمتحكم بإرادتنا المستلبة منا بيده ، كما وقد طبعت ادمغتنا أن تكون مغلولة في كل آليات النشاط الذهني من العمل الذاتي الحر والمستقل ، ما بفقدنا حقيقة القدرة الابداعية – الحقيقية وليست الزائفة المقلدة – على الاكتشاف او الابتكار وحتى التحرر في التفكير او الذوق او التخيل ، فكل ما تحوله عقولنا ليس إلا اجترارا للقديم او محاكاة نقلية سطحية للآخرين ، كما وقد غير هذا الارث التاريخي المعاق كحقيقة فينا وبوجودنا المتكرر تأصلا الى اليوم ، بأن التاريخ الخاص بنا ( المدون ) يكتبه الاقوياء والطغاة وليس المجتمع ، وإذا بنا كذات مجتمعية وفردية نعيد انتاج الطغاة والمستغلين والانتهازيين كمتحكمين علينا دوما ونجعلهم رموزا نعبدها وهما او خوفا بعلو وجودها موضوعيا علينا كقدر موضوعي خارج ارادتنا – وهنا منذ ذلك الوقت وحتى اليوم ( نفتقد طبيعتنا البشرية كغيرنا من انسان الشعوب الاخرى ، والمتمثلة ب . . " خاصية التفاعل الايجابي " مع التاريخ وما تطرحه مختلف الشعوب من ارث وتجارب تفرض واقع التغير التطوري لإنسان أي مجتمع من العالم ) ، حيث تفاعلنا سلبيا مع ( التاريخ ، الدين ، الفن ، والعلم ) ، ننقل حرفيا وبظاهرية سطحية ما يملى علينا من فهوم زائفة تطبعنا بالاستهلاك عموما غير المنتج ، من البضاعي الى التعليمي الى الثقافي والاخلاقي والسلوكي وحتى الذوقي والقناعاتي الفهمي التصوري والتخيلي ، ولاختلاف مصادر موجهاتنا التي ننقاد لها ، تصبح تلك الموجهات – المتعارضة طابعا وطبيعة – اساسا لحياة زائفة ووعي زائف وعقل معاق مسلوب الإرادة ونفس مضطربة موسومة بالفصام وموهمات المرض النفسي ومتخلخل الاعتقاد القيمي – ولمستبدل حقيقتنا البشرية لاجل البقاء في الحياة واستمرارها بخاصية تاريخية موسومة بالتغير التطوري خلال ( صفة التفاعل الايجابي ) ، لنكون متوارثين منذ الاف السنين السمة الذاتية بخاصية ( التفاعل السلبي ) ، بقدر ما تطبعنا هذه السمة التاريخية على اجترار ماضينا على الدوام ، فإنها تطبعنا بوجودنا الزمني الحديث في المرحلة الاخيرة والفترات الاخيرة وصولا الى يومنا هذا بكل سمات الاستهلاك – غير المنتج - الانقيادي التابع طوعا لمصدر التحكم بوجودنا المعاصر – عالميا ، اقليميا ومحليا للقوة القابضة على سلطة الحكم - ليكون منتجنا البشري كسابقينا واللاحقين لنا كعجينة خلطية لمكون ذاتنا بين مجترات القديم والحديث والمعاصر الشكلي ، ولكون هذا الاخير يؤصل فينا التبعية الاستهلاكية الصرفة ، فإن كل مؤثراته الشكلية علينا وحياتنا وقيمنا تكون مفرغة المضمون ، لتجد ما يملأها من جوهر مورثات القديم الخاص بنا – القائم على الاستبداد والاستغلال والخداع والاستقواء – لننتج كذات حديثة او معاصرة مختلة غير متوازنة مشوهة بين ظاهر معاصر ومظاهر حداثية وبين مضامين متخلفة مشدودة باطنا لغالبية مجتمعية مطبوعة على الاستلاب وقابلية تبرير الزيف كحقائق متوهم بها ، واقلية مجتمعية محلية مشدودة بمضامين التخلف الماضوي لجوهر مؤصل فيها على مذهب القوة الوحشية المستبدة والاستعلائية – وباجتماع متضاد الظاهر والمخفي فينا . . يظهرنا كحقيقة ملموسة امام غيرنا ك ( ظاهرة صوتية ) اجتماعية و . . ك ( ذات انفصامية مضطربة متناقضة فيما بين ذاتها كأقنعة لوجوه متعددة ، وذات مشوهة ) لأنسان المجتمع العربي – يعيش حياة ومعاصرة بوجوده الاستهلاكي المطلق الانقياد ، ويتوهم انه معاصرا ويعيش كغيره من شعوب العصر حياة المعاصرة ، ومن جانب اخر يعيش واقعا قيم الاستبداد والأبوية القديمين بما فيهما من العقلية المتزمتة . . التي يقتنع مضمونا بها كقيم اجتماعية ثابتة كأصل للهوية المجتمعية التاريخية المفرقة له عن غيره من المجتمعات البشرية ، ولكنه يخادع في وجودها فيه كحياة واقعية . . لكونها – أي الذات المجتمعية – هي بنت عصرها وزمنها ، ولكنها في نفس الوقت بنت اصلها المجتمعي التاريخي القديم المشكل لهويتها الخاصة – وهو تبرير الخلط الزائف لقيم ووجود الذات . . بما يجعلها فاقدة لطبيعتها البشرية ، ويكون تاريخها الخاص في حكم الغائب قيميا ، ولا يحضر منه سوى مساره الزمني الموضوعي الدال على الوجود .



#أمين_أحمد_ثابت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الجزء السادس من رواية ( هروب . . بين المضيقين ) - من اعمالي ...
- ملامسة صفرية . . لجانب من عطبنا
- الجزء الخامس من رواية ( هروب . . بين المضيقين ) - من اعمالي ...
- الجزء الرابع رواية ( هروب . . بين المضيقين ) - من اعمالي ال ...
- الجزء الثالث رواية ( هروب . . بين المضيقين ) - من اعمالي الر ...
- نسخة معدلة ( اغنية ثانية - لبغدادية - مرتبكة )
- 41 – مدخل . . الى العقل المتصنم / نفوس متطبعة . . على متكرر ...
- وقفة اجلال على وجه من التاريخ
- نظرية العبقرية / المعجزة - إشكالية مبحث يقود الى نظرية جامعة ...
- 40 – مدخل . . الى العقل المتصنم نفوس متطبعة . . على متكرر ...
- ومضة ملهات وآقعية - بطرفة عين
- هاجس . . بكلمتين لا أكثر
- الجزء الثاني رواية ( هروب . . بين المضيقين ) - من اعمالي الر ...
- الجزء الاول رواية ( هروب . . بين المضيقين ) - من اعمالي الرو ...
- 39 – مدخل . . الى العقل المتصنم اغتراب تاريخي . . في د ...
- 38 – مدخل . . الى العقل المتصنم اغتراب تاريخي . . في دورا ...
- 37 – مدخل . . الى العقل المتصنم اغتراب تاريخي . . في دوران خ ...
- رحيل جبل كان هنا - من ديواني ( أحلام مطاردة بظلال القبيلة )
- من ذاكرة تآكل الجدار
- 36 – مدخل . . الى العقل المتصنم اغتراب تاريخي . . في دوران خ ...


المزيد.....




- -عيد الدني-.. فيروز تبلغ عامها الـ90
- خبيرة في لغة الجسد تكشف حقيقة علاقة ترامب وماسك
- الكوفية الفلسطينية: حكاية رمز، وتاريخ شعب
- 71 قتيلا -موالين لإيران- بقصف على تدمر السورية نُسب لإسرائيل ...
- 20 ألف كيلومتر بالدراجة يقطعها الألماني إفريتس من أجل المناخ ...
- الدفاع الروسية تعلن تحرير بلدة جديدة في دونيتسك والقضاء على ...
- الكرملين يعلق على تصريح البنتاغون حول تبادل الضربات النووية ...
- روسيا.. اكتشاف جينات في فول الصويا يتم تنشيطها لتقليل خسائر ...
- هيئة بريطانية: حادث على بعد 74 ميلا جنوب غربي عدن
- عشرات القتلى والجرحى بينهم أطفال في قصف إسرائيلي على قطاع غز ...


المزيد.....

- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي
- فلسفات تسائل حياتنا / محمد الهلالي
- المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر / ياسين الحاج صالح
- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام
- سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري - / الحسن علاج


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - أمين أحمد ثابت - 42 – مدخل . . إلى العقل المتصنم متشوه الإرث البشري عربيا