|
التأسيس للمصالحة وطريق الإصلاح بالصلح
فتحي سالم أبوزخار
الحوار المتمدن-العدد: 7467 - 2022 / 12 / 19 - 22:12
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
المصالحة بين النظرية والتطبيق
الظروف الراهنة التي تعيشها ليبيا اليوم لا يمكن أن تسمح لنا بالنظر إلى المصالحة وكأنها من الترف وفضائل الأخلاق فقط بل هي من الواجبات المفروضة علينا اليوم شعباً ودولة.
بالرجوع لقرآننا العظيم نجد أن سورة الأنفال تبدأ بأمرين أولهما بتقوى الله سبحانه (فاتقوا) ثم بالإصلاح (وأصلحوا ذات بينكم) وبغض النظر عن أصل المشكلة المرتبطة بأدوار تقسيم الغنائم التي كانت من أسباب نزول الآيات إلا أنه يظل الاختلاف طبيعة إنسانية لا يمكن التخلص منها، وامزجة البشر مختلفة بل ومتباينة بدرجات، لذلك فالتدخل بالإصلاح نظريا هو الذي يوقف تمدد الظلم وتفاقمه وبدون أن ننسى التذكير بتقوى الله وطلب رضاه. أما التطبيق فلا توجد له آلية واحدة أو أسلوب أحادي للتطبيق، لذلك يظل التنظير هو ما يفسح المجال للفكر بالتدبر والنظر في الوسائل المتاحة لتحقيق المصالحة وتظل تقوى الله هي صمام الأمان لأي مصالحة حقيقية، ومقياس التقوى عند الله وحده سبحانه.
في سورة النساء يبدأ كلام الله عز وجل بالحديث عن المصالحة في الآية رقم 114:" لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة، أو معروف أو إصلاح بين الناس" ويقول رب العزة في سورة الشعراء: "وإن امرأة خافت من بعلها نشوزاً أو إعراضاً فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحاً والصلح خير .." وبغض النظر عن طبيعة النشوز الذي قد يحصل بين المرأة وزوجها فالنشور والإعراض قد يحصل بين الدولة والشعب وهنا لا نستطيع أن نحدد الخوف من الدولة أو الشعب، فالكاتب يرى بأن الخوف من الإهمال والنشوز قد يكون من الطرفين. وهنا تتدخل آلية الإصلاح بهدف تحقيق المصالحة بين الشعب والدولة بعد أن بدأت تتزعزع الثقة بينهما. ولعمري اليوم باتت الثقة مفقودة بين الدولة وبين أطراف متعددة من الشعب الليبي. فإقحام الاختلافات القبلية، والعرقية، واللغوية، والمذهبية، والفكرية، والسياسية في الحرب الأهلية ساهم في قطع أجبال الوصل والتواصل الاجتماعية بين أطراف الشعب الليبي. وتقع المسؤولية على الدولة فهي التي تغذي الحرب بالسلاح والمال وقد ساهم ذلك في زعزعة الثقة في الدولة بل وغابت في احياناً كثيرة. وكان ذلك وراء انقسام الشعب إلى طائفتين تقتتلان بسبب الدولة. وهنا يحضر قول الله سبحانه: "وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت أحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما" سورة الحجرات آية 9.
تعدد أوجه الإصلاح والمصالحة:
مع أن الغاية والنتيجة المطلوبة لاستقرار الشعب الليبي هي المصالحة مع وبين الجميع. إلا أنه لا يوجد أسلوب أحادي أو طريقة محددة للوصول للمصالحة وذلك بناءً على اختلاف الأطراف المتخاصمة ومن كان وراء الدفع أو تشجيع الجلادين على ممارسة العنف ضد الضحايا. ومع أن المسؤولية تقع على عاتق الدولة بالدرجة الأولى إلا أن الأمر يحتاج إلى تفصيل أدق لتحديد المسؤوليات المتداخلة، والمتناقضة أحياناً، والمتباينة في نفس الوقت، وعلى النحو التالي:
· مسؤولية الدولة عن ممارسة العنف وما يترتب عليه من ضحايا. وهذا ممكن أن ينقسم إلى ما يلي:
o استخدام سلطة الدولة في الانتقام من فرد.
o توظيف سلطة الدولة لمعاقبة أصحاب التوجهات السياسية المختلفة مع سلطة الدولة.
o ترسيخ سياسة "فرق تسُد" يتم بنبش النزاعات القديمة بين القبائل أو المدن، وحتى المناطق، لتصل أحياناً لصناعة حرب تكون نتيجتها ضحايا أبرياء.
· مسؤولية الفرد عن ارتكاب جرائم بحق شخص أو مجموعة. فعندما يستغل أحدهم منصبة الأمني في ممارسة العنف والتعنيف، بل والذي قد يصل للتعذيب، والذي قد ينتهي بموت الضحية! فأين كانت النتيجة فالمسؤولية هنا فردية وتعالج بشكل فردي مع الجلاد.
المصالحة بتقصي الحقائق والكشف عن الحقيقة
الوصول إلى الحقائق من دعامات المصالحة، وهذا واضح كخطوة الأولى على درب العدالة الانتقالية، ومع أنها تعتبر حجر الأساس في مشوار المصالحة الطويل فأنه مع إجراءات الكشف عن الحقيقة سيحقق المجتمع الليبي جملة من الأهداف التي ستساعد على الاستقرار والوصول إلى التصالح بين فئات الشعب الليبي بمختلف قبائله ومدنه وتنوعاته اللغوية، والعرقية، والمذهبية، والفكرية، وحتى السياسية. وتتلخص هذه الأهداف والتي هي دعامات للمصالحة في النقاط التالية:
· أول هدف من تقصي الحقائق هو الحرص على عدم تكرار الممارسات الظالمة وخاصة من الدولة ضد الشعب، وتجنب العودة للعنف وقهر المدنيين.
· بمعرفة الجاني وإقراره بالجريمة يتخلص المذنب من تأنيب الضمير ويحقق نوع من التنفيس عن الضغوط المكبوتة بداخلة والشعور بالارتياح النفسي ولو بشكل نسبي.
· تخليص أهل الجاني من الحيرة والوساوس عن مصير ضحيتهم فبتجميع تلك المعلومات الغائبة ستذهب الوساوس والظنون وبالنهاية سيكون التسليم إلى الله بما حصل، وطلب جبر الضرر إما مادياً ومعنوياً.
· ضرورة التوثيق والذي ستفيد منه الجامعات ومراكز الأبحاث والدراسات، بمختلف تخصصاتها القانونية، والاجتماعية، والنفسية، والسياسية، فمن أرشيف تقصي الحقائق يمكن دراسة ظواهر ممارسة عنف وظلم الدولة، منذ تأسيسها عام 1951 إلى يومنا هذا، ضد الشعب وتحليلها بهدف الوصول إلى الثغرات السياسية، والتشريعية القانونية أو الإجرائية التي تسببت في ذلك.
التأسيس للمصالحة
كثر استخدام مصطلح المصالحة، بل قد لا نبالغ لو قلنا تم استهلاكه بشكل فج ونحن نلوكه في مناسباتنا ولقاءاتنا المجتمعية، وحتى السياسية، إلا أن ما يُطرح اليوم هو التأسيس للمصالحة بحيث يتم الشروع في رصد الانتهاكات التي اقترفتها الدولة الليبية ضد الشعب الليبي منذ تأسيسها عام 1951 إلى اليوم وتترك القضايا والشكاوى الشخصية للقضاء مع استقرار الدولة. عاشت ليبيا حرة.. تدر ليبيا تادرفت
#فتحي_سالم_أبوزخار (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
من حقوق للأكراد إلى إرهاب لتركيا المسلمة
-
الأزمة منا وفينا فالإصلاح والمصالحة لن يكون إلا منا وبنا
-
الإصلاح بالمصالح والمصالحة وأزمة الفكر المصلحي!
-
التفاهم التركي الليبي بين مد جسور المصالح وجزر العلاقات الدو
...
-
صناعة الكراهية .. واجترار ما حدث في القرم وليبيا 2014
-
الأمازيغية وخطر التوظيف السياسي والديني
-
بنية العقل الليبي والفرن الفكري
-
ليبيا ما بين العرس الكروي وفاجعة حريق بنت بيه
-
هل الخطاب العسكري يقارع الحق المدني في الحياة؟
-
في الليلة السوداء ينكشف بيت الداء
-
ما الذي يحصل في ليبيا؟ ودور التوافقات الدولية!
-
فبراير إلى أين؟
-
أين أجسام فبراير المضادة لمواجهة ثقافة زريبة الجماهيرية ؟
-
هل وصلت إلى الرئاسي رسالة الإتحادات؟ وسيتعض البرلمان ومجلس ا
...
-
هل ستسمع السيدة ويليامز إلى الاتحادات الصامتة في ليبيا؟
-
المرأة المعاصرة.. وهل من دور للمرأة الليبية تلعبه اليوم؟
-
أين ليبيا من العالم الغربي وروسيا والصين والدور التركي ؟
-
أرعب باشاغا أطفال طرابلس وهرب
-
هل ستسهم دبلوماسية السيدة ويليمز في حل الأزمة الليبية؟
-
من فشل غزو طرابلس .. إلى برلمان عقيلة وحكومة باشاغا
المزيد.....
-
الأنشطة الموازية للخطة التعليمية.. أي مهارات يكتسبها التلامي
...
-
-من سيناديني ماما الآن؟-.. أم فلسطينية تودّع أطفالها الثلاثة
...
-
اختبار سمع عن بُعد للمقيمين في الأراضي الفلسطينية
-
تجدد الغارات على الضاحية الجنوبية لبيروت، ومقتل إسرائيلي بعد
...
-
صواريخ بعيدة المدى.. تصعيد جديد في الحرب الروسية الأوكرانية
...
-
الدفاع المدني بغزة: 412 من عناصرنا بين قتيل ومصاب ومعتقل وتد
...
-
هجوم إسرائيلي على مصر بسبب الحوثيين
-
الدفاع الصينية: على واشنطن الإسراع في تصحيح أخطائها
-
إدارة بايدن -تشطب- ديونا مستحقة على كييف.. وترسل لها ألغاما
...
-
كيف تعرف ما إذا كنت مراقبًا من خلال كاميرا هاتفك؟
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|