عامر هشام الصفّار
الحوار المتمدن-العدد: 7467 - 2022 / 12 / 19 - 16:59
المحور:
الطب , والعلوم
عرفته طبيبا أستاذا محبا لطلبته في كلية الطب ببغداد الستينات والسبعينات.. ومحبا لمرضاه في تلكم الفترة الزمنية وما بعدها... كان الدكتور علي كمال (1918-1996) الفلسطيني العراقي متميزا في أسلوب محاضراته وتبسيط مادتها العلمية للطلبة.. كما كان حريصا على التواصل مع الجميع من خلال السؤال والجواب..ولن يترك سائلا دون أن يجيبه.. وقد يطيل في التفسير مجتهدا باحثا عن السبب والعلّة.. فاتحا الأبواب أمام أحتمالات أخرى في تشخيص المرض.. وهكذا كان ديدنه مع مرضاه، وهم بالآلاف في عيادته للطب النفسي ببغداد..
كما عرفته كاتبا لا يشّق له غبار.. فكتب في الطب النفسي كتبا مهمة بلغة عربية رشيقة سلسة مفهومة.. وكان الراحل يذكّر طلبته دائما بأن كل أنسان هو كيان قائم بذاته، وأن فهم النفس الأنسانية عملية ليست سهلة أبدا.. بل أنك عندما تقرأ في مقدمة كتابه الصادر بطبعته الأولى عام 1967 في بغداد والمعنون ب " النفس.. أنفعالاتها وأمراضها وعلاجها".. تجده يقول: "الأمراض النفسية هي مجموعة متعددة المظاهر من الأضطرابات والأنفعالات التي تحدث في كيان الشخصية..وتخل بوظائفها". ثم أنه يفرّق بين الطب النفسي والطب العصبي الذي يعنى بالأمراض العصبية.. فيقول: " أن الأمراض النفسية لا تتسبب عن سبب عضوي معين في الجسم ،وأنما تقترن غالبا بأسباب وعوامل نفسية المنشأ.. وفي أنها تعطي المريض شعورا خاصا من عدم الأرتياح".
كتب الراحل الدكتور علي كمال كتبه باللغة العربية..ذلك كونه كان حريصا على توصيل المعلومة في العلم إلى قارئه بلغته الأم.. اللغة العربية، ليقول أنها يمكن أن تكون لغة العلم إضافة لكونها لغة الأدب، فقد كان الفقيد قارضا للشعر في مراحل عمره المبكرة، كما كانت له مقالاته في شؤون الحياة والسياسة والتي نشر بعضها بأسماء مستعارة بسبب حساسية العمل السياسي العربي في النصف الأول من القرن العشرين.
وتراه معبرا خير تعبير عن وجهة نظره في تعريب مصطلحات الطب النفسي حيث يقول في كتابه النفس.. "لقد بات من العسير على القاريء إدراك الحدود والمحتويات الكاملة للتعابير المستعملة في علم النفس، حيث وجدت فوضى الأصطلاحات النفسية طريقها إلى اللغة العربية، وما كتب فيها في مواضيع علم النفس والطب النفساني. وقد زاد في تعقيد الأمر أن تراجم مختلفة ومحاولات تعريب متعددة قد تمت. ومع أن بعض المصطلحات المستعملة تفي بالغرض، إلا أنها في مجموعها لم تصل بعد إلى الحد الذي يمكّنها من التعبير بسلاسة عن محتويات هذا الفرع الهام من الطب.
وأذكر أني كنت قد سمعت الدكتور علي كمال في محاضرة طبية له على طلبة الطب يقول فيها إن المرض النفسي ليس مرضا ولكنه محاولة للتكيف.. تكيف الإنسان مع واقعه.
وقد كان الراحل الدكتور علي كمال يؤمن بأن راحة البال أنما هي حالة ركود ..وموت في الحياة، فالقلق ضروري فلا قيمة للشيء دون المعاناة.. وهو هذا القلق الوجودي الذي عبر عنه الراحل ليكون الأنسان متحسبا متأملا.
#عامر_هشام_الصفّار (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟