|
الهاشمية السياسية -ملاحظات على ماور في الحلقتين -2-3
قادري أحمد حيدر
الحوار المتمدن-العدد: 7463 - 2022 / 12 / 15 - 11:47
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
"الهاشمية السياسية" ملاحظات على ما ورد في الحلقتين :
(٢٣)
*ملاحظات على الحلقة الأولى:
إن الصلة الوطيدة والعميقة بين الإمامة والقبيلة (زعماء شبه الإقطاع السياسي)، هي التي فتحت باب استدامة حضور، واستمرار وجود الإمامة السياسية "الهاشمية السياسية"، في تاريخ اليمن، وخاصة مع حالة العزلة التاريخية للمنطقة (شمال الشمال)، عن بعضها البعض، وعن الداخل اليمني في العموم، وعن الخارج، فقد وحد مبدأ "الخروج" والذي هو أحد الشروط الأساسية للإمامة الهادوية، بين الإمامة والقبيلة، بعد أن فقد مبدأ "الخروج" معناه ومفهومه الذي دعا إليه وقال به الإمام زيد بن علي، أنه خروج في مواجهة الظلم والظالمين ، وصارت صلته بمبدأ "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" أحد الأصول الخمسة عند المعتزلة تكاد تنحصر في نطاق النهي عن المنكر، وإن اقتضت وسيلة النهي استعمال السيف كخيار أول من خيارات ثلاث وفق المأثور الديني المتواتر: ".. من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه وإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان"، وتحول هذا المبدأ - أي الخروج - مع الإمامة الهادوية، إلى دعوة شخصية سياسية للسلطة/ الملك، بين الأئمة، أوضد المعارضين الآخرين، أي بعد أن تحول إلى "هاشمية سياسية". في تلكم المناطق، حيث توحد وامتزج البعد الديني (الإيماني)، بالبعد العسكري (القتالي/ الجهادي)، وجد كل منهما في الآخر بغيته وهدفه، ولذلك لم يكن أمام الإمامة مفر من التواءم والتكيف مع هذه المعادلة الاجتماعية والسياسية، الواقعية، خاصة وأن الجماعة الإمامية في ذلك الحين المبكر من التاريخ، كانت تعد جماعة آتية من خارج اليمن (بدون عصبية محلية)، -كما سبقت الإشارة-، وهذا الوضع السياسي الاجتماعي، والمذهبي والاقتصادي المعقد هو الذي أنتج واقع الوحدة (التحالف)، والصراع فيما بين الإمامة، والقبيلة، وحصر فعلهما، ووجودهما في الغالب في هذه المناطق (شمال الشمال)، في تكريس لغة التغلب بالحروب – باسم الدين – أي بإضافة بعد مذهبي/ ديني (سلالي)، لمعنى الغلبة، يقول بــ"الخروج"، كشرط من شروط الإمامة، ويؤصل لمعنى الحق في السلطة، وعبر تحويل "الجباية" بمختلف أشكالها إلى قانون أو نظام للحكم، تراجع معها –أكثر – أي إمكانية حقيقية لبناء الدولة، ذلك أن الإمامة والقبيلة، يتفقان على كراهتهما للدولة المركزية، وعدائهما للنظام والقانون، كل من زاوية نظرة الخاصة، بعد أن حلت الإمامة بديلاً عن الدولة، وصارت أصلاً من أصول الدين، غير قابلة للنقاش.
وهو ما أنتج واقع وحالة الجمود والتحجر السياسي والاقتصادي للبلاد في هذه المنطقة في ظل الإمامة السياسية، أو "الهاشمية السياسية"، كمنظومة سياسية، وهو – كذلك - أحد أهم الأبعاد والأوجه الشارحة والمفسرة لعدم اختفاء وانتهاء "الهاشمية السياسية"، من حياة المجتمع الأهلي، والمجتمع السياسي في هذه المنطقة "الشمالية"، في الوقت الذي غابت واختفت دول كبيرة وعظيمة لها مساهمات ومنجزات حقيقية، جميعها أدت دورها، وانتهت مكانتها السياسية، بانتهاء الدور السياسي التاريخي الذي كان لها، لأنها – في تقديري - دول رفضت وضع القبيلة في موازاة الدولة، والأهم أنها لم تجعل السلطة السياسية، حقاً إلهياً، على العكس من الإمامة الهادوية، في صورة "الهاشمية السياسية".
وهنا يكمن السبب الشارح والمفسر، لماذا لم تندمج وتنصهر جماعة "الهاشمية السياسية"، ومن يفكرون بمنطقها (عقلها الأيد يولوجي العصبوي)، طيلة هذه القرون بالمجتمع، وما تزال هذه الجماعة، وليس كل المكون الهاشمي، تحاول إعادة إنتاج نفسها، كــــ"هاشمية سياسية"، فوق المجتمع، وهنا يرتفع سؤال له كل الوجاهة بالحق في البحث، لماذا "الهاشمية الشافعية"، توحدت وامتزجت وانصهرت بالمجتمع اليمني وصارت جزءاً منه، ولم تقل بحقها السلالي بــِ"الولاية"، والتفوق العرقي عن باقي مكونات المجتمع اليمني؟ مع أنها هاشمية حسينية حسب الأصل العرقي وفق "أيديولوجية الأنساب"، وتقع ضمن المكون الهاشمي؟ وهم جزء من التاريخ الاجتماعي والثقافي العربي، كما أنهم الأغلبية الديمغرافية في البلاد!!.
إن "الطائفية السياسية" في تعيينها اليمني – في شمال اليمن، في المرحلة الإمامية - هي ذاتها "الهاشمية السياسية" ، فقط مصطلح "الطائفية السياسية" يأتي في صيغة اصطلاحية عمومية، يمكن تطبيقها أو إسقاطها على جميع الصور والأشكال: المذاهب والطوائف، حين تتحول إلى سياسة وإلى سلطة سياسية، والسؤال : لماذا ارتبطت "الهاشمية السياسية"، في اليمن فقط، بالإمامة الزيدية الهادوية، ولا يمكننا إسقاطها على الهاشمية الشافعية؟ على سبيل المثال، ثم لماذا لم تتبلور الشافعية في صورة فكر سياسي وبقيت تتحرك وتمارس ذاتها ضمن وفي نطاق الحالة المذهبية العامة؟ وهو سؤال/ أو أسئلة مفتوحة للقراءة النقدية، وللبحث السياسي الاجتماعي، بل لماذا كان وصار بقايا "الأحباش أو الأقلية من الأتراك الذين اختاروا البقاء في اليمن، وينخرطون في الحياة الاجتماعية وتذوب أصولهم في نسيج المجتمع اليمني"(1) كما يشير إلى ذلك د. حسين عبدالله العمري.
في تقديري، أن "الهاشمية السياسية"، هي التي أسهمت في تعويق تطور الفكر السياسي الزيدي، بل وحَدَّت من مساحة انتشاره وامتداده إلى معظم مناطق اليمن وهو ما ألمح إليه العلامة عبدالله عبدالوهاب الشماحي في كتابه (اليمن الإنسان والحضارة)، وهي – كذلك – التي قلصت من فضاء روح الاجتهاد العقلي في بنية الفكر الزيدي، والأخطر أنها أدت وقادت بفكرها المذهبي العصبوي، وممارساتها السياسية والاجتماعية والعسكرية والجبائية، إلى تمزيق وحدة النسيج الاجتماعي، وهو ما نرى تجلياته وتمظهراته السياسية والواقعية في صورة "الهاشمية السياسية المعاصرة".
دون تجاهل أو إغفال من أن الزيدية مدرسة فكرية وكلامية بل وحركة سياسية، قدمت في بعض المراحل إسهامات فكرية وفقهية وكلامية، ومشهود لها بالتحرر والاجتهاد العقلي والتسامح الديني، كما كانت مع الإمام زيد بن علي، وقفت دونها "الهاشمية السياسية" التي حدَّت من حركة وحرية انطلاقها الاجتهادي العقلاني.. حيث الشيعة اليوم، هم أهل الرأي تاريخيا، والسنة، وهم أصحاب الحديث ، أي أهل العقل(المعتزلة، بعض تيارات الشيعة، الزيدية المنفتحة), في مقابل أهل النقل،(معظم المذاهب السنية), ومن هنا وجدنا الزيدية الهادوية،- وغيرها- تنتقل بالمذهب، من الإجتهاد إلى الجهاد، هكذا كانت المعادلة تاريخياً ، لولا "الهاشمية السياسية" التي حولت الزيدية من العقل إلى النقل ، بعد أن قلصت مساحة الاجتهاد في بنية المذهب والفكر الزيدي، بعد تركهم للاجتهاد، والذهاب إلى "الجهاد" أي "الخروج" بمعنى السياسة والسلطة ، بعيداً عن "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر".
لقد تعامل قادة الدول، الصليحية، والرسولية، والطاهرية بأنهم جزءٌ أصيل وعميق من بنية المجتمع، والأهم أنهم أكدوا بالفعل على أنهم بناة مجتمع، وموحدون لبنية المجتمع، - بهذا القدر أو ذاك - على قاعدة الدولة الجامعة، ولذلك وضعوا مسافة نسبية بين السياسة والدين، وبين الدولة (الملك/ الإمام)، والقبيلة، وهم يمارسون "التدافع السياسي"، الذي أشار إليه العزيز/ عيبان، لتعمل القبيلة بأمر الملك/ الدولة ، فلم تك العلاقة بين الدولة، والقبيلة ملتبسة ومتماهية، ونفعية (برجماتية ولو على حساب المجتمع، والدولة)، كما هي في صورة تحالف الإمامة الهادوية مع القبيلة التي قامت الإمامة على أكتافها، ففي متون المصادر التاريخية الدارسة للإمامة، من فترة دخول يحيى بن الحسين بن القاسم الرسي. "الهادي"، ومن جاء بعده من الأئمة، ستجد هناك الكثير من الإضاءات المختلفة، والمتناقضة حول علاقة الإمامة بالقبيلة (شيوخ القبائل، وزعماء شبه الإقطاع اليمنيين)، علاقة وحدة وصراع، تحالف، وصراع، تحكمها موازين القوى والقوة فيما بينهما في كل مرحلة على حدة، في صيغة معادلة سياسية فكلما اشتد ساعد الإمامة ضعفت القبيلة وحينما تضعف سلطة الإمامة يشتد عود القبيلة، على أن الناظم فيها جميعاً، هو قضية "الخروج" والجباية للمناطق الأخرى في جنوب الشمال: "الخطاط" "التنافيذ" "البقاء" "الصبرة" حتى "التكفير بالتأويل"، ..إلخ حتى غدت مفردات ومعاني: "الخروج" و"الحرب" و"الجهاد" و"الجباية"، و"التكفير بالتأويل" متداخلة ومتماهية، كل منها يقود إلى المعنى الآخر ويكمله.
فعلى سبيل المثال، قضى الإمام يحيى بن الحسين (الهادي) كل أو معظم فترة وجوده وبقائه في اليمن (284-298هــ)، في حروب لم تتوقف إلا لتبدأ، ومات متأثراً بجراحات تلك الحروب، وكان الباعث الرئيسي لها هو سعيه الحثيث لتوطيد دعائم حكمه، فكان من بينها حروبه مع بني يعفر الحواليين ومع علي ابن الفضل، والتي مثلت صنعاء أهم وأكبر ميادينها في محاولات للسيطرة وبسط النفوذ عليها، وإن لم يتمكن من تحقيق ماكان يصبو إليه، حيث انكفأ في صعدة أول وأبرز معاقله، وفيها أخذ يسن بعض التشريعات المنظمة لعملية الجبايات وتعيين قضاة هادوية وإقرار مظاهر التعليم المذهبي في الهجَر والمراكز العلمية كركائز أساسية لتأسيس "دولته ", في نطاقها المحدود مكاناً وزماناً وقتذاك.
وعلى ذلك "فالحرب في معارك الأئمة والقبائل تمول نفسها بنفسها، عن طريق النهب أو فرض النفقة على المغلوب (....)" وعن الإمام أحمد بن سليمان ومحاولته دخول نجران (...) دخل نجران الهجر مكتفياً بسلطة اسمية، تاركاً السلطة الفعلية للمشايخ الذين عين لهم قاضياً يعودون إليه في القضايا التي تحتاج إلى بيان حكم الشريعة الإسلامية فيها، وظل يتنقل بين القبائل من خولان إلى صعدة، في حين خرجت نجران على سلطتة بابتعاده عنها، فلما عاد إليها بدأت تصل إليه بعض القبائل معلنة الطاعة، لأنه أباح نهب ممتلكات المخالفين وخراب دورهم، إلا أن القبائل رفضوا إطعام عسكره – لأنه أصلاً بدون جيش – الباحث- حتى بعد أن طلب منهم أن يقتطعوا ذلك من أعشار التمر" (...) وكلما حاول جمعهم من حوله لخوض معارك توسيع رقعة دولته انفضوا من حوله سريعاً، أو صرفهم لقلة المؤن الضرورية لتغذيتهم، فالمحاربون متوفرون لكن يبدو أنه لم يكن قادراً على الصرف عليهم، ولا على اغرائهم بفرص نهب تغني عن انتظار ما في يده"(2)، والصورة السياسية التصويرية الدراماتيكية السابقة هي الصورة التاريخية المثلى لكل تاريخ علاقة الإمامة بالقبيلة، وستجدها مدونة في المصادر التاريخية ، تقول هذا المعنى وتؤكده. إن "التدافع السياسي"، في اليمن كان يعتمد القوة، كما يشير عيبان، وأقول له: نعم، كان التدافع السياسي يعتمد القوة، ولكن ضمن مسوغات أيديولوجية وسياسية، وصراعية وفكرية مختلفة ، ليست هي ذات المسوغات الذهنية والأيديولوجية السلالية/المذهبية ، التي قال بها الأئمة المتعاقبون على الحكم، ومن هنا استمراريتها في التاريخ السياسي والاجتماعي اليمني، ففي كل تاريخ الإمامة في الحروب بهدف الاستيلاء على السلطة، لم يك في مسعاها النهائي تنمية المجتمع، (عمرانه)، أو إيجاد دولة، بل إنتاج صيغة إمامية، مذهبية خاصة للحكم لم تصل حتى إلى حد مسمى "النظام السياسي"، ناهيك عن معنى الدولة، والبداية في تلك الصلة العدمية والعبثية بالدولة، أن الاقتصاد في عقل الأئمة لم يكن إلا مصدراً للفيد، والغنيمة والنهب و مصادرات "جبايات"، وبدون عمل، ولا وظيفة إنتاجية تقود إلى تنمية رأس المال، وتطوير بنية العمل الاقتصادي، بل مصدراً للفيد، وتدميراً لتراكم رأس المال، وتجميداً للاقتصاد عند هذه الحدود، خدمة لا نتزاع "الجبايات"، ومن هنا توقف "العمران"، وهو الوجه الحقيقي لميلاد المدينة والنظام والقانون، والدولة، بل إنه حتى ما كان من العمران، تم حرفه عن سياق التطور والتوسع باتجاه التنمية، (العمران)، بل ويحول عن مساره العمراني / الاقتصادي إلى مجال للاستهلاك الحياتي اليومي: سكن، أو اسطبل، أو مقر للعسكر ، أو مطبخ للطعام، وليس حتى إلى مستشفى أو مبانٍ للدولة ومؤسساتها المختلفة "الدواوين " التي بها تقوم الدولة كمبنى ومعنى، أو كما يقول ابن خلدون - بما معناه - أن الأئمة تراهم يدمرون مباني تاريخية عظيمة ليوقدوا من أحجارها ناراً.. ومن هنا بقي نمط العيش والإنتاج، والاقتصاد في حالة ركود، وغاب معه معنى ومبنى الدولة، حتى المدينة صنعاء منعت، أو تم تعويق تحويلها إلى مدينة، وإلى عاصمة مستقرة في معظم التاريخ السياسي للأئمة بل إن معظم الأئمة لم يساهموا في تطوير صنعاء كمدينة، إن لم يكن العكس من كثرة تحويلها إلى حالة فيد ونهب في التاريخ السياسي الإمامي، والذي استمر حتى أربعينيات القرن الماضي بل وحتى اليوم.
والملفت للانتباه أن معظم الأئمة خلال التاريخ السياسي الطويل لحكمهم لم يختاروا صنعاء عاصمة لحكمهم وسعوا إلى اختيار عواصم حكمهم في مناطق قبلية ثانوية لا صلة لها بمسمى المدينة.. اختاروا مناطق قبلية مسلحة ومحصنة بالقلاع والحصون، حتى أن الإمام أحمد بن يحيى حميد الدين، نقل مركز العاصمة من صنعاء إلى تعز بعد انقلاب 1948م، وهي مرات قليلة التي أصبحت فيها المدينة صنعاء عاصمة في ظل حكم الأئمة، وكان أول من اتخذ مدينة صنعاء عاصمة لليمن في المرحلة القاسمية، هو الإمام المتوكل القاسم بن الحسين الشهاري (1718 -1728م) ثم تلاه ابنُهُ المنصور حسين واعقبه ابنه المهدي عباس بن الحسين ثم الإمام المنصور علي بن عباس حتى بيت حميد الدين، وهي فترات متوترة وقلقه، سادت فيها الفوضى، وكانت صنعاء عرضة للحصار والسلب والنهب، كثقافة غذتها الإمامة وعمقتها أكثر، وهي التي أنتجت حالة عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وبالنتيجة تكريس لغياب "نظرية الدولة" في عقل الأئمة في الفكر والممارسة، وهو ما كان.
هناك الكثير من الدول في التاريخ السياسي العالمي، والإسلامي، نشأت وقامت على العصبية العائلية والقبلية والمناطقية، وبعضها وظف المذهب والدين في خدمة السلطة (كأيديولوجية)، وبعضهم استخدم القوة لمجرد (التغلب بالحرب)، ولا يحتاج إلى النسب ولا إلى الدين، وفي هذا السبيل كان يتم التحالف حتى مع المختلف دينياً وقبلياً ومناطقياً من أجل الوصول إلى السلطة، ولا غرابة في ذلك ، فالجدل أو العلاقة بين المبادئ والمصالح تكون في الغالب لصالح المصالح، وخاصة حينما تتناقض المعرفة (الوعي / الفكر)، مع المصلحة التاريخية للناس في التقدم، علماً أن ازدهار المجتمعات وتقدم الدول يكون حين تتوافق وتنسجم المبادئ مع المصالح الحياتية والتاريخية للناس.
كانت العصبية القوية في ذلك التاريخ هي التي تعطي لأي نسب معنى، حتى النسب الوهمي، مادام امتلك القوة، ودعمها بالعصبية، وبذلك وحده يتحول النسب إلى ملك وسلطة، وكل ذلك تأكيد لمفهوم ابن خلدون أن العصبية ليست معنى، أو مفهوماً عرقياً أو دينياً – كما سبقت الإشارة – بل هو مفهوم سوسيولوجي (اجتماعي تاريخي)، ومن هنا ظهور فلسفة التاريخ الإجتماعي التي يعتبر هو رائدها ومؤسسها.
إن الدعوة المحمدية العظيمة كرسالة (وهي وحي إلهي)، لم تتأسس على النسب والعرق، بل على "التقوى" و"الإيمان بالله" و"بالعدل" على الأرض، دعوة وحدت الناس (القبائل)، بالعدل والمساواة والحرية، دعوة نقلت الناس من طور إلى طور آخر، بالتأكيد على "التقوى" وعلى العدل والمساواة، وليس على النسب، وبهذا كان الدين الإسلامي تلك القوة الدولية العظمى.
فحتى الخلافة الإسلامية الأموية والعباسية، حين تحولت إلى ملك عضوض، عبر تحويل البيعية والشورى إلى عملية صورية، فإن ذلك كان على خلفية سياسية، وليس باعتبار الخلافة، الإمامة، قضية عرقية / سلالية، أو باعتبارها أصلاً من أصول الدين، ومن كونها حقاً إلهياً، بل كان الشرط السياسي (السلطوي )، مع الأمويين والعباسيين، هو الأساس، وليس العرق أو النسب.
في تقديري، أن القول بأن الإمامة أصل من أصول الدين، كان يعني دخول إلى تاريخ جديد في الفكر وفي السياسة، والاجتماع.. تاريخ جديد من الصراعات ذات الطابع المذهبي الديني القبلي المناطقي، وهو قطعاً ما أثر لاحقاً على وحدة المجتمع، وبالنتيجة رحل بناء الدولة إلى زمن مجهول، ما نزال نعاني من آثاره السلبية حتى تاريخنا السياسي المعاصر.
إن "الموضوعة القائلة أن الإمامة ركن من أركان الدين، وأن الإمام إلهي، تناقض ليس فقط ما اشتهر عن كبار الفقهاء، بل وأيضاً أحكام العقل، إذ أنه من الغريب فعلاً الاعتقاد أن الله يمكنه ان يتجسد في مخلوق دنيوي، وهو - بالمفارقة - التجسيد/ التشبيه الذي تعارضه الزيدية وقبلها المعتزلة في قلب معتقداتهما وبشدة يصل حد التكفير للقائلين به، وفرَق الشيعة نفسها عدا الإثنى عشرية - في مانعلم - ليست على اتفاق فيما بينها لمعرفة من هم الأئمة ومن منهم هو الغائب. إن المسألة غاية في الأهمية، ونكتفي أنها تشهد عند ابن خلدون على استحالة الثيوقراطية استحالة جذرية، إن مدينة الله ، ليست بالتأكيد من هذا العالم، (3)
لم تحاصر صنعاء تحديداً بالجبال، والمرتفعات الشاهقة (التضاريس الصعبة)، بل، وبالقبائل المسلحة (طوق صنعاء القبلي المسلح)، خاصة وتحديداً في التاريخ السياسي الإمامي التي حولت المدينة صنعاء، (وكل المدن)، إلى فيد، وغنيمة في فترات الحروب التي لم تتوقف إلا لتبدأ، فضلاً عن حصارها بريف قبلي مسلح متخلف راكد يعيش حالة اقتصاد طبيعي، فيه ندرة وقلة في الإنتاج الزراعي، بقدر ما فيه احتقار لقيمة العمل / الانتاج ، بما لم يساعد على تحقيق تراكم أولي لرأس المال، الذي يجري نهبه بـــ(الجبايات )، وتبذيره مع كل صباح، على أن أخطر أشكال الحصار للعاصمة/ المدينة صنعاء هو ذلك الذي طوَّق وعيها الاجتماعي، وفكرها السياسي، وثقافتها الاجتماعية، بالأيديولوجية الإمامية الهادوية، "العصبوية" فوقعت المدينة صنعاء بين حصارين، أو فيدين: مادي وأيديولوجي، وهو أحد أهم عوامل تعويق ظهور وبناء الدولة في كل هذه المنطقة، ولذلك طالب في تاريخنا المعاصر، الشهيد أستاذ/ القانون د. أحمد شرف الدين بوثيقة مكتوبة بنقل العاصمة من صنعاء كمقترح، وهي الوثيقة التي قال فيها (أن الدولة لا دين لها), .. فلم يشفع لصنعاء، العاصمة ما قاله فيها الرازي، (أحمد بن عبدالله الرازي الصنعاني)، من دورها وذكر بنائها، وعماراتها وأساسها وذكر طيبها وطيب عيشها (...) وما قيل فيها من الأشعار (...) وما ذكره الله تعالى في القرآن الكريم ، وذكر رسوله (ص) لها في حديثه وأمره ببناء مسجدها وجبانتها (...) ، وذكر من قدمها من أصحاب رسوله (4), كل ذلك لم يشفع لها، ومن أنها مدينة مسالمة يحميها من العدوان وتحويلها إلى منطقة فيد وغنيمة للقبيلة/ القبائل ، ولكنها "ثنائية الإمامة والقبيلة التي جعلت كل شيء متاحاً ومباحاً وشرعياً (دينياً) ما دام ذلك يكرس استمرار مصالح "ثنائية الإمامة القبيلة"، أي " الهاشمية السياسية", وهو ما تم وتحقق منذ دخول يحيى بن الحسين (الهادي) ، إلى صعدة، والتي لم تسلم كذلك (صعدة)، من العدوان عليها وتدميرها لأكثر من مرة، وكأن هناك عداء كامن في الأعماق ضد المدينة حتى في أبسط أشكال تعبيرها عن نفسها,وهو ما نطالعه اليوم .
إن القوة المجردة وحدها لا توحد المجتمع ، وبالنتيجة لا تبني دولة، ودائماً تحتاج لا نحياز ورضا المجمتع حتى تدخل لبناء الدولة، وتحقيق الإنجاز وهو ما لم تقم به الإمامة السياسية التاريخية في جميع عهودها، لأنها بقيت وانحصرت في حدود "الهاشمية السياسية"، التي لا أمل منها في توحيد المجتمع ولا في بناء الدولة، ومن هنا غياب الإنجاز المادي (العمراني)، والفكري، والثقافي، والحضاري في تاريخ حكمهم لليمن.
إن ظاهرة العزلة والجمود والتحجر في الواقع/ الحالة الإمامية في اليمن، سببها -إلى جانب ما سبق الإشارة- إليه هو عزلة "الأيديولوجية الشيعية/ والإمامة الهادوية"، عن محيطها المحلي الواسع، وكذلك عزلتها و(صراعها)، العبثي، مع محيطها العربي الإسلامي، مع بقاء الصراع في الغالب في الحدود النظرية (المذهبية)، فضلاً عن غياب "نظرية للدولة"، في عقل الأئمة واستبدالها بــ"نظرية الإمامة"، وهو ما أنتج على المستوى السياسي، حالة مزدوجة في العلاقة السلبية مع الداخل اليمني، ومع الخارج العربي الإسلامي، وكذلك مع الخارج، (الأجنبي)، الذي يتم الاستنجاد به، في العديد من الحالات في الخصومات الداخلية ، مع الأطراف المختلفة المكونة للمجتمع، وبالتحالف مع شيوخ القبائل، ضمن "ثنائية الإمامة والقبيلة"، وهذه العلاقة في صورة هذه "الثنائية"، هي التي حكمت وتحكمت ، بمعنى وجودهما في التاريخ السياسي اليمني من لحظة دخول يحيى بن الحسين |(الهادي)، لليمن وحتى اليوم.
فالوحدة والتكامل بينهما هي القاعدة، والصراع هو الاستثناء، وفقاً لمصالح كل منهما، وموازين القوة، والقوى، فيما بينهما في كل مرحلة من مراحل تطور العلاقة السياسية والصراع في سبيل السلطة ، فحتى الدولة القاسمية التي يراها البعض الصورة العليا لنموذج دولة الإمامة فإنها لم تخرج عن القانونية الذاتية والموضوعية لكل تاريخ الإمامة السابق، "فقد كان أئمة الدولة القاسمية يتغاضون عن تجاوزات الولاة الأقوياء وغيرهم من الزعماء والقضاة الذين يتمتعون بقوة كبيرة بين القبائل، وذلك خشية أن يستغل هؤلاء قوتهم، ونفوذهم في الوقوف في وجه الدولة، إن هي حاولت المساس بمواقعهم ومصالحهم، ولذلك تعاملت الدولة القاسمية بأسلوبين مختلفين في معالجة التمردات، مع الأقوياء تقوي وتزيد نفوذهم أكثر، والضعفاء تعزلهم"(5).
وهذه العلاقة الثنائية التكاملية بين الإمامة والقبيلة، صراع ووحدة، هي علاقة نفعية مصالحية، علاقة غير مستقرة وغير ثابتة، وهي التي تفسر سياسياً، وتاريخياً ظاهرة الاستمرار المتقطع للإمامة في التاريخ السياسي اليمني، و لا تعود تلك الاستمرارية في التاريخ إلى قصر، أو طول مدة حكمهم عشرة قرون، أو خمسة، أقل أو أكثر.
إن التدافع السياسي في تاريخ اليمن كان يعتمد القوة، نعم، ولكنه مع الإمامة الهادوية ، إلى جانب القوة، قد أضفى شرعية دينية/ مذهبية سلالية ، "حق إلهي"، سواء حكمت وجابهت خصومها بهذا المنطق من الأيديولوجية ومن الحكم، أو هجعت وتراجعت مؤقتاً، وبقيت تتحين الفرصة لتعيد الكرة، كما كان في التاريخ، وكما هي في الكرة الراهنة/ الحاصلة، - التي لا يراها البعض بل ولا يتحدث عنها - وهي خير مصداق لما نقوله ، حول "الهاشمية السياسية"، وليست مجرد تخيلات ذهنية متصورة (بدهيات) في عقول البعض منا، حول معنى "الهاشمية السياسية"، هناك اليوم من يقف في مواجتهك ليقول لك بخطاب سياسي واضح، أنا السيد، وأنت الرعوي التابع، "المملوك"، ومن هنا مصدر الردود العديدة، وحتى المتشنجة، والعصبوية والشعبوية "القومية اليمنية"، و"الأقيالية"، في مواجهة "الهاشمية السياسية".
يشير عيبان صراحة إلى أنه اضطر لنشر مقالته "مع تزايد حمى الاستقطابات الهوياتية، وتصاعد وتيرة تزييف الوعي الجمعي الذي تمارسه الكثير من وسائل الإعلام بأشكال وطرائق مختلفة ومتنوعة"(6)
والحقيقة كما هو واضح أن نشره لمقالته يزيد أكثر ويعمق أكثر من حدة الاستقطابات الهوياتية وليس العكس، لأنها أنتجت حالة واسعة من التشوشات والاضطرابات في فهم وتفهم ما أشار إليه من رفض لمصطلح "الهاشمية السياسية"، خاصة وأنه لم يطرح مصطلحه البديل، الذي ينقض مصطلح "الهاشمية السياسية". والسؤال: لماذا أجل نشر مقالته طيلة السنتين الماضيتين كما أشار؟ ولماذا ارتأى تحديداً نشرها في هذا الوضع/ المرحلة الأشد صعوبة وتعقيداً؟! وخاصة، بعد أن صارت الدعوة الأيديولوجية والسياسية لــ"الهاشمية السياسية"، علنية وصريحة، كما أنه بمثل ما هنالك من خطابات وفيديوهات أزعجته ، كذلك هناك ما أزعج المختلفين معه، الذين يقرؤون ويشاهدون الجانب الآخر من الصورة، والذي قد يكون أعنف أو بنفس المستوى من الخطاب، والذي يأتي في الغالب من مراكز أيديولوجية شيعية شديدة التطرف، والجهالة والعنف في التعبير عن عصبويتها في رفض وكراهية الآخر، أنظر ما يصدره يومياً إعلام "الحشد الشعبي في العراق"، و"أحزاب الولاية" بمئات التسميات ومن خلال المئات من المواقع، والقنوات وما يصدره الإعلام الأيديولوجي الإيراني ومن يصطف مع هذا الاتجاه، وإعلام "حزب الله"، في لبنان وكله في التحليل الأخير من هنا أو هناك مرتبط بمشاريع صغيرة متخلفة داخلياً، وبأجندات إقليمية ودولية ، بهذه الصورة أو تلك ، تؤدي عملياً وسياسياً إلى حصار ومصادرة حضور الرؤى الوطنية والديمقراطية والتقدمية، كما هو حاصل اليوم في بلادنا ، وفي كل المنطقة العربية، وهو تجسيد وتعبير عن أزمة في الرؤية النظرية والفكرية، وأزمة في الفكر السياسي، وفي الممارسة الواقعية كما نشهده أمام أعيننا في أكثر من مكان في المنطقة العربية وفي بلادنا على وجه الخصوص.
والسؤال للعزيز/ عيبان: لماذا توقع مسبقاً هذه الردود، أو "أن تحدث هذه الجلبة"، -والتعبير لعيبان – ضد ما كتبه؟ ولماذا لم يتوقع ردود فعل مؤيدة لما كتبه، وخاصة بين صفوف كتاب اليسار؟! هل لأنهم ما يزالون متمسكين بمنطق البداهة حسب تعبيره؟!
هل لأنه أتى ليدحض البديهيات، والمسلمات واليقينيات العالقة في أذهاننا حول "الهاشمية السياسية"، وحول عدد القرون التي حكمت فيها الإمامة اليمن؟!
أشار عيبان، إلى أن أحدهم "سأله بلؤم!، هل لديك عرق ما بالهاشمية السياسية حتى تدافع عنها بهذا الشكل ؟!، والحقيقة أن كثراً سألوني ذات السؤال هل هناك صلة نسب له بالهاشمية السياسية"؟ فكان جوابي الواضح والمباشر لهذا البعض: إن هذا الأمر لا يعنيني ولا يهمني شخصياً معرفته، لأنه سؤال يعكس خيالاً مرهقاً ومتعباً، ففي رحلتي السياسية (الحزبية)، تحملت مسؤولية حلقات حزبية، وتحمل مسؤوليتي قيادات حزبية من المكون الهاشمي، ومن المكون الزيدي عموماً، ومن كل الأصقاع والأطياف ولم يخطر في بالنا يوماً: أن نلتفت أو نقف أمام هذا السؤال الصغير، الذي يعكس روح ومنطق الأزمة الفكرية، والسياسية والوطنية التي نمر بها في هذه المرحلة، وأزيدكم من البيت شعراً، فعلى سبيل المثال فقط، فقد بقيت مسؤولاً حزبياً على اللواء، شرف الشامي (العقيد في حينه)، - كمثال - وهو القائد العسكري والسياسي والوطني الكبير، ومن الضباط الأحرار، الذين غادروا إلى الاتحاد السوفيتي لدراسة البحرية العسكرية مع دفعة 1959م، وكان عمري حين سفره للدراسة، لا يتجاوز العشر سنوات ، ووجد نفسه ابن الشامي السياسي والقائد، أمام مسؤول حزبي يصغره بأربع عشرة سنة، وهو من هو، من حيث الدور والمكانة، والتاريخ، وهو من كان يجب أن يكون المسؤول الحزبي على أمثالي،(الصغار), وهو من ضباط 26 سبتمبر 1962م، كان ذلك في النصف الأول من سبعينيات القرن الماضي ، وهو الذي كان دائماً وما يزال يشيد بدور الحركة الوطنية اليمنية في "إزالة الفوارق بين الطبقات"، والمذاهب والطوائف، وكان يرى أن الحزب "الحركة الوطنية"، القومية والتقدمية واليسارية، هي من كانت تقف خلف الثورة، ومن بفضلها تم طرح مفاهيم جديدة لمعنى السياسة، ولمعنى التنظيم الحزبي، ومن بفضلها – كذلك - تم إنتاج حالة من المواطنة النسبية بين الجميع، قياساً إلى ما كان، ومن أنها الحركة الوطنية، "الحزب"، هي من أضعفت الخطاب المذهبي والطائفي في البلاد من بعد قيام الثورة، وما يزال الرفيق والقائد السياسي والوطني اليمني، اللواء شرف الشامي حاضراً بيننا أعطاه الله الصحة والعافية، ونماذج شرف الشامي كثر في حياتنا السياسية والثقافية والوطنية.
وهنا على العزيز/ عيبان أن يبحث عن أسباب ودواعي وحيثيات ذلك السؤال المريض الذي سأله أحدهم به، ما صلتك بالعرق الهاشمي، أي بــ"الهاشمية السياسية"؟ ، انطلاقاً مما كتبه، ولن يجد له جواباً سوى في أزمة الخطاب الفكري والسياسي السائد اليوم من الجميع، وفي أزمة الثورة والجمهورية والدولة، وفي انتكاسة الثورة في الخامس من نوفمبر 1967م، وفي تداعيات تلك الانتكاسة، في أحداث 23/24 أغسطس 1968م، حتى ما يسمى اتفاقية "المصالحة" جدة مارس 1970م، وصولاً إلى جريمة حرب 1994م، التي أنتجت بدورها انقلاب 21 سبتمبر 2014م وصولاً إلى حرب 2015م، وهي جميعها، التي سهلت ليس فحسب ، إعادة إنتاج خطاب المذهبية، والطائفية والقبلية والمناطقية والجهوية، بل وإلى إعادة انتاج "الهاشمية السياسية" كرة أخرى، كما نراها فعلية وقائمة اليوم.
فبقدر ما يكشف التساؤل المتعب والمرهق عن الأصل العرقي للعزيز / عيبان عن حالة من الفشل والعجز في الإمساك في جذر السؤال المسبب لكل ما نحن فيه، فإنه وبالقدر نفسه يدلنا على أن هناك خللاً عميقاً في منطق تفكيرنا، وتحليلنا لما يدور وفي ممارساتنا، وفي طريقة إجاباتنا على جملة من الأسئلة الملحة الراهنة، وعلينا أن نبحث أين يقع ويكمن جذر ذلك الخلل، هل هو في الفكر، أم في الممارسة، أم فيهما معاً؟ هل يكمن الخلل في الآخر وحده الذي هو الجحيم حسب تعبير جان بول سارتر، أم أنه قد يكون فينا كذلك؟
أما حول قضية سنوات أو عدد القرون التي حكم فيها الأئمة اليمن (1200) سنة، أو خمسة قرون، أو ثلاثة قرون أقل أو أكثر، فإن ذلك الأمر على أهميته من الناحية السياسية والاجتماعية الاحصائية والتوثيقية، والتاريخية عند البعض، فإنني لا أقف طويلاً أمام ذلك بتركيز واهتمام بما يجعلني لا أرى الصورة السياسية الاجتماعية التاريخية في تفاصيلها كاملة، فسواء حكم الأئمة هذا العدد من السنوات ومن القرون أو لم يحكموا، فإن ذلك لا يغير في الأمر شيئاً كما أنه لا يعطينا الحق – كما أتصور - في إنكار أيديولوجية "الهاشمية السياسية"، ومن أنها استمرت لقرون، ولا يهمني هنا كم عدد هذه القرون، بل والأهم أن محاولاتها لاستعادة الإمامة لم تتوقف وهي ما تزال قائمة حتى يوم الناس هذا، بل وتحاول إعادة كتابة تاريخنا السياسي والثقافي الوطني بأثر رجعي!! وهو ما يرفض البعصُ الاعتراف به.
ختاماً لهذه الفقرة (الحلقة)، أقول: إنني لا أميل كثيراً للقراءات الاحصائية/ الرقمية، وأنا أبحث وأحلل في القضايا السوسيولوجية، والتاريخية، دون أن يعني ذلك أنني أرفض ولا أتعامل مع مثل هذه القراءات والأبحاث، أو أني أخطئها، وهي في تقديري إضافة بحثية/ منهجية في قراءة الواقع، وهي واحدة من مناهج البحث الأمريكية/ الغربية، وهو المنهج الذي يقوم بتحويل الوقائع والأحداث السياسية والاجتماعية إلى أرقام واحصاءات، يقومون بتحليلها وتصنيفها لإثبات من خلالها حقائق اجتماعية(سوسيولوجية/ وسياسية تاريخية). وهو منهج في القراءة والبحث له كل التقدير العلمي في مجال قراءاته واختصاصاته.
الهوامش: 1-د. حسين عبدالله العمري (تاريخ اليمن الحديث والمعاصر (922-1336هــ/1516-1918م)، من المتوكل إسماعيل إلى المتوكل يحيى حميد الدين)، دار الفكر/ دار الفكر / دمشق، دار الفكر المعاصر، لبنان، ط(1)، 1997م، ص130.
2- علي محمد زيد (تيارات معتزلة اليمن...)، مصدر سابق ، ص48-49-50.
3-جورج لابيكا، الدين والسياسية عند ابن خلدون ‘ ص133-134 ، تعريب د. موسى وهبة، د. شوقي الدويهي، دار الفارابي / بيروت، ط(1)، 1980، ص126، بتصرف في بعض المواضع لا يخل بالمعنى، ولايؤثر في السياق.
4-الرازي، أحمد بن عبدالله الصنعاني، (تاريخ مدينة صنعاء)، طبعة جديدة ومنقحة، أرفق بها ذيله – كتاب الاختصاص للعرشاني، تحقيق ودراسة حسين بن عبدالله العمري، دار الفكر المعاصر/ بيروت ، دار الفكر ، دمشق، ط (3)، 1989م ، ص63.
5-د. محمود علي محسن السالمي (محاولة توحيد اليمن بعد خروج العثمانيين الأول (1045-1097هــ/1635-1685م) الدولة القاسمية المركز العربي بعد للدراسات الاستراتيجية سوريا/ دمشق ط(1)، 2002، ص.164.
6-أنظر هامش الحلقة الأولى من مقالة عيبان نشرت بتاريخ، 12/9/2022م
#قادري_أحمد_حيدر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الهاشمية السياسية - ملاحظات على ما ورد في الحلقتين 1-3
-
مقبل حلم الحرية الذي لايشبه القادة -الفارغين- 2-2
-
مدونة السلوك الوظيفي أداة لتفجير المجتمع
-
مقبل: حلم الحرية الذي لايشبه القيادات الفارغين 1-2
-
عبد العزيز المقالح الإنسان
-
الهاشمية السياسية -ملاحظات على التعقيبات- 5-4
-
الهاشمية السياسية -ملاحظات على التعقيبات - 5-5
-
الهاشمية السياسية -ملاحظات حول التعقيبات- 5-3
-
الهاشمية السياسية - ملاحظات على التعقيبات- الحلقة الأولى 1-5
-
الهاشمية السياسية -ملاحظات على التعقيبات 2-5
-
في صواب مصطلح الهاشمية السياسية 5-5
-
في صواب مصطلح الهاشمية السياسية 4-5. الإمامة والهاشمية السيا
...
-
في صواب مصطلح الهاشمية السياسية 3-5 الإمامة، والهاشمية السيا
...
-
في صوابمصطلح الهاشمية السياسية 3-5 الإمامة، والهاشمية السياس
...
-
في إشكالية مصطلح الهاشميية السياسية 2-5
-
في صواب مصطلح الهاشمية السياسية 1-5 مقاربة أخرى
المزيد.....
-
الأنشطة الموازية للخطة التعليمية.. أي مهارات يكتسبها التلامي
...
-
-من سيناديني ماما الآن؟-.. أم فلسطينية تودّع أطفالها الثلاثة
...
-
اختبار سمع عن بُعد للمقيمين في الأراضي الفلسطينية
-
تجدد الغارات على الضاحية الجنوبية لبيروت، ومقتل إسرائيلي بعد
...
-
صواريخ بعيدة المدى.. تصعيد جديد في الحرب الروسية الأوكرانية
...
-
الدفاع المدني بغزة: 412 من عناصرنا بين قتيل ومصاب ومعتقل وتد
...
-
هجوم إسرائيلي على مصر بسبب الحوثيين
-
الدفاع الصينية: على واشنطن الإسراع في تصحيح أخطائها
-
إدارة بايدن -تشطب- ديونا مستحقة على كييف.. وترسل لها ألغاما
...
-
كيف تعرف ما إذا كنت مراقبًا من خلال كاميرا هاتفك؟
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|