عزيز باكوش
إعلامي من المغرب
(Bakouch Azziz)
الحوار المتمدن-العدد: 1698 - 2006 / 10 / 9 - 09:35
المحور:
الصحافة والاعلام
يا أصحاب" التيليكوماند" او الرومانت كونترول" ...اتحدوا
بكل صراحة ,تحتل آلة التحكم عن بعد " tele commande" موقعا خاصا و مميزا في تاريخ نضالي الدؤوب من أجل الحد من سفالة و اهتراء ما تبعث به "الأولى " من برامج و مواد إعلامية مختلفة .ذلك أن معظم التدابير الزجرية المضادة التي اتخذتها كإجراء وقائي ضد سياسة المسخ و التضبيع من مقاطعة شاملة.... الى انتقادات عنيفة مباشرة و غير مباشرة على صفحات الجرائد والملاحق الفنية ... لم تكن فعالة و ناجعة , كما هو الحال عليه الآن مع هذه الآلة التحكمية العجيبة المتواضعة شكلا, و الحكيمة منهجا و وظيفة.
ففي مطلع يوليوز من 20 سنة مضت , سنح الظرف باقتناء جهاز تلفاز متقدم يتوفر على نظام متطور و متقدم جدا .و تأتي آلة التحكم عن بعد في طليعة هذا النظام الالكتروني الجذاب , بحيث يمكن تشغيل مختلف أنظمته والتحكم فيها , وبرمجة القنوات وترتيبها حسب الأفضلية , كما تشمل عمليات أخرى من بحث أوتوماتيكي ,وتغيير مواقع القنوات حسب الافضليات , وستمتتها , فضلا عن ضبط جودة الخدمات والاختيارات , لقد كانت المفارقة عجيبة وغريبة , بين ما وصلت إليه تلفزة الدقة العالية من جودة في الصورة والبرمجة والمتعة . وما آلت إليه تلفزتنا من رداءة , سواء على مستوى البرمجة وأسلوب البث أو على مستوى و قيمة مايبث فنيا وثقافيا.
وكي لا أسهم في خلق ضجة من شانها ان تسيء الى "الأولى" أو الثانية" فقد راودتني فكرة إخفاء الأمر مدة طويلة , وهكذا حصرت وظيفة آلتي العجيبة "تيليكوماند" في تغيير قنوات البث ,أو الاستقبال , والحد من مستوى التباين , وانسجام الألوان, الى غير ذلك.
ولما جاء رمضان الموالي , وضلت برامج قناتينا دونما المطلوب , على حال من التفاهة واستبلاد المشاهد , من جهة رسخت منهجها الدؤوب على منع تسرب الوعي بمختلف تجلياته, ومن أخرى , اجتهدت بفضل تضافر جهود القائمين عليها على تعميق هوة انعدام الوعي ,وإضفاء حدود شاسعة بين الوعي الحقيقي , والسفالة في أقصى تجلياتها في مجال الإبداع.
لذلك صرت كمشاهد ,على قناعة تامة, بان مجرد استمرار قناتينا على ذاك الحال, يعني الكارثة..
تصوروا معي , 36 مليون من أبناء هذا الشعب المغربي الأبي ,بتراثه الحضاري الزاخر, وماثوره الديني الكوني ,ومخزونه اللاينضب من الثقافة والفكر سيتحول مع مرور الأيام الى قطيع غنم .
وعلى هذا الأساس, أخذت المبادرة , ومن جانب واحد , وحدثت نفسي بصوت مسموع " الآن , لا مكان لك ايتها "الأولى" في ذاكرتي ,و لا حيز لك في قائمتي من القنوات , وفي مفضلتي , لك أن تنشطي خارج الذات , على الأقل ,في رمضان , وليتبع كل منا طريقا مغايرا ومختلفا يرضاه....اجل الآن, وليس غدا , فليس قدري أن انتظر حتى انصرام ثلاثين يوما من شهر رمضان الفضيل ,كي امنح نفسي فرصة التقييم والنقد ...فالجميل جميل ,والتافه تافه , وعلامة الدار على بابه.
يقول بعض المعجبين بحضارة جنوب شرق آسيا من مثقفين ورجال الأعمال, إن دولة اليابان, التي تنطلق منها التكنولوجيا بسرعة لا تتصور هي حضارة وجدت من اجل إسعاد الآخر , ومنحه السعادة الأبدية , حتى يظل بمنآى عن أي جهد ..المستهلك الأوروبي و العربي , والشرق أوسطي, و الإفريقي بتنوع خصوصياته الاثنية والجغرافية ورغم أن هذه التوصيفة يؤكدها واقع الاقتصاد العالمي , وتدللها الأرقام والمعطيات, فان الحذر والتريث واجبان للحظة على الأقل
فكيف اسعد اليابان العالم, ولم يستفد من ذلك؟
صحيح إن 90 بالمائة من اليد العاملة, لا تستفيد مما تنتجه المعامل والمصانع التي تشتغل بها . وهذه حقيقة أثبتتها الدراسات والابحات الميدانية , فمعامل الساعات الالكترونية المنتشرة في كل مكان ,في جنوب شرق آسيا , من الصين الى الفيليبين وتايلاند وغيرها..تقول دراسة في الموضوع " أن 80بالمائة من عمالها, لا يتوفرون على ساعة يدوية شخصية , وينامون في ظروف بئيسة , في الأكواخ العائمة , لكنهم بالمقابل , يوفرون أضعاف أضعافها لكل مواطن في العالم,ولا يكفون عن ضخ وتزويد الأسواق العالمية بمنتوجات معاملهم .
فليس غريبا إذن أن يقدم شعب في حجم الصين مثلا نفسه قداسا من اجل إسعاد البشر مقابل ملايير الدولارات التي لا تعود بالرفاه على مواطنيها.
على أن توفير خدمة جهاز التحكم عن بعد " التيليكومند " فضل ونعمة من الله ,واليابان, يعتبر أجود ما منحته التقنية المعاصرة في مجال السمعي البصري والتخفيف من وطأة القهر المعنوي للإعلام سمعي وبصري مفروض على بلدان وشعوب عربية مغلوبة على أمرها, وهي بحق أقصى ما وصلت إليه سوبيرناتيكا السرعة من جودة عالية في التحكم وتقنية البرمجة, إضافة الى إغداق في أصناف التوازن النفسي.
فأن تتحكم عن بعد في عدد كبير من المشاهد واللقطات, وتلجم كثيرا من والمواقف والأحداث, فتتملك مصائرها من تدمير رمزي, وإخراس فوري للصوت, وتكتم كلي من غير كلل أو تعب , بل في منتهى الراحة وهدوء البال , أمر في منتهى اللذة والحكمة معا . وللسبب نفسه , ونظرا لعلاقتي غير المتكافئة مع برامج رمضان "الأولى و"الثانية " بقليل تحفظ, وجدت نفسي اصرف قدرا كبير من الهم , وأنا ألهو بهذه الآلة السحرية العجيبة.
إنها كمبيوتر صغير الحجم, سهل الاستعمال, به شبكة معقدة من العلامات والرموز المتفق عليها دوليا , حيث أمكنني في رمشة عين, التحكم في مقدمي أخبار "الأولى" لحظة بلحظة من حيث الظهور أو عدمه , ويعتبر الإخفاء المقصود للأصوات غير مرغوب فيها , من أهم أنشطتي , سواء كان الصوت إعلانيا أو إخباريا وللربط بين الفقرات..بمزاج
لقد كانت الآلة بمثابة متنفس رائق ومزاجي .تكفي ضغطة رهيفة على ملمس, تريحني الى غير رجعة ,من أخبار تدشينات مملة , وإشهار عقيم , ومسلسل بليد , أو صوت غنائي "نجم" أشبه بكابوس يجثم على صدري , ويخنق أنفاسي..
لمسة واحدة في اقل من ثانية إذن , تكفي لإتلاف شريط كلف أصحابه الملايين ,ولا يساوي بصلة ..لمسة في رمشة عين تكفي لإفساد طموح سماسرة الإشهار, وشرذمة من مرتزقة رمضان , أية متعة , أية لذة , لكم أن تتصوروا أن يتحدث نجم الأخبار دون صوت ..
لكم أن تتصوروا مبلغ السعادة ,حين تستنكف رؤية "تاكسي ترايفر" على الأولى وتستمتع بالصورة هناك في جودتها وطهرها الأبدي.
لكن لحكمة ما تأبى هذه الآلة العجيبة أن تطيع أوامر الإتلاف, حين يتعلق الأمر بانتاجات فنية ودرامية رائعة أليس من الحكمة القول بان الفوز بهذه الآلة ومدحها أمر بالغ الأهمية .
أليس جديرا بنا تقديسها , كحصانة معنوية , وسلاح استراتيجي, ضد تعفن الصورة وإفساد الصوت.
إنها الوسيلة الوحيدة الممكنة لمكافحة اهتراء الوقت, والرد على السفالة الإعلامية بسفالة أحسن منها , فمن الحضاري, أن يضع الفرد منا برامج "الأولى" في شكلها الحالي , على رف النسيان..فيا ما لكي هذه الآلة السحرية العجيبة اتحدوا.وتواصلوا .يرحمكم الله.
عزيز باكوش
#عزيز_باكوش (هاشتاغ)
Bakouch__Azziz#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟