أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - صلاح الدين ياسين - قراءة في كتاب -غرق الحضارات- لأمين معلوف














المزيد.....


قراءة في كتاب -غرق الحضارات- لأمين معلوف


صلاح الدين ياسين
باحث

(Salaheddine Yassine)


الحوار المتمدن-العدد: 7459 - 2022 / 12 / 11 - 15:48
المحور: قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
    


يُعد هذا الكتاب في جملة الأعمال المميزة، التي صدرت للكاتب والروائي اللبناني، المقيم في فرنسا، "أمين معلوف"، الذي ذاع صيته في الساحة الفكرية، لا سيما بعد صدور كتابه الرائع "الهويات القاتلة"، في أواخر التسعينيات، والذي أدان فيه التصورات الضيقة والمغلقة لمفهوم الهوية، مناديًا بالنزوع إلى تبني منظور أكثر اتساعًا وتركيبًا للهوية، هذا ناهيك بأعماله الروائية والأدبية المميزة. في مؤلفه الجديد الموسوم ب "غرق الحضارات"، موضوع المراجعة هذه، يتأمل معلوف، وقد بلغ خريف عمره، مآل الحضارة البشرية، من موقع المؤرخ والمفكر المتبصر، وبقدر غير يسير من الحسرة والألم، حيث يُشَبه حال حضارتنا البشرية بتلك السفينة التي تبدو، ظاهريًا، وهاجة وساطعة، واثقة من نفسها، وهي لا تعلم بأنها تمضي نحو غرقها وحتفها.
كيف أسهم المشرق العربي في الانحطاط الحضاري الراهن؟
يورد معلوف، في مستهل كتابه، مفردة معبرة للغاية: "حين خبت أنوار المشرق، عمت الظلمات جميع أنحاء العالم". فهو يعتقد أن منطقة المشرق العربي، بوصفها مهد الديانات السماوية التوحيدية، كان يمكن أن تعرف مصيرًا مغايرًا، لو استطاعت الحفاظ على التعايش بين مختلف الأديان والقوميات، مما كان سيجعلها مصدر إلهام للبشرية جمعاء. وفي رأي معلوف، فإن بداية التقهقر الحضاري في المنطقة، اقترن بانهيار النماذج التعددية – الكوسموبوليتية، وتحديدًا في مصر، بعد وصول الضباط الأحرار إلى السلطة، إبان منتصف القرن الماضي، وهو ما آذن بالشروع في تطبيق سياسة قومية ضيقة، قطعت مع الرصيد الكوسموبوليتي الذي راكمته مصر، خلال الحقبة الليبرالية، حين كانت تشكل ملاذًا للمهاجرين العرب، وحاضنةً للأفكار الليبرالية المنفتحة على الغرب. ومع ذلك، أنصف الكاتب شخصية جمال عبد الناصر، الذي بالرغم من هناته، مَثل آخر شعلة أمل لنهضة عربية منشودة.
كما تناول الكاتب، بإسهاب، حدث نكسة 1967، كأحد أهم العوامل المفسرة لحالة اليأس والتخبط التي تطغى على العالم العربي، ذلك أن العرب ما زالوا أسرى التداعيات النفسية للهزيمة الموجعة، خلافًا لأمم أخرى كسبت الرهان، وشقت طريقها بنجاح نحو تحقيق الازدهار والتنمية المستدامة، كما هو الشأن بالنسبة لألمانيا واليابان بعد هزيمتهما في الحرب العالمية الثانية. وعطفا على ذلك، فإن تبعات تلك النكسة المشؤومة، لجهة حركة الأفكار، لا تقل خطورة، بحيث أفضت إلى صعود نجم حركات الإسلام السياسي والأصولية الدينية الرجعية، بفعل تراجع جاذبية وتأثير إيديولوجيا القومية العربية، ذات النفس الحداثي التحرري.
ويشدد معلوف على أن النكسة العربية، لا تفسر لوحدها الانقلاب الفكري الذي حدث في المنطقة، فقد أدت الأزمة النفطية في سبعينيات القرن الماضي إلى تراكم فائض كبير من الثروة المادية لدى الدول الغنية بالنفط، مما نجم عنه تحول مركز الثقل الفكري من العواصم الثقافية الكبرى (كالقاهرة وبيروت)، إلى بيئات صحراوية ظلت بمنأى عن تأثير الأفكار الحديثة الوافدة من الغرب (الاشتراكية، القومية، الليبرالية...)، إذ عملت تلك الدول جاهدة على تسخير مواردها المالية، لنشر الأفكار السلفية الوهابية في ربوع المنطقة، والعالم بأسره.
سنة الانقلاب الفكري المشؤوم
يفرد أمين معلوف حيزًا كبيرًا من كتابه لإضاءة ما سماه "سنة الانقلاب المشؤوم"، والمقصود هنا سنة 1979، التي عرفت حدوث الثورات المحافظة، بما انطوت عليه من تداعيات وخيمة، بحيث حدت من تأثير الحركات الفكرية، التي ترفع شعار الكونية، سواء في صيغتها الليبرالية، أو التقدمية اليسارية، وأفضت إلى صعود التيار الفكري المحافظ، الذي يبجل الخصوصية والهويات الضيقة. ويمكن الإشارة هنا إلى حدثين دالين، شهدتهما تلك السنة، كان لهما تبعات عالمية سلبية، وهما اعتلاء رئيسة الوزراء المحافظة مارغريت تاتشر سدة الحكم في بريطانيا، ثم وصول رونالد ريغان إلى رئاسة أمريكا بعد حوالي سنة واحدة. وصولًا إلى الثورة الخمينية في إيران، وما تَرَتب عليها من تبني إسلام أصولي راديكالي، شديد العداء للغرب، لم تتوقف تداعياته عند حدود الجمهورية الإسلامية.
ولعل من أخطر التداعيات المتولدة من الثورة المحافظة، تَصاعُد حدة التوترات والصراعات المرتبطة بالهوية. وهنا يشير الكاتب إلى مفارقة مفادها أن عولمة أنماط الذوق والإنتاج والاستهلاك، لم يواكبها عولمة لأنماط التفكير، إذ يبدو العالم أكثر انقساما، وأقل نزوعا للعمل الجماعي المشترك، وهو ما يتضح في كيفية التعاطي مع قضايا ملحة ومصيرية، مثل أزمة التغير المناخي، التي تضع مصير البشرية جمعاء على المحك. كما يُبرز معلوف إلى أي حد تجعلنا المخاوف المرتبطة بالهوية، على استعداد للتضحية بحريتنا وحقنا في الخصوصية، في سبيل حفظ أمننا الجماعي، مما يتيح للحكومات والشركات الكبرى مراقبة أدق تفاصيل حياتنا، من طريق التكنولوجيات الحديثة.
ومن أجل التغلب على رهاب الهويات المتصارعة، يلح الكاتب على ضرورة القطع مع إحدى يقينيات الفكر القومي المحافظ، والتي مفادها أن "الإمبراطوريات سجن لشعوبها"، وعلى مقتضاها تتم الدعوة إلى منح الجماعات القومية حق تقرير مصيرها، في إطار دولة أمة، وهو الخيار الذي أثبتت التجارب العملية فشله وهشاشته، مثلما يلحظ معلوف، كما هو عليه الحال مع شبه القارة الهندية. وهكذا، يبدي معلوف تحسره على فقدان تصور كوني، ساد لفترة طويلة، مؤداه أنه يمكن لجماعات من أعراق وأقوام وديانات مختلفة، أن تتعايش في إطار كيان سياسي واحد. كما يؤكد مفكرنا على الحاجة إلى وجود قيادة مرجعية، تُلهم العالم لتكريس التعايش الكوني، وهو ما فشلت في تحقيقه الولايات المتحدة، بعد الانتقال إلى نظام الأحادية القطبية في بداية التسعينيات من القرن الماضي. كما يصدق ذلك الحكم الاستنكاري أيضا على الاتحاد الأوروبي، في ضوء بروز إرهاصات تفكك مشروعه الوحدوي، على عيوبه ومثالبه، خاصةً بعد خروج بريطانيا من هذا التكتل القاري.



#صلاح_الدين_ياسين (هاشتاغ)       Salaheddine_Yassine#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كتاب -هجرة الأفكار-: التلاقح الحضاري كرؤية بديلة للصدام بين ...
- قراءة في كتاب -نظام التفاهة- للفيلسوف الكندي آلان دونو
- كتاب -معارك التنويريين والأصوليين في أوروبا-: سبرٌ لأهم المر ...
- قراءة في كتاب -سيكولوجية الجماهير- لمؤلفه غوستاف لوبون
- كتاب -سوسيولوجيا النخب-: دليلك لفهم ظاهرة النخبوية ومرتكزاته ...
- كتاب -التجربة اليابانية: دراسة في أسس النموذج النهضوي- لمؤلف ...
- كتاب -تشريح الثورة-: دراسة للثورات وأسباب حدوثها
- قراءة في كتاب المغرب قبل الاستعمار... المجتمع والدولة والدين ...
- قراءة في كتاب -النظام الأبوي وإشكالية تخلف المجتمع العربي- ل ...
- قراءة في كتاب -الديمقراطية- للمؤلف تشارلز تيللي
- كتاب -الدولة المستحيلة: الإسلام والسياسة ومأزق الحداثة الأخل ...
- كتاب -الحرب الهادئة: مستقبل التنافس العالمي- لصاحبه نوح فيلد ...
- قراءة في كتاب -الانتفاضات العربية على ضوء فلسفة التاريخ- لها ...
- الفكر السياسي عند فلاسفة اليونان
- هل القوة القهرية هي الضامن الوحيد لبقاء الأنظمة السياسية أم ...
- قراءة في كتاب الديمقراطية والتحول الديمقراطي – غيورغ سوزنسن
- دليلك لمعرفة دلالة مفهوم -الميتافيزيقا-
- قراءة في كتاب -علم النفس السياسي- لصاحبه دايفيد هوتون
- كتاب مدخل إلى الأيديولوجيات السياسية ل -أندرو هيود-: دليلك ل ...
- كتاب -اسبينوزا- لفؤاد زكريا: إضاءة على أهم أفكار فيلسوف التن ...


المزيد.....




- زفاف أمباني وسيلين ديون صنعت الحدث في باريس والرياض.. أحداث ...
- وزير خارجية طالبان يجري أول اتصال بنظيره السوري.. ماذا بحثا؟ ...
- بلينكن يبحث مع نظيره الأوكراني مسألة الدعم الأمريكي لكييف
- بعد ضجة واسعة.. محافظ دمشق يصدر توضيحا بعد تصريحاته حول السل ...
- هل تتحول سوريا لساحة صراع تركي إسرائيلي؟
- ناسا تسجلاً إنجازاً جديداً بوصول مسبار باركر إلى أقرب نقطة م ...
- روما تندد باحتجاز صحفية إيطالية في إيران منذ أسبوع
- أردوغان يعلق على نهاية -ظلم البعث- في سوريا وانتصار السوريين ...
- الولايات المتحدة تزعم تورط روسيا في تحطم طائرة أكتاو
- لبنان.. توقيف سائق شاحنة على متنها 67 شخصا تسللوا من سوريا


المزيد.....

- -فجر الفلسفة اليونانية قبل سقراط- استعراض نقدي للمقدمة-2 / نايف سلوم
- فلسفة البراكسيس عند أنطونيو غرامشي في مواجهة الاختزالية والا ... / زهير الخويلدي
- الكونية والعدالة وسياسة الهوية / زهير الخويلدي
- فصل من كتاب حرية التعبير... / عبدالرزاق دحنون
- الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية ... / محمود الصباغ
- تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد / غازي الصوراني
- قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل / كاظم حبيب
- قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن / محمد الأزرقي
- آليات توجيه الرأي العام / زهير الخويلدي
- قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج ... / محمد الأزرقي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - صلاح الدين ياسين - قراءة في كتاب -غرق الحضارات- لأمين معلوف