أنيس يحيى
الحوار المتمدن-العدد: 1697 - 2006 / 10 / 8 - 02:55
المحور:
الصحافة والاعلام
عند كل مشاهدة لي لبرنامج " الاتجاه المعاكس " الذي يديره الاعلامي فيصل القاسم من على محطة الجزيرة الفضائية تزداد قناعتي بالدور الخطر الذي يلعبه الاعلام في حياة البشر . فالبرنامج من حيث المبدأ يجب أن يكون حواراً بين وجهتي نظر في مسألة ما ؛ تتاح فيه للضيفين المتحاورين فرصاً متكافئة للدفاع عن وجهة نظرهما . إلا أن ما يحدث مع فيصل القاسم يشكل طعنة للتكافؤ والموضوعية . فهو منذ البداية ، وقبل أن يبدأ الضيفان بالكلام ، يستفيض في مقدمة لها رائحة واحدة على الدوام ، وهي رائحة ليست طيبة في الغالب الغالب ، فتظهر على أحد ضيفيه منذ البداية ملامح الاشمئزاز ، وحتى القرف . في الوقت الذي يفتح الضيف الآخر منخاريه ، ويملأ رئتيه بما سينفثه بعد قليل من الروائح المركّزة ، ليس في وجه الضيف الآخر فقط بل في وجه من ينتظر حواراً عقلانياً ، من المشاهدين .
فيصل القاسم يعتلي منبراً محاطاً بمكبرات الصوت ، يحاول إبقاء الكرسي الذي يجلس فوقها في الوسط . إلا أنه يترك الكرسي في الوسط فارغة ، ويحشر جسمه قرب الضيف الذي لا يثير عقول المشاهدين ، بل غرائزهم وانفعالاتهم . هو دائماً في صف الغوغائيين الذين تتملكهم قناعة ، وقد تكون صالحة للطرح والحوار ، لكنهم لا يدافعون عنها إلا بالاستفزاز واستخدام سوقيّ الكلام . وهذا ما يرضي جماهير وضعتْ عقولها في المكان الذي أرادته اسرائيل لها ، جماهير تعتلي صهوة من خشب ، وفي ظنها ، وظن فيصل القاسم أيضاً أنها أبجر عنتر .
يتسلح فيصل القاسم ، قبل دخوله إلى البرنامج بعدد من الاحصاءات ، والمصوّتين على موضوع حلقته . وهذه تظهر فداحة واقعنا العرببي . فالعقلاء يتمهّلون قبل اتخاذ موقف يحتمل نسبة للصح قريبة من نسبة الخطأ . يتمهلون قبل أن تضغط أصابعهم على زرّ " المع "أو زرّ " الضد " . أما أولئك الذين صفقوا للقيادات " التاريخية " , " الضرورية " هم أنفسهم مَن يتسلح الدكتور فيصل القاسم بخياراتهم ، ليصفع بها أحد ضيوفه الذي يرتقب نهاية الحلقة تخلّصاً من الرائحة التي قرفها منذ البداية .
أنت يا دكتور فيصل في موقع مهم ومؤثر . قد تكون خياراتك السياسية صحيحة ، لكن عليك ترك هامش للاعتقاد أن خيارات الطرف الآخر قد تكون صحيحة أيضاً . ومن موقعك .. ساهم في جعل الخيارات عقلانية . إشتم مع مَن تشاء من ضيوفك اسرائل واميركا ، كما تريد ، ونحن نشتمهما كذلك . لكن عندما تصبح الشتيمة نصراً للظلاميين والجاهلين ، علينا التمهّل قبل إطلاقها . هل تعلم يا دكتور فيصل أن أعلى الأصوات تصدر عن الطبول ، فقط لأنها فارغة ؟
لن أعلّق على حلقة من حلقات برنامجك بعينها ، فموقفك في جميعها لا يتبدل . لكن أنهي بعنوان كتبه أحدهم ( عذراً لعدم تذكّر الاسم ) لاحدى حلقات برنامجك : " ناصر قنديل يهزم أدونيس بالضربة القاضية " .
#أنيس_يحيى (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟