أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - اتريس سعيد - لا توجد إمرأة عاهرة بل مجتمعات عاهرة














المزيد.....

لا توجد إمرأة عاهرة بل مجتمعات عاهرة


اتريس سعيد

الحوار المتمدن-العدد: 7449 - 2022 / 12 / 1 - 00:39
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


لم تُوسَم شريحة إجتماعيّة بالخزي والعار و الشر والفسق مثلما وُسِمَتْ العاهرات ولكن لا بدّ من معرفة أنّ العاهرات كنّ ولا يزلن يلعبن دوراً حيويّاً يساهمن من خلاله في ترميم خلل موجود.
وقبل أن تبدأ علامات الإستفهام والإتهامات بالظهور، أوضّح ما أرمي إليه، إذا أهملنا كلّ التعاليم الدينية و التقييمات الإجتماعية والثقافية والأخلاقية والأحكام العقلية التي تضع العاهرات في أسفل سلّم الإنسانية الموهوم، وإذا ما تركنا مؤقتاً الجانب غير الصحّي في مسألة العهر وتحديداً التعاطي مع الجسد كسلعة، إذا تركنا جانباً كلّ هذا، فإننا سنلتفت إلى ما لم يُلتفت إليه، سنفكّر فيما ليس مفكّراً فيه، و قد لا يدرِك ذلك إلا من عاش تجربة معينة مع عاهرة أيقظت شيئاً ما كان غامضاً لديه وقسره على إعادة حساباته مع نفسه ومع الحياة ومع المجتمع والتاريخ.
في مجتمعاتنا العربية (مثلا) نعلن تكفيرنا، نبذنا، تحقيرنا، لكلّ عاهرة، لكننا نخفي (أقصد هنا الذكور على الأغلب) إعجابنا، شوقنا، متعتنا، راحتنا، لذتنا، سعادتنا المؤقتة وغير المؤقتة التي تحققها لنا العاهرات، فـ(المجتمعات المهووسة بالجنس هي الأكثر تحريماً له) على حدّ تعبير الفيلسوف "ميشيل فوكو".
في هذه المجتمعات التي تحرّم الجنس وتحيطه بجبال من الوصايا والتحذيرات، تلعب العاهرات دوراً في ترميم الخلل النفسي والإجتماعي النّاجم عن الكبت الجنسي والذي يطال تأثيره كافة ميادين الحياة الإجتماعية و الإقتصادية والدينية، يتنكّر بعض أو أغلب الذكور في مجتمعاتنا عادة للمتعة التي قدّمتها لهم العاهرة، لفضلها حينما حرّرتهم من كبتهم الجنسي يوماً ما، يقتلهم الخوف من كلّ هذا الوضوح لديها، من كلّ الأسرار المفضوحة، لطالما حاولت العامّة بكلّ ما لديها من قوة وأساليب مخادعة أن تنزل الستار على هذه الأسرار، فيركض بعض الذكور هاربين إلى حضن زوجة مقدّسة وهي و العاهرة على حدا سواء لأنها أخذت ثمن فرجها بطريقة مقدسة أو يتوهم المجتمع أنها مقدسة لكنهم فيما بعد قد يكتشفون وهم القداسة فيرغبون بالإنعتاق من ألوهيّة الزّوجة المقدسة، يهربون من سجنها خلسة ليعودوا إلى الحياة، إلى العاهرة التي عاشوا معها لذة حيويّة، لم يتذوقوها في القداسة، وهكذا يتأرجحون بقلق مستمر بين الحياة والقداسة، بين المتعة والواجب، يصعّدون وتيرة نبذهم للعاهرة كلما إزدادوا يقيناً أنها المتعة التي لا يمكن الأنفكاك عنها، قد يرحلون عن بلادهم، يسافرون للبحث عنها في كلّ أصقاع الأرض، فالعاهرة غجريّة، حياة، ترفض الجغرافية والحدود.
العاهرة إذن ليست بالشر المطلق، كما أنها ليست بالخير المطلق، فلنعترف أنها إنسانة تحتمل الشر ونقيضه، والإنسان بالنهاية ليس ملاكاً ولا شيطاناً، بل الملاك والشيطان كلاهما من صنعه، وإنْ كان لا مهرب من الحكم على العاهرة بـ "الفاسقة" فلنطلق هذا الحكم أيضاً على الرجال الذين يشربون من مياه "الفسق" هذه! ويبقى الإنسان أهم من كلّ حكم وإعتبار.
إنْ كنّا لا نريد توازناً نفسيّاًّ وإجتماعيّاً قادماً من العاهرات، فلنتحرّر إذن من عقدنا الجنسيّة ولنفكّر في الجنس على أنه عنصر حيوي طبيعي، دون أن نقولبه بأعراف مريضة، أو تعاليم دينية ممسوخة، أو ذاكرة مترهّلة لعبت بأبجديّة الجنس الأوليّة صانعة منها صفحات مسطّرة بجمل مشوّهة لا معنى لها.



#اتريس_سعيد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أنا لا أصدق دجال إدعى بأنه الخالق
- ما ذنب الوفاء إذا أقسم به الكاذبون
- القيامة و البعث لدى المصريون القدماء
- سقوط الإنسان
- أنتروبيا المعلومات
- مبادىء الروحنة في مصر القديمة
- الإعلان عن العهد الجديد
- الإتصال عبر التوجيه و الإتصال الكيلونتي
- في الحياة الحقيقة الوحيدة هي الموت
- لمن يسأل عن الإلحاد
- مصفوفة يهوه و مصفوفة المكعب الأسود
- نحن لسنا أدوات بل الغاية ذاتها
- إذا كنت لا تتحمل رؤية إمرأة
- الأختام اليهوفية السبعة
- الأنا المزيفة والأنا الحقيقية th ego
- كيف تصبح شيطان أو ملاك
- البيدوفيليا الدينية
- الإنسان أسوأ ما في الوجود
- كتاب عربات الآلهة
- أساسيات الإسقاط النجمي


المزيد.....




- -بعد تفجيرات البيجر-.. موقع عبري ينشر تقريرا عن حرب بين إسرا ...
- إسرائيل لا تمتلكها.. خبير عسكري يكشف لـ RT من وراء تفجيرات ل ...
- ماذا وراء استقالة بريتون: كيف استنفذ المفوض الفرنسي صبر رئيس ...
- ماذا نعرف عن جهاز -البيجر- الذي اخترقته إسرائيل وأصاب العشرا ...
- ارتفاع عدد ضحايا إعصار -ياغي-: حصيلة القتلى تتجاوز 500 في جن ...
- اندلاع حرائق في شمال إسرائيل بعد هجمات صاروخية من لبنان
- نتنياهو يترأس اجتماعا عاجلا يضم وزير الدفاع وقيادات عسكرية و ...
- مصادر لبنانية لـ RT: وقوع نحو 2000 مصاب في انفجار أجهزة لا س ...
- -رويترز-: أكثر من ألف مصاب في لبنان إثر انفجار أجهزة اتصالات ...
- مسؤول في حزب الله يصف تفجير أجهزة الاستدعاء بـ -أكبر خرق أمن ...


المزيد.....

- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي
- فلسفات تسائل حياتنا / محمد الهلالي
- المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر / ياسين الحاج صالح
- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام
- سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري - / الحسن علاج
- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - اتريس سعيد - لا توجد إمرأة عاهرة بل مجتمعات عاهرة