|
أضواء على المشكلة الاقتصادية ( 6 ) هل تقدم مصر فى ظل الرأسمالية ممكن ؟
أحمد فاروق عباس
الحوار المتمدن-العدد: 7448 - 2022 / 11 / 30 - 11:47
المحور:
الادارة و الاقتصاد
ونصل في هذه المناقشة الطويلة إلى سؤالين فى غاية الأهمية : السؤال الأول : هل تقدم مصر فى ظل الرأسمالية ممكن ؟ والسؤال الثانى : هل تقدم مصر فى ظل تدخل الدولة القوى ممكن ؟
وسنحاول اليوم الإجابة على السؤال الأول .. والإجابة على السؤال الأول هى : نعم ممكن .. ولكن !!
لكن هناك شرطين حاكمين حتى يتحقق ذلك ، وهما :
١ - أن تضع مصر نفسها بصورة كاملة تحت تصرف أمريكا والغرب ، اقتصاديا وسياسيا واستراتيجيا ، اى أن تتحول إلى دولة وظيفية ، بالضبط مثل إسرائيل وتركيا وكوريا الجنوبية وسنغافورة ، دولة لها دور محدد فى الاستراتيجية الغربية حول العالم ، وهو شرط ضرورى ولكن ليس كافيا في حد ذاته لتقدم مصر اقتصاديا ..
٢ - الشرط الثانى الحاكم لتقدم مصر فى إطار النموذج الغربى ، هو توفر ظروف تجعل من تقدم مصر الاقتصادى مطلبا غربيا ، أو محققا للمصلحة الغربية ، فتقدم ألمانيا واليابان بعد الحرب العالمية الثانية جاء في ظروف الخوف من وقوعهما في الشيوعية ، وتقدم الصين فى الثمانينات جاء في ظروف سحبها - وهى أكبر دول العالم سكانا - من المعسكر الشرقى وتحويلها خطوة بخطوة إلى الرأسمالية ، وجاء ثانيا لعمل موازنة مع التقدم اليابانى ..
وتقدم سنغافورة جاء باعتبارها ميناء وممر بحرى شديد الأهمية فى الاستراتيجية الغربية فى آسيا .. وهكذا .
وتُقدم تركيا المثال الأبرز على ذلك ، فهى دولة عضو فى حلف الأطلنطي ، ووضعت نفسها من عقود كدولة وظيفية في الاستراتيجية الغربية ، ومع ذلك كانت تركيا دولة متأخرة اقتصاديا ، وتعانى من تراجع أغلب المؤشرات الاقتصادية ، على الرغم من كونها دولة رأسمالية طوال الفترة التى أصبحت فيه جزء من الغرب ، وذلك منذ نهاية الحرب العالمية الثانية عام ١٩٤٥ ، أو على الأقل منذ ١٩٥٢ ، وهى السنة التى انضمت فيها تركيا إلى حلف الأطلنطي ، وأصبحت جزء لا ينفصم من المعسكر الغربى ونظامه الرأسمالي ..
وعندما جاء الوقت الذى أصبح فيه تقدم تركيا مفيدا للغرب صدر قرار تحويل تركيا إلى دولة متقدمة ، وتقدم نموذجا لمن حولها ..
كانت لحظة الإسلام السياسى قد جاءت في الشرق الأوسط ، وتم إختيار تركيا لتقود القادم الجديد ، لصنع التناقض بين الحضارة الإسلامية من ناحية ، والحضارة الصينية الكونفوشيوسية والحضارة الأرثوذكسية الروسية ، طبقا لنظرية صدام الحضارات ، التى قدمها صامويل هنتجنتون وبرنارد لويس ، وهما قريبين إلى حد الالتصاق من الدوائر التى تصنع الاستراتيجيات الكبرى في الغرب ..
وفى ظرف سنوات معدودة تم صنع تركيا المتقدمة !! وتركيا التسعينات التى كادت على وشك الانهيار الاقتصادى حل محلها تركيا اخري تماما فى العقد الأول من القرن ٢١ ، والمؤشرات الاقتصادية لتطور الاقتصاد التركى منذ التسعينات وحتى نهوضها متاحة بسهولة أمام من يريد ..
فتقدم مصر الاقتصادى طبقا للرأسمالية - إذن - محكوم بصرامة بمبدأ المركز - والأطراف ، حيث يصبح نمو وتقدم الأطراف او عدم تقدمها رهنا بمشيئة المركز وفى ضوء مصالحه ..
ربما يقول قائل .. كيف ذلك ؟!! إن مصر تسير الآن فى طريق الرأسمالية ، وبها قطاع خاص ينمو ويكبر ، والاستثمارات الأجنبية يتدفق بعضها على الاقتصاد المصرى ، ومحاولات جذبها وجعل الاقتصاد المصرى أكثر جاذبية وأكثر تنافسية مستمرة بلا توقف ، وهناك نجاحات واضحة في هذا الطريق . والرأسمالية هى الطريق المعتمد لتقدم الدول على الأقل فى نصف القرن الأخير ..
والاجابة .. ان كل ذلك صحيح . لكن ربما يجعل ذلك من مصر دولة عادية ، متوسطة ، قادرة علي مجرد العيش ، ولكن غير قادرة على أن تصبح دولة متقدمة .. لماذا ؟ لأن التمويل ، والتكنولوجيا ، وفتح الأسواق امامها رهن بسماح غيرها وقراره ..
وكل ما سبق - التمويل والتكنولوجيا والأسواق - فى يد دول المركز وشركاته الكبرى .. الشركات دولية النشاط . وما القطاع الخاص المحلى سوى تابع بسيط ، لا يستطيع فى ظروف دولة من دول العالم الثالث مثل مصر أو غيرها أن يوفر التمويل للتنمية ، أو ابتكار التكنولوجيا الخاصة به ، أو إختراق أسواق العالم بمنتجاته ..
ولكن ما لم يتحقق الشرطين اللذين سبق ذكرهما للتقدم والنمو فى ظل النظام الرأسمالي فستظل مصر كما هى عليه الآن .. دولة لا هى متقدمة اقتصاديا مثل الكبار ، ولا هى دولة متأخرة وعلى وشك السقوط .. بل دولة متوسطة في كل شئ .. مثل الأرجنتين أو شيلى في أمريكا الجنوبية ، أو باكستان في آسيا ، أو رومانيا وأوكرانيا في أوربا .. دول تسير منذ عقود فى طريق الرأسمالية ، ولكن بدون أن تصبح دولا متقدمة - بينما أصبحت دولا مثل كوريا أو حتى تركيا أكثر تقدما - لأن دول المركز فى النظام الاقتصادى العالمى لم تنشأ لديها حافز أو مصالح لجعل هذه الدول دولا أكثر تقدما ..
المشكلة الثانية لهذا النمط من التقدم أنه يلغى الشخصية التاريخية للدول ، وخصائصها الجغرافية ، وتكوينها النفسى والروحى ، ويحولها إلى مجرد تابع صغير ، ربما تحقق تقدما في مؤشرات الاقتصاد المادية ، ولكن بلا شخصية أو روح ، والأهم أن تقدمها أو تأخرها يظل رهنا بمشيئة الآخرين ، واستعدادها الدائم لسماع الكلام ، وتنفيذ المطلوب بلا اعتراض ... والأخطر من ذلك أن رجوعها إلى المربع الأول اذا لم تسمع الكلام يظل سيفا على رقبتها طوال الوقت ..
هكذا هو حال كوريا الجنوبية وتايوان وإسرائيل وسنغافورة وتركيا .. بل وألمانيا واليابان !!
ومن يرى كيف تتصرف الولايات المتحدة - دولة المركز فى النظام الرأسمالي - مع دول كبيرة مثل كوريا الجنوبية واستراليا وكندا وإسبانيا وإيطاليا وألمانيا وفرنسا واليابان ... إلخ سيفهم كيف أن ثمن التقدم جاء على حساب السيادة ، وعلى حساب المكانة ، وعلى حساب شخصية الدول وكرامتها الوطنية ، وبعضها لها ماض عريق للغاية ..
وربما من الممكن فى هذا الإطار الاستشهاد بكلام رجل من أشد المطالبين بجعل تحول مصر إلى الرأسمالية كاملا ونهائيا ، وله فى ذلك مساهمات عديدة ، وهو الدكتور عبد المنعم سعيد ، رئيس مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية ، ورئيس مجلس إدارة الأهرام قبل عام ٢٠١١ ، ورئيس تحرير المصرى اليوم بعده ، متحدثا عن نمط التقدم الذى يراه لمصر فى ظل التحول بصورة كاملة إلى الرأسمالية .. يقول :
" ماذا سوف يحدث لو أن جميع الموانئ المصرية تم وضعها تحت إدارة شركة أمريكية ، وماذا سوف يجري ساعة الإعلان عن المطارات المصرية أصبحت تدار بواسطة شركة ألمانية ، وماذا سوف يقال إذا ما تم تأجير الجزر المصرية فى البحر الأحمر إلى شركات سياحية هولندية ، لكى تنشئ فيها منتجعات تستقبل يخوت أغنياء العالم ، وماذا سوف يتردد ساعة الإعلان عن منح مناطق كاملة من القاهرة المحروسة لشركات كويتية واماراتية لتنميتها عمرانيا واستثماريا ، وماذا سوف يكون الحال إذا ما تم تمليك أو تأجير مناطق شاسعة على جانبى قناة السويس إلى شركات عالمية للكومبيوتر لكى تقيم فيها شتى أنواع الاقتصاد الجديد " .. ( مقال اطلبوا الحكمة من دبى ، الأهرام ٧ مارس ٢٠٠٥ ) ..
هذه مجرد لمحة عن نمط التنمية المعروض على مصر .. وهذا هو ثمنه . فهل مصر أو المصريين مستعدين لدفعه ؟
#أحمد_فاروق_عباس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أضواء على المشكلة الاقتصادية (5) التقدم الاقتصادى فى زمننا .
...
-
أضواء على المشكلة الاقتصادية (4) الجرى وراء السراب .. قصة ال
...
-
أضواء على المشكلة الاقتصادية ( 3 ) .. القصة من أولها .
-
أضواء على المشكلة الاقتصادية ( 2 ) هل كانت السنوات السابقة ج
...
-
أضواء على المشكلة الاقتصادية ( ١ ) هل هناك فعلا مشكلة ا
...
-
قطر .. والإسلام !!
-
العرب والديموقراطية
-
هل يمكن النسيان ؟
-
لقاء مع الإخوان
-
اردوغان .. والحادث الارهابى أمس .
-
تقاليد الحكم
-
هل الخوف هو السبب ؟!
-
قنوات الإخوان وأصدقاءهم .. لماذا لندن ؟
-
بشار الأسد .. قصة مسكوت عنها
-
زكريا بطرس
-
قصيدة قديمة جميلة
-
موضوعات وكلمات الأغانى المصرية
-
الموسيقى والغناء فى مصر
-
أحلام جديدة .. وأهداف جديدة
-
الطبقة القائدة واستقرار الدول
المزيد.....
-
أسعار النفط عند أعلى مستوى في نحو 10 أيام
-
قطر تطلق مشروعا سياحيا بـ3 مليارات دولار
-
السودان يعقد أول مؤتمر اقتصادي لزيادة الإيرادات في زمن الحرب
...
-
نائبة رئيس وزراء بلجيكا تدعو الاتحاد الأوروبي إلى فرض عقوبات
...
-
اقتصادي: التعداد سيؤدي لزيادة حصة بعض المحافظات من تنمية الأ
...
-
تركيا تضخ ملايين إضافية في الاقتصاد المصري
-
للمرة الثانية في يوم واحد.. -البيتكوين- تواصل صعودها وتسجل م
...
-
مصر تخسر 70% من إيرادات قناة السويس بسبب توترات البحر الأحمر
...
-
البنك الأوروبي: التوترات التجارية تهدد الاستقرار المالي لمنط
...
-
مصر.. الكشف عن خطط لمشروع ضخم لإنتاج الطاقة الهجينة
المزيد.....
-
الاقتصاد المصري في نصف قرن.. منذ ثورة يوليو حتى نهاية الألفي
...
/ مجدى عبد الهادى
-
الاقتصاد الإفريقي في سياق التنافس الدولي.. الواقع والآفاق
/ مجدى عبد الهادى
-
الإشكالات التكوينية في برامج صندوق النقد المصرية.. قراءة اقت
...
/ مجدى عبد الهادى
-
ثمن الاستبداد.. في الاقتصاد السياسي لانهيار الجنيه المصري
/ مجدى عبد الهادى
-
تنمية الوعى الاقتصادى لطلاب مدارس التعليم الثانوى الفنى بمصر
...
/ محمد امين حسن عثمان
-
إشكالات الضريبة العقارية في مصر.. بين حاجات التمويل والتنمية
...
/ مجدى عبد الهادى
-
التنمية العربية الممنوعة_علي القادري، ترجمة مجدي عبد الهادي
/ مجدى عبد الهادى
-
نظرية القيمة في عصر الرأسمالية الاحتكارية_سمير أمين، ترجمة م
...
/ مجدى عبد الهادى
-
دور ادارة الموارد البشرية في تعزيز اسس المواطنة التنظيمية في
...
/ سمية سعيد صديق جبارة
-
الطبقات الهيكلية للتضخم في اقتصاد ريعي تابع.. إيران أنموذجًا
/ مجدى عبد الهادى
المزيد.....
|