|
من يخاف الموت..ليقرأ هذا المقال
قاسم حسين صالح
(Qassim Hussein Salih)
الحوار المتمدن-العدد: 7447 - 2022 / 11 / 29 - 22:11
المحور:
المجتمع المدني
من يخاف الموت..ليقرأ هذا المقال!
أ.د.قاسم حسين صالح مؤسس ورئيس الجمعية النفسية العراقية
الحلقة الأولى
الانسان هو الكائن الوحيد بين المخلوقات الذي يعرف انه سيموت، والخوف حالة نفسية تنشأ عن قلق من شيء يشكّل للفرد تهديدا او خطرا..والخطر هنا يهدد حاجة الانسان للبقاء،لأن الموت يعني فناءه. غير ان الناس يتباينون في درجة او حدّة خوفهم من الموت، ويكونون على صنفين: الأول يكون لديه الخوف من الموت بحدوده العادية، والثاني، يتجاوز هذه الحدود، وبتجاوزها يصبح عصابا او حالة مرضية..شبيهة بعصاب النظافة. فأن تغسل يديك مرتين او ثلاثا بالصابون،حالة عادية..لكن ان تغسلهما عشرين او ثلاثين مرّة تصبح الحالة عصابا او مرضا نفسيا،متعبة لك وللآخرين من حولك، وكذا الحال في الخوف من الموت. لكن الشيء الجيد ان التفكير بالموت يأتي في الغالب بمرحلة الشيخوخة،حين يدرك الانسان ان ايامه اصبحت معدوده..ومع ذلك فأن تعامل كبار السن مع الخوف من الموت يكون مختلفا، فمنهم من يتقبله ويقول( الحمد لله حسن الختام)، وآخرون يعملون على خفضه بزيارة اضرحة الأئمة والرجال الصالحين او الحج، او التردد على الكنيسة..وهذه كلها وسائل تخدم خفض الخوف من الموت. وقسم آخر يقول لنفسه: لأستمتع بالباقي من عمري..في السفر مثلا"..او الزواج من صبيه!. وبالمناسبة، ان الساعة البيولوجية في الجسم تتحسس قرب النهاية، فتقلل ساعات النوم حين يتقدم الانسان بالعمر، وكأنها تقول له: لقد قربت نهايتك..وسأخفض من ساعات نومك لتستمتع..فوراءك نوم طويل!. الموت..فناء جسد وبقاء روح
المجتمعات عبر التاريخ لديها معتقدات فلسفية او دينية بخصوص الموت. ومعظمها لديها تقاليد او شعائر او طقوس تخص مغادرة الحياة نحو الموت. فبعض المجتمعات تقيم وجبة غداء طقوسية مصحوبة بمهرجانات!، فيما مجتمعات أخرى تقيم الحداد وتلبس الاسود. غير ان معظم المجتمعات لا تنظر للموت على أنه نهاية الوجود البيولوجي بموت الجسد، لاعتقادها ببقاء الروح.. بمعنى ان الجسد يفنى و الروح تبقى الى الأبد..لكنها تختلف في كيفية صيرورة الروح. فبعض المجتمعات تؤمن بأن الروح تبعث من جديد في الجسد الذي كانت فيه، وبعضها يعتقد أن الروح تولد في جسم انسان جديد، واخرى ترى انها تتوحد في كائنات لطيفة..كالطيور مثلا. وتختلف المجتمعات في نوعية ادراكها للموت وفي ردود فعلها نحوه. ففي حضارة(الكوند) بالهند يرى الناس هناك ان السحر والعفاريت هي السبب في موت الانسان، ولذلك فهم يستجيبون بغضب لحدوثه، فيما ترى حضارة (التاتالا) في مدغشقر ان قوى طبيعية خارجية هي السبب في حدوث الموت، ولهذا يستجيبون له بسلام. وللموت عبر التاريخ فلسفة،فالفيثاغورية تؤمن بالتناسخ والخلود، والموت عند البابليين مجهول مخيف ، وهم لا يعتقدون ان الموتى يعيشون حياة أخرى مشابهة لحياتهم . ولم يبد على السومريين والاكديين انهم فكروا بأن الموتى يحيون الا الحكّام منهم الذين يعيشون حياة اخرى ، ولذلك يدفن معهم مرافقوهم وزوجاتهم وحرسهم وعدتهم . وتعتقد " البوذيه " بان المثل الاسمى الذي يمكن ان يصبوا اليه الفرد هو الوصول الى درجة النرفانا ، اي فناء الذات واتصالها بعالم الحقيقة ، فيما يعد المذهب " الزرادشتي " الموت انتقالا من الحياة الاولى في الدنيا الى حياة الاخرة ، وحرمت الزرادشتيه دفن الموتى في الارض ودعت الى حياة نشيطة مليئة بالعمل والكفاح .
والنظرة الى الموت وسر الوجود مرتبطة بشكل وثيق بالنظرة الى الحياة ومغزاها . وسواء اكانت هذه الحياة نقمة احيانا فهي امتحان وتجربة وهي معاناة وهي متعة . وكما يقول الاديب الوزير الفرنسي " اندريه مالرو " الذي كان يخاف الموت لاشعوريا بسبب انتحار والده وفقده ولديه في حادثة سيارة :( ان الحياة لا تساوي شيئا..ولكن شيئا لا يساوي الحياة). أسباب الخوف من الموت.
للخوف من الموت أكثر من سبب نجملها لك بالآتي:
1. سبب سيكولوجي صرف يتحدد بحاجة الانسان للبقاء وخوفه من الفناء. 2. سبب اجتماعي ـ حضاري (متعلم). ففي الحضارة الاوربية مثلا، يتجنب الناس الحديث عن الموت، ويكون التعبير عن الحزن بأقل درجاته،فيتعلم الأطفال ذلك حين يكبرون فيما عملت حضارتنا العربية والاسلامية على تضخيم الخوف من الموت. واظن ان المجتمع العراقي هو (الانموذج) في هذا الشأن. فتقالدينا العراقية تقضي بلبس الملابس السود (على المتوفى) لأشهر..وسنة أو سنوات..وهنالك السبعة، ,والأربعين، ودورة السنة..وفي تشييع الجنازه يكون اللطم على الخدود والصدور والنواح وشق الثياب،في تراجيديا سوداء..ولا اظن ان امرأة في العالم تظاهي(العراقيات) في اللطم الجمعي على الميت..لدرجة انهن يتبارين بالعويل والبكاء وتدفق الدم من الخدود والصدور..فصار الخوف من الموت..اوالمبالغة فيه حالة او سلوكا اجتماعيا نتعلمه جيلا بعد جيل، تماما مثلما تتعلم الطفلة الصغيرة الخوف من الفأره..حين ترى امها تصاب بالرعب منها. 3. وثالث الأسباب، ان الانسان لا يخاف من الموت نفسه، بقدر ما يخاف من عملية الموت التي يتصورها بأنها مرعبة و(حشرجه..وغصّه) ويخلق خيالات وتصورات مخيفة بخصوص الموت يتعامل معها كما لو كانت حقائق، مع ان الموت مسأله بسيطة جدا..هي ان تطرح زفيرا ولا تأخذ بعده شهيقا!. 4. ورابعها ان بعض الاشخاص لا يخافون من الموت نفسه بل يخافون منه لأنه ينهي الى الأبد علاقة بأحبّه متعلقين بهم.
تمعن فيها..وحدد السبب..وتابعنا في الحلقة الثانية..بعدها نعدك بأنك لن تخاف الموت..اذا لم تكن مصابا بعصابه! *
#قاسم_حسين_صالح (هاشتاغ)
Qassim_Hussein_Salih#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
طاعة السلطة..في تنفيذ جرائم - تحليل سيكولوجي
-
توصيات مرحّلة..من الكاظمي الى السوداني
-
قانون مناهضة العنف الاسري- ضرورة تعديل واقار
-
السلطة والمثقف اشكالات سيكولوجية ومفارقات فكرية
-
دولة رئيس الوزراء مع التحية. وزير التعليم العالي!
-
مصطفى الكاظمي..ما له و ما عليه
-
خمسة أيام هزّت العراق
-
معروف الرصافي في كتابه (الشخصية المحمدية)..ملحد أم مجدد في ف
...
-
ثقافة التظاهر وثقافة الأستبداد - لمناسبة انتفاضة تشرين
-
الاشكالات السيكولوجية في الأزمة العراقية
-
انتفاضة تشرين..أحيت الجميل في الشخصية العراقية
-
انتفاضة تشرين..شهداء يغادرون وقتلة يبقون
-
الحجاج و..هم!
-
ماذا لو خرج الحسين نحو الخضراء مطالبا بالأصلاح؟!
-
السياسيون يقولون..- الحسين منهجنا لبناء المواطن والوطن!)
-
السياسيون والحول العقلي و العراقيون وثقافة القطيع- دورهما ال
...
-
مقتدى الصدر- ثائرخذل انصاره أم مصلح حفظ دماء شعبه؟ تحليل شخص
...
-
تساؤلات خطيرة..لسياسي خطير!
-
سيناريوهات الصراع بين التيار والأطار
-
العراقيون.. و ثقافة القطيغ!
المزيد.....
-
عضو بالكنيست الإسرائيلي: مذكرات الاعتقال ضد نتنياهو وجالانت
...
-
إسرائيل تدرس الاستئناف على قرار المحكمة الجنائية الدولية الص
...
-
وزير الخارجية الأردني: أوامر اعتقال نتنياهو وجالانت رسالة لو
...
-
هيومن رايتس ووتش: مذكرات المحكمة الجنائية الدولية تفند التصو
...
-
الاتحاد الأوروبي والأردن يُعلنان موقفهما من مذكرتي الاعتقال
...
-
العفو الدولية:لا احد فوق القانون الدولي سواء كان مسؤولا منتخ
...
-
المفوضية الاممية لحقوق الانسان: نحترم استقلالية المحكمة الجن
...
-
المفوضية الاممية لحقوق الانسان: ندعم عمل الجنائية الدولية من
...
-
مفوضية حقوق الانسان: على الدول الاعضاء ان تحترم وتنفذ قرارات
...
-
أول تعليق من -إدارة ترامب- على مذكرة اعتقال نتانياهو
المزيد.....
-
أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال
...
/ موافق محمد
-
بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ
/ علي أسعد وطفة
-
مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية
/ علي أسعد وطفة
-
العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد
/ علي أسعد وطفة
-
الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي
...
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن
...
/ حمه الهمامي
-
تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار
/ زهير الخويلدي
-
منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس
...
/ رامي نصرالله
-
من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط
/ زهير الخويلدي
-
فراعنة فى الدنمارك
/ محيى الدين غريب
المزيد.....
|