|
ديالكتيكية هيجل وجدلية كارل ماركس/ الجزء الاول
يوحنا بيداويد
الحوار المتمدن-العدد: 7446 - 2022 / 11 / 28 - 13:41
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
بقلم يوحنا بيداويد
المقدمة بالنظر لاهمية وتاثير الفكر الفلسفي المثالي وبالاخص ديالكتيكية هيجل على الفكر الفلسفي، والذي ادى الى ظهور عدة مدارس فلسفية اخرى ذات بعد مادي مثل الماركسية والوجودية والوضعية والانسانية سوف نتطرق خلال اعداد القادمة على جميع هذه المدراس بصورة مختصرة محاولين تبسيط افكارها واجراء المقارنة بينها ومن ثم نقدها املين ان تكون هذه الدراسة مفيدة لقراء الفكر الفلسفي القلائل في هذا العصر.
الفلسفة المثالية الفلسفة المثالية هو الفكر الفلسفي الذي يتناول المفاهيم والقضايا الفلسفية الميتافيزيقية،غير المادية، والتي لا يمكن فحصها او اجراء اي تجربة عليها او التاكد من صحتها ماديا، لكن رواد هذا التيار يؤمنون يمكن الاستدلال على هذه القضايا بالمنطق والفكر(العقل) والشعور الصوفي. تعطي الفلسفة المثالية الاولوية للعقل او الروح، ويؤمنون باسبقية الفكر على المادة. من اهم اعلام هذا التيار في الفلسفات القديمة هم هيرقليطس وافلاطون وارسطو وافلوطين، ومن الفلسفات الحديثة جورج بيركلي ولبينتز وكانط وشلينج وفخته واخيرا الفيلسوف الالماني هيجل الذي رفعها الى قمة المثالية.
الفلسفة المادية هو التيار الفلسفي المعارض او المعاكس للمثالية، يؤمنون بالاشياء المحسوسة التي يمكن اجراء التجربة عليها وفحصها. يرجع رواد هذا التيار كل الظواهر الكون الى الطبيعة المادية او الطاقة وينكرون اي وجود للقوى الغيبية. من اعلامهم في عهد الاغريق هم فلاسفة المدرسة الايونية (العناصر الاربعة)، ولوقيبوس (صاحب النظرية الذرية) وتلميذه ديموقريطس، ومن اعلامهم من عصر التنوير لحد الان توماس هوبز وجون لوك وديفيد هيوم واخيرا كارل ماركس وزملائه (فيورباخ وانجلز ولينين). حسب المدرسة المادية ان الوجود او الكون كله مادي لا يوجد اي قوة خفية خارجية تخضع لها المادة، بكلمة اخرى تنكر وجود اي خالق لهذا الكون. فالحياة بكل غرائبها وظواهرها ما هي ظاهرة فيزيائية- كيميائية بين المادة والطاقة لا غير، لا يوجد اي بعد ميتافيزيقي او روحي لهذا الوجود.
المثالية الديالكتيكية هي الفلسفة الجدلية التي وضعها الفيلسوف الالماني الكبير هيجل معتمدا على ارهاصات الفلاسفة الالمان الذين سبقوه، مثل كانط، وفيخته وشلنج. يرى هيجل العالم (الكون) كله وحدة واحدة (كل الموجودات معا)، هو الحقيقة النهائية المطلقة. ولكن هذا الكل المعقد المتكون من اجزاء متناثرة هو روحي ايضا. حسب هيجل ان الكون في صيرورة مستمرة من التطور لحين يصل الى الحالة المطلقة، حيث تعي الروح الكلية (الكون) ذاتها تماما. في تلك نقظة من التاريخ تتحد فيها الموضوعية مع الذاتية،و لن يكن هناك اي تميز بين الاثنين. تتحقق هذه العملية من خلال الصراع الديالكتيكي بين الموضوع ونقيضه لينتج مركب جديد. ان حركة التغير تحصل حينما تناقض الذات ذاتها (تثور عليها) بسبب شعورها بالنقص، او اكتشافها انها عاجزة عن تحقيق كل رغباتها، فتبحث عن كيفية تعويض هذا النقص، فتقفز عن طريق الفكر (الوعي) الى درجة اعلى من الوعي، فتجد لا حل امامها سوى ان تندمج مع نقيضها (كي تعوض عن نقصها) لتكون كيان جديد( المركب الجديد)، تلك هي عملية الشعور بالسلب :" ماهية الشيء في تناقض مع حالة وجوده، فطبيعة الشيء التي هي ماهيته تدفعه الى ان يتخطى حالة وجوده الى حالة اخرى"(1). هذه العملية تحصل في عدد ما نهاية من المحاولات في الكون، اي هناك صراع دائمي مستمر بين القضية ونقيضها لانتاج المركب الجديد المتكون من اتحادهما في اصغر جزئية من الكون وفي كل لحظة وفي كل مكان. ومن هذا المركب الجديد تبدا مسيرة جديدة، اي تعاد العملية من جديد حسب هيجل ان التاريخ هو تاريخ الفكر الانساني، لانه الكائن الوحيد له امكانية الشعور بالوجود والتميز بين ذاته والعالم الخارجي. الانسان وحده يملك العقل التي تسيطر على العالم ويحكم التاريخ . اذا التاريخ هو مسار المراحل الذي اختاره العقل بحثا عن تحقيقه كيانه الذاتي، لكن في النهاية يحصل تحقيق الحرية المطلقة للكيان الكلي (كل اجزاء الكون). اذا مهمة الروح في التاريخ هي فهم ذاتها او تحقيقها، ومن خلال تحقيق هذه العمليات يتحقق الوعي المطلق في نهاية التاريخ حينما يتوقف الصراع وتتوقف قوانين الثرموداينمائيك الثلاثة من العمل.
من الامثلة التي يضربها هيجل في شرح جدليته علاقة الانسان بمجتمعه. الانسان كفرد يضطر ان يخسر شيئا من خصوصيته حينما ينتمي الى جماعة بشرية (جماعة دينية، دولة، قومية) ويخضع لاعرافها او قوانينها، ان قبوله لهذه العملية هي ضرورة، لان بدون هذه العلاقة الجماعية لن يتحقق له كثير من الاهداف (خدمات، امن، طعام، انسانيته تكون ناقصة). هكذا يرى هيجل الشعور بضرورة تقوية علاقته وتوسيعها من اجل تحقيق مصلحة ذاته، لكن من خلال قيام كل الافراد باقامة هكذا علاقة بصورة صادقة يتحقق مجتمع مثالي ، الصورة النهائيةللحقيقة، اي حينما يتجاوز الفرد انانيته(سلب حريته) ويقيم علاقة مع بقية افراد مجتمعه يكون قراره نابع من وعيه بان مصلحته تفرض عليه ان يتجاوزها.
الجدلية المادية (الفكر الماركسي) كارل ماركس من خلال التحاق بحلقة تلاميذ هيجل(2) التي شكلت بعد وفاة الاخير، اختمرت عنده نظرية جديدة. في النهاية قرر الاعلان عنها، التي بشرت المفكرين والعامة بمقولة غريبة الا هي :"موت الفلسفة واللاهوت" معا في العصر الحديث، وما على الانسان الا التركيز على اعادة تنظيم القوانين الاجتماعية و النظام السياسي بسبب تاثيرهما الكبير على حياة البشر بالاخص الفقراء او العمال( الطبقة البروليتارية) .حيث يقول انجلز :"بان المادية التاريخية طردت الفلسفة التي انحصرت، قبل ان تلفظ انفسها الاخيرة، في مجال الفكر الخالص(هيجل) الذي لا علاقة له بالواقع"(3). ركزت الماركسية على ان الحل ليس في زيادة المعرفة التي قضى الفلاسفة والاديان قرون وقرون في البحث والتقصي عنها ومراقبة الظواهر والتدقيق واجراء المقارنة بينها للوصول اليها، انما في النمط الاقتصادي- السياسي، انما يكون الحل في كيفية تطوير الواقع من نظام انتاجي ضعيف غير عادل، الى نظام اقتصادي اكثر كفاءة وعدالة. فيه يتم القضاء على فكرة الارباح من صاحب رأسمال الذي يجنيه المستثمر ويتم تحويله لصالح الجميع.
الخلاصة والتعليق الصراع بين المثالية والمادية لم يكن جديد، لكن احتدم في القرنين الاخيرين، وقد جرب الانسان كلا المسارين عبر التاريخ، لكن مع الاسف الفائدة المرجوة منهما كانت محدودة. على الرغم الفكر الطباوي الذي اتى في الفكر الماركسي المادية لكن الضيق الفكري والضغط الذي مارسته على الشعوب التي حكم رواده كان هولا لا يطاق، بحيث وصل الى مرحلة الغاء حرية الانسان نفسه، المبدا الذي كان يقدسه كلا التيارين تم نقضه. اما مثالية هيجل (الديالكتيكية) حسب قناعتي لم تكن سوى تكرار لما اتى في الفلسفات والديانات وبالاخص الشرقية والفلسفة الحلولية. في العدد القادم سوف سنجري مقارنة بين مثالية هيجل ومادية ماركس. ...................... 1- مدخل الى الفلسفة، د. هادي فض الله، دار المواسم للطاعة والنشر والتوزيع، الطبعة الأولى، بيروت-لبنان 2002، ص 172. 2- حلقة تلاميذ هيجل التي شكلت بعد وفاته في عام 1827 في برلين شملت كل من برونو باور واخوه ادجار باورو ماكس شوتر، وموسى هيس، وروج، ودافيد شتراوس، وفيورباخ و هايزنبرج. نقد فلسفة هيجل (كيركجورد-فيورباخ-ماركس)، د. فريال حسن خليفة، طار التنوير للطباعة والنشر والتوزيع، بيوت- لبنان، 2006، ص 5. 3- الفلسفة والانسان، د. علي الشامي، دار الإنسانية للدراسات والطبع والنشر والتوزيع ، الطبعة الأولى، بيروت لبنان، 1991 ص، 234. تعديل المشاركة
#يوحنا_بيداويد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تعقيب على اراء د عبد الله رابي في مقابلته الاخيرة بخصوص الرا
...
-
علم النفس التحليلي/سيجموند فرويد
-
لنزاعات النفسية الرئيسية وتاثيرها على القرارات الشخصية / الج
...
-
العولمة في محك في هذه المرحلة من التاريخ
-
علم النفس التجريبي- الفيزيقي/ الجزء الثاني
-
عجلة التغير الى اين تقودنا!
-
علم النفس في التاريخ
-
أهمية المعرفة في التاريخ
-
مستقبل العراق وعلاقة رجال الدين بالشيطان
-
الفلسفة التحليلة الحديثة كوتلب فريجه ودورد مور مثالا
-
فشل الموضوعية في نهاية التاريخ مفارقة غريبة جدا!!.
-
نقد وتحليل لمقال د. عبد الله رابي حول اهمية تجديد التراث وال
...
-
مقال يستحق القراءة: زمن الآن، بين دكتاتورية الصور وحرية الفن
...
-
التعصب مرض ومن يلتزم به مريضا
-
البشرية في قارب واحد!
-
الحكومة الوطنية بحسب افلاطون تبدأ من التربية والتعليم الصحيح
...
-
صة موت احد شبابنا في الثلوج اثناء محاولته للهروب من الموت في
...
-
السخرية من أداة نقد او رسالة عتاب الى سلاح الطعن وأسلوب التج
...
-
الفلسفة المادية -الجزء الثاني Materailism Philosophy
-
المعجزات في زمن مرض كرونا!
المزيد.....
-
جنرال أمريكي متقاعد يوضح لـCNN سبب استخدام روسيا لصاروخ -MIR
...
-
تحليل: خطاب بوتين ومعنى إطلاق روسيا صاروخ MIRV لأول مرة
-
جزيرة ميكونوس..ما سر جاذبية هذه الوجهة السياحية باليونان؟
-
أكثر الدول العربية ابتعاثا لطلابها لتلقي التعليم بأمريكا.. إ
...
-
-نيويورك بوست-: ألمانيا تستعد للحرب مع روسيا
-
-غينيس- تجمع أطول وأقصر امرأتين في العالم
-
لبنان- عشرات القتلى في قصف إسرائيلي على معاقل لحزب الله في ل
...
-
ضابط أمريكي: -أوريشنيك- جزء من التهديد النووي وبوتين يريد به
...
-
غيتس يشيد بجهود الإمارات في تحسين حياة الفئات الأكثر ضعفا حو
...
-
مصر.. حادث دهس مروع بسبب شيف شهير
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|