|
القرآن محاولة لقراءة مغايرة 130
ضياء الشكرجي
الحوار المتمدن-العدد: 7446 - 2022 / 11 / 28 - 13:13
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
إِنَّمَا التَّوبَةُ عَلَى اللهِ لِلَّذينَ يَعمَلونَ السّوءَ بِجَهالَةٍ ثُمَّ يَتوبونَ مِن قَريبٍ فَأُلائِكَ يَتوبُ اللهُ عَلَيهِم وَكانَ اللهُ عَليمًا حَكيمًا (17) هذه من الآيات ذات المضمون الجميل. فالتوبة هي كما هو معروف، الشعور بالندم، ثم الإقلاع عن ارتكاب ما ارتكبه النادم، ثم طلبه المغفرة من الله ومعاهدته ومعاهدة نفسه على عدم العودة إلى مثل ذلك العمل، ثم التدارك، أي إصلاح ما أفسده من خلال المعصية، أو تعويض ما يجب فيه التعويض. لو كانت الذنوب والمعاصي في الدين، هي ما تعده الأخلاق من السيئات، كالظلم والعدوان والقتل والتكبر واحتقار الناس وإهانة كرامتهم والتشهير والافتراء والتسقيط والغش والاحتيال والسرقة والكذب وإلى غير ذلك، فأمر حسن أن تدعو الأديان إلى تجنب هذه السلوكيات السيئة وتدعو في مقابل ذلك إلى ما تحسنه الأخلاق، ولكن من محرمات الأديان ما هو ليس من محرمات الأخلاق، ومن واجبات الأديان ما هو ليس من واجبات الأخلاق، بل من بعض مباحات الأديان ما هو ليس من مباحات الأخلاق. لكن لنأخذ المعنى الإنساني والأخلاقي للتوبة، فمراجعة الإنسان لأخطائه وإساءاته ومحاولة إعادة الاعتبار إلى من أساء إليه والحقوق إلى من سلبه حقه، أمر لازم للإنسان فردا ومجتمعا. فالآية تجعل توبة الله على التائب حقا للتائب على الله، فتقول «إِنَّمَا التَّوبَةُ عَلَى اللهِ»، فتجعل التوبة حقا للتائب «عَلَى اللهِ»، ولكنه ليس حقا لأي تائب، إذا استخدمت الآية أداة الحصر «إِنَّمَا»، وجعلت هذا الحق حصرا «لِلَّذينَ يَعمَلونَ السّوءَ بِجَهالَةٍ»، أي عن جهل أو قلة وعي أو قبل اكتمال الرشد، أو في لحظة جهالة، أي في لحظة غضب أو انفعال أو بفعل عاطفة، «ثُمَّ يَتوبونَ»، أي إما بعد زوال الغضب والانفعال والرجوع إلى العقل، أو عندما يرتفع الإنسان إلى بوعيه ورشده، أو عندما تحصل لديه صحوة ضمير، لكن على ألا يسوفوا توبتهم، بل «يَتوبونَ مِن قَريبٍ»، وربما يفهم التعجيل بالتوبة إما بعد ارتكاب الذنب أو الخطأ بفترة قصيرة، أو بعد حصول صحوة الضمير أو اكتمال الرشد وشعور الإنسان بخطئه مباشرة، بلا تسويف، لعد تفويت فرصة التدارك والإصلاح، «فَأُلائِكَ يَتوبُ اللهُ عَلَيهِم»، وبلا شك تنطبق هنا قاعدة إنما الأعمال بالنيات، فلو نوى الإنسان تصحيح خطئه، أيا كان نوعه، كأن تكون إساءة لإنسان آخر، ثم لم يلحق على تنفيذ ما عاهد به نفسه صادقا وعازما، إما على سبيل المثال بموته المفاجئ هو، أو بالموت المفاجئ للطرف الثاني، فلا بد أن يكون ممن تقبل توبته. لكن المشكلة إن الذنوب التي تستحق العذاب ليست فقط ما تراه الأخلاق من ظلم وعدوان وإساءة للآخر، بل يمكن يكون ذلك لمجرد شرب للخمر، أو أكل للحوم غير المذكاة، أو ترك للصلاة أو الصيام، أو ممارسة للجنس بدون عقد شرعي، دون أن يؤذي بذلك مرتكب الذنب الديني، إتيانا بمحرم أو تركا لواجب، أي إنسان، بل حتى لو فعل كل أعمال الخير للآخرين، فهو يستحق العذاب الأخروي في نار جهنم، فإذا كان مسلما، فقد ينقطع العذاب بعد أمد لا نعرف مداه، أما إذا كان كافرا، أي غير مؤمن بالإسلام، فهو يستحق العذاب الأبدي. لكن دعونا نتوقف عند قفل الآية، فما علاقة قول «وَكانَ اللهُ عَليمًا حَكيمًا» بموضوع الآية يا ترى؟ العلم له علاقة باعتبار أن الله يعلم بكل أفعال الناس حسنها وسيئها، ويعلم بنواياهم وسرائرهم، لكننا لا نجد هنا علاقة مناسبة للحكمة. فلو ذكرت الرحمة «رحيم»، أو الرأفة «رؤوف»، أو التوبة «تواب»، أو المغفرة «غفور»، أو العدل، ولو إنه لم يرد في القرآن اسم من أسماء الله الحسنى مشتقة من العدل، رغم الأهمية المركزية للعدل الإلهي، بل نفت عنه الظلم، أقول كل مما ذكر كأمثلة وغيره كان سيكون أكثر توافقا وانسجاما مع أجواء الآية. وَلَيسَتِ التَّوبَةُ لِلَّذينَ يَعمَلونَ السَّيِّئاتِ حَتّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ المَوتُ قالَ إِنّي تُبتُ الآنَ وَلَا الَّذينَ يَموتونَ وَهُم كُفّارٌ أُلائِكَ أَعتَدنا لَهُم عَذابًا أَليمًا (18) بعدما حصرت حق التوبة للذين ذكرتهم بالأوصاف آنفة الذكر، جاءت الآية التالية لها هذه لتؤكد نفي التوبة عمن لا تتوفر فيهم الشروط. إذن «لَيسَتِ التَّوبَةُ لِلَّذينَ يَعمَلونَ السَّيِّئاتِ [ويصرون عليها ولا يقلعون عنها] حَتّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ المَوتُ [وقد علم بحضور الموت] قالَ إِنّي تُبتُ الآنَ» خوفا من تعذيب الله له في الآخرة. ثم تضيف الآية إلى هؤلاء غير المسلمين، بقول «وَلَا الَّذينَ يَموتونَ وَهُم كُفّارٌ»، أي غير مؤمنين بمحمد رسولا وبالقرآن كتابا منزلا من الله وبالإسلام دينا وشريعة، ناهيك عن الذين لم يؤمنوا بالله، ليس عنادا، بل لعدم قدرتهم على الاقتناع بأدلة وجود الله، فتحكم الآية عليهم بأن «أُلائِكَ أَعتَدنا لَهُم عَذابًا أَليمًا».
#ضياء_الشكرجي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
القرآن محاولة لقراءة مغايرة 129
-
القرآن محاولة لقراءة مغايرة 128
-
عندما ستنتصر ثورة الشعب الإيراني 3/3
-
عندما ستنتصر ثورة الشعب الإيراني 2/3
-
عندما ستنتصر ثورة الشعب الإيراني 1/3
-
القرآن محاولة لقراءة مغايرة 127
-
القرآن محاولة لقراءة مغايرة 126
-
القرآن محاولة لقراءة مغايرة 125
-
القرآن محاولة لقراءة مغايرة 124
-
القرآن محاولة لقراءة مغايرة 123
-
القرآن محاولة لقراءة مغايرة 122
-
القرآن محاولة لقراءة مغايرة الحلقة الحادية والعشرين بعد المئ
...
-
القرآن محاولة لقراءة مغايرة 120
-
القرآن محاولة لقراءة مغايرة 119
-
القرآن محاولة لقراءة مغايرة 118
-
القرآن محاولة لقراءة مغايرة 117
-
القرآن محاولة لقراءة مغايرة 116
-
القرآن محاولة لقراءة مغايرة 115
-
القرآن محاولة لقراءة مغايرة 114
-
القرآن محاولة لقراءة مغايرة 113
المزيد.....
-
أول رد من الإمارات على اختفاء رجل دين يهودي على أراضيها
-
غزة.. مستعمرون يقتحمون المقبرة الاسلامية والبلدة القديمة في
...
-
بيان للخارجية الإماراتية بشأن الحاخام اليهودي المختفي
-
بيان إماراتي بشأن اختفاء الحاخام اليهودي
-
قائد الثورة الاسلامية آية اللهخامنئي يصدر منشورا بالعبرية ع
...
-
اختفاء حاخام يهودي في الإمارات.. وإسرائيل تتحرك بعد معلومة ع
...
-
إعلام العدو: اختفاء رجل دين اسرائيلي في الامارات والموساد يش
...
-
مستوطنون يقتحمون مقبرة إسلامية في الضفة الغربية
-
سفير إسرائيل ببرلين: اليهود لا يشعرون بالأمان في ألمانيا
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تستهدف مستوطنة -أفيفيم- بصلية صا
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|