|
مدفع الشرق الأوسط الكبير... الدرع الأميركي بمواجهة القذيفة الإيرانية
سعدون محسن ضمد
الحوار المتمدن-العدد: 1696 - 2006 / 10 / 7 - 03:49
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
في ثلاث خطابات متعاقبة جاءت بعد وقف إطلاق النار في لبنان، فسرت جبهة (حزب الله إيران سوريا) انتصارها على إسرائيل. إذ ظهر نصر الله على شاشات التلفزة، ثم تلا ظهوره ظهور كل من نجاد والأسد، في مشاهد متشابهة مع بعضها. وإذا كان التعاقب في الظهور مصادفة فإن شكل ومضمون مشاهد الظهور الثلاثة لا يوحي بالمصادفة بل لا يترك لها مجالاً. ومع أن نصر الله كان معنياً بالداخل اللبناني، وتثبيت ولاء الشارع وعدم انزعاجه من الخسائر. ومع أن خطاب كل من سوريا وإيران كان موجهاً لجبهة (أميركا، بريطانيا، إسرائيل) إلا أن ملامح ترابط الخطابات مع بعضها كان واضحاً، الأمر الذي يوحي بتشكل جبهة من هذه الأطراف الثلاثة. ومن قراءة الخطابات الثلاثة نكتشف أن هناك ملامح يمكن الإشارة إليها تخص مرحلة ما بعد انتصار حزب الله على إسرائيل: أولاً: تحويل ظاهرة القتال بين الجماعات المسلحة من جهة والدول العظمى من جهة أخرى، من كونها ظاهرة طارئة (متخفية ومطاردة) كنموذج بن لادن، إلى كونها واقع ثابت ورقم كبير على السياسة الدولية أن ترضخ لمتغيراته وتقبل باشتراطاته، كنموذج حزب الله غير المتخفي والمدعوم علنا من قبل عدة دول. ثانيا: فشل استراتيجية الضغط التي تسعى من خلالها أميركا لاحتواء دول الشرق الأوسط. الأمر الذي اضطر تلك الدول للبحث عن متنفس عن هذا الضغط، كما حصل بالنسبة لإيران التي جربت لي الذراع الأمريكي، ونجحت، ما أوقع أميركا بمأزق التحول من المتحكم بالواقع الدولي إلى المحكوم به. إن إفراز الواقع السياسي/ الاجتماعي الإيراني لنموذج نجاد أوضح بما لا يقبل الشك بأن منطق القوة الذي استخدمته أميركا في سياستها العالم بصورة عامة والشرق الأوسط بصورة خاصة منطق طفولي نزق، لا يوصل منتهجيه لغير الخسارة. فهاهي إيران تسعى لمعادلة كفة القوة الأميركية بقوة مضادة تحاول أن تجمع من خلالها موارد الشرق الأوسط (قواه الاقتصادية والسياسية والعسكرية) في مدفع واحد ثم تتوجه به لقلب أميركا. إيران تعمل على ذلك منذ زمن وهي تنجح به لحد ما، وفي حركتين أخيرتين لنجاد ظهر من خلالهما مدى انجرار إيران لمنطق القوة واقتناع سياسييها وعسكرييها به. الحركة الأولى هي تصريحاته التي أدلى بها لشبكة أميركية والتي صرح من خلالها بأحقية لبنان ممثلاً بحزب الله في الدفاع عن نفسه، وهذه لهجة أميركية ترشح عن عقل يعمل بمنطق القوة، المنطق الذي يتجاهل كل ما لا يقع في صالحه، أميركا تدافع عن حق إسرائيل فقط وتتجاهل الحقين الفلسطيني واللبناني، إيران بدأت تنتهج نفس المبدأ، فتدافع عن حق لبنان فقط وتتجاهل الحق الإسرائيلي. هذا نوع من أنواع الانجرار والمماهاة. من جهة أخرى وفي حركة ثانية يظهر نجاد على منصة يجتمع تحتها جمع هائل من مؤيديه ليقول بأن شعوب الشرق الأوسط تبحث عن حريتها من الاستعباد (الأميركي البريطاني). في هذه الحركة ملامح تصدّر إيران لقوة تحاول أن تصنعها من الشرق أوسطيين. وهي بهذا تتماها أيضاً مع المنطق الطفولي الأميركي. سوريا اندرجت في هذا المنطق وأيضا لبنان، العراق ما يزال على حافة الدخول أو عدم الدخول، الأمر الذي يبرر القول بإمكانية تحول إيران (لمدفع) شرق أوسطي كبير ومخيف يتقاسم مع أميركا مجموعة القذائف التي ستجهز على عالمنا المعاصر. ثالثاً: المفردة الثالثة التي أفرزتها سياسة القوة التي تنتهجها أميركا هي صعود القوى الدينية أو المتمثلة بالمؤسسات الدينية لسطح المواجهة في الصراع (السياسي/ العسكري) وأخذها المبادرة من جميع القوى والمؤسسات الاجتماعية الأخرى، الأمر الذي حول المؤسسات الدينية لقوى ضغط هائلة، ما جعل أجندة هذه المؤسسات مفروضة على أجندة القوى الاجتماعية الأخرى. وهذا الأمر بحد ذاته كفيل بإيقاف عجلة الارتقاء الحضاري التي تحاول هذه المجتمعات لاهثة الإسراع بها وتعميقها. حزب الله الآن قوة هائلة في الوسط الشيعي العالمي، تنظيم القاعدة قوة مقابلة في الوسط السني العالمي، وهاتان القوتان ستعملان بشكل مباشر وغير مباشر على قمع إرادة التنوير والحداثة. إن نجاح حزب الله الإسلامي في لبنان يوقع جميع العلمانيين والتنويريين الإسلاميين في العالم العربي والإسلامي بحرج شديد، فهذا النصر يسحب الشرعية الجماهيرية من خطابهم الإصلاحي الذي يحاول تكريس طابع قبول الآخر والحوار معه. وهنا لا بد من الوقوف عند الاعتقاد السائد الذي يقول بأن أميركا تفصِّل الأحداث في العالم بحسب مقاسات مصالحها، فهذا الاعتقاد الذي أفرزه العقل العربي الغارق في رهاب المؤامرات، لم يستوعب إلى الآن بديهية أن التاريخ لا يمكن أن يوجه بأي قوة ومهما كانت مؤثرة، التاريخ عصي على التوجيه والتأثير، وإذا كان ثمة تأثير يمكن تركه على حركة هذا التاريخ فهو تأثير طفيف جداً. إذا كانت أميركا هي التي فككت الاتحاد السوفيتي، فهل كانت نتيجة هذا التفكيك تقع في الصالح الأميركي؟ هل كانت عملية إخلاء الساحة للغرماء الصغار ـ عصابات الإرهاب ـ من خلال قتل الغريم الأكبر انتصاراً لأميركا أم هزيمة نكراء لها؟ لقد كاد أسامة بن لادن أن يتحول من عصابة إلى دولة، دولة طالبان، وكان يمكن حينها لأميركا أن تقضي عليه لأنها تستطيع محاصرة الدول ومن ثم القضاء عليها، لكنها بدلاً من ذلك حولته إلى شضايا لا تعد ولا تحصى، منعته من أن يتحول لنموذج دولة فبقي نموذج عصابة وهكذا أصبح ينتشر في جميع بلاد الله ابتداء بالعراق وانتهاء ببريطانيا. عندما أقول بأن التاريخ لا يوجه فأنا أقصد بأنه غير قابل لأن يتحول إلى لقمة قابلة للبلع من قبل فم واحد. لهذا السبب فأمريكا استطاعت أن تؤثر بالتاريخ من خلال حرب لبنان الأخيرة، لكنها لم تستطع أن تكسب ثمار هذا التأثير، وربما أن أعدائها هم الذين كسبوا هذه الثمار، هذه النتيجة تستحق التوقف عندها طويلاً. إيران التي حاولت أميركا أن تكرر معها عملية التفكيك التي جربتها مع السوفيت لا يبدوا عليها إلى الآن بأنها ماضية نحو الانهيار، بل يظهر جليا بأنها أخذت تمسك بخيوط لعبة السياسة العالمية. نجاد لا يشبه كورباتشوف أبداً. في العراق ثمة دليل آخر يثبت بأن التاريخ لا يمكن التحكم بمعطياته. العراقيين الذين اشتركوا بالتخطيط لعراق ما بعد صدام يؤمنون بهذه النتيجة أكثر من غيرهم، وهم أعلم من غيرهم بقدرات أميركا الحقيقية. على هذا الأساس فإن أميركا التي تزعم بأنها تعمل على محاصرة كل أشكال التطرف الديني سعياً منها لتجفيف منابع الإرهاب، لا تعلم بأنها تعطي هذا التطرف حقن مقوية وباعثة للحياة. الآن أصبحت الجماهير العربية والإسلامية تؤمن أكثر بنموذج حسن نصر الله، والآن أصبحت جبهة الدول الغربية مفتوحة أكثر أمام هجمات بن لادن. الآن المدفع الشرق أوسطي أخذ يتشكل بسرعة، ومن جهة أخرى أصبح واضحاً بأن الدرع الأميركي صار بالياً لحد بعيد.
#سعدون_محسن_ضمد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تحضُّر العجرفة... ضريبة أننا لا نريد الاعتراف بالعجز
-
تجريم الإسلام.. دعوة للتنقيب بحثاً عن كل جذور العنف في العرا
...
-
تهافت المنهج في العلوم الإنسانية
-
إفلاس الانثروبولوجيا
-
الثابت والمتحكم في جدل الإنسان والدين
-
المجد لحضارة المقابر... حيث الموتى وحدهم يتكلمون*
-
العقل الخالي... تخبط السياسة الأمريكية بين نموذجي خاتمي ونجا
...
المزيد.....
-
أمريكا تكشف معلومات جديدة عن الضربة الصاروخية الروسية على دن
...
-
-سقوط مباشر-..-حزب الله- يعرض مشاهد استهدافه مقرا لقيادة لوا
...
-
-الغارديان-: استخدام صواريخ -ستورم شادو- لضرب العمق الروسي ل
...
-
صاروخ أوريشنيك.. رد روسي على التصعيد
-
هكذا تبدو غزة.. إما دمارٌ ودماء.. وإما طوابير من أجل ربطة خ
...
-
بيب غوارديولا يُجدّد عقده مع مانشستر سيتي لعامين حتى 2027
-
مصدر طبي: الغارات الإسرائيلية على غزة أودت بحياة 90 شخصا منذ
...
-
الولايات المتحدة.. السيناتور غايتز ينسحب من الترشح لمنصب الم
...
-
البنتاغون: لا نسعى إلى صراع واسع مع روسيا
-
قديروف: بعد استخدام -أوريشنيك- سيبدأ الغرب في التلميح إلى ال
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|