أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عبد المجيد إسماعيل الشهاوي - زنا العيون لا يُنتج حملاً














المزيد.....

زنا العيون لا يُنتج حملاً


عبد المجيد إسماعيل الشهاوي

الحوار المتمدن-العدد: 7445 - 2022 / 11 / 27 - 16:01
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


القانون يحاسب فرد الجماعة على أفعاله، يقيد يديه ويكبل قدميه ويلقي به في محبس ضيق يحرمه حرية التصرف والفعل المحسوس القادر على إيقاع الأذى والضرر بالآخرين من أفراد الجماعة؛ وفي أقصى الحالات، قد يصل إلى حد القصاص منه وتخليصه وتخليص الجماعة من حياته وشره إعداماً مرة واحدة وللأبد. بينما الدين لا يشبعه أن يقيد أحداً من يديه أو قدميه، أو يحبسه أو يخلصه من حياته. بل الدين يقبض على فرد الجماعة من قلبه، يعتصره في ألم وعذاب مبرح مكتوم، ويتركه حراً يموت في اليوم الواحد مئة مرة ندماً وتوبة وتوسلاً للمغفرة لذنب ومعصية وخطيئة تتكرر كل لحظة وكل يوم، لكي يظل حياً في جحيم وجداني هو نفسه حطباً له، ويعيش وسط جماعته مرعوباً من فضيحة خطيئته. حتى لو كان الدين لا يملك شيئاً من وسائل العقاب والقصاص البدني المتاحة للقانون، لكنه يبقى أشد قسوة وألماً، لقدرته على اختراق أعماق المرء وإيقاع القصاص المعنوي من هناك.

الدين والخطيئة وجهان لعملة واحدة ونفس العملة، بحيث إذا ما بهت أحدهما لازمه الآخر بالضرورة. لذلك يسعى الدين دائماً وأبداً إلى إبقاء جذوة الشعور بالذنب متقدة ومؤججة في الوجدان. وفي حال لم يجد الدين خطيئة في الإنسان لاختلقها له. هذه هي وظيفة الدين ورسالته الأساسية. الدين مصنع الذنوب والمعاصي والخطايا في حياة الإنسان. لكن، لماذا؟

لكي يكتوي ويتعذب من داخله استغفاراً وتوبة وقسماً على ألا يعود إلى المعصية والخطيئة والذنوب مجدداً. لكنه في كل مرة يعود مجدداً؛ والدين يعلم مسبقاً أنه سيعود، بل يستميت في استفزازه لكي يعود إلى الخطيئة مجدداً وإلى ما لا نهاية. الدين هو عبارة عن فخ ومصيدة لضمير الإنسان، يعلم مسبقاً أنه يطلب من المرء ما لا طاقة له به في كل الأحوال؛ يطلب من البشر المستحيل، نقيض بشريتهم ذاتها. هذا لأنه في الحقيقة ليس صادقاً في ادعائه أنه يريد لهم الهداية والتوبة النصوحة من المعاصي وغفران الذنوب، لأن ذلك حال تحققه سيعتقهم من مشاعر الذنب ويحررهم من قبضة تأثيره ونفوذه عليهم. الدين في الحقيقة يريد منهم ارتكاب المزيد والمزيد من المعاصي والذنوب والخطايا، لكي تدفعهم آلامهم المبرحة بداخلهم إلى توسل التوبة والمغفرة، ومن ثم يطرقون أبواب الدين ذاته حيث تُمنح صكوك الغفران والتوبة والمواساة. تقوية مشاعر المعصية والذنب من تقوية الدين ذاته. لكن، ماذا يفيد الدين من عذابات الإنسان؟

نيران الدين وجحيمه ليس الهدف منها أن تحرق الفرد في حياة آخرة بعد الموت، بل في حياته الدنيا ذاتها- لكي تصنع منه فرداً صالحاً للعيش مع جماعة من أقرانه. الحياة الجماعية حتى تنهض وتستمر تستلزم ترويض فرد البراري، إعادة تشكيل غرائزه البرية داخل أتون الدين. لهذا كان الدين منتجاً اجتماعياً لا وجود له إلا في وسط تجمع من الناس، ولم يكن له وجود أثناء معيشتهم فرادى أو في مجموعات صغيرة في البرية. ولكي يؤدي الدين رسالته في ترويض هذا الكائن البري المتوحش كان لابد من إمساكه والقبض عليه بقبضة من نار. وليس في الإنسان موضعاً أفضل من القلب- لا اليدين أو الرجلين أو الرقبة أو العقل- لإمساكه والتأثير عليه منه. وحتى يصيب القلب ويتمكن منه، لا يحتاج الدين إلى المنطق أو التفسير أو الإقناع أو الاستدلال أو التجريب أو الملاحظة أو أي شيء من هذا القبيل، مما قد ألفه واعتاد عليه البشر في شؤون حياتهم الطبيعية. بل هو دائماً وأبداً بحاجة إلى ما هو أقوى أثراً في النفس من كل ذلك، شيء فوق طبيعي، إعجازي وأسطوري، لأن هذا هو تحديداً ما يستطيع أن يفعل في القلب مفعوله وسحره.

الدين يمسك الفرد من قلبه، يخيفه ويرعبه لكي يخلق داخله ’ضميراً‘ لم يكن له وجود على الإطلاق في حياته البرية السابقة. وما كان في حياة البشر أقوى من الأساطير والمعجزات وخوارق الطبيعة لكي تلقي في نفسه الرعب وتخلق في وجدانه الضمير لكي يستطيع العيش في سلام اجتماعي نسبي وسط آخرين من بني جنسه. في النهاية، نحن لسنا مطالبين بفهم أو تصديق أن العيون قادرة حقاً على أن تزني، بل أن نخاف من فاحشة وخطيئة الزنا، وأن نستغفر ونتوب في كل مرة نزني فيها؛ فلا الفاحشة تتوقف، ولا الاستغفار ينتهي.



#عبد_المجيد_إسماعيل_الشهاوي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- السلطة والثروة والدين
- لديَّ حُلْمُ كُوردي
- السلثردي
- هل القوة وحدها تكفي؟
- سوريا، أَنْتِ هُنَا؟
- الهيمنة الأوروبية قديماً وحديثاً
- أساطير الأولين2
- هل تُفْلِس مصر؟
- حرب الجمهوريات
- أساطير الأولين
- تحيا جمهورية مصر العربية
- رعايا في مملكة الملك
- حرب بوتين في أوكرانيا قد تضيع منه روسيا
- التمثيل النسبي للإرادة العامة
- ديكتاتورية العامة- الجمهورية
- ديكتاتورية القلة/الكادر واغتصاب الإرادة العامة
- الديكتاتورية الأفلاطونية
- توحيد وقومية
- الفيل في المنديل- شيطنة الفضول
- إلهٌ بحجم الجيب


المزيد.....




- في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا ...
- المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه ...
- عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
- مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال ...
- الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي ...
- ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات ...
- الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
- نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله ...
- الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
- إيهود باراك يفصح عما سيحدث لنتنياهو فور توقف الحرب على غزة


المزيد.....

- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عبد المجيد إسماعيل الشهاوي - زنا العيون لا يُنتج حملاً