أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - خضير فليح الزيدي - بيان مجرد















المزيد.....

بيان مجرد


خضير فليح الزيدي

الحوار المتمدن-العدد: 1696 - 2006 / 10 / 7 - 03:46
المحور: المجتمع المدني
    


في بلاغة البيان في صياغته:

مثل صنج داو يصدح صداه آفاق معتمة في عمق ذاكرة مرقطة بليل السواتر المرعبة ، انتفض مثل سعفة نخل كلما ترددت كلمة بيان رقم - من مذياع الجيب الصغير نوع قيثارة عراقية ، هي ليست كبيانات الشعر أو الجماعات العاملة في الحقل الثقافي المتخصص .. وهي ليست بيانات الولادة الصادرة من مستشفى الولادة أو القابلة المأذونة ، وليست مجموعة المستمسكات المطلوبة للتقديم لطلب التعيين بوظيفة موعودة تكتمل أو لا تكتمل بياناتها .. وهي ليست بيان الوصفة المرافقة لعلبة الدواء وتحذيراتها المخيفة من تناول المستحضر الطبي دون استشارة الطبيب الأخصائي .. وهي ليست كل هذا أو ذاك ، بل انه واحد من بيانات الحرب المرقمة في تلافيف ذاكرة الحرب من بيان رقم واحد الى ما لانهاية .. بيان مجرد يعلن بدأ الحرب في تاريخها ومكانها ولا يعلن عن نهايتها ردحا من الأزمان .. فالحرب إن بدأت لم تنته وتلك قاعدة حروبنا البسوسية وان انتهت بوقف إطلاق نار مشروط ، سينهار في صباح اليوم التالي .. وذلك مرده إننا أبنائها لا نقف على نهايتها فهي تسحقنا في فصل من فصولها الفاجعة الطويلة وفينا حاجة لاكمال الشوط الاخير منها .. الحرب إن بدأت لا تؤشر نهاية لها إلا بدمار عارم وتلك مقولة بسيطة المحتوى في طبيعتها غير أني لم أجد بدا منها في ليّها ثم شيّها لنصل الى النهاية المختومة في حقل من بيانات استمارة الطب العدلي .. أما ما يتبقى من شواخصها فهو الحكي يرويه عنها الأسلاف منتجي الكلم المزخرف وبائعيه ..
نويت التقدم إليكم ببيان مجرد الرتوش ومبعدا خطاب الحماسة عن كتابة المقدمة النمطية واستهلال يتدرج الى المتن بتؤدة الخطوات .. وتلك طريقتي المحببة للولوج الى الأشياء أو ممارسة طقسي المفضل في الكتابة اليومية .. فالمقدمات المشحونة بالكلم المدبج مسبقا تفسد الولادة الطبيعية لمشاريع الكتابة الطقسية جملة .. المقدمات هي باختصار شديد نوع من التبريرات المصطنعة وسلالم على ارض مستوية ، وتلك لا حاجة لي بها الآن ، لذلك لم اقل في بياني هذا عنوانا اسمه مقدمة بل يبقى ضمن سياق بيانات الحروب التي بدأت برقم صغير ولم تنته ليومنا هذا حتى أصبحت أرقامه من ثقل النطق والتدوين على السيد المذيع .. مما حدا بالقيادة العسكراتية المزمنة الالتفاف على ماهية الرقم الطويل وتقطيع أجزاءه فلكل يوم بياناته ومن ثم لكل شهر بياناته ومن ثم لكل سنة بياناتها لتكون أرقام البيانات سهلة التنضيد والحمل أو النطق ..
كنت دائما اكره المواعيد المسبقة للدخول على خلوة الآخرين ..وتلك متجذرة عندي في تفقد الأشياء من حولي ، كما كان يفعل آمر الوحدة في تفتيش القطعات العسكرية ، كان يقتحم خلوة الجند في الخنادق الشقية المظلمة أثناء نوبة الخفارة ويتفقد موجودهم الفعلي أو استعداهم القتالي أو إيقاظهم أن كانوا قد استمتعوا بحلم مدني داخل بيوتهم وعلى أسرتهم ، بعد أن يأخذ بنادقهم ويسلمها الى مشجب الوحدة ، لذلك كله طبعت حياتي بطبيعة مضادة لاقتحامات السيد الآمر الى أحلام الجند .. فقررت الدخول دون استئذان شرعي الى الأمكنة المغلقة في حياتي ، فالأبواب المقفلة ليست دائما علامة موحية لعدم الدخول كما أراها في حياتي المدنية ..
إن حياتنا في لحظات الاستراحة هي اقرب تماما لاستراحة فريق كرة القدم بين الشوطين ، دائما نحن بانتظار الحرب اللاحقة بعد استراحة الشوط الأول ، لذلك لم نقذف خوذنا وانطقتنا وبساطيلنا وزمزمياتنا وبنادقنا وملابسنا الخاكية الى النفايات ،حروبنا تنتهي بانتهاء الوقت الأصلي المخصص لها دون نتيجة واضحة المعالم .. بل كنا دائما نحتفظ بها الى حرب قادمة ، فنحن في مسلسل من حروب لا تنفذ مثل قصص الف ليلة وليلة إلا بموت شهرزاد أو نهاية الملك السعيد ..
فيما تنتفض لغة البيانات وتعج بلغة الفرسان المدججين بالسلاح ومرتدين لامة الحرب الطويلة ويعتمرون خوذا من حديد ويقبضون على سيوف قاطعة .. بيانات وتأجيج روح الحماسة في ديباجة نصية تشتغل على نشر بلاغة الأوليين في داحس والغبراء .. يزدحم المتن ببث منظومة التأجيج لمشاعر اكبر الشرائح المصغية لبيانات الموت والميلاد .. ثم تأخذ من خلطة مسحورة ومعجونة بلغة العسكر لتصنع مشهدا دراماتيكيا بنبرة خطابية فاجعة.. غائما يفسر وفق دفق المشاعر المتلاطمة في فك التباس لغة البيان .. ( كان أحدهم مصغيا مطرقا منسجما مع زعيق المذيع وهو يدلي بأحد بيانات الحرب ، حتى ما انتهى المذيع مودعا .. قال السيد المصغي : ماذا قال ؟ ) إنها لغة تحتدم بمصطلحات العسكر في ( العمق السوقي ) ودمجها بمرادفات لغة داحس والغبراء وفروسية الأوليين أصحاب الخيل والليل والبيداء ، لتتمحور حول لب حكاية جديدة من الموروث الفروسي مثل ( ياحوم .. زلزل الأرض .. أو كبت في ارض العدو .. جنحت خارج السرب أو عطب آلية أو رفعت عقارب الشر عقيرتها أو دكت القطعات المستترة ) .
إن الكتابة عن الحياة هي بمثابة شم رائحة حروبنا الدامية، الحروب التي بدأت ولم تنته ليومنا هذا ، أجملها تلك التي تكتب ما بين الشوطين:
كنت ارقب الحرب من ثقب بندقية الطفولة البلاستيكية ، شبيهة كل الشبه ببندقية مشجب الوحدة وهي أيضا نوع كلاشنكوف روسية الصنع ، وعلى اخمصها خط رقم بالدهان الأبيض ، كان لها( مرود ) وقبضة وأنبوبة غاز وترباس وبيته وفوهة ( ويصر العرفاء على تسميتها فهوة ) وحربة مستترة وعلبة زيت مستترة داخل الأخمص وحربة ولسان وفرضة وشعيرة ومقرص واقسام وزناد وسبطانة غير متنملة وخرقة تزييت وأخرى للتنظيف وتفكيك فواصلها وتجميعا باسرع وقت ممكن في ساحة العرضات ، كل ذلك الكم من مصطلحات تابعة الى الكلاشنكوف.. أما مصطلحات ما لحق بنا جراء فواصل التدريب المستمر فلا تعد مثل : السواتر والخنادق الشقية وسر الليل ونوبة الحراسة والكمين والحجاب والدورية ومدفع الميدان ذاتي الحركة والرعيل والكتيبة والفصيل والسرية والفوج واللواء والفرقة والفيلق والنقيب والرائد والمقدم والعقيد والعميد واللواء والفريق والمراسل قلم الوحدة والأشغال وأسبوع الضبط والتدريب الإضافي والنزول والمساعدة والإجازة الدورية والحيطة والحذر والهجوم المقابل وكشف الإصابة والوشم البارودي والمجلس العسكري والنطاق والبيرية والنموذج ولحم الكركدن وصمونة الجيش المتحجرة والجلكان وقنبرة الهاون والصاعق عقارب الموضع الأليفة مثل القطط والأفاعي التي لا تعض السلاح سز في الخلفيات والمطابخ وجناح السيد الآمر السري وجوقة المحدثين والمدلكين .. كل تلك المفردات اقتحمت حياتنا الآمنة ونسفت معايير التعامل اليومي في الشارع الخلفي ولم يتبق لنا سوى بعض مفردات من متن حكائي منصهر عنوة في قاموس الحياة الخاكية الملازمة لنا كل تلك الحياة المبقعة ببقع القوات الخاصة .
وغير ذلك فتراني مشدود لاعادة صياغة ما اكتنزته الذاكرة من تفاصيل تبدو مهمة في حياتي لاعيد نشرها كما تنشر الوحدة العسكرية بعد تهيكلها – بعد خروجها من المعركة وقد خسرتها أو أثخنت بالجراح ليتم تعويضها بالموجود الفعلي من وحدات التدريب المستمرة أو مدارس القتال أو وحدات التأهيل الفعالة ثم يعاد نشرها على الساتر من جديد – وربما يسأل أحدكم ويقول .. ما تعنيني تلك التفاصيل بل أريد أن أنساها تماما ؟ لأقول له إن نسيتها فهي لا تنساك مطلقا بعد أن تلبستنا مثل جن طالح يحاول تمزيق أشلائنا من الداخل ، إن نسينها لحظة وابتسمنا ابتسامة بسيطة بين الشوطين فهي تعود حتما لتعلن استمراريتها ، نحن الذين تمرسنا تدريجيا على أقسى أنواع العنف الآدمي في مدارس القوات الخاصة، ففي تلك المدرسة الخاصة أكلنا الأفاعي حية وكذلك مزقنا القطط وهي تموء أمام أعين الآلاف في الملعب الرياضي لنمزقها ونأكل لحمها وصولا الى الذنب ونصيح بأعلى أصواتنا : هيي هييي ..
ثم يصيح بنا معلم القوات الخاصة ( وهو لا يشبه معلم الصف الأول الوديع مطلقا ) صاحب اكبر شارب في التاريخ العسكري :
جوعانين ~؟ نصيح بصوت هادر سوية :
لا
تعبانين ..؟
لا
عطشانين ؟
لا
يمسك بيده كلبا كبيرا ويصيح بنا المعلم : قوات خاصة تقدم .
ويتحول الكلب الى عدم ليس سوى نباح متقطع ثم يتحول النباح الى عواء الى مواء الى صرير آيل الى اثر بعد عين .. يمحى اثر الكلب من الوجود ويتحول الى لحم عسير الهضم في بطون القوات الخاصة ، وفي الليل تراهم يعون من نشوة رطبة تتجسد في حوارات الفجر..
- أحد جنود القوات الخاصة سمع فيروز تغني في الصباح .. انا وشادي غنينا سوى .. فقال من هذا الذي يغني بالإنكليزي ؟
- أحد جنود القوات الخاصة بترت ساقه اليمنى ويده اليسرى وفي معركة أخرى بترت ساقه اليسرى ويده اليمنى فأحيل على التقاعد .. مما دعته الحاجة المادية للعمل في مطعم الباجة النصر في كراج النهضة .. يحمله ابنه من شعر رأسه ( القبضة الوحيدة المتبقية منه ) ويذهب به الى البيت بعد نوبة العمل الليلية .
- تحتفظ سجلات مدرسة القوات الخاصة المزيد من مآثر العنف التراجيدية في سجلات البطولة فمثلا في إحدى قصصها ، إن جنديا مستجدا استطاع الثأر بإجازة لمدة شهر من لدن السيد الأمر لانه عض أفعى سامة وقتلها في مكانها .. واستطاع آخر أن ينطح ثورا برأسه ويقتله وينال مكرمة الإجازة الشهرية ..
هكذا نحن أجيال ما بعد القوات الخاصة وأبنائهم وايتامهم وورثتهم الشرعيين في الانقضاض على كل ماهو خائر القوى ومستسلم للهدوء والتأمل .. أجيال ما بعد القوات الخاصة حداثويين في تمزيق كل ما هو لا يمت بصلة لابائنا النجب ..
كنت صغيرا ارقب معركة حدثت بين اثنين من أشقياء المحلة .. معركة دامية استمرت ساعة من النطح والضرب والملازمة والتدحرج على الأرض الصلبة المتربة ونحن بين ان نشجع المغلوب على الغالب وبين أن نشجع الغالب لتستمر المعركة حتى غروب الشمس .. حتى كنا نسمع لهاثهما وفحيح صدورهما وأنّاتهما ، ثم تنجلي الغبرة عن تعادل الطرفين المدميين المتربّّين ، يذهبان الى بيوتهما وكل واحد منهما بانتظار الغد ليظفر بصرعة مميتة الى الآخر .. ولا شيء في الغد يحدث وهم على علم بذلك مسبقا ولكن سمعته كشقي مصارع مغوار تدعوه للاستمرار بذلك .. وعندما كبرنا وجدنا إن حروبنا نسخة شاسعة التفاصيل من حروب أشقياء المحلة .. ليس فيها غالب أو مغلوب ولكنها استمرار لليوم الفائت من تاريخ الأمة المجيدة ..حروبنا تبدأ ببيان مطول وتنتهي خجلة دون إعلان واضح للنهاية .. كنا منتصرين بكل الحروب الخاسرة ونرفع بالإصبعين المفتوحين على السماء العلامة الفكتورية بمناسبة أو بغير مناسبة وخصوصا أمام الكاميرات .. لم يتبق من الكلام غير علامة النصر المرتعشة .. ليس سوى الحروب أو سبك الكلام عن قصص الحروب في معرض حياتنا التي تحولت في أمكنتها الى معسكرات كبيرة تمتد من سرير النوم الى ابعد نقطة في حدود الوطن ..



#خضير_فليح_الزيدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- خوفا على نصب الحرية ان يهدم
- قمل السجون عن الحركة والسكون في الذهاب والمجيء
- يوميات الكاتب محسن الخفاجي في المعتقل
- الوطن.. في حقيبة سوق الهرج
- الضاد ليست دائما اخت الصاد يااودنيس الشعر
- ..طريبيل ..الخارجون والداخلون الى دراما الوطن
- حيرة الكتابة ..وقلق الكتاب
- (رسالة من القاص الاب محسن الخفاجي الى القاص جورج بوش الابن ( ...


المزيد.....




- الأمم المتحدة: السودان يواجه أكبر أزمة نزوح في العالم
- هآرتس: ربع الأسرى الفلسطينيين في سجون -اسرائيل- اصيبوا بمرض ...
- اللاجئون السودانيون في تشاد ـ إرادة البقاء في ظل البؤس
- الأونروا: أكثر من مليوني نازح في غزة يحاصرهم الجوع والعطش
- الأونروا: إمدادات الغذاء التي تدخل غزة لا تلبي 6% من حاجة ال ...
- الاونروا: الحصول على وجبات طعام أصبح مهمة مستحيلة للعائلات ف ...
- الأمم المتحدة: السودان يواجه أكبر أزمة نزوح في العالم
- منظمة حقوقية يمنية بريطانيا تحمل سلطات التحالف السعودي الإما ...
- غرق خيام النازحين على شاطئ دير البلح وخان يونس (فيديو)
- الأمطار تُغرق خيام آلاف النازحين في قطاع غزة


المزيد.....

- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي
- فراعنة فى الدنمارك / محيى الدين غريب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - خضير فليح الزيدي - بيان مجرد