أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - ثامر عباس - السؤال الموارب : هل حقا-أنا مثقف ؟!















المزيد.....

السؤال الموارب : هل حقا-أنا مثقف ؟!


ثامر عباس

الحوار المتمدن-العدد: 7439 - 2022 / 11 / 21 - 08:34
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    


نادرا"ما نصادف مثقفا"يضع نفسه على طاولة النقد والمساءلة ، بحيث يطرح على ذاته أسئلة مشككة من قبيل ؛ هل حقا"أنا (مثقف) كما أزعم وكما أحب أن ينعتني الآخرين بذلك ؟! ، وهل حقا" إني أمتلك الشروط والمواصفات المعيارية التي تمنحني هذه الصفة المميزة وتبوئني المكانة التي استحقها ؟! ، وهل حقا"إني أجيد لعب الدور الاجتماعي وأتقن ممارسة الوظيفة التنويرية المنوطة بالمثقفين على الوجه الأكمل ؟! ، وأخيرا"إذا كنت قد حزت على كل هذه الخصائص وحققت جميع تلك المطالب ، فهل يا ترى لمست جدوى تبلورها على صعيد الوعي الذاتي والسلوك الشخصي كحصيلة لذلك ؟! .
فبالاستناد إلى الشروط والخصائص المعيارية التي أتاحت لنا القراءات المتواضعة استخلاصها من جهة ، وعلى أساس نتائج مضاهاة تلك الشروط والخصائص مع المعطيات السياسية والاجتماعية والثقافية التي يمور بها واقعنا المزري من جهة أخرى ، أرى انه من الواجب - وطنيا"وأخلاقيا"-على كل ناشط في الحقول الثقافية والمعرفية ، وخاصة من يمارس العمل التأليفي (الكتابي) – بصرف النظر عن الدوافع والنوايا التي تدفعه لهذه الممارسة – أن يطرح على نفسه سؤالا"محددا" مؤداه ؛ هل حقا"أنا مثقف كما يحلو لي النظر إلى نفسي ؟! . وإذا كنت أدعي امتلاك وحيازة هذا الامتياز الاعتباري وتلك الفضيلة الحضارية ، فما هي دلائل هذا الادعاء وأين هي حصائله سواء على صعيد الإبداع الفكري والفعل الاجتماعي أو التأثير النفسي ؟! .
لعل هناك من يستهجن – وهم الأغلبية باعتقادي - طرح مثل هذه التساؤلات (العقيمة) ويمتعض من إثارة مثل هذه القضايا (العابثة) ، معتبرا"إن مجرد ظهور أسمه في وسائل الإعلام (المكتوبة والمقروءة والمسموعة) ، فضلا"عن الإشارة إلى تواتر حضوره وتنوع مساهماته في الندوات والمؤتمرات واللقاءات ، هي بمثابة أدلة قاطعة على استحقاق وسمه بصفة (المثقف) ، ومن ثم فلا داعي لأن يثير أعصابه ويرهق نفسه ويزعزع قناعاته بمثل تلك الأسئلة التي لا فائدة منها ولا طائل ورائها . والحقيقة التي قد لا تخفى على مطلع من ذوي الشأن ، هي إن التبجح بتلك المظاهر الشكلية والانخراط بتلك الفعاليات الروتينية ، لا تشكل معيارا"حقيقيا"يمكن الركون إليه للادعاء بامتلاك تلك الصفة أو حيازة ذلك اللقب ، وإنما العبرة بمقدرة الشخص المعني على تحقيق مفاعيل تلك الشروط والخصائص المعيارية التي لا تكتمل شخصية المثقف بدونها (سنخصص مستقبلا" مقالة مستقلة عن تلك الشروط والخصائص) .
وإذا ما عرجنا إلى منظّر شريحة المثقفين الأشهر (أنطونيو غرامشي) لاستمزاج آرائه والاستئناس بطروحاته الخاصة بديناميات تحول الفاعل الاجتماعي إلى (مثقف) ، سنجد انه اشترط لذلك ليس فقط امتلاك القدرة على التفكير المنطقي وحيازة تصور عقلاني عن العالم الموضوعي ، وهو الأمر الذي حمله على اعتبار إن الجميع ينتمون للحقل الثقافي تحت مسمى الحس العام السليم فحسب ، وإنما – وهو الأهم من وجهة نظره – أن يمارس قولا"وفعلا"(وظيفة) المثقف التي هي من اختصاص ثلة من الفاعلين الاجتماعيين الذين تخطى وعيهم أنماط التفكير التقليدية ، وتجاوز تحليلهم سياقات الفعل التاريخي المتوارثة ، وتجاسروا من ثم على خرق حجب الممنوعات الاجتماعية ، وكسر طوق المحرمات الدينية ، وهتك أسس التواضعات العرفية ، التي طالما كانت من أسباب تأخر المجتمعات وتحجر الثقافات وتقهقر الحضارات .
والحال من من المثقفين العراقيين بادر إلى تفحص أدواته الثقافية وتجرأ على تدقيق عدته المعرفية ، بعد كل الذي جرى ويجري أمامه وحوله من انهيارات مدوية وانكسارات مروعة على جميع الصعد ومختلف المستويات ، فضلا"عن شروعه بالنظر في جدارة موقعه الاجتماعي واستحقاق دوره الوظيفي ، لاسيما وانه بقدر استشراء ظاهرة تكاثر (المثقفين) من شتى الأنواع والأصناف - مثل نبات الفطر - بقدر ما يمعن المجتمع في مسالك الانحطاط الأخلاقي والتبربر الحضاري ؟! . ومن الدلائل المؤسفة التي تؤكد إحجام الغالبية العظمى من مثقفينا عن الخوض في هذا الغمار النقدي الصعب والمؤلم ، وبالتالي الارتقاء بخاطباتهم إلى مستوى ما يجيش في الواقع من تصدعات وصراعات ، والتعمق في تحليلاتهم إلى مستوى ما يمور في رحم المجتمع من ديناميات وتفاعلات . هو العزوف شبه الكلي لمختلف القطاعات الاجتماعية والثقافية عن الاستجابة لتلك الخطابات والتفاعل مع تلك التحليلات ، وذلك لإدراكهم الواقعي بان ما تتضمنه من أفكار ورؤى وتصورات لا تعدو أن تكون مجرد تخريجات نظرية واستنتاجات افتراضية ، لا تمت إلى المعاش السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي بصلة ، ناهيك عن تحاشيها (التورط) في سبر أغوار الوعي الجماعاتي المعبأ بالخرافات ، وإماطة اللثام عن بواطن السيكولوجيا الجمعية المجيشة بالأساطير .
ومن المؤشرات الأخرى المهمة التي يمكن من خلالها البرهنة على تفريط المثقف العراقي بصفته المعيارية هذه ، هي جهله أو تجاهله لواقعة انه لما كانت (الثقافة) الجادة تتحدد بدلالة المكونات الموضوعية للوقائع (الجغرافية والتاريخية والحضارية) ، بحيث تتكوّن بناها وتتشكل أنساقها بناء على طبيعة الخصائص المكانية والزمانية السائدة في مرحلة ما ، فان (المثقف) الحقيقي لا يحتاج فقط إلى تلك المكونات الموضوعية لبلورة كينونته النوعية وصيرورة هويته الفريدة فحسب ، وإنما يستلزم أيضا"انخراطه الفاعل (اليومي والمباشر) في سيرورات وديناميات التشكيلات الذاتية للمجتمع (السوسيولوجية والانثروبولوجية والسيكولوجية) ، بحيث تتجسّد معالم شخصيته كفاعل (اجتماعي) معتبر له دور يمارسه من جهة ، وتتوضح ملامح هويته كفاعل (ثقافي) له وظيفة فريدة من جهة أخرى ، وذلك وفقا"لإيقاع سياقات التاريخ وأنماط الوعي وانساق الثقافة ومنظومات القيم وشعائر الدين وطقوس الأعراف . وبما أن المثقف – كما ترى المتخصصة في فكر غرامشي الباحثة المصرية (أمينة رشيد) – هو (( نتاج الثقافة ومنتج ثقافة ينبغي أن تدرس ظروف هذه وتلك من أجل تحرير قوى الفكر والإنسان من التبعية للمؤسسات الإيديولوجية )) .
وفي إطار هذه الشبكة من العلاقات الجدلية المعقدة والترابطات العضوية المتشابكة ، قلما يجهد (المثقف) العراقي عقله ويشحذ ملكاته في البحث عن الأصول البعيدة واستقصاء الجذور العميقة للظواهر الاجتماعية الصاخبة في تفاعلاتها والمتفجرة في علاقاتها ، والتي غالبا"ما تتحدى في كل حين طاقاته الفكرية وقدراته التحليلية على مجاراتها والتمكن منها . بحيث تبدو له كما لو أنها أحداث شاذة عن الواقع ومعطيات غريبة عن المجتمع ، وهو الأمر الذي يجعله عاجزا"ليس فقط عن اكتناه حقيقية ما يجري أمامه ويدور حوله من انزياحات وانثيالات وتداعيات فحسب ، وإنما عاجزا"أيضا"عن تقديم الحلول الناجعة واقتراح المعالجات الصائبة التي من شانها تخفيف وقع الأزمات والصراعات المستدامة ، فضلا"عن الخروج منها بأقل الخسائر الممكنة .
وعلى أساس هذه الخلفية المتشائمة التي تشي بتنازل المثقف العراقي عن دوره الاجتماعي وتخليه عن وظيفته التنويرية وتنصله عن التزاماته القيمية ، تاركا"لمختلف أنواع الفاعليين الاجتماعيين لاحتلال موقعه والقيام بدوره وممارسة وظيفته ، فان مبرر استحقاقه صفة ( المثقف) الحقيقي بات بلا معنى وبلا جدوى، اللهم إلاّ لأغراض التبجح الشكلي والاستعراض المظهري في بيئة اجتماعية باتت تعاني الجدب الفكري الكامل والتصحر الثقافي الشامل .



#ثامر_عباس (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مصطلح (البدوقراطية) بين حق التأسيس وحق الاقتباس
- مزالق الايديولوجيا ومآزق الايديولوجيين !
- الايديولوجيا ضد الايديولوجيين !!
- خراب العقلية العراقية وطراز المثقف النيتشوي !
- صراع العقيدة والمعتقد : بين الفتاوى الدينية والتعاويذ الطائف ...
- الثقافة والديمقراطية .. تزامن أم تعاقب ؟
- صلاحية الديمقراطية في المجتمعات المتخلفة !
- العقد الاجتماعي بين اهمال الدولة وتجاهل المجتمع
- الصراع على السلطة : مقاربة في سوسيولوجيا التداول السياسي
- تتريث العقل وتوريث الجهل
- اللغة السياسية والكتابة الصحفية
- ثقافة البراكسيس : الضرورة التاريخية والاضطرار السياسي (الحلق ...
- الميتودولوجيا الماركسية وثقافة البراكسيس ( الحلقة الأولى )
- الزعيم الدكتاتوري ونزوع عسكرة المجتمع
- علي الوردي ومقدمات عصر البدوقراطية
- مفهوم العنف الاجتماعي : دلالاته وأشكال تجليه (الحلقة الخامسة ...
- مفهوم العنف الاجتماعي : دلالاته وأشكال تجليه (الحلقة الرابعة ...
- مفهوم العنف الاجتماعي : دلالاته وأشكال تجليه (الحلقة الثالثة ...
- مفهوم العنف الاجتماعي : دلالاته وأشكال تجليه (الحلقة الثانية ...
- مفهوم العنف الاجتماعي : دلالاته وأشكال تجليه (الحلقة الحادية ...


المزيد.....




- الرئيسان الفرنسي والجزائري يؤكدان عودة العلاقات بين البلدين ...
- اختلاف -اتجاه القبلة- خلال صلاة العيد في مصر.. متى ظهرت الصو ...
- الرئاسة الجزائرية: تبون وماكرون يبحثان -التوترات- بين البلدي ...
- إسرائيل تطالب مصر بتفكيك البنية العسكرية في سيناء 
- أين تختزن 46 ألف ساعة من الذاكرة الـسورية؟
- ماكرون وتبون بحثا في إعادة إطلاق العلاقات الثنائية بعد أشهر  ...
- لحظات تاريخية.. هل نشهد موت التحالف بين أوروبا وأميركا؟
- تشييع جثامين 14 شهيدا من الدفاع المدني والهلال الأحمر الفلسط ...
- مصريون ناجون يكشفون أهوال معتقلات الدعم السريع
- غزيون يتحسرون لعجزهم عن إدخال فرحة العيد على قلوب أطفالهم


المزيد.....

- الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات / صباح كنجي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل ... / الحزب الشيوعي العراقي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو ... / الحزب الشيوعي العراقي
- المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت ... / ثامر عباس
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3 / كاظم حبيب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - ثامر عباس - السؤال الموارب : هل حقا-أنا مثقف ؟!