|
آشوريو .. مسيحيو المشرق و(الإرساليات التبشيرية الغربية)
سليمان يوسف يوسف
الحوار المتمدن-العدد: 7438 - 2022 / 11 / 20 - 21:20
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
لعب ومازال يلعب الدين دوراً هاماً في حياة معظم شعوب المشرق. وقد اكتشف الغرب( الأوروبي الأمريكي) هذه الخاصية (البسيكولوجية) باكراً ، على أساسها وضع خططه الاستراتيجية حين قرر التوجه الى الشرق والاحتكاك مع شعوبه . فعندما غزا نابليون مصر عام 1798 بدأ بيانه الموجه للشعب المصري بعبارة " بسم الله الرحمن الرحيم" . الغرب لم يأت الى الشرق غازياً بـ(السلاح والمدافع) فقط ، ولم يكن استعماراً سياسياً فحسب ، إنما استعماراً (ثقافياً وفكرياً ) ايضاً . لأجل نجاح حملته على الشرق ، وظف الغرب مجموعة كبيرة من الباحثين والمستشرقين والعلماء وأرسل الإرساليات التبشيرية الى المنطقة . الحملات التبشيرية الغربية كانت جزء مكمل لـ (الحملات العسكرية) على الشرق وفي خدمة السياسات و الأجندة الاستعمارية للدول الغربية . التنافس بين الإرساليات التبشيرية الغربية كان يعكس (التنافس السياسي) بين الدول الغربية الأوربية التي أوفدتها ، لكسب المسيحيين المشرقيين الى جانبها في حروبها الاستعمارية ، خاصة بريطانيا ، التي أظهرت اهتماماً خاصاً بـ(الآشوريين) . الاهتمام البريطاني كان يخفي خوفاً بريطانياً من التوسع الروسي والفرنسي في المشرق . كتب وزير خارجية بريطانيا ( اللورد راسل) الى السفير البريطاني في طهران " على الحكومة الفارسية أن تقدر النتائج الخطيرة لاعتناق الآشوريين للمذهب الأرثوذكسي ووضع أنفسهم تحت الحماية الروسية وهذا سيسفر حتماً إلى تدخل روسيا لصالحهم ، وفي حال اعتناقهم المذهب الكاثوليكي ستدخل فرنسا لصالحهم" . لقد أعقبت الإرساليات البابوية الكاثوليكية الى المنطقة، إرساليات الكنيسة البروتستانتية (الأنكليكانية الإنكليزية). العديد من القادة الغربيين اعترفوا بـ(الأهداف السياسية) الخفية للإرساليات التبشيرية الأوربية . فقد كتب القنصل البريطاني في أرضروم " ينظر الآشوريون بارتياب شديد الى رجال الدين الأجانب و إرسالياتهم كونهم عملاء يسعى هؤلاء لاستغلال صداقتهم لأجل الكسب السياسي. فقد كانت غايتهم الأساسية كسب هذه الطائفة أو تلك من الشعب الآشوري والأرمني ، والتي يعتقد أنها ستضمن لهم تدخلاً عملياً لمصلحتهم عند الحاجة". الغرب لم يكن يوماً حامياً لمسيحيي المشرق أو مدافعاً عن المسيحية المشرقية . لو دققنا في نشاط وعمل الإرساليات التبشيرية الغربية منذ انطلاقها في القرن السادس الميلادي، نجد أنها كانت كارثية ووبالاً على مسيحيي المشرق وبشكل أكثر على الآشوريين . (الإرساليات التبشيرية الغربية) ، ومن خلفها الدول التي أرسلتها ، ساهمت في الماضي ومازالت تساهم في تقسيم (الشعب الآشوري) والشعوب المسيحية المشرقية الى مذاهب وطوائف عديدة تابعة لها. تأتي (الكثلكة والبروتستانتية) في مقدمة هذه الكنائس. ضعف الوعي القومي و غياب الأحزاب والتنظيمات الآشورية آنذاك ، سهل عمل ومهمة الإرساليات التبشيرية في خدمة الأهداف الاستعمارية التي جاءت لأجلها . كثيراُ ما كانت الإرساليات التبشيرية الغربية تستغل ضعف الشعب الآشوري وظروفه الصعبة والاعتداءات التي كانت تحصل عليه للتقرب منه وكسبه الى جانبها ، من خلال إعطاء الوعود باسم حكوماتها الغربية بتقديم الدعم والمساندة له . لا بل، المبشرين الغربيين أحياناً كثيرة كانوا يقومون بتأليب وتحريض المسلمين على الآشوريين المسيحيين للضغط عليهم وإجبارهم على اللجوء اليهم والاستنجاد بهم وطلب المساعدة منهم .. جاء في كتاب ( الآشوريون في التاريخ) للمؤرخ (مالك ايشو) " بعد زيارة د. غرانت للآشوريين في تموز 1841 لإقناعهم بمدى الفائدة التي تؤديها لهم الإرساليات في حال انضمامهم للكنيسة الانكليكانية الانكليزية وعندما لم يبد الآشوريون تحمساً لكلام غرانت قام الأخير بتحريض رجال العشائر الكردية للهجوم على المقر البطريركي وتدميره وقتل من فيه". بدورها ، المدارس التي أقامتها البعثات التبشيرية ، ساهمت في تزييف الوعي القومي والوطني لدى الآشوريين والمسيحيين المشرقيين ، الذين تبعوا الكنائس الغربية( الكاثوليكية و البروتستانتية ). ليس من المبالغة القول: أن الإرساليات التبشيرية المسيحية الغربية هي بمثابة " غزو ثقافي فكري" بموازاة (الغزوات العسكرية) للدول الغربية الاستعمارية . الإرساليات التبشيرية، سلخت من تبع الكنائس الغربية ، من الآشوريين (سرياناً كلداناً) ومن الشعوب الأخرى، عن تاريخها وهويتها وعن ثقافتها الخاصة الأصيلة ونجحت الى حد ما في إبعاد أتباعها الآشوريين والمسيحيين المشرقيين عن قضاياها الأساسية، من خلال تضليلها بقضايا لاهوتية وتلقينها ثقافة غربية غريبة عن ثقافتها وعن تراثها الأصيل . هذا يفسر ضعف الانتماء (القومي والوطني) لدى الآشوريين (سرياناً كلداناً) ولدى المسيحيين المشرقيين عامة ،الذين تخلوا عن كنائسهم المشرقية الأم وتبعوا الكنائس الغربية( الكاثوليكية - البروتستانتية - الإنجيلية) . تغلغل البعثات التبشيرية الغربية في المجتمعات المسيحية المشرقية، دفع بالكثير من المسلمين للقول عن مسيحيي المشرق بأنهم " بقايا الصليبين " واتهامهم بـ"مساعدة المستعمرين الأوربيين الغربيين والتعامل معهم".. طبعاً، هذا تضليل مقصود و متعمد من قبل هؤلاء المسلمين بهدف تشويه صورة مسيحيي المشرق و للتشكيك بولائهم الوطني و للنيل من ( مكانتهم الوطنية) و للتحريض عليهم. بالفعل ،على خلفية هذه التهم ، نفذت المجموعات الإسلامية المتشددة بتواطؤ مفضوح من الحكومات العربية والإسلامية الكثير من الاعتداءات المنظمة و الممنهجة على الآشوريين وعلى مسيحيي المشرق عامة في (بلاد ما بين النهرين وسوريا والأردن ولبنان وتركيا ومصر ودول أخرى )، بعضها يرتقي الى "جرائم ضد الإنسانية". عقود مضت على رحيل المستعمر الأوربي عن المنطقة وانحسار نشاط الإرساليات التبشيرية الغربية ، لكن التهم التي لصقت بمسيحيي المشرق لم ترفع عنهم ولن ترفع عنهم حتى بقاء آخر مسيحي مشرقي في المنطقة.
#سليمان_يوسف_يوسف (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الجزيرة السورية: وقف (التعليم السرياني) ، جريمة ثقافية وتعدي
...
-
الحكام العرب والمتاجرة بـ(قضية مسيحيي القدس و المشرق)
-
مذبحة سميل الآشورية، شكلت بداية سقوط العراق
-
أردوغان والعودة الى (الحروب الدينية)
-
بريطانيا و(الدولة الآشورية )
-
سوريا: -الإدارة الذاتية- الكردية، والبحث عن (الشرعية المفقود
...
-
الآشوريون يحتفلون بأقدم عيد عرفته البشرية
-
الاسلام، أفاد شعوباً وأضر بأخرى
-
حكومة اربيل والاستثمار السياسي ليهود السبي الآشوري البابلي
-
نشأة الأكراد وأصولهم
-
لأجل حوار (اسلامي – مسيحي) مشرقي، حقيقي وبناء
-
(داعش) مشروع اسلامي متجدد
-
- تركيا أردوغان- على ابواب الجحيم
-
تهاوي -المثقف المسيحي المشرقي-
-
نعم أنا طائفي
-
العرب والاسلام
-
من أجل أن يكون -الأكيتو- عيداً وطنياً سورياً
-
الادارة الذاتية في الجزيرة السورية بين المشروع الوطني والطمو
...
-
الآشوريون بين خدع المثقفين ودسائس السياسيين
-
مسيحيو العراق في ذمة المجتمع الدولي
المزيد.....
-
بدء احتفالات الذكرى الـ46 لانتصار الثورة الاسلامية في ايران
...
-
40 ألفا يؤدون صلاة الجمعة في المسجد الأقصى
-
40 ألفاً يؤدون صلاة الجمعة في المسجد الأقصى
-
تفاصيل قانون تمليك اليهود في الضفة
-
حرس الثورة الاسلامية: اسماء قادة القسام الشهداء تبث الرعب بق
...
-
أبرز المساجد والكنائس التي دمرها العدوان الإسرائيلي على غزة
...
-
لأول مرة خارج المسجد الحرام.. السعودية تعرض كسوة الكعبة في م
...
-
فرحي أطفالك.. أجدد تردد قناة طيور الجنة على القمر نايل سات ب
...
-
ليبيا.. وزارة الداخلية بحكومة حماد تشدد الرقابة على أغاني ال
...
-
الجهاد الاسلامي: ننعى قادة القسام الشهداء ونؤكد ثباتنا معا ب
...
المزيد.....
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
المزيد.....
|