|
أزمة المناخ وضرورة الالتزام بالتعهدات الدولية
فهد المضحكي
الحوار المتمدن-العدد: 7437 - 2022 / 11 / 19 - 10:27
المحور:
الطبيعة, التلوث , وحماية البيئة ونشاط حركات الخضر
إذا ما أردنا الحديث عن كيف يؤثر تغير المناخ في حقوق الإنسان، لا بد أن نشير إلى تقارير المنظمات الدولية لحقوق الإنسان التي ترى أن حقوق الإنسان ترتبط ارتباطًا وثيقًا بتغير المناخ بسبب تأثيره ليس على البيئة فحسب، بل على رفاهنا أيضا. وستستمر آثاره في الازدياد والتردي مع مرور الزمن، وستتسبب بالتخريب للأجيال الحالية والمستقبلية. ولهذا فإنه قد يكون تقاعس الحكومات عن اتخاذ إجراءات لمواجهة تغير المناخ، في ظل أدلة علمية دامغة، أفدح انتهاك لحقوق الإنسان لمختلف الأجيال في التاريخ.. لدينا جميعا الحق في الحياة والعيش بحرية وأمان. لكن تغير المناخ يهدد حياة وسلامة المليارات من الناس على هذا الكوكب. ويظهر المثال الأشد وضوحا من خلال الأحداث المتعلقة بالأحوال الجوية البالغة الشدة، مثل: العواصف، والفيضانات، وحرائق الغابات. لكن، هناك الكثير من الطرق الأخرى الأقل وضوحا التي تهدد من خلالها تغير المناخ حياة البشر. وتتوقع منظمة الصحة العالمية أن يودي تغير المناخ بحياة 250000 شخص في السنة بين عامي 2030 و2050.
طوال سنوات عدة كانت التحذيرات حول التقاعس في التصدي لأزمة تغير المناخ واضحة وضوح الشمس، ولكن كثيرا من القادة في أنحاء العالم لم يأخذوا أزمة المناخ على محمل الجد، وكان لابد من أن تكون خطى الاستجابة أسرع وبالحجم والوتيرة اللتين نعي أنهما ضروريتان. تقول الناشطة الكينية في مجال البيئة والمناخ إليزابيث وانجيرو واتوتي في مقال نشر في الموقع الإلكتروني «INDEPENDENT» عربي: «نجد أن المجتمعات التى تقف عند الخطوط الأمامية في مواجهة أزمة المناخ على شاكلة المجتمع الذي انتمي إليه، تتحمل فعلًا الوزر الاكبر على رغم أن دورها في التسبب بالمشكلة يكاد لا يذكر، وببساطة تدفع هذه المجتمعات ثمن التقاعس عن العمل من أجل خير المناخ. العدالة المناخية تعني مواجهة هذا التخاذل وعدم ترك المجتمعات المتضررة تواجه مصيرها لوحدها، وعبر خطاب ألقيته أمام قادة العالم في مؤتمر الأطراف الـ26 المعني بالتغير المناخي (كوب26) الذي عقد في غلاسكو الاسكتلندية، سألتهم أن يفتحوا قلوبهم قبل البدء بالمحادثات، وناشدتهم أن يتضامنوا مع المجتمعات الأكثر تضررًا من أزمة المناخ». استضاف منتجع شرم الشيخ في مصر الدورة 27 لمؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشان تغير المناخ من 6 إلى 18 نوفمبر الجاري. كانت التطلعات أن تكون الأولوية الوحيدة بالنسبة إلى هؤلاء القادة الحرص على حشد التمويل بصفة عاجلة عن طريق صندوق تمويل تعويضات الخسائر والاضرار، بغية مساعدة المجتمعات الموجودة على خط المواجهة مع تغير المناخ على مجابهة الواقع المزري الذي وجدوا أنفسهم فيه نتيجة أزمة المناخ. وقد كشف التقرير الأخير الصادر عن «الهيئة الدولية المعنية بتغير المناخ» (IPCC) في شأن تأثيرات المناخ أن كوكبنا يواجه عواقب غير مسبوقة ناجمة عن تغير المناخ. بالنسبة إلى القارة الأفريقية يكابد ملايين الناس هذا الواقع يوميا، فمثلا أحوال القحط الطويلة الأمد الناجمة عن أزمة المناخ التي تضرب القرن الأفريقي تعتبر الجفاف الأطول منذ 40 عامًا، ويعاني أكثر من 50 مليون شخص انعدام الأمن الغذائي الحاد هذا العام.
يُعد التغير المناخي أحد التحديات العالمية الكبرى في القرن الحادي والعشرين، حيث يشكل تهديدًا وجوديًا لكل كوكب الأرض وإن تفاوتت آثاره بين بلد وآخر، ووفقًا لتقرير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ؛ فإن الاحترار العالمي واضح لا جدال فيه، وأن درجات الحرارة العالمية تزداد باطراد وبوتيرة يصعب احتواؤها ضمن عتبة 1.5 درجة مئوية. وكما يذكر الخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية د. حازم محفوظ، تشير الأدلة إلى أن ثاني أكسيد الكربون هو المحرك الرئيس للتغيرات المناخية، إلى جانب غيره من غازات الاحتباس الحراري، ويجمع الباحثون على أن أنشطة الدول المتقدمة وغيرها ممن تتمتع ببصمة كربونية عالية هي المتسببة في الاحترار العالمي، وهناك علاقة سببية بين تلك الأنشطة وبين معظم الكوارث المناخية عنها على مستوى العالم. وفي ظل عدم التزام الدول بأهداف اتفاق باريس، ستتفاقم التداعيات والعواقب، وستزداد وتيرة الظواهر المناخية المتطرفة التى سيتعذر تلافيها؛ خاصة في الدول النامية التي تتحمل تبعات سلبية ليست مسؤلة عنها، وتواجه تحديات متعددة تفوق قدراتها، خاصة مع حجم التمويل المتاح لها. يوضح تقرير «متحدون في العلوم» الصادر عام 2022 أن تأثيرات المناخ تتجه نحو منطقة دمار مجهولة، ورغم ذلك، فإن الدول ما زالت تضاعف كل عام من إنتاجها للوقود الأحفري، حيث تشير التقديرات إلى أن انبعاثات مجموعة العشرين تمثل %80 من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري العالمية، نظرا لإنتاجها واستخدامها المتزايد من الوقود الأحفوري. ووفقًا لببيانات معهد الموارد العالمية، فإن مساهمة انبعاثات الغازات الدفيئة لـ10 دول فقط تتجاوز ثلثي الانبعاثات العالمية بنسبة %68 وهي الصين، والولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي، والهند، وروسيا، واليابان، والبرازيل، واندونسيا، وكندا، وايران. وعلى الرغم من أن أوروبا مهد الثورة الصناعية التي أشعلت الكربون وغذت نظام الطاقة العالمي، فإنها في الوقت نفسه موطنًا للدول التي تعهدت بالقضاء على جميع التلوث الناتج عن الغازات الدفيئة؛ حيت أعتمد الاتحاد الأوروبي قانون المناخ الذين يحدد هدف مشترك لخفض الانبعاث بنسبة %55 بحلول عام 2030، من أجل أن تصبح أوروبا محايدة مناخيا بحلول عام 2050. ولضمان تحقيق ذلك قام بتخصيص %30 من ميزانيته الممتدة لمكافحة المناخ. وعلى الرغم من ذلك، فوفقًا لوكالة البيئة الأوروبية، فإن الإتحاد الأوروبي يعد ثالث أكبر مصدر لانبعاثات غازات الاحتباس الحراري في العالم بعد الصين والولايات المتحدة، ولا تزال بعض الدول الأعضاء يعتمد اقتصادها بشكل رئيس على الفحم؛ حيث يمثل نحو ربع توليد الطاقة في الاتحاد الأوروبي، كما أن قطاع الفحم يوظف في المناجم ومحطات الطاقة 238 ألف شخص في أكثر من 100 منطقة أوروبية من بولندا إلى إسبانيا. كذلك، يقوم الاتحاد الأوروبي حاليا باستثمارات ضخمة في الوقود الأحفوري، وإنشاء بنى تحتية ذات الصلة في ظل الطاقة العالمية التي سيكون لها أكبر الأثر في تفاقم التغيرات المناخية. من مجمل ما سبق، يمكن القول إن السبب الرئيسي للتغيرات المناخية وظاهرة الاحتباس الحراري يعود إلى أنشطة الدول المتقدمة وغيرها ممن تتمتع ببصمة كربونية؛ حيث لم تلتزم معظم الحكومات بخفض الوقود الأحفوري واستخدامه، ويرجع ذلك إلى سعي كل دولة إلى تعظيم مصالحها الوطنية على حساب المصالح الدولية الجماعية المرتبطة بتغير المناخ. وقد كانت هناك تداعيات وتأثيرات ضخمة على الدول النامية؛ خاصة الدول الأقل نموا، والدول الجزرية الصغيرة النامية، ومنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، نظرًا لخصوصية وضعها ومحدودية قدراتها على التعامل مع الأزمات والكوارث المناخية، ونظرًا لضعف الدعم المالي المقدم لها من الدول المتقدمة.
وكما أشرنا انفًا، كانت الٱمال معلقة على مؤتمر شرم الشيخ (كوب27) في تحقيق العدالة المناخية، من خلال إنشاء صندوق لتعويض الدول والمجتمعات التي تواجه أخطر الٱثار لتغير المناخ، بالإضافة إلى الوفاء بالتعهدات السابقة التي تم الاعلان عنها مسبقا في مجال الحد من المخاطر. بعبارة أخرى، أن يثبت القادة أنهم يهتمون بالناس وحياتهم وسبل عيشهم عن طريق استغلال القدرات والموارد والقوة المتاحة لهم في الاستجابة لأزمة المناخ على وجه السرعة، وسيكون تقديم التمويل تعويضًا عن الخسائر والأضرار بمثابة الاختبار الأساس لـ(كوب27)، كما قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، وكي تحظى العدالة بفرصتها فليس أمام العمل السريع ترف الانتظار. العدالة تعني الوفاء بالوعود التي قطعت ولم تلب، وتشمل العدالة تخفيضات جذرية لانبعاث غازات الدفيئة وترك الوقود الأحفوري في الأرض وحماية النظم البيئية على نطاق واسع. لاتزال الموارد الطبيعية تحظى بالاهتمام وينالها الاستغلال من أجل الأرباح الاقتصادية التي تجلبها وليس قدرتها على العمل كحاجز صد الحوادث المناخية، والحفاظ على توازن الأرض وامتصاص انبعاث الكربون. اليوم نشهد تدمير الغابات بوتيرة أسرع من أن تسمح لها باستعادة نفسها في مختلف أنحاء كوكبنا، وليس هذا السبيل الأمثل إلى المضي قدما في مواجهة الأزمة المناخية.
#فهد_المضحكي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عادلة بيهم الجزائري.. ميرة الرائدات العربيات في القرن العشري
...
-
الديمقراطية الأمريكية
-
عن البرلمانات العربية
-
الأمية في العالم العربي
-
دول الاتحاد الأوروبي تدفع فاتورة باهظة
-
الوطن العربي وحالة «الإنهاك»
-
حول السياسة التعليمية وفضاء الحرية
-
عن الليبرالية الاقتصادية
-
التمييز العنصري في أمريكا
-
الجامعات العربية والحريات الأكاديمية
-
حديث عن الإنسانية والبربرية
-
الانتخابات النصفية الأمريكية 2022
-
انتهاك لمبدأ «الصين الواحدة»
-
الطاهر الحداد وتحرير المرأة
-
الديمقراطية وتحديات الحداثة بين الشرق والغرب
-
أمريكا وإطالة أمد الحرب في أوكرانيا
-
مجموعة «البريكس»
-
ما أحوجنا إلى قيم التنوير
-
يعقوب جناحي باقٍ في الذاكرة
-
أمريكا اللاتينية لم تعد «الفناء الخلفي» لواشنطن
المزيد.....
-
الحزب الحاكم في كوريا الجنوبية: إعلان الأحكام العرفية وحالة
...
-
عقوبات أميركية على 35 كيانا لمساعدة إيران في نقل -النفط غير
...
-
كيف أدت الحروب في المنطقة العربية إلى زيادة أعداد ذوي الإعاق
...
-
لماذا تمثل سيطرة المعارضة على حلب -نكسة كبيرة- للأسد وإيران؟
...
-
مام شليمون رابما (قائد المئة)
-
مؤتمــر، وحفـل، عراقيان، في العاصمة التشيكية
-
مصادر ميدانية: استقرار الوضع في دير الزور بعد اشتباكات عنيفة
...
-
إعلام: الولايات المتحدة وألمانيا تخشيان دعوة أوكرانيا إلى -ا
...
-
نتنياهو: نحن في وقف لاطلاق النار وليس وقف للحرب في لبنان ونن
...
-
وزير لبناني يحدد هدف إسرائيل من خروقاتها لاتفاق وقف النار وي
...
المزيد.....
-
-;-وقود الهيدروجين: لا تساعدك مجموعة تعزيز وقود الهيدر
...
/ هيثم الفقى
-
la cigogne blanche de la ville des marguerites
/ جدو جبريل
-
قبل فوات الأوان - النداء الأخير قبل دخول الكارثة البيئية الك
...
/ مصعب قاسم عزاوي
-
نحن والطاقة النووية - 1
/ محمد منير مجاهد
-
ظاهرةالاحتباس الحراري و-الحق في الماء
/ حسن العمراوي
-
التغيرات المناخية العالمية وتأثيراتها على السكان في مصر
/ خالد السيد حسن
-
انذار بالكارثة ما العمل في مواجهة التدمير الارادي لوحدة الان
...
/ عبد السلام أديب
-
الجغرافية العامة لمصر
/ محمد عادل زكى
-
تقييم عقود التراخيص ومدى تأثيرها على المجتمعات المحلية
/ حمزة الجواهري
-
الملامح المميزة لمشاكل البيئة في عالمنا المعاصر مع نظرة على
...
/ هاشم نعمة
المزيد.....
|