أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - ثامر عباس - الايديولوجيا ضد الايديولوجيين !!















المزيد.....

الايديولوجيا ضد الايديولوجيين !!


ثامر عباس

الحوار المتمدن-العدد: 7434 - 2022 / 11 / 16 - 09:16
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    


لعل الانطباع الذي يرجّح تكونه لدى القارئ سيكون مؤداه ؛ إن الموضوع يرشح بمظاهر الاستنكار للايديولوجيا والاستهجان للإيديولوجيين . وهو في حقيقة الأمر انطباع مغاير بالكامل لوجهة النظر التي نتبناها هنا ، ليس فقط ضمن إطار هذا الحيّز المتواضع من النقاش ، وإنما نشايعها باستمرار كقناعة راسخة وموقف ثابت ، تتمحور حول ضرورة الفصل ما بين الايديولوجيا كنظام معرفي يحايث الواقع الموضوعي ويستبطن الوعي الاجتماعي من جهة ، وبين الإيديولوجيين كجماعة سوسيولوجية تتعاطى هذا الضرب من النشاط الفكري والانخراط السياسي من جهة أخرى .
فبقدر ما يحافظ المثقف على المسافة الافتراضية التي ينبغي عدم تجاوزها ، والفاصل المتخيل الذي يتوجب عدم إهماله ، بقدر ما تكون الايديولوجيا حقل أفكار نسبية قابلة للنقد والمساءلة ، وتصورات مؤقتة مرشحة للجرح والتعديل ، ورؤى آنية مباحة للتفكيك والنقض ، وقيم مطاوعة معرضة للتشريح والتنقيح . بقدر ما يستحيل الإيديولوجيين إلى شريحة مثقفة (انتلجنسيا) ، تتعامل بالأفكار العلمية على سبيل التفاعل ، وتتعاطى بالمعرفة العقلانية على سبيل التواصل ، وتنخرط بالمنهجيات النقدية على سبيل التداول ، واضعة نصب عينيها بديهية / مسلمة صاغها المفكر الجزائري (عبد الله العروي) مفادها ؛ إن (( الثقافة لا يمكن أن تتقلص إلى الايديولوجيا )) ، وإلاّ انقلبت الموازين واختلت المعايير وارتجت الحقائق . فالايديولوجيا وفق هذا المنظور الذي نعتمده هنا ، لا تعد شيئا"نافلا"لا قيمة له ولا جدوى منه ، بل تمسي ضرورة لا غنى عنها ؛ لفهم تناقضات الواقع ، وإدراك تخندفات المجتمع ، واستشراف إرهاصات الوعي ، واستيعاب ارتكاسات السيكولوجيا . إنها وكما جادل الأكاديمي والباحث الفرنسي (فرناند دومون) (( انجازات لا تلخص العلاقات الاجتماعية التي تتعهدها ولا تستنفدها ، بل على العكس ، تقتبس العلاقات الاجتماعية عناصر انبعاثها الخاص من الايديولوجيا . فالايديولوجيا عمل تأليفي ، لا لأنها تكشف عن نمط مجرد يحلل كلية معينة كما تدعي النظرية أنها تفعله ، وإنما لأنها وظيفة إنشاء الكلية )) .
وعليه فمن الخطل أن يناهض المرء الايديولوجيا بصفتها تلك ، وإلاّ فانه سيساق للوقوع في حبائل الايديولوجيا ذاتها ، من حيث كونه يؤدلج مواقفه منها وتصوراته عنها وإسقاطاته عليها . كما انه من الخطأ الاعتقاد بان الايديولوجيا (وعي زائف) – كما حاول البعض توظيف هذه المقولة الماركسية في غير سياقها التاريخي وخارج إطارها السوسيولوجي – يحيد بالمرء عن وضوح الرؤية وسلامة التفكير وسداد الرأي ، حين يتعلق الأمر بترسيم الوقائع على حقيقتها وتقييم الأحداث وفقا"لماهيتها . فالايديولوجيا وان اتشحت بالرموز وتجلت عبر المجرد ، فهي – أولا"وأخيرا"- تعبير عن وجود قائم وإشارة إلى واقع حيّ ودلالة على كينونة فاعلة .
ولطالما أخفق الباحثين والمعنيين بالكشف عن سرّ العلاقة القائمة بين أنظمة الحكم التسلطية في بلدان المشرق ، وبين الولع باحتضان شتى أصناف الإيديولوجيات التوتاليتارية ؛ الليبرالية / البرجوازية ، والقومية / الوحدوية ، والشيوعية / الأممية ، والإسلامية / الطوباوية ، ليس من منطلق الاعتناق لمبادئها والإيمان بفلسفتها والدعوة لقيمها والانخراط ببرامجها ، ولكن من باب التوظيف لرصيدها والاستثمار لتأثيرها والاستغلال لخلافاتها . على خلفية إدراك تلك الأنظمة افتقارها للشرعية الوطنية والمشروعية الدستورية ، التي تضفي على سياساتها العشوائية طابع الواقعية ، وعلى مواقفها المرتجلة سمة العقلانية ، وعلى علاقاتها الانتقائية صفة الإنسانية ، لاسيما وان معظمها دلف إلى رواق السلطة عن طريق (الثورة) المتحالفة مع العسكر ، أو الاستعانة (بالانقلاب) العسكري المباشر والصريح .
ولذلك فهي دائما"بحاجة ماسة إلى ما يستر عيوبها ويخفي حماقاتها ويطمطم انحرافاتها ويبرر مظالمها ، طالما أنها تحتضن أقليات قرابية ، وتمثل جماعات قبلية ، وتناصر توجهات تعصبية ، وتشايع أحزاب فئوية ، وتتبنى تطلعات عدوانية . ولذلك فليس (كالمثقف المؤدلج) من يمكنه أن يقوم بهذه المهمة ويجيد هذا الدور ، خصوصا"وان الأرضية التي يقف عليها وينطلق منها ، لا تمثل القاعدة الشاملة للمجتمع الذي حافظت السلطة على تصدع كيانه ، ولا تعبر عن إرهاصات الوعي الجمعي الذي ثابرت إيديولوجيا النظام على إبقاءه شعثا". من حيث إن طبيعة الفكر الذي يحمله ينطوي على تناقض بين حقائق الواقع والافتراضات المتكونة عنه ، وان ماهية الثقافة التي يختزنها تعكس القطيعة بين وقائع المجتمع والتصورات المترتبة عليه ، وان خاصية الوعي الذي يضمره يجسّد الشقاق بين السياق التاريخي والتوقعات المؤملة منه .
ولما كانت الأنظمة السياسية المتريفة محكومة بجملة من القيود الذهنية الصدئة ، والضوابط العرفية المتخلفة ، والمسبقات الرمزية المؤسطرة ، فهي لا تحتاج بالعادة إلى مفكرين عقلانيين بقدر ما تحتاج إلى ديماغوجيين مضللين ، مثلما لا يعنيها إنتاج مثقفين نقديين بقدر ما تفبرك دعاة إيديولوجيين ، فان الانتلجنسيا المشرقية التي تبرعمت في ظلال تلك الأنظمة وتشكلت تحت جناح رعايتها ، نادرا"ما يجتذبها العمل على نقد الأفكار البالية التي تتغذى عليها ، بقدر ما ترغب في تكريس أنماطها وتقديس قيمها ، وقلما تستدعيها الحاجة إلى مساءلة الوعي الشقي الذي تقتات منه ، بقدر ما تسهم في ترسيخ أشباحه وعميق أوهامه .
وإذا ما أخذنا هذه الحيثيات والمعطيات بنظر الاعتبار ، وحاولنا وضعها في إطار مقارن بواقع المجتمع العراقي – موطن المثقف المشرقي بامتياز – فإننا سنلاحظ من جهة وجود فرط في الإيديولوجيات ؛ الدينية والقومية والماركسية والليبرالية والاشتراكية ، وفائض في الإيديولوجيين من كل صنف وطراز ؛ المتأسلمين / الطائفيين ، والقومجيين / الشوفينيين ، والمتعلمنين / المتعولمين ، هذا بالإضافة إلى الجاهزين عند الإشارة والموضوعين تحت الطلب . كل ذلك مقابل إصرار واضح على التفريط بالايديولوجيا الوطنية التي تجعل من الثقافة العراقية الشاملة وعاء تصب فيه جميع تيارات الثقافة التحتية ، بكل ألوانها وأنواعها وأشكالها وأنماطها وأنساقها وقيمها . وبما إن (( انتقال المثقف – كما يؤكد المفكر (عبد الإله بلقزيز) – من لحظة المعرفة الخالصة إلى لحظة المعرفة المجنّدة ، (يمثل) انتقال من الوضعانية – ذات الإيحاء الأكاديمي الكثيف – إلى الايديولوجيا )) ، فان المثقف المشرقي / العراقي سيبقى – بصرف النظر عن مستواه العلمي / الأكاديمي ، وغناه المعرفي / الثقافي ، وانتسابه الحزبي / السياسي ، وانخراطه المهني / الوظيفي – رهين سحر الايديولوجيا وفتنة إغوائها ، أكثر مما سيكون قرين أطر السوسيولوجيا ومحنة ضرورتها ، طالما يحاجج بالأولى ويحتج بالثانية ، ويلهج بالأولى ويضج بالثانية ، وينهج بالأولى ويلج بالثانية !! .
ولأنه سليل ملاحم السرديات الأسطورية ، ووريث أجيال الحاضنات الإيديولوجية ، وربيب أنظمة السلطنات التوتاليتارية ، فقد لبث المثقف العراقي / المشرقي – رغم كل أنواع المصائب وأشكال النوائب – يؤدلج الواقع ويؤمثل الوقائع ، خشية افتضاح خوائه الفكري وجدب مخزونه المعرفي ، وتهرؤ عدته المنهجية ، إذا ما لامس خشونة معطيات الأول واصطدم بقساوة تداعيات الثانية . ولهذا فليس من المستغرب إن يوصف – في بعض الأحيان – بكونه (مثقف) مخضرم ، للدلالة على خاصية السيولة والهلامية التي يتمتع بها ، حيال التبدلات السياسية والتحولات الاجتماعية والانزياحات القيمية ، لا بالمعنى الزمني / التاريخي ، وإنما بالمعنى الثقافي / الفكري . وهو الأمر الذي قيض له ليس فقط النأي عن مخاطر الاحتكاك بمحارم السلطة أو الاقتراب من نواهيها فحسب ، بل والاستفادة من إعراضها عن مطاردته والتضييق عليه في أسوأ الأحوال ، أو استقطابه وإدراجه ضمن أجهزتها الإيديولوجية والإعلامية ومن ثم الإغداق عليه في أحسنها .

ولذلك يبدو إن هناك عقد (غير معلن) بين المثقف العراقي / المشرقي من جهة ، وبين الأنظمة السياسية المتريفة من جهة أخرى ، تمتنع هذه الأخيرة ، وفقا"لبنود هذا العقد الافتراضي ، من التعرض لهذا النمط من المثقفين المشايعين (المؤدلجين) – حتى وان لم ينتموا لفكر السلطة – مقابل التزام الطرف الآخر (المثقف) بعدم (دس أنفه فيما لا يعنيه) ، والإشاحة عما لا يرضيه والإعراض عما لا يغنيه . وبالتالي البقاء ضمن حدود الحكمة التي تقول : لأعيش أنا وليكن من بعدي الطوفان !!! .



#ثامر_عباس (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (2)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- خراب العقلية العراقية وطراز المثقف النيتشوي !
- صراع العقيدة والمعتقد : بين الفتاوى الدينية والتعاويذ الطائف ...
- الثقافة والديمقراطية .. تزامن أم تعاقب ؟
- صلاحية الديمقراطية في المجتمعات المتخلفة !
- العقد الاجتماعي بين اهمال الدولة وتجاهل المجتمع
- الصراع على السلطة : مقاربة في سوسيولوجيا التداول السياسي
- تتريث العقل وتوريث الجهل
- اللغة السياسية والكتابة الصحفية
- ثقافة البراكسيس : الضرورة التاريخية والاضطرار السياسي (الحلق ...
- الميتودولوجيا الماركسية وثقافة البراكسيس ( الحلقة الأولى )
- الزعيم الدكتاتوري ونزوع عسكرة المجتمع
- علي الوردي ومقدمات عصر البدوقراطية
- مفهوم العنف الاجتماعي : دلالاته وأشكال تجليه (الحلقة الخامسة ...
- مفهوم العنف الاجتماعي : دلالاته وأشكال تجليه (الحلقة الرابعة ...
- مفهوم العنف الاجتماعي : دلالاته وأشكال تجليه (الحلقة الثالثة ...
- مفهوم العنف الاجتماعي : دلالاته وأشكال تجليه (الحلقة الثانية ...
- مفهوم العنف الاجتماعي : دلالاته وأشكال تجليه (الحلقة الحادية ...
- مفهوم العنف الاجتماعي : دلالاته وأشكال تجليه (الحلقة العشرون ...
- مفهوم العنف الاجتماعي : دلالاته وأشكال تجليه (الحلقة التاسعة ...
- مفهوم العنف الاجتماعي : دلالاته وأشكال تجليه (الحلقة الثامنة ...


المزيد.....




- عمرها نحو 3 آلاف عام..الإمارات تعلن عن اكتشاف أول مقبرة تعود ...
- تراجع حاد للأسهم الأمريكية بعد انتقادات ترامب المتكررة لرئيس ...
- مصر.. فيديو لفتاتين ترقصان داخل مترو الأنفاق والداخلية تتخذ ...
- قتلى وجرحى بالعشرات جراء سقوط شاحنة في واد بجنوب باكستان
- كوريا الجنوبية تطلق قمرا اصطناعيا للاستطلاع العسكري
- صحيفة: واشنطن تطالب بحرية وصول Amazon و Walmart إلى السوق ال ...
- نائب من -خادم الشعب-: الموارد المعدنية ليست ملكا للشعب الأوك ...
- بوتين يُعلن عن استعداده لخوض محادثات سلام مباشرة مع أوكرانيا ...
- أسرى فلسطينيون سابقون: -نبقى في غزة لتأكلنا الكلاب ولا نعود ...
- 100 يوم على رئاسته.. ترامب يقلب النظام العالمي رأسا على عقب ...


المزيد.....

- الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات / صباح كنجي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل ... / الحزب الشيوعي العراقي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو ... / الحزب الشيوعي العراقي
- المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت ... / ثامر عباس
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3 / كاظم حبيب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - ثامر عباس - الايديولوجيا ضد الايديولوجيين !!