|
كل شيء من أجل مسمار صغير
أوري أفنيري
الحوار المتمدن-العدد: 1694 - 2006 / 10 / 5 - 10:45
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
لو كان هاملت جندي احتياط في الجيش، لكان قال ألان: "هنالك شيء عفن في مملكة إسرائيل!"
وبالفعل، هنالك شيء عفن:
- رئيس الدولة يرفض التخلي عن منصبه، على الرغم من أن ثماني نساء قد اتهمنه بالملاحقة الجنسية. هو يدعي أن مؤامرة دنيئة قد حيكت ضده ويوجه إصبع الاتهام إلى أتباع نتنياهو في الليكود.
- رئيس الحكومة ووزير الدفاع يرفضان الاستقالة، على الرغم من أن الأغلبية الساحقة في الجمهور يبدي عدم ثقته بإيهود أولمرت (70%) وبعمير بيرتس (82%). عوضا عن إقامة لجنة تحقيق رسمية مستقلة وذات صلاحية، قد ألفا لجنة تحقيق لا تحظى بالثقة من قبل أغلبية الجمهور، حتى قبل شروعها بالتحقيق في أحداث الحرب على لبنان.
- قائد الأركان يتعرض للهجمات من قبل الجنرالات في الماضي والحاضر ولكنه يعلن انه "لن يخلع زيه العسكري حتى يقوم أحد ما بتعريته منه".
- تم تقديم وزير العدل للمحاكمة بتهمة إدخال لسانه في فم جندية.
رئيس لجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيست متهم في المحكمة بالغش وبالقسم الكاذب.
استنادا إلى استطلاعات الرأي فإن أغلبية عظمى من سكان الدولة راضون عن وضعهم الشخصي (80%)، ولكنهم محبطون من الوضع الذي وصلت إليه الدولة (59%).
إذن ما العمل؟
لا توجد مشكلة: يجب، ببساطة، تغيير نظام الحكم.
هذا رد فعل إسرائيلي نموذجي. من الممكن أن تكون هذه ميزة تميز البشرية جمعاء.
عندما نتعرض إلى أزمة تهدد زعزعة أركان معتقداتنا، فنحن نحاول أن نتهرب من الجوهر ونتعامل مع القشور. بهذه الطريفة نتملص من الحاجة إلى تغيير كل المعتقدات ووجهات النظر التي اعتدنا عليها. نتعلق بناحية ما، صغيرة قدر الامكان، نعلق عليها اتهاماتنا ونصرخ: هذا هو! وجدناه! ها هو المذنب!
تقول الأغنية القديمة: "كل شيء من أجل مسمار صغير!" إذن عندما تحصل مصيبة كبيرة نتعلق بالمسمار الصغير الذي كان سببها ولا شيء غير ذلك.
مثلا: حرب تشرين. التي قوضت أسطورة "ألجيش ألذي لا يهزم". بعد الحرب مباشرة ساد اكتئاب وطني. كان من الواضح أن شيئا ما قد تشوش. ما هو؟
لم يسألوا: لماذا اندلعت هذه الحرب الفظيعة أصلا؟ لماذا لم نوافق، قبل ذلك، على عرض الرئيس المصري، أنور السادات، بإرجاع سيناء مقابل السلام؟ كيف حدث أن أبحرنا في سفينة السفهاء، التي نقلت الدولة من حرب حزيران إلى حرب تشرين في بحر من التعجرف؟
لا، لم تطرح مثل هذه الأسئلة. ما هي الأسئلة التي طرحت؟ لماذا لم تقم الاستخبارات العسكرية بالتحذير في الوقت المناسب؟
من مغبة الهجوم المصري-السوري. لماذا لم يجندوا قوات الاحتياط في الوقت المناسب. لماذا لم يتم "تحريك الآليات" باتجاه القنال.
لقد أسموا ذلك بـ"الإخفاق". بسبب هذا الإخفاق، قامت حركة احتجاجية جماهيرية، أدت إلى إقصاء كل من جولدا مئير وموشيه ديان.
ماذا يشبه هذا الأمر؟ لقد تعطلت السيارة ويطالب المسافرون بتفريغ المنفضة. يحدث الآن أمر مشابه.
تشير استطلاعات الرأي إلى أن الجمهور لا يثق بالزعماء. ولكن الجمهور لا يقول: نحن الذين انتخبنا هؤلاء الزعماء بأنفسنا، فنحن المذنبون. لأن هذا إدراك غير مريح.
ما يقولونه هو: نحن لسنا مذنبين. إذن من المذنب؟ إنها "الطريقة"، بطبيعة الحال.
لأن ديموقراطيتنا البرلمانية لا تضمن لرئيس الحكومة فترة تول كاملة لمدة أربع سنوات. من الممكن أن يسقط قبل ذلك. إنها تجبره على إدخال ممثلي أحزاب الائتلاف إلى الحكومة حتى ولو كانوا غير مؤهلين لإدارة وزاراتهم. رئيس الحكومة غير قادر على تخطيط سياسة طويلة الأمد، ولا يمكنه تعيين خبراء ذوي تجربة في الوزارات.
هذا أمر سيء جدا. لذلك علينا تبني النظام الأمريكي. الشعب هو الذي ينتخب الرئيس لفترة ولاية مدتها أربع سنوات كاملة. الرئيس هو الذي يعيّن الوزراء. يعين مجلسا وزاريا مصغرا مؤلفا من شخصيات مرموقة، جميعهم خبراء. وبذلك يأتي المنقذ.
إنه دواء مثبت ببراءة اختراع - دواء واحد من شأنه أن يعالج كل الأمراض، من دون آلام ومن دون تأجيل. خسارة أن مثل هذا الدواء لا يحتوي إلى على الماء.
أولا لأنه من غير الممكن استنساخ طريقة سياسية من دولة إلى أخرى بشكل أوتوماتيكي. لكل دولة تراث خاص بها، ثقافة تميزها وتركيبة اجتماعية خاصة بها. على الأنظمة السياسية أن تنشأ من داخل الجمهور. لا يمكن فرضها على جمهور آخر. حين يحاولون القيام بذلك، فإن الجمهور يلائم النظام لاحتياجاته ويغيره جذريا. (هذا ما حدث، على سبيل المثال، في اليابان بعد الحرب العالمية الثانية.) يمكن للبروفيسورات المنعزلين في أبراجهم العاجية أن يطرحوا آراءهم بأنه بالإمكان معالجة عيوب مجتمع بواسطة طريقة مثالية، يمكن استعارتها من شعب آخر.
لقد أثبت ذلك لدينا: بتأثير من عدة بروفيسورات تم قبل سنوات تغيير "النظام". تحدد أن يتم انتخاب رئيس الحكومة بانتخابات مباشرة، بمعزل عن الانتخابات للكنيست. خلال وقت قصير، اتضح أن هذه النظام الجديد أسوأ من سابقه. جاءوا الحكماء وأعادوا الطريق القديمة إلى مكانها.
ولكن لا حاجة لنتعلم من هذه التجربة بالذات. لكي ندرك مزايا النظام الرئاسي، يجدر بنا أن ننظر إلى بلد منشأه: الولايات المتحدة.
ما الذي أحدثه هذا النظام هناك؟ صحيح أن هذا يضمن للرئيس أربع سنوات على الأقل، ولكن الكثيرون سيضيفون إلى هذه الجملة كلمة "خسارة". عندما يتضح أن أحمقا كبيرا قد انتخب، وهو يدب ببلاده في مغامرات مأساوية، لا يمكن إقصاؤه. أما في نظامنا البرلماني، كما في بريطانيا، فيمكن إقالة رئيس الحكومة بسهولة نسبيا. سوف يُطاح بطوني بلير خلال سنة، ولكن لا يمكن الإطاحة بجورج بوش حتى نهاية فترة توليه.
هل الوزراء الأمريكيون يتفوقون في قدراتهم على وزرائنا؟ هل دونالد رامسفلد هو كارثة أصغر من عمير بيرتس؟ هل كوندوليسا رايس هي نابغة أكبر من تسيببي ليفنه؟
إضافة إلى ذلك: لكي يتسنى لمرشح أن يُنتخب رئيسا، فإنه بحاجة إلى أموال طائلة. هذه الأموال الطائلة يمكن أن تأتي فقط من أصحاب المصالح، المجموعات والشركات الضخمة. النظام الأمريكي فاسد من الأساس - فساد عميق وواسع إلى حد إذا قارناه مع فساد أولمرت وشركاه فإنه يبدو ساذجا.
ولكن المنطق لا يلعب دورا في هذا الجدل، لأنه من خلف المطالبة بتغيير "النظام" تكمن ظاهرة مختلفة تماما: المطالبة بـ"زعيم قوي".
تطفو هذه المطالبة على السطح في حالات الأزمات دائما. عندما يشعر الجمهور أن الدولة قد هُزمت في الحرب وقد خلق وضع من انعدام الثقة بالزعامة، يظهر الحنين إلى أب قوي. يبدو النظام الديموقراطي نظاما ضعيفا ومتعفنا، خاصة إذا ولدت في تلك الأثناء الأسطورة بأن السياسيين "لم يدعو الجيش ينتصر". الزعيم القوي هو الرجل الذي يحل المشاكل بمساعدة قضة حديدية. يبدو أسلوب الحوار والتفاهم أسلوبا يميز الزعماء الضعفاء.
يجب أن يكون واضحا: اقتراح الانتقال إلى النظام الرئاسي ليس إلا تمويه استعدادا لإحلال نظام الزعيم القادر على كل شيء. يكفينا أن نرى من هم أصحاب الاقتراح.
إن رائد مقترحي تغيير "النظام" هو أفيغدور ليبرمان، زعيم حزب "يسرائيل بيتينو"، المؤلف في معظمه من القادمين من الاتحاد السوفييتي. إنه حزب يميني متطرف، إذا استخدمنا لغة راقية. إن مثل هذه الأحزاب تدعى في دول أخرى بأسماء أخرى.
يدعو حزب "يسرائيل بيتينو" إلى العنصرية غير مكبوحة الجماح وإلى كراهية الأجنبي. إنه متطرف أكثر من تطرف يورغ هايدر النمساوي ومن جان-ماري لا بين الفرنسي. إنه يطمح إلى غياب الفلسطينيين عن البلاد، ومن ضمنهم العرب سكان إسرائيل، الذين يشكلون 20% من مواطني الدولة. هذا الأمر لا ينهي إيهود أولمرت عن التصريح علينا أنه يتوق إلى دخول هذا الحزب إلى الحكومة. (عندما تم إدخال هايدر إلى حكومة النمسا، قامت إسرائيل باستدعاء سفيرها من فينا).
ليبرمان الذي يتطلع إلى منصب وزير الدفاع، قد وضع شروطا لدخوله إلى الحكومة وفي مقدمتها المطالبة بالموافقة على إحلال نظام رئاسي. من الواضح تماما من ذا الذي يجدر به أن يكون رئيسا أفيغدور ليبرمان.
تشير استطلاعات الرأي الأخيرة إلى أنه لو أجريت الانتخابات الجديدة اليوم، لكان حزب ليبرمان سيفوز بـ 16 مقعدا، مقابل 11 مقعدا في الكنيست الحالية. أضف إلى ذلك المقاعد التسعة التابعة لحزب "هئيحود هلئومي" في الكنيست الحالية، الذي يطالب زعيمه، وهو جنرال يعتمر الكيبا، بطرد كل العرب من الأراضي الفلسطينية، ونزع الحقوق الديموقراطية من العرب سكان إسرائيل. حين يشكل هذان الحزبان خمس جمهور الناخبين، فإن هناك مكان للقلق بالفعل.
أنا أومن بالديموقراطية الإسرائيلية. إنها ظاهرة رائعة، لو أخذنا بالحسبان أصل معظم مواطني إسرائيل" روسيا القيصرية والشيوعية، بولندا التابعة لفيلسودسكي وورثته، المغرب العربي، العراق، إيران، سوريا وذلك إضافة إلى الجيل الجديد الذي ولد في فلسطين الانتدابية التابعة للمندوب السامي البريطاني. مثلها مثل إحياء اللغة العبرية، وهو عمل لم يسبق له مثيل في العالم، هذه الديموقراطية هي بمثابة أعجوبة. (من المؤكد أن الحديث يجري عن ديموقراطية داخل حدود إسرائيل، أما في المناطق المحتلة فيسود وضع عكسي.)
لا أعتقد أن هناك خطر في إسرائيل اليوم لارتفاع شأن الفاشية، ولكن علينا أن نكون يقظين، كل يوم وكل ساعة. توجد لدينا معطيات عديدة يمكن أن تدفع الميول الفاشية: الإحساس بالحرب الخاسرة، القضاء على أسطورة "طعن الجيش من الخلف"، انعدام الثقة بالنظام الديموقراطي، اتساع الفجوات بين الأغنياء والفقراء، التحريض ضد الأقلية القومية على أنها طابور خامس، وغيرها.
هذا لم يعد مسمارا صغيرا.
#أوري_أفنيري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
سيف محمد
-
النجدة! مثيرو سلام!
-
يسار، ولكن
-
النحل على جيفة الأسد
-
مثلما انتصر نابليون في معركة ووترلو
-
كلب الروطوايلر الأمريكي
-
الضحية رقم 155
-
من الهوس إلى الهلوسة
-
ماذا حدث للجيش الإسرائيلي؟
-
مساطيل
-
طعنة من الخلف
-
في المرصاد: سوريا! أو: حرب صغيرة وجميلة
-
حرب أحادية الجانب
-
أغاتا في أمطار الصيف
-
كرة بدل عيارات
-
حتى حجارة الجدران تستغيث
-
يا لها من خطة رائعة!
-
إهدار الفرص
-
من هو المذنب؟ الضحية طبعا
-
أصوات من السجن
المزيد.....
-
أوكرانيا تعلن إسقاط 50 طائرة مسيرة من أصل 73 أطلقتها روسيا ل
...
-
الجيش اللبناني يعلن مقتل جندي في هجوم إسرائيلي على موقع عسكر
...
-
الحرب في يومها الـ415: إسرائيل تكثف هجماتها على لبنان وغزة
...
-
إسرائيل تعلن العثور على جثة الحاخام تسفي كوغان في الإمارات ب
...
-
اتفاق الـ300 مليار للمناخ.. تفاصيله وأسباب الانقسام بشأنه
-
الجيش اللبناني: مقتل جندي وإصابة 18 في ضربة إسرائيلية
-
بوريل يطالب بوقف فوري لإطلاق النار وتطبيق مباشر للقرار 1701
...
-
فائزون بنوبل الآداب يدعون للإفراج الفوري عن الكاتب بوعلام صن
...
-
الجيش الأردني يعلن تصفية متسلل والقبض على 6 آخرين في المنطقة
...
-
مصر تبعد 3 سوريين وتحرم لبنانية من الجنسية لدواع أمنية
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|