محمد سيد رصاص
الحوار المتمدن-العدد: 1694 - 2006 / 10 / 5 - 10:46
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
كان اليسار الماركسي السوري المعارض من أوائل قوى اليسار العربي إلى المبادرة للمصالحة مع مفهوم الديموقراطية منذ أواخر السبعينيات,بعد عقدين من التفارق الفكري مع هذا المفهوم,وقد انبنت الديموقراطية,كتصور فكري-سياسي,على رؤية تربط ضرورة الديموقراطية بعملية وقف تردي الأوضاع الداخلية وتدهور الوضع العربي أمام اسرائيل,كما نرى في مقال تأسيسي,تحت عنوان"ملاحظات أولية حول الديموقراطية",نشرته الجريدة المركزية للحزب الشيوعي السوري(المكتب السياسي) في شهر آب1978:"التدهور العربي الحاصل مرتبط بتدهور الدولة العربية.وتدهور الدولة شديد الارتباط بغياب الديموقراطية.الدولة تضغط على المجتمع وتخنقه وتدفعه للتردي,لكن الدولة لاتقوم إلابالمجتمع.فهي تتردى معه.الهزائم في الصراع ضد العدو الاسرائيلي..........لاتبين إلاضآلة القوى التي أمكن للدولة أن تجندها..........ناهيك عن سوء إدارة الصراع وهدر القوى.الهزائم مرتبطة بهزيمة الحرية في الداخل.لقد أصبحت الديموقراطية شرطاً للتقدم العربي.إن الديموقراطية ليست التقدم,لكن لاتقدم بدون ديموقراطية."("نضال الشعب",العدد204,آب1978).
سيطر هذا الخط الجديد على القوى السورية المعارضة,عبر تأسيس(التجمع الوطني الديموقراطي)في آذار1980,واستمر طوال عقدين من الزمن مهيمناً على خطها الفكري-السياسي,وخاصة بعد انضمام قوى إلى الخط الديموقراطي,مثل حزب العمل الشيوعي الذي كان يعتبر خطاً كهذا حتى أواخر الثمانينيات ضمن خط الديموقراطية البرجوازية,أوالاخوان المسلمين الذين قدموا فهماً مشابهاً للديموقراطية في "ميثاق الشرف"(أيار2001)بعد أن كانت "الشورى" متغلبة عندهم على "الديموقراطية".ويلاحظ,في هذا الصدد,أن قوى المعارضة السورية,التي مزجت بين الديموقراطية والوطنية والقومية,قد كانت على يسار النظام في المواقف الوطنية-القومية أثناء محطات(اتفاقيات كامب دافيد)عام1978,واجتياح1982,وفي حرب1991,وانتفاضة الأقصىعام2000.
اختلفت الأمور بعد احتلال العراق في عام 2003:كان الموقف من الاحتلال الأميركي للعراق مفصلياً في تحديد الاصطفافات بين القوى السياسية السورية المعارضة,بين قوى اتجهت إلى الليبرالية(بعد أن غادرت الماركسية)وأغلب الأحزاب الكردية السورية,كان موقفها مؤيداً,صراحة أوضمناً,للعملية الأميركية في العراق,وبين قوى قومية عروبية,ويسارية ماركسية,وقفت موقفاً مضاداً لماجرى في العراق منذ سقوط بغداد يوم 9نيسان2003,وقد أفصح هذا الاستقطاب عن نفسه في تقسيم هذه القوى,بنفس استقطابها تجاه حدث9نيسان2003,إلى معسكرين تجاه أحداث 12آذار الكردية في القامشلي,وحيال الأحداث اللبنانية في ربيع2005,ثم تجاه(أزمة ميليس),مع موقف وسطي بين الضفتين اتخذه تنظيم الإخوان المسلمين.
بانت مفاعيل ذلك في حرب 12تموز2006:كان موقف القوى الليبرالية السورية في الحرب قريباً من مواقف قوى 14آذار اللبنانية,من حيث أخذ موقف منها ليس عبر موقف مضاد للعامل الأميركي في الحرب,وإنما عبر كونها قد نشبت"على خلفية أسر جنديين اسرائيليين وجدت فيه اسرائيل ذريعة للقيام بعمليات تقتيل وتدمير للشعب اللبناني وبناه التحتية"على حد تعبير بيان 17تموزالصادر عن(حزب الشعب الديموقراطي)بزعامة الأستاذ رياض الترك,ليعتبر البيان أنها تدخل"في إطار تصاعد وتيرة الصراعات الاقليمية وأهداف ومصالح اللاعبين فيها,وهي تجعل من لبنان ساحة للصدام والمواجهة",ومعطياً موقفاً من حزب الله والمقاومة بأنها "حق مقدس,ولكن قدسيتها تنبع من كونها تعبيراً حقيقياً عن إرادة وتطلعات الشعوب...........وليس استفراداً بالقرار من قبل طرف أوفئة يجر البلاد إلى مصير مجهول خدمة لمشاريع اقليمية,تتخطى المصالح الوطنية للشعوب وتهدد مستقبلها".
يلاحظ وجود موقف شبيه عند القوى الكردية السورية,حتى المعتدلة منها مثل الحزب اليساري الكردي,عندما اعتبر في جريدته المركزية("طريق الشعب",آب2006)أن الحرب"لم ينظر أحد إليها على أنها مجرد حرب بين حزب الله واسرائيل فقط,فقد كان واضحاً فيها أن الحرب بين عدة إرادات في المنطقة و والعالم...........كانت لها أهدافها البعيدة عن الحدود اللبنانية",فيما لوحظ على الاخوان المسلمين,رغم عدم اصدارهم موقفاً رسمياً من الحرب,أن رموزهم القيادية قد كانت تنظر إلى الحرب من خلال التضاد مع العامل الاقليمي الايراني وليس عبر موقف مضاد للعامل الأميركي أومن خلال(المقاومة),كما لوحظ مثلاً عند القيادي في(الاخوان)محمد الحسناوي بمقاله,المنشور في الموقع الألكتروني"أدباء الشام" القريب من الجماعة,بعنوان"خطف جندي اسرائيلي من أجل فلسطين وخطف اثنين من أجل القنبلة الايرانية"(15تموز),فيما كان ملفتاً للإنتباه خلال الحرب,امتلاء موقع(أخبار الشرق)الألكتروني والقريب من (الاخوان),بمقالات,لأشخاص محسوبين عليهم,تركز على ربط أجندة حزب الله"بتنفيذ مخطط يهدف إلى نشر الفوضى في المنطقة العربية,لحرف الأنظار عماتقوم به ايران الفارسية الصفوية وحلفاؤها من الأحزاب الشيعية الصفوية العراقية ,من عمليات تطهير عرقي وطائفي ضد أهل السنة..........ثم لتحسين شروط ايران في قضية القنبلة النووية..........ولذلك فقد استخدم هؤلاء لبنان ساحة لإظهارمايملكون من أوراق صنع الفوضى في المنطقة,دون أي اعتبار للبنان الدولة والشعب"(من مقال الدكتور محمد بسام يوسف:"أجندة حزب الله وحلفائه",موقع"أخبار الشرق",18تموز),فيما وجدت أصوات قليلة تنظر بريبة إلى العامل الايراني في الحرب,وفي المنطقة,ولكن من مواقع عروبية ويسارية متضادة مع العامل الأميركي.
في الضفة المقابلة,نجد اتجاهاً للنظر إلى الحرب عبر موقف مضاد للعامل الأميركي ومن موقع التماهي مع المقاومة الاسلامية في لبنان,كما يلمس في (بيان إلى الأمة)الصادر في 2آب,وقد وقع عليه-مع أطراف عربية-قوى سورية مثل التنظيم الناصري(حزب الاتحاد الاشتراكي العربي الديموقراطي)بزعامة الأستاذ حسن عبد العظيم,و(حركة الاشتراكيين العرب)بقيادة الأستاذ عبد الغني عياش,وهما فصيلان موجودان مع(حزب الشعب)في(التجمع الوطني الديموقراطي)وفي("اعلان دمشق"),فيما وضع توقيعه عليه الدكتور أحمد فايز الفوازالذي كان, مع الأستاذ الترك وأحزاب(التجمع),من مؤسسي( الخط الوطني الديموقراطي)بين عامي1978و1980:يلاحظ في (بيان إلى الأمة) غياب الديموقراطية عن نصه,ووتغليباً وطغياناً للوطني والقومي عند النظر إلى المسألة,مع انعدام ربطها بمقولة"الهزائم مرتبطة بهزيمة الحرية في الداخل"التي وردت في ذلك المقال الذي كتبه الدكتور الفواز في شهر آب من عام1978عندماكان,مع الأستاذ الترك,الرمزان الأبرزان للحزب الشيوعي السوري(المكتب السياسي),تماماً كما يلاحظ الآن في الجهة الأخرى,عند الأستاذ الترك,تغليباً لمقولة"الديموقراطية المحضة" عند النظر إلى المسائل المختلفة وانزياحاّ عن مواقفه الوطنية والقومية السابقة.
يؤدي هذا عملياً إلى انقسام المعارضة السورية إلى ضفتين,لذلك كانت هذه البيانات والمقالات المنفصلة للضفتين أكثر تعبيراً من البيانات التي أصدرتها هيئات تجمعهما,أثناء الحرب,مثل(التجمع الوطني الديموقراطي)و("اعلان دمشق"),والتي لوحظ عليها العمومية والضبابية إلى درجة وصولها إلى حدود أن لاتقول شيئاً.فيما يلاحظ,على هذا الصعيد,بأنه كما تحصل انزياحات عند أصحاب خط"الديموقراطية المحضة"عن ماكانوا يتخذوه من مواقف تجاه القضايا الوطنية والقومية,فإن هناك انزياحات عند بعض من في خط"الوطنية المحضة"إلى حدود تصل,عند أناس معارضين,إلى تخفيض السقف إلى حدود"تقييد قانون الطوارىء"بدلاً من رفعه وإزالته,كمااعتادت المعارضة في مطالبها منذ عام 1978,وإلى الوصول لمقولة"منع الأحزاب الفئوية والعرقية"بعد أن كان البرنامج المعارض يقول بنشر الحريات الديموقراطية والسماح لكافة التعبيرات السياسية بالظهور,فيما توجد سقوف أعلى من ذلك عند أحزاب وقوى موالية للسلطة(الأستاذ يوسف الفيصل)أوقريبة منها(الدكتور قدري جميل).
هل يعني ذلك وصول الحياة السياسية السورية إلى تخوم وجدناها,في الجزائر والسودان والعراق,حيث كانت فيها الانقسامات,والاستقطابات والاصطفافات,تبنى(بعيداً عن منطق البني والرمادي)على منطق(الأبيض والأسود),بخلاف تقاليد الحياة السياسية السورية منذ عام 1946,والتي كانت أيضاًلاتبنى فيها السياسة على رقمين فقط:الصفر والمائة,وإنما على مابينهما؟
#محمد_سيد_رصاص (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟