سامان كركوكي
الحوار المتمدن-العدد: 1694 - 2006 / 10 / 5 - 10:40
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
الجزء الاول
الضجة الكبيرة التي بدأت تحدث صخبا وربما تداعيات كبيرة في المستقبل القريب وستحشد من اجلها حتما عشرات بل ومئات التظاهرات والاحتجاجات فيما يسمى بالعالم الاسلامي حول خلفية تصريحات البابا بنيكتوس السادس عشر, والذي ذكر بان الاسلام انتشر بدعوات العنف, الامر الذي خلق ردود افعال كثيرة من منظمات اسلامية وحكومات عربية واسلامية,وبغََض النظر عن الكلام الذي تفوه به البابا كونه اعلى مرجعية دينية في العالم المسيحي , ولو ان الديانة التي يمثلها هو ايضا لم تخل تأريخه الطويل من دعوات وممارسات شنيعة بحق المعارضين لها وصلت الى حد حرقهم احياء امام اعين عامة الناس, وخاصة حينما تحولت الى الديانة الرسمية للامبراطورية الرومانية مرورا بالحروب الصليبية وانتهاءا بمحاكم التفتيش السيئة الصيت في القرون الوسطى ..... ولكن لو اخذنا الموضوع بحيادية اكاديمية بعيدا عن الاهداف الدينية او السياسية التي تحاول غالبا الاعلاء من شأن دين على حساب الآخر فان جوهر كلامه صحيح الى حد كبير و يسنده مئات الآيات القرآنية والاحاديث النبوية نفسها قبل أي شئ آخر ,...... وبالتأكيد ان المدافعين عن كون الاسلام لم ينتشر بالعنف والسيف والقتل الجماعي سيجدون انفسهم في مواقف لا يحسدون عليها لو تمت دراسة التأريخ الاسلامي الحقيقي بعيدا عن التزوير والتجميل بلغة المنتصرين الذين كتبوه على هواهم ووفق مصالحهم..... فكيف يمكنهم انكار عشرات الآيات القرآنية والاحاديث النبوية التي تبيح قتل الآخر الغير المسلم (المشرك بالله ورسوله).... وكيف يمكنهم طمس معالم الصراعات الكبيرة التي حدثت حتى بين المسلمين انفسهم مباشرة بعد موت النبي محمد والتي آثارها لاتزال باقية ومتفاعلة الى يومنا هذا!!!! التأريخ الاسلامي زاخر بهذه الصراعات الدموية بين المسلمين الاوائل والشعوب والقبائل الغير المسلمة المجاورةاو التي ارتدّت عن الاسلام بعد موت النبي محمد او تلك الجماعات والفرق التي خرجت عن طوع الاسلام وابيدت عن بكرة ابيها ,اضافة الى اكراه الشعوب الاخرى خارج الجزيرة العربية الدخول الى الاسلام تحت شعار (اسلم تسلم) فيما سميت بالغزوات او الفتوحات والتي امتدت عدة قرون وشملت مساحات واسعة من الكرة الارضية امتدت من تخوم الجزيرة العربية الى اواسط الصين شرقا ومن الشام الى شمال افريقيا واسبانيا غربا ومن القسطنطينية وضفاف الدانوب شمالا الى بلاد الهند والسند وماليزيا واندنوسيا جنوبا.....
الديانات الابراهيمية الثلاث (اليهودية , المسيحية , الاسلام) رغم ان المتعارف عنها انها ديانات(سماوية) والتي من المفترض بها ان تكون اكثر رأفة وشفقة على بني الانسان كونه من صنع الخالق العظيم (الغفور الرحيم) ,الا ان المتتبع للنصوص الدينية وخاصة في التوراة والقرآن وسيرة النبيّين موسى ومحمد خاصة ليجد دعاوى كثيرة وصريحة للقتل والتدمير والابادة لغير المؤمنين بتعاليم دينيهما , وفيما تخص الديانة المسيحية فان النسخ و التراجم المختلفة للانجيل وفي ازمان تأريخية متفاوتة والتي بعضا منها ظهرت الى العلن بعد قرون من تبشير السيد المسيح بدينه السمحاء التي تأثرت بالاصل بنسمات الحضارة الاغريقية واليونانية التي سادت في الارجاء القريبة من فلسطين, فان اساءة تأويله من قبل الكهنة ورجال الكنيسة كل وفقا لمصالحه اضافة الى اتخاذه دينا رسميا للديانة الروومانية في عهد الامبراطور(قسطنطين الاكبر(306 م) , ادى الى تشويه كبير وفي استغلال الدين وبصورة بشعة لغايات بشرية دنيئة اذاقت الناس بالنتيجة الويل والذل والعذاب وبالتالي فان هذا الدين ايضا اصبح عبئا ثقيلا على البشرية التي لم تجد طريقها الى التطور والتقدم الا بعد خلع رداءها من الحياة السياسية والاجتماعية وبالاخص في المجتمعات الاوروبية , وخاصة بعد بزوغ فجر النهظة الاوروبية الحديثة في اواسط القرن السابع عشر....ومقارنة مع الديانات الاخرى ( الوضعية) كالزرادشتية والبوذية والكونفوشيوسية فان الدعوة لها جميعا وطريقة انتشارها كان سلميا ارشاديا احترمت انسانية الانسان وخلّفت في الوقت عينه الى يومنا هذا ارثا حضاريا متساميا وبنَت مجتمعات متسامحة شديدة التراص وذو علاقات انسانية اكثر عمقا وقوة لانها نأت بنفسها عن العنف منذ تأسيسها وخلال مراحل نموها وتطورها, لانها كانت اكثر عقلانية ومنطقية في تناولها للامور الفلسفية والروحية وحتى في تفسيرها للعالم الحي وعالم ما بعد الوفاة ..... فعلى سبيل المثال لم يرد لفظة االسيف الا مرة واحدة في كتاب (الآفيستا) الزرادشتية, وبوذا وكونفوشيوس رغم عظمتيهما وعمق فلسفتيهما لم يدعيا النبوة والوحي والمعجزات!!!!!......
ان تصريحات البابا وان اضطر بطريقة او اخرى وتحت ضغط الغوغاء المنتشر في العالم الاسلامي, التراجع عنها بشكل او بآخر ولكنها في الوقت نفسه فتحت الباب واسعا امام حوارات جدّية وأثارت تساؤلات شتى عن الحقيقة التأريخية لمسيرة هذه الاديان , وفتحت الابواب مشرعة امام مناقشات جدية بعيدة عن التشنج والدفاع الاعمى عن النفس حول الكثير من الحقائق التأريخية فيما يتعلق بمدى احترام الدين الاسلامي ومعه الدين المسيحي واليهودي ايضا لحقوق وممتلكات وحياة الآخرين والتي لم تسجل صفحات تأريخيهم عبر الاف السنين سوى احرف بارزة كتبت بمداد من الدماء و عملت علىالاستئصال القاسي للمعارضين افرادا وجماعات ,شعوبا وقبائل..... وهناك تفسيرات مختلفة لعلماء التأريخ والاجتماع للاسباب الموضوعية التي ادت باديان (سماوية) وبالذات الابراهيمية الثلاث والتي من المفترض انها اتت اصلا لاسعاد البشرية في الارض(ضمن العمر المحدود للانسان), و في السماء(بعد الممات) , والتي بينت من خلال كتبها المقدسة و تعاليمها وطقوسها وسير انبيائها انها جاءت لانقاذ البشرية من الظلم والطغيان والسير بيدهم من الظلمات الى النور, الا ان تأريخها الفعلي يخبرنا بالعكس من ذلك تماما , يخبرنا بالمآسي والويلات والحروب والصراعات الدامية التي سببتها للبشرية........والشئ الآخر المثير للاهتمام هو انحصار هذه الاديان على الاقل في بدايات ظهورها في بقعة جغرافية محددة لم تتجاوز نسبة ظئيلة جدا من مساحة الكرة الارضية وبين شعوب لم تكن اعدادها بطبيعة الحال اكثر من تلك النسبة البسيطةايضا.....وقد انحصرت هذه المساحة بين وادي الرافدين والنيل والتي شهدت اولى موجات الاستيطان البشري واولى الحضارات القديمة وهذا بحد ذاته مسألة جديرة بالتمعن والدراسة ( رغم تغني الكثيرين بافضالها واصالتها), الا انها من جانب آخر تؤشر السبب الحقيقي الذي ادى لنشوء هذه الحضارات والتي لم تكن بكل تأكيد بمحض الصدفة او بسبب التفوق العقلي والذهني لهؤلاء البشر في تلك الحقبة السحيقة من عمرالتأريخ البشري على اقرانهم في ارجاء المعمورة..... بل انها كانت تعبر عن مدى حاجة البشر في تلك الايام الخوالي من بدء الحضارات وبفعل عوامل بيئية وجغرافية صعبة الى مثل ذلك التنظيم الجماعي للتغلب على مشاكل حياتية بالغة القسوة والتي كانت( العوامل المناخية والجغرافية) عاملا مهددا لوجودهم واستمرار حياتهم .... و لذلك اصبحت الحاجة ماسة ومصيرية لتلكم الشعوب لتأسيس القرى ومن ثم المدن والاستقرار فيها بدلا من حياة الترحال وجمع الثمار والاكتفاء بنماذج بسيطة من السلطة السياسية (حكام محليين ) على شكل رؤساء قبائل او امراء مناطق, والتي كانت سائدة في بقية المجتمعات البشرية نتيجة وفرة مصادر الرزق في الطبيعة وعدم حصول مزاحمة ومنافسة قوية للاستفادة منها , وبالمقابل فان ظروف المناخات الجافة( في تخوم الجزيرة العربية) ومحدودية مصادر المياة (نهري دجلة والفرات, ونهر النيل) كانت تتطلب وبالضرورة بذل جهود كبيرة لتنظيم اساليب الري والزراعة للحاجة الماسة الى توفير الغداء والمأوى للبشر باسلوب جماعي يقابل قساوة الطبيعة ويوازن بينهما,التي بدونها وبدون تنظيمها ومحاولات السيطرة عليها ولو جزئيا, لما كان بمقدور الانسان الاستمرار في الحياة , وبالتالي كانت الحاجة الى بروز كيانات اجتماعية على شكل دول وامبراطوريات امرا حياتيا فرضتها الحاجة الماسة , فالمنطقة برمتها تقع على تخوم الصحراء وندرة الاراضي الزراعية المرتبطة بظروف جوية ملائمة (نسبة الامطار واوقات سقوطها,شدة الرياح.درجات الحرارة العالية), انعكست بشكل مباشر على نمط العلاقات الاجتماعية والسياسية بين المجاميع البشرية وكيفية تعاملها مع الآخر المجاور.... وسيادة حضارة النهب والسلب وشريعة الغالب اوالمغلوب التي طبعت الحياة الاجتماعية والسياسية لهذه المجاميع البشرية والتي لاتزال الى يومنا هذا تحمل بصمات تلكم العادات والتقاليد.....
#سامان_كركوكي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟