عمرو إمام عمر
الحوار المتمدن-العدد: 7431 - 2022 / 11 / 13 - 13:29
المحور:
الادارة و الاقتصاد
مدخل
من أكثر المشكلات التى تواجه بلداننا المتخلفة عن الركب العالمى - الغربى بالتحديد – هو فى تعدد الأنماط الإنتاجية و عدم إندماجها فى تشكيلة أجتماعية و أقتصادية واحدة ، كذلك عدم الاستغلال الجيد لمصادر الثروة الطبيعية من معادن و تربة و مياه سواء كانت عذبة أو مالحة ، و بالتالى اثرها فى العملية الإنتاجية ، و الأنشطة الاقتصادية الخدمية المكملة لها من أعمال بنكية و تمويل كعنصر متحكم فى عمليات الإنتاج والاستهلاك ، من هنا جاء علم الجغرافيا الاقتصادية ، فمهمة هذا العلم هو دراسة العلاقات بين الاقتصاد و المكان الجغرافى من أشكال و مميزات للسعى للوصول إلى أفضل صيغ استغلال الطبيعة المكانية و تنظيم الأشكال الوظيفية للتركيبة الاقتصادية ، لذا فالجغرافيا الاقتصادية تسعى إلى دراسة و تحليل النقاط التالية : -
1. كيفية استغلال الإنسان لمصادر الثروة الطبيعية من تربة و مياه و معادن
2. إنتاج السلع فى كافة أشكالها الزراعية و الحيوانية و المعدنية ، كذلك السلع المصنعة
3. دراسة عمليات نقل المواد الخام أو السلع المصنعة و سهولتها
4. الجوانب الخدمية من أعمال بنكية و تمويل كعناصر متحكمة فى عمليات الإنتاج و أنماط الاستهلاك
لقد مر علم الجغرافيا الاقتصادية بمرحلتين أساسيتين ففى البداية أهتم بعمليات توزيع الإنتاج و أطلق عليه الجغرافيا التجارية و ارتبط هذا بالفترة المركنتيلية(1) و أهتم بتقسيم العالم و توزيع أنتاجه توزيعاً محصولياً ، و مع بداية عصر الانقلاب الصناعى بدأ يهتم بمبدأ السببية و على ضوئه بدأ تفسير ازدهار الصناعة فى بلد ما ارتباطاً بوجود مصادر للثروة المعدنية و الطاقة المحركة و إنتاجه من المحاصيل الزراعية ، و لكن مع زيادة وتيرة التطور العملى و التكنولوجى خاصة مع بدايات القرن العشرين أنتقل علم الجغرافيا الاقتصادية إلى مبدأ اكبر و اشمل هو التفاعل المتبادل بين المكان و طبيعته و الإنسان و دراسة مدى تأثير هذا التفاعل ، وقد ظهر فى تلك الفترة مصطلح ”الأقاليم الاقتصادية“ على أساس تقسيم المناطق الجغرافية بحسب تقدمها الاقتصادى ، كما تم تقسيم مراحل التطور الاقتصادى تاريخياً إلى الشكل التالى : مرحلة الصيد و الجمع ، مرحلة استخراج المعادن ، مرحلة الرعى البدائى و المتقدم ، مرحلة الزراعة ، مرحلة الصناعة ، و أخيرا مرحلة التجارة و الخدمات ، و قد أهتمت المدرسة الحديثة فى الجغرافيا الاقتصادية بدراسة العلاقة بين العمليات الاقتصادية و المكان ، من خلال تقسيم سطح الأرض إلى أقاليم اقتصادية لدراسة أشكال و مميزات تلك الأقاليم …
الإنتاج و تحولات الأنماط الحياتية
كما ذكرت فى الحلقة الأولى فالاقتصاد السياسى يهتم بالأساس بدراسة القوانين الاجتماعية التى تؤثر على العملية الإنتاجية ، فالإنسان فى حاجة دائمة لإشباع احتياجاته حتى يستطيع العيش ، و هنا قد تكون حاجات الإنسان فردية أو جماعية ، و تنقسم أيضا بين حاجات مادية و معنوية ، فالأشياء المادية مثل المنتجات الزراعية و المنتجات المصنعة ضرورية لإشباع حاجات الإنسان الحياتية و أطلق عليها مصطلح ”السلع“ ، و لإنتاج تلك السلع وجب على الإنسان أن يتعامل مع الطبيعة وأن يحاول ترويضها حتى يستطيع إنتاج ما يحتاج من المنتجات ، ليظهر مصطلح آخر و هو ”العمل“ ، فأصبح على الإنسان لكى يحصل على أحتياجاته من السلع أن يعمل ، و عن طريق هذا العمل يتفاعل الإنسان مع الطبيعة التى يعيش فيها ، و من هنا أصبح على الإنسان أن يشكل أدواته التى يعمل بها حتى يستطيع ترويض الطبيعة التى يعيش فيها لينتج من خلالها أحتياجاته ، و عملية الإنتاج هى عملية اجتماعية ، على الرغم إن الإنسان الأول بدأ حياته منفرداً تقريبا إلا أنه سرعان ما بدأ ينتظم فى مجموعات و بدأ حينها تنظيم عملية الإنتاج الجماعى و ابتكار الأدوات التى تعينه على الصيد ثم الزراعة ، كذلك عملية تنظيم توزيع المنتج -Distribution - ، و من قبل هذا عملية تقسيم العمل - Division of Labour - .
ملكية وسائل الإنتاج و العلاقات الناشئة عنها
لن نستطيع فهم العلاقات الاجتماعية التى تنشأ عن العملية الإنتاجية و تأتى ملكية وسائل الإنتاج كأحد العلاقات المهيمنة التى يقوم على أساسها مجموع العلاقات الإنسانية الناشئة عن العملية الإنتاجية برمتها ، فالملكية هى التى تحدد شكل تقسيم العمل ، و طرق استخدام وسائل الإنتاج ، و بالتأكيد ملكية المنتج و الأهم هو كيفية توزيعه ، لذا فهى المبدأ المنظم لكافة العلاقات الناشئة عن العملية الإنتاجية ، فإذا كانت الملكية ”ملكية مجتمعية“ أى تشاركية لجميع أعضاء المجتمع تتشكل هنا بيئة أجتماعية لها خصوصيتها و تصبح المسئولية تشاركية تعزز مفهوم التعاون و يصبح نصيب كل مشارك يوازى مساهمته فى العملية الإنتاجية بما يتوافق عليه المجتمع ، أما أن تكون ”الملكية فردية“ أو أن تكون مملوكة لمجموعة من الأفراد كعائلة مثلا ، أو تتخذ شكلاً وسطياً من أشكال الملكية مثل الملكية التعاونية -Cooperative - التى تضم جزء من أعضاء المجتمع ...
الأنماط الإنتاجية و أشكال ملكية
إن دراسة تطور المجتمع البشرى ميزت بين خمسة أنماط للعملية الإنتاجية مرت بها مراحل تطور التاريخ الإنسانى و هى كالتالى
١) مرحلة المجتمع البدائى Primitive Community فى تلك المرحلة سيطر مفهوم الملكية الجماعية لوسائل الإنتاج و الأرض
٢) مرحلة المجتمع العبودى Slave Society حيث بدأت تتشكل الملكية الخاصة و هى كانت إما فردية ، هى حيث يمتلك فرد ما الأرض بما فيها من بشر ، أو ملكية الدولة أو الملك
٣) المجتمع الإقطاعى Feudal Society و فى هذا النمط يكون العاملون من المزارعين مرتبطين بالأرض كأقنان Serfs لا يستطيعون مغادرتها ، و يخصص المالك قطعاً من الأرض لاستعمالهم الشخصى تكفى لأحتياجاتهم على أن يلتزموا بزراعة باقى الأرض لصالح المالك
٤) المجتمع الرأسمالى Capitalist Mode of Production و تعود الملكية هنا للرأسماليين و لا يملك باقى المجتمع و هم الأكثرية وسائل الإنتاج الخاصة بهم ، لذا فهم يعملون لصالح الرأسمالى نظير أجر يحدده صاحب العمل ، و ملكية وسائل الإنتاج هنا إما تكون فردية أو تضامنية أى على شكل شركات ، و يتميز هذا النوع بالإنتاج الكبير Mass Productions حيث المصانع و المزارع الكبيرة ، يستحوذ الرأسمالى على عائدات الإنتاج لتلبية حاجاته و رفاهيته الخاصة و لا يبقى للعاملين سوى الأجر الذى يتم الاتفاق عليه و فى الأغلب يكفى تلبية متطلباتهم الأساسية
٥) أخيرا المجتمع الاشتراكى Socialist Society فى تلك الحالة تعود ملكية وسائل الإنتاج إلى المجتمع ككل من خلال المنظمات التعاونية أو المجتمعات الريفية بالنسبة للزراعة و يقوم المجتمع فى تلك الحالة بتخطيط و توجيه عملية الإنتاج و توزيع الناتج بما يخدم إشباع حاجات و متطلبات المجتمع و رفاهيته
إن كل مرحلة من تلك المراحل نمت فى حقبة تاريخية معينة من تاريخ التطور الحضارى للإنسان ، تحمل سماتها الخاصة ، و لم يكن الفكر الاقتصادى قد حظى باهتمام إلا مع نهايات الحقبة الإقطاعية و بدايات المرحلة الرأسمالية ليصل إلى ذروته مع بدايات القرن السابع عشر مع أنتشار التجارة بشكل كبير و خاصة التجارة الدولية ، فقبل ذلك لم يكن الفكر الاقتصادى يحظى بنصيب حتى لدى المفكرين الإغريق على الرغم من الصحوة الفكرية فى تلك الفترة فى علوم مثل الفلسفة و المنطق و الرياضيات و السياسة ، و ذلك بسبب ظروف الإنتاج السائدة و التى كانت تكفى لمتطلبات الإنسان البسيطة ، كذلك لم تكن للتجارة ثّقل كبير فى حياة الناس إلا فى حدود ضيقة ، فهى اعتمدت على المقايضة البسيطة بين السلع أو الخدمات ، و لم نرصد إشارات للمنظومات الاقتصادية إلا ما كتبه أفلاطون فى كتابه المعروف الجمهورية – The Republic – و الذى تناول فيه كيفية نشأة الدولة و حاجة الأفراد بعضهم إلى بعض ، و كيف دعا إلى تقسيم العمل بين أفراد المجتمع ، و أشاراته إلى عدم سلامة الجمع بين أكثر من مهنة ، و قد قسم أفلاطون النظام الطبقى إلى ثلاث طبقات ، المزارعين و العمال ، المحاربين ، و أخيرا طبقة الحكام ، و نلاحظ أن أفلاطون قد تجاهل طبقة العبيد الذى كانوا جزء كبير من المنظومة الإغريقية ، ثم أتى أرسطو و قد تناول بعض المسائل الاقتصادية فى كتابه السياسة – Politics – ، و اختلف أرسطو عن ما سبقه أفلاطون ، فهو لم يرجع نشأة الدولة إلى أسباب أقتصادية بل ذهب إلى أن الإنسان مدنى بطبعه و ذو غريزة سياسية ، كذلك عارض أفكار أفلاطون التى طرحها فى كتابه المدينة الفاضلة و التى نادى فيها بشيوعية الملكية(2) ، فقد دافع أرسطو عن الملكية الفردية و اعتبارها الحافز الأساسى للإنسان فى العمل ، و نلاحظ إن أرسطو حاول أن يضع بعض التفسيرات ن فقد أعطى تعريفاً للثروة أنها مجموعة السلع و الأدوات التى يستخدمها الفرد أو الدولة لتحقيق أسباب الحياة الطيبة ، كما فرق بين القيمة الاستعمالية و القيمة التبادلية ، كما أعطى لكل سلعة قيمة على أساس المنفعة ، كما تناول أرسطو قضية النقود و شرح كيف نشأت لتلبية مطالب التجارة و التبادل ، ثم أتى بعد ذلك المفكر كسينوفون Xenphon ، و يعتبر أول من كتب عن الاقتصاد بشكل أساسى فى كتابه المحاورات الاقتصادية - Oeconomicus Socrates – و قد ميز كسينوفون بين الثروة و النقود ، فالثروة تقوم على إشباع حاجات الفرد و بغير تلك الصفة لا تكون ثروة ، كما شدد على الاهتمام بالزراعة و اعتبرها مصدر غنى المجتمعات و يعتبره الكثير من المؤرخين الاقتصاديين رائداً للمدرسة الطبيعية ”فيزيوقراط“ التى ظهرت بفرنسا فى القرن الثامن عشر ، كما كتب بحثاً عن زيادة إيرادات أثينا و استعرض فيه السياسات التى يجب أتباعها لانتعاش المدينة و زيادة إيراداتها …
أما فى الحضارة الرومانية على الرغم من التراث القانونى الكبير و نظم الحكم إلا إن ذلك لا يمكن قياسه بالحضارة الإغريقية و ينعكس هذا على فكرهم الاقتصادى الذى لم يكن تحليلا للواقع و لكنه كان انعكاس للقيم المجتمعية السائدة فى المجتمع الرومانى ، و هذا ما نراه فى كتابات شيشرون و سنكا ، و بلينى ، فقد اعطوا للزراعة مكانة الصدارة فى العملية الاقتصادية و إن انتعاشها يعتبر الدعامة الأساسية التى تقوم عليها السلطة السياسية ، أما الصناعة و التجارة فكانت بالنسبة لهم من الحرف غير النبيلة و النقود مصدرا للبلاء خاصة فى معاملات الإقراض و الربا ، و قد أعتبر سنكا أن أى نظام طبيعى صالح و منسجم مع حياة البشر ، بينما كلما هو مصطنع عكس ذلك و مصدرا للبلاء …
____________________________________________________
هوامش
1) الإتجارية - Mercantilism - هى مذهب سياسى/اقتصادى ساد أوروبا بين القرن السادس عشر و منتصف القرن الثامن عشر . كانت الإتجارية فكرة شائعة كشيوع الرأسمالية فى عصرنا الحالى ، و إذا كانت النظريات الاقتصادية الحالية تقوم على فكرة أن الأسواق تنمو باستمرار ، فإن الإتجارية على العكس ترى أن الأسواق ثابتة ، مما يعنى بأن لزيادة حصتك فى السوق ، ينبغى أن تأخذ هذه الحصة من حصة شخص آخر ، وقد نشأ النظام المركنتلى التجارى من خلال تقسيم الإقطاعيات لتعزيز ثروة الدولة و زيادة ملكيتها من الذهب و الفضة من خلال التنظيم الحكومى الصادر لكامل الاقتصاد الوطنى و انتهاج سياسات تهدف إلى تطوير الزراعة و الصناعة و إنشاء الاحتكارات التجارية الخارجية.
2) شيوعية الملكية التى نادى بها أفلاطون لا تطبق إلا على أفراد الطبقة الحاكمة و لا تصل إلى سائر أفراد الشعب ، وقد تأثر كثيرا الاشتراكيين الأوائل بأفكار أفلاطون
المصـادر
• روبرت سى آلان - التاريخ الاقتصادى العالمى (مقدمة قصيرة جدا) ، ترجمة محمد سعد طنطاوى ، مؤسسة هنداوى للتعليم و الثقافة – الطبعة الأولى 2014
• جون كينيث جالبرت - تاريخ الفكر الاقتصادى (الماضى صورة الحاضر) ، ترجمة أحمد فؤاد بلبع ، سلسلة عالم المعرفة ، المجلس الوطنى للثقافة و الفنون العـدد 261 ،سبتمبر 2000
• جوزيف أ. شوميتر- تاريخ التحليل الاقتصادى (المجلد الأول) ، ترجمة حسن عبد الله بدر ، المجلس الأعلى للثقافة – الطبعة الأولى 2005
• أرسطاطليس – السياسة ، ترجمة أحمد لطفى السيد ، منشورات الجمل ، الطبعة الأولى 2009
• أفلاطون – جمهورية أفلاطون ، ترجمة حنا خباز ، مؤسسة هنداوى للتعليم و الثقافة – الطبعة الأولى 2017
• فرناند بروديل – تاريخ و قواعد الحضارات ، ترجمة دكتور حسين شريف ، الهيئة المصرية العامة للكتاب ، الطبعة الأولى 1966
• ف. دياكوف ، س. كوفاليف – الحضارات القديمة (الجزء الأول) ، ترجمة نسيم واكيم اليازجى - دار علاء الدين دمشق ، الطبعة الأولى 2000
#عمرو_إمام_عمر (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟