أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - ثامر عباس - خراب العقلية العراقية وطراز المثقف النيتشوي !















المزيد.....

خراب العقلية العراقية وطراز المثقف النيتشوي !


ثامر عباس

الحوار المتمدن-العدد: 7430 - 2022 / 11 / 12 - 08:32
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    


خراب العقلية العراقية وطراز المثقف النيتشوي

(( النقد الجذري هو أب المعرفة – فيخته ))

ثامر عباس

لعله من الأمور التي أضحت من المسلمات السوسيولوجية والبديهيات الابستمولوجية ، في عرف الغالبية العظمى لتيارات الفكر الاجتماعي المعاصر ، إن لتأثير أنماط الواقع وبنى المجتمع ومنظومات الوعي وأنساق الثقافة ، مفعول طاغ على توجهات الأفراد وتحديد خياراتهم ، مثلما لتطلعات الجماعات وتعين رهاناتهم . لاسيما عندما تكون الأوضاع السياسية مستقرة ، والظروف الاجتماعية مؤاتية ، والأمور الاقتصادية ملائمة ، بحيث تسهم في تأطيرعلاقاتهم ونمذجة سلوكهم وتنميط تصوراتهم .
ومن نافل القول إن الفاعل الاجتماعي (= المثقف) لا يخرج عن هذا السياق التكاملي إلاّ فيما ندر ، للحدّ الذي يتم – في الغالب - استدراجه للانخراط في أتون سوسيولوجيا السلطة ، واستيعابه للاندماج في تطلعات إيديولوجيا النظام ، مما قد يضطره هذا التصرف المشين للتخلي عن بعض فضائله المناقبية ، والتنازل عن قسم من مزاياه المعرفية ، استجابة لإلحاح غرائزه البدائية وانصياعا"لضغوط دوافعه النرجسية . وهنا يقتصر دوره على التبرير أكثر من التنوير ، والتورية أكثر من التعرية ، والتلميع أكثر من التشنيع . ولربما يكون هذا النمط من المثقفين هو من استدعى المفكر اللبناني (علي حرب) ليجرد ضده حملاته النقدية وصولاته التهكمية ، التي لم تطل فقط الفكريات التي يحتكم إليها ويبشر بها ، وإنما المنهجيات التي يستلهم أساليبها ويستوحي أنماطها .
ولما كانت سمات الحراك الدينامي والتفاعل الجدلي ، تعد من صميم الطبيعة البشرية وجوهر الفاعلية الإنسانية ، فان المجتمع سيكون – على الدوام - عرضة لدوامات التراكم الكمي وتيارات التغيّر الكيفي ، بحيث يستلزم تنشيط عناصر الوعي في عقله الجمعي ، واستنهاض مقومات التماسك في كيانه الحضاري . لا لكي يحافظ فقط على حالة التوازن القلق بين مكوناته ، ويصون وضعية الاستقرار الحذر في أوالية تفاعلاته فحسب ، وإنما لأجل أن يديم عوامل بقائه إلى ما شاء الله ، ويضمن شروط استمراره إلى أجل غير مسمى . من هنا يبدأ الدور الاستثنائي والمهمة المصيرية ، التي تقع على عاتق النخبة الفكرية وطليعتها (المثقف) الحقيقي ، لجهة التخلي عن وظيفته التقليدية كمدافع عن نظام القيم السائدة حتى وان كانت بالية ، وكحارس على نسق التصورات المهيمنة حتى وان كانت عقيمة من جهة ، والشروع ، من جهة أخرى ، ليس فقط بغربلة يقينياته وتنقية مسلماته وتصويب مرجعياته ، بعد أن ثبت لديه أنها باتت عائقا"جديا"أمام تحرره الفكري وتطوره المعرفي وتنوره المنهجي فحسب ، بل وتنكب معول هدم ما شيد في العقلية العراقية من أوثان خرافية ، وتحطيم ما أقيم في المتخيل الجمعي العراقي من نصب أسطورية ، واجتثاث ما زرع في السكولوجيا الاجتماعية العراقية من إيقونات تشبيحية .
فالداء العضال الذي لم يبرح ينخر أسس الكيان الحضاري للمجتمع العراقي ، لا يتأتى علاجه كما أصلاحه بدعاء الشيوخ المتواطئين وتعزيم الدراويش المسيسين وتطمينات المتحزبين الفاسدين ، بقدر ما يكمن في كشف المستور في الإيديولوجيات الأصولية ، وإماطة اللثام عن المحظور في الطوباويات الطائفية ، وتعرية المطمور في الأخلاقيات القبلية . كل ذلك بالاعتماد على ما استجد في حقل العلوم الاجتماعية والإنسانية ، من أفكار مغايرة للمألوف ونظريات معارضة للمعروف ، هذا بالإضافة إلى ما اجترح في هذه الميادين من منهجيات حفرية ونقدية وتفكيكية . جعلت من غير المقبول – بالنسبة للمثقف – أن يستمر بالتعويل على خزين معارفه المعلبة ورصيد معلوماته المبتسرة ، لكي يقوى على مواجهة الأزمات الداخلية ويتمكن من مجابهة التحديات الخارجية .
ولعل الركون إلى المقاربات الصادمة التي اجترحها الفيلسوف الألماني (نيتشه) ، والانتحاء صوب أنماط تحليله الصاعق للواقع الاجتماعي بكل مكوناته ومستوياته ، قمينة بتسهيل وتصويب مهمة (المثقف) العراقي الغيورعلى وطنه والحريص على شعبه ؛ ليس فقط لإدراك طبيعة واقعه السياسي الملغز وفهم خصوصية قيمه الدينية المعقدة ، واستيعاب ديناميات علاقاته الاجتماعية الملتبسة فحسب . وإنما بالإضافة إليه لتجريف كل ما علق في الذهنية العراقية من أوهام الدين وأباطيل التاريخ ، فضلا"عن تحطيم كل ما كانت تبتهل إليه وتتعبد في محرابه من أصنام السياسة وأوثان الايديولوجيا .
فالداء العضال الذي تعانيه تلك الذهنية بات من الاستعصاء على الشفاء حدا"لم تعد تنفع معه العلاجات الترقيعية والمحاولات الإصلاحية ، بقدر ما يستلزم الإسراع بالاستئصال الجذري لكل ما تراكم فيها وعليها وحولها من عفن الأساطير والخرافات من كل شاكلة وطراز ، بحيث حفرت فيها أخاديد غائرة وشيدت عليها مواقع حصينة ، أضحى من الصعب إن لم يكن المستحيل تركها تنخر في بنيتها وتفت في عضدها وتعبث في مصيرها .
وهو الأمر الذي يتوجب على المثقف العراقي الأصيل ، الذي لم يبرح يحتكم على وازع وطني للبحث في إشكاليات العقلية العراقية ، حيث لا زالت تطرح تساؤلات مصيرية دون أن تحظى بإجابات واقعية ، منذ إن تحددت ملامحها السوسيولوجية وتبلورت خصائصها الابستمولوجية ، فضلا"عن الغوص عميقا"لسبر أغوارها والسعي حثيثا"لمعرفة أسرارها ، ناهيك عن اقتحام حقول محرماتها الدينية وممنوعاتها القيمية ، للكشف عما أضمرته في لا وعيها الجمعي ، والبوح بما طمرته في ذاكرتها المخيالية . نقول بات يتوجب عليه – لكي يكون بمقدوره مواجهة هذه التحديات الخطيرة ، مثلما قدح زناد فكره لانجاز تلك المهمات الجسيمة – أن يحمل (مطرقة) التحطيم لكل ما تواضعت عليه أنماط وعينا الشقي من أوهام مبجلة ، ويتنكب معول الهدم لمجمل ما تكيفت معه منظومات ثقافتنا البائسة من أكاذيب .
ولعل اختيارنا لهذا الطراز من المثقفين النقديين ، لا يرتبط بأي نزعة من نوازع النهلستية (العدمية) التي حاول البعض إلصاقها بفلسفة (فردريك نيتشه) أحد أبرز نقاد العصر الحداثي ، على خلفية نقد التيار الماركسي لما سماه (جورج لوكاتش) مظاهر اللاعقلانية في الفلسفة الغربية كما جاء بكتابه (تحطيم العقل) ، بقدر ما نريد للمثقف العراقي أن يوظف منهجياته النقدية ويستثمر مقارباته المعرفية الحادة ، ليس فقط للكشف عن الأسباب المضمرة التي تكبّل العقلية العراقية من تجاوز التباساتها وتخطي انحرافاتها فحسب ، كما ليس فقط لإماطة اللثام عن الدوافع العميقة التي تحول دون تغلبها على عوامل كبوتها ومصادر نكوصها فحسب . إنما لإزاحة كل ما تراكم حولها من ترهات تاريخية لإخفاء شقاقيتها ، وإزالة كل ما ترسب عليها من تلفيقات سوسيولوجية لطمر عدوانيتها ، واستئصال كل ما زرع فيها من تهويمات انثروبولوجية لستر عنفها . وتعبيرا"عن هذا المنحى النقدي فقد كتب (نيتشه) في كتابه الموسوم : هذا الإنسان يقول (( إنني لا أقيم أوثانا"جديدة ؛ إنني لا أريد سوى أن تتعلم الأوثان القديمة ماذا يعني أن تكون أقدامها من صلصال . أن أطيح بالأوثان هو عين مهمتي . وبقدر ما اخترعنا عالما"مثاليا"، بقدر ما جرّدنا الواقع من قيمته ومعناه وحقيقته )) .
وهكذا فان مهام هذا الطراز من المثقفين (النتشويين) – إن جاز لنا استخدام هذا التعبير - لا يمكن بعد الآن أن تقتصر – في ضوء ما استمطرته سماء السياسة الصبيانية فوق أديم هذا البلد المستباح من بلايا ورزايا - على لعن هذه الفئة أو تلك ، أو استنكار هذا الحزب أو ذاك ، أو استهجان هذا الموقف أو ذاك من جهة ، واستنهاض حمية الأفراد والجماعات للاحتكام إلى بقايا رموز وطنية ، واستصراخ وعي المرجعيات والزعامات للالتجاء إلى شظايا قيم عراقية من جهة أخرى . بقدر ما باتت تتطلب إعمال الحفر من الجذور لمأسستها ، والتنقيب من الأعماق لتنقيتها ، والانطلاق من الأصول لعقلنتها ، والشروع من البدايات لانسنتها . إذ إن (( أفكار الوعظ الأخلاقي – كما يعلن (نيتشه) في مفتتح كتابه : مولد التراجيديا – الرامية إلى إصلاح الكثير من الجوانب في المجتمع البشري ، عن طريق جهود الترميم التي يبذلها ، هي أشبه بالتبول في مياه البحر )) .



#ثامر_عباس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- صراع العقيدة والمعتقد : بين الفتاوى الدينية والتعاويذ الطائف ...
- الثقافة والديمقراطية .. تزامن أم تعاقب ؟
- صلاحية الديمقراطية في المجتمعات المتخلفة !
- العقد الاجتماعي بين اهمال الدولة وتجاهل المجتمع
- الصراع على السلطة : مقاربة في سوسيولوجيا التداول السياسي
- تتريث العقل وتوريث الجهل
- اللغة السياسية والكتابة الصحفية
- ثقافة البراكسيس : الضرورة التاريخية والاضطرار السياسي (الحلق ...
- الميتودولوجيا الماركسية وثقافة البراكسيس ( الحلقة الأولى )
- الزعيم الدكتاتوري ونزوع عسكرة المجتمع
- علي الوردي ومقدمات عصر البدوقراطية
- مفهوم العنف الاجتماعي : دلالاته وأشكال تجليه (الحلقة الخامسة ...
- مفهوم العنف الاجتماعي : دلالاته وأشكال تجليه (الحلقة الرابعة ...
- مفهوم العنف الاجتماعي : دلالاته وأشكال تجليه (الحلقة الثالثة ...
- مفهوم العنف الاجتماعي : دلالاته وأشكال تجليه (الحلقة الثانية ...
- مفهوم العنف الاجتماعي : دلالاته وأشكال تجليه (الحلقة الحادية ...
- مفهوم العنف الاجتماعي : دلالاته وأشكال تجليه (الحلقة العشرون ...
- مفهوم العنف الاجتماعي : دلالاته وأشكال تجليه (الحلقة التاسعة ...
- مفهوم العنف الاجتماعي : دلالاته وأشكال تجليه (الحلقة الثامنة ...
- مفهوم العنف الاجتماعي : دلالاته وأشكال تجليه (الحلقة السابعة ...


المزيد.....




- الأردن.. ماذا نعلم عن مطلق النار في منطقة الرابية بعمّان؟
- من هو الإسرائيلي الذي عثر عليه ميتا بالإمارات بجريمة؟
- الجيش الأردني يعلن تصفية متسلل والقبض على 6 آخرين في المنطقة ...
- إصابة إسرائيلي جراء سقوط صواريخ من جنوب لبنان باتجاه الجليل ...
- التغير المناخي.. اتفاق كوب 29 بين الإشادة وتحفظ الدول النامي ...
- هل تناول السمك يحد فعلاً من طنين الأذن؟
- مقتل مُسلح في إطلاق نار قرب سفارة إسرائيل في الأردن
- إسرائيل تحذر مواطنيها من السفر إلى الإمارات بعد مقتل الحاخام ...
- الأمن الأردني يكشف تفاصيل جديدة عن حادث إطلاق النار بالرابية ...
- الصفدي: حادث الاعتداء على رجال الأمن العام في الرابية عمل إر ...


المزيد.....

- الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات / صباح كنجي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل ... / الحزب الشيوعي العراقي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو ... / الحزب الشيوعي العراقي
- المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت ... / ثامر عباس
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3 / كاظم حبيب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - ثامر عباس - خراب العقلية العراقية وطراز المثقف النيتشوي !