|
القرآن محاولة لقراءة مغايرة 124
ضياء الشكرجي
الحوار المتمدن-العدد: 7428 - 2022 / 11 / 10 - 13:23
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
إِنَّ في خَلقِ السَّماواتِ وَالأَرضِ وَاختِلافِ اللَّيلِ وَالنَّهارِ لَآياتٍ لِأُلِي الأَلبابِ (١٩٠) الَّذينَ يَذكُرونَ اللهَ قِيامًا وَّقُعودًا وَّعَلى جُنوبِهِم وَيَتَفَكَّرونَ في خَلقِ السَّماواتِ وَالأَرضِ رَبَّنا ما خَلَقتَ هاذا باطِلًا سُبحانَكَ فَقِنا عَذابَ النّارِ (191) رَبَّنا إِنَّكَ مَن تُدخِلِ النّارَ فَقَد أَخزَيتَهُ وَما لِلظّالِمينَ مِن أَنصارٍ (192) رَّبَّنا إِنَّنا سَمِعنا مُنادِيًا يُّنادي لِلإيمانِ أَن آمِنوا بِرَبِّكُم فَآمَنّا رَبَّنا فَاغفِر لَنا ذُنوبَنا وَكَفِّر عَنّا سَيِّئاتِنا وَتَوَفَّنا مَعَ الأَبرارِ (193) رَبَّنا وَآتِنا ما وَعَدتَّنا عَلى رُسُلِكَ وَلا تُخزِنا يَومَ القِيامَةِ إِنَّكَ لا تُخلِفُ الميعادَ (194) إذا استثنينا ما يسمى بأسباب التنزيل لهذه الآيات، ومن عنتهم من المسلمين آنذاك، وتناولناها بمعناها العام، فهي تشتمل على معاني جميلة، باستثناء ما سيشار إليه، مما يتعارض مع لاهوت التنزيه. فالآيات تتحدث عن نوع من الناس أسمتهم بأولي الألباب، يقودهم التأمل في الطبيعة وفي كل ما على الأرض وما حولها من الكون، علاوة على ثمة دعوة إلى الإيمان أن يؤمنوا بربهم الله خالق كل شيء ومتقنه، حيث «إِنَّ في خَلقِ السَّماواتِ وَالأَرضِ وَاختِلافِ اللَّيلِ وَالنَّهارِ لَآياتٍ لِأُلِي الأَلبابِ»، أي علامات ودلائل على الخالق المبدع، والذي ما أن يؤمنوا به، يملأ ذكره وجودهم وتفكيرهم، فهم «يَذكُرونَ اللهَ قِيامًا وَّقُعودًا وَّعَلى جُنوبِهِم»، أي في كل أحوالهم وكل ساعات نهارهم وليلهم، طالما كانوا على يقظة، ولا يكتفون بذكره، بل تراهم «يَتَفَكَّرونَ في خَلقِ السَّماواتِ وَالأَرضِ»، مواصلين التفكر والتدبر، مما يجعلهم ينزهون الله بقولهم «رَبَّنا ما خَلَقتَ هاذا باطِلًا سُبحانَكَ»، فتسبيحه يعني تنزيهه، وذلك عن أن يكون قد خلق كل هذا الكون باطلا، والباطل يعني نفي العبث كونه حكيما، ونفي الظلم نفيه عادلا، وعندما ينفون عنه الظلم يعلمون أنه بناءً على عدله لا بد أنه سيجازي كلا حسب أعماله، ثوابا للمحسن، وعقابا للمسيء، ولأنهم لا يزكون أنفسهم، بل يقرون بسيئاتهم، فهم يدعون ربهم بقولهم «فَقِنا عَذابَ النّارِ»، وسبب حذرهم من النار التي آمنوا بها، وفق ما أنبأهم دينهم، بالرغم من كل ما فيها من عذاب لا يوصف، ليس خوفهم من العذاب الجسدي المتناهي في القسوة، بل بسبب ما سيلقونه من عذاب نفسي أو معنوي، حيث يقولون «رَبَّنا إِنَّكَ مَن تُدخِلِ النّارَ فَقَد أَخزَيتَهُ»، ولم يقولوا فقد عذبته، ذلك لأنه يومئذ «ما لِلظّالِمينَ مِن أَنصارٍ»، وحسنا فعلت الآية إذ ركزت على الظلم سببا للعقاب وليس على الكفر كما في أغلب آيات العذاب، ولو إننا كثيرا ما نجد وصف غير المؤمنين (الكافرين) بالظالمين أو المفسدين أو المجرمين. ثم يؤكدون إيمانهم الذي أسس له ذلك التفكر والتدبر له، ثم جاءت دعوة الإيمان من الداعين إليه، فيقولون «رَّبَّنا إِنَّنا سَمِعنا مُنادِيًا يُّنادي لِلإيمانِ أَن آمِنوا بِرَبِّكُم فَآمَنّا»، وهذه الاستجابة الفورية إنما حصلت لأنهم كانوا قد وصلوا عبر التفكر والتدبر إلى امتلاك قابلية تلقي الدعوة إلى الإيمان والاستجابة لها، وهنا يعودون ليذكروا أخطاءهم وخطاياهم، فيدعون ربهم من جديد أن «رَبَّنا فَاغفِر لَنا ذُنوبَنا وَكَفِّر عَنّا سَيِّئاتِنا»، ومن ثم، كما لم يهمهم عذاب النار بقدر ما أهمهم الخزي الذي سينالهم بدخولها، فهنا أيضا لا يطلبون نعيم الجنة بقدر ما يطلبون رفقة الطيبين والأخيار بقول «وَتَوَفَّنا مَعَ الأَبرارِ». وفيما يتعلق بنعيم الجنة فلم يذكروا تفاصيلها ولا بعض مصاديق نعيمها، إنما اكتفوا بقول «رَبَّنا وَآتِنا ما وَعَدتَّنا عَلى رُسُلِكَ»، لأنهم استجابوا لدعوتهم للإيمان وصدقوا بما أبلغوهم من وعد إلهي، ولكنهم يعودون ثانية للحذر من العذاب المعنوي المعبر به مرة أخرى بالخزي بقول «وَلا تُخزِنا يَومَ القِيامَةِ»، ثم يقرون بإيمانهم المطلق بأن الله إن وعد فهو لا يخلف بقول «إِنَّكَ لا تُخلِفُ الميعادَ». لكن دعونا نثير بعض الإشكالات على هذه الآيات، مما هو إما ليس من الضرورات العقلية، وإما هو من الممتنعات العقلية. تقرر الآية الأولى بأن «في خَلقِ السَّماواتِ وَالأَرضِ وَاختِلافِ اللَّيلِ وَالنَّهارِ لَآياتٍ لِأُلِي الأَلبابِ»، وأولو الألباب هم أصحاب العقول، وربما يكون معنى اللب أشمل من العقل، فيشمل الفطرة السليمة، وهذا فيه تعميم بافتراض أن كل ذي عقل وفطرة إنسانية سليمة لا بد له أن يصل إلى الإيمان بالله، إما عبر التفكر والتدبر وحده، أو عبر تلقي دعوة الإيمان، أو لكلا العاملين، والواقع ينبئنا أن الكثيرين من ذوي العقول الراجحة وذوي الثقافة الواسعة وذوي النزعة الإنسانية والاستقامة لم تقنعهم الأدلة العقلية بوجود الله، ناهيك عن أن تقنعهم دعوة الأديان أو عموم دعوات الإيمان، بما في ذلك الفلسفية. والإشكال الثاني يرد على «فَقِنا عَذابَ النّارِ»، فلو كان النص محايدا دينيا، أو يتناول الموضوع وفق رؤية فلسفية، لكان من الأرجح القول «فقنا عقابك»، دون حسم كيفية العقاب، لأننا لا نملك سبيلا لمعرفة كيفية العقاب، إن وجد حسب دليل العدل الإلهي، ناهيك عن كون العذاب بنار جهنم حسب التوصيفات القرآنية من حيث شدة العذاب التي تفوق ذروة التصور، ومن حيث أبديته، فهذه الصورة من العذاب عقلا ممتنعة الوقوع من الله. أما عن الاستغفار بقول «رَبَّنا فَاغفِر لَنا ذُنوبَنا وَكَفِّر عَنّا سَيِّئاتِنا وَتَوَفَّنا مَعَ الأَبرارِ»، فهو من جانب أمر إيجابي في أن يتعرف الإنسان على أخطائه لاسيما بحق الآخرين، فيشعر بالندم، ويحاول أن يجبر ذلك الخطأ أو الظلم الواقع منه، ويستميح الواقع عليه عذرا ويطلب منه المسامحة والعفو، كما ويستغفر ربه. لكن المشكلة في الدين أنه يسعى لإشعار الإنسان المؤمن دوما بعقدة الذنب، فهو تراه يستغفر لأمور تافهة لا تضر أحدا، كأن يفوت على نفسه الصلاة، أو يشرب الخمر، أو لا يصوم الصيام الواجب دينيا، أو يأكل طعاما لم يتبين من حليته، أو يمارس الجنس من غير عقد شرعي بالتراضي من الطرفين، بينما أكثر المتدينين لا يستغفرون ربهم عندما يسيئون إلى كرامة إنسان ما، أو عندما يتعسف الزوج في زوجته ويظلمها، بل ويمارس العنف ضدها، أو عندما يغش ويحتال في معاملاته التجارية، أو عندما يشهد زورا، أو عندما لا يفي بعهوده ومواثيقه مع الناس. أما قول «رَبَّنا وَآتِنا ما وَعَدتَّنا عَلى رُسُلِكَ»، فهل يا ترى تأكد هؤلاء من صدق دعوى النبوة والرسالة والوحي، بحيث يعتقدون أن هناك رسلا أرسلهم الله ووعد بواسطتهم المؤمنين بألوان النعيم؟ نعم لو قالوا «ربنا وآتنا ما يستوجبه عدلك ورحمتك»، لكان ذلك منسجما مع ضرورات الإيمان العقلي، وليس مع مقولات الأديان التي يمتنع صدورها عن الله.
#ضياء_الشكرجي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
القرآن محاولة لقراءة مغايرة 123
-
القرآن محاولة لقراءة مغايرة 122
-
القرآن محاولة لقراءة مغايرة الحلقة الحادية والعشرين بعد المئ
...
-
القرآن محاولة لقراءة مغايرة 120
-
القرآن محاولة لقراءة مغايرة 119
-
القرآن محاولة لقراءة مغايرة 118
-
القرآن محاولة لقراءة مغايرة 117
-
القرآن محاولة لقراءة مغايرة 116
-
القرآن محاولة لقراءة مغايرة 115
-
القرآن محاولة لقراءة مغايرة 114
-
القرآن محاولة لقراءة مغايرة 113
-
القرآن محاولة لقراءة مغايرة 121
-
القرآن محاولة لقراءة مغايرة 111
-
القرآن محاولة لقراءة مغايرة 110
-
القرآن محاولة لقراءة مغايرة 109
-
القرآن محاولة لقراءة مغايرة 108
-
مناقشة لمناقشة قارئ مسلم عقلاني 2/2
-
مناقشة لمناقشة قارئ مسلم عقلاني 1/2
-
القرآن محاولة لقراءة مغايرة 107
-
القرآن محاولة لقراءة مغايرة 106
المزيد.....
-
وجهتكم الأولى للترفيه والتعليم للأطفال.. استقبلوا قناة طيور
...
-
بابا الفاتيكان: تعرضت لمحاولة اغتيال في العراق
-
” فرح واغاني طول اليوم ” تردد قناة طيور الجنة الجديد 2025 اس
...
-
قائد الثورة الإسلامية: توهم العدو بانتهاء المقاومة خطأ كامل
...
-
نائب امين عام حركة الجهاد الاسلامي محمد الهندي: هناك تفاؤل ب
...
-
اتصالات أوروبية مع -حكام سوريا الإسلاميين- وقسد تحذر من -هجو
...
-
الرئيس التركي ينعى صاحب -روح الروح- (فيديوهات)
-
صدمة بمواقع التواصل بعد استشهاد صاحب مقولة -روح الروح-
-
بابا الفاتيكان يكشف: تعرضت لمحاولة اغتيال في العراق عام 2021
...
-
كاتدرائية نوتردام في باريس: هل تستعيد زخم السياح بعد انتهاء
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|