|
رواية شلومو الكردي (وأنا والزمن)دراسة نقدية
ناصرقوطي
الحوار المتمدن-العدد: 1694 - 2006 / 10 / 5 - 06:21
المحور:
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
كثيرا مايوصف الأدب الإنساني ، وخاصة الأعمال الخالدة منه على انه مرآة للواقع ، تعكس في جوانب منها الكثير من الشظايا الخفية واللحظات الهاربة التي يكشفها الكاتب بمهارته ويضفي عليها من خياله الخصب ليلبسها ثوبا قشيبا دون أن يؤثر على مجمل الأحداث الواقعية التي يستثمر لبناتها الأساسية ، من التفاصيل الكثيرة التي يعج بها الواقع من حوله 0 فمهمة الروائي ــ الذي يعتمد أحداث التاريخ مرجعية له ــ لاتقتصر على نقل القوالب والثيمات الاجتماعية الجاهزة كما هي عليه ، إنما يذهب إلى أبعد من ذلك ، فهو يضيء الزوايا المظلمة ويهشم المرآة التي تعكس رؤية الواقع ، ويخلق تضادات رؤى من خلال انعكاسات المرايا الصغيرة المهشمة ،التي تولدها تلك التقابلات متعددة الألوان والإضاءات المتباينة على أبطاله والشخوص الذين يتحركون في عالمه الذي يصنعه وهم يتعرضون لشتى التحولات ، من الضغوط النفسية والجسدية ، ومدى تأثير المكان وشدة وطأته عليهم 0 وقدرة المؤلف على تعرية الواقع وهو يغوص بعيدا في أدق تفاصيله التي تخلق من عمله فنا محضا وتجعله يقاوم الزمن ويتجذر فيه بما يحمل من وضوح الرؤية وصدق التجربة ، لذا إن أعظم الأعمال الأدبية الخالدة التي كتبت في الماضي قد ترسخت في الأذهان ، وتحدت الزمن وثبتت جذورها مخترقة حصون الذاكرة المنيعة وتربة الحاضر، لما تمتعت به من جرأة الطرح ووضوح الرؤية من إيحاءات محسوبة وديناميكية متجددة لطرح الأحداث والقفز على ما هو مكرور وتقليدي0 في رواية " شـلومو الكردي وأنا والــزمن " يضع الروائي سمير نقاش إصبعا مرتعشة على موطـن جــرح عميق الغور ، شديد الحساسـية لالينكىء الجرح إنما يهبنا ــ بعمق نظرته التحليلية ــ بلسما شافيا ويرد على التساؤلات التي عششت في ذاكرة البعض ردحا طويلا واعتبرت كبديهيات ، ويوجه أبصارنا إلى مرحلة من التاريخ عاث بها البرابرة وزوروا الكثير من أحداث التاريخ 0 بـيضوا وسودوا وأفرخو مسوخهم بصورة منظمة من أجنة المنظمات السرية الشوهاء التي اعتاشت على القتـل والتهجـيـر والصراعات الطائفية التي لازالت حلقاتها ســارية المفعـول في كثـيـر من البلدان ، تؤججهـا قـوى الظلام وتغذيها الاعتقـادات الماضوية المريضة ، فيتم قلع الأفراد كما تقتلع الأظفار من لحمها ، وتُهجر العوائل من جذورها الضاربة في القدم وتصادر أملاكها و يتم إسقاط هويتها عنها 0 ان الصّور المفزعة التي صورها لنا النقاش لهي من صميم الواقع الذي استل منه لقطـاته الموبئرة مـن كامرته التي يحمـلها على كتفه الرازح تحت ثقل أعباء التجربة المريرة الصادقة 0عدة عدسات مكبرة تقرب أحداث التاريخ باسترجاعات يسميها ــ جولات ــ دون أن ينسى هيكل الرواية العام و يبني لبناتها بفنية عالية وهـو يتـنقـل بين الأماكن التي دارت فيها أحــداث روايـتـه ، فـقـد ولد الروائـي في بغــداد وعـاش في بـومبـاي واسـتانـبــول وطهران واختزنت ذاكرته الكثير من معالم تلك المدن ، لذا جاءت الأحداث بـيــن تـلـك الأمــاكـن ، وما صحب تلك الفترة من تهجير قسري لليهود العراقيين إبان الحرب العالمية الثانية وما بعدها التي غيرت خارطة الكثير من البلدان 0 يقـول الراوي شـلومـو كتاني ( لن أنسـى صبلاخ "مهاباد " الحبيبة ، كلا ، رغم بغداد العز وبومبــاي مصدر النعمة وطهران المأوى ) ص10 وفي صفحات كثيرة أخرى نتلمس ذلك الإحساس بالـمرارة الـذي يـلازم الراوي وهــو يـبـوح مرة لنفسه وأخرى للزمن وثالثة للكاتب حتى لـيشتبك الثـلاثة فـي التصدر ألموضوعاتي ، ويختـلفـون في أحقـيـة المبادرة بسرد الأحداث ، لما للأحداث من جسامة وأهمية قصوى قد يطويها النسيان في غفلة من الزمن ، ( قلت للزمن : قد انتهت القصة فرد الزمن : بل هي الآن قد بدأت وتساءلت : كيف ؟ فقال : الدجاجة والبيضة ، والرجل والطفل ، أوعيت الآن ؟! ــ فاروها إذن ! فقال :ــ أنت ! ــ بل أنت ــ بل أنت فاحترت وسهمت حتى قلت :ــ دع الأمور إذن تجري كما يحلو لها 0 ) ص76 ويستمر الصراع ( التقط الزمن أنفاسه ليواصل سرد القصة انتصب مزهوا وتساءل " كيف تراني أروي الأحداث ؟ " قلت " أنا من سمعها من شلومو الكردي نفسه " ــ أرأيت إذن كيف إني وحدي يمكنني سرد الأحداث بدقة وأمانة ؟ فتساءلت ــ أولاً لايوجد قيمة في نظرك لرأي بطل القصة المروية ورؤيته للأحداث ؟! بدرت عن الزمن إشارة موافقة أردفها بقوله ــ هذا صحيح فقلت ــ تعال إذن نتعاون في سرد الباقي من أحداث القصة 0 أنت وأنا وراويها الأول وبطلها شلومو الكردي ) ص98 ويخاطب الروائي الزمن فيقول ( ومن سيروي القصة ؟ انبرى الزمن سباقا ومباهيا " إني أنا الشاهد وأنا التاريخ وأنا الأحق بسرد الأحداث ؟! واعترض الراوي يقول : بل أنا أعرف منك بخبايا نفوس الناس ، وبصياغة الأحداث إني فنان ولست بموثق 0 " بل الفضل كله يرجع لي " قال شلومو الكردي فأنا بطل القصة ، قد عشتها بمشاعري ووجداني وأفكاري ، شاهدا وشريكا أروي الأحداث بأمانة فأنا ألحق بسرد الأحداث ) ص135 حتى يحتدم الحوار بينهم ويتفق الثلاثة ، / الروائي /الراوي /الزمن / في سرد الأحداث والوقائع كل من وجهة نظره والزاوية التي يرى من خلالها نتف من ضـوء الأحـداث المـريـرة في مراحل من التاريـخ ، وكلما توغلنا في متن الرواية ازداد الصراع بينهم ويتخلـل الكثيـر من الصفحات ذلـك الوصف الأخـاذ من الشعور بالغربة القسرية ، وهو الذي هُجّر ــ الروائي ــ من مسقط رأسه "بغداد" وهولايتجاوز الثالثة عشر عاما بداية الخمسينيات 0 ( بيت صغير في زقاق ضيق ، تهرب الشمس منه ويقطنه العطن والعفونة ، النسـيم يبتعـد عنه ، تتبجح هنا روائح المجــاري ونتن البلالـيـع ، زقــاق نســـاه الله وعباده ، وغمره أمثالنا من المهاجريـن المنبوذين ) ص15 ثم يصف لنا غربته المتفاقمة وهو على ظهر مركب يتجـه إلى بومباي بـين قـوم هـم خليط من أجناس فيصيب لسانه العي والخرس فيقول ( لو فتحت فمي فإن الأمور قد تتعقد ، ألكـن ومخنون وهجـيـن وكردي يهودي وفارسي وبغدادي ومسافر إلى الهند 0 أنا ! كل هذا أنا 0 أنا وحدي السـندبـاد في مطلع القرن العشرين 0 أفحقا إنقطع لساني وأصبح كل ماأعرف من لغات مجرد لعلعات قرد عجماء ) ص18 وهكذا تطرح غربة الراوي ــ الإنسـان ــ كغربة وجود شاملة تلاحقه في كل صقع تطأه قدمه ، وتعبر في مفاصل منها حدود كل الميتافيـزيقـيات التي يمكن تخيلهـا أوتخطيها ، فصفحة وراء صفحة ، وفصل يليه فصل حتى الصفحة الثلاثمائة والستون من الرواية ، تتقهقر الأحداث ويخفت صوت الإنسان لتبعث مكامن الشر الغافية فيه ، وهو يتجه صوب النزاعات العرقية والحروب ويتخذ من شريعة الغاب ، شراعه الوحيد ليبحر به صوب أطماعه وخياراته الدنيئة الجديدة 0 إن البعد الإنساني الذي ينطوي عليه الخط العام للرواية ، هو بالتأكيد روح الكاتب الكبيرة التي تنظر بحيادية تامة للعالم ، من خلال موشور معرفيتها وتجاربها المحض ، وتتخذ من روح التسامح والعطف على الآخر ديدنا في علاقاتها مع الآخر0 فهو لايتعامل مع الآخر في حدود النظرة الضيقة للمعتقد أو الجنس أو الانحياز لعرق ما أو طائفة ، بالرغم من التشويه والامتهان الذي يتعرض له الإنسان في محيط قارتنا على وجه التحديد 0 إن رواية " شلومو الكردي " تعد بحق وثيقة صادمة وصارخة ضد الحرب وما تسببه من ويلات وتأصيل لنوازع الشر ، والنزوع اللاأخلاقي الذي تتخذه الحكومات بما تمتلك من قدرات لتصادر ــ دون حق ــ جذر الإنسان وعلاقاته الاجتماعية ومحيطه الذي ولد فيه 0 فنقرأ بعض من حنين الراوي إلي مسقط رأسه ( قلبي يبكي على أكثر شيء في بغداد ، عملي الراسخ الثابت كسدرة تكلكل في بيتنا بالكرادة ، وما مكث ببغداد من أصحابي وإخواني ) ص65 0 ( قلبي كشتاء بغداد الكالح ، برودة ووحشة وخلاء ، وتراوده أحيانا رعشات الأمل المتألق مثل صرير عجلات "عربات الشلغم" وهي تدور على أرض الإسفلت المغسول بالامطارفي جوف الليل 0 لقد مخضو جود اللبن وألقوا بكتلة الزبد خارج الزق )0 هكذا بسطور قليلة تسّود ورقة ما من قبل المتآمرين في التاريخ لتمحى وتقتلع جذور الكائن الحبلى بملح الأرض ومائها لترمى " خارج الوطن " فأي حنين جارف إلى مسقط الرأس وأي صّور صادقة يعرضها الكاتب علينا ويتركنا مذهولين أمام صبر وجلد " شلومو الكردي " الشخصية المحورية التي تُنَحي القهر والحرب جانبا وتضيء صور الرحمة والحب ودفء الأسرة ؛ وعلائقها الاجتماعية مع الآخر بحبها الجارف ووجهات نظرها الفريدة إزاء مايمور في نفس الضحية والجلاد ، وما تمتلك من بعد نظر ثاقب واستشفاف لواقع الأحداث 0 ( الحزن كلمة صغيرة على الأحداث الجارية 0 وهذا الظلام لايبدو له آخر ، ورغم إيماني العميق ، أصبحت أتمنى الموت 0 لحظات الترويح الوحيدة هي ساعة جلوسي مع الأولاد ) ص280 بهذه الكلمات القليلة يلخص "شلومو" موقفه إزاء مايحدث في صبلاخ وما حل فيها من مذابح للمسلمين واليهود على أيدي جنود قيصر روسيا والأتراك ، ويرى رهان الدول العظمى على مدينة صنعت منها التضاريس موقعا في مفترق طرق ( صبلاخ " مهاباد " الجميلة المسالمة تغدو فجأة موقعا إستراتيجيا هاما لجيرانها المتخاصمين ! ) ص 140، ثم يسترجع الراوي فاجعة يهود بغداد مطلع حزيران عام1941م ( مر شهر والدنيا حبلى بالرعب ، يتقدم هتلر ، وبغداد وعيد " لن يبقى يهودي على وجه الأرض ! " ستذبحون كشياه تحت أقدام البطل المظفر هتلر ! يبتسم شلومو ويقول لزوجته أسمر ــ صبلاخ تتكرر في بغداد ؟ الانكليزي يرحل ويقول للنازي تفضل ؟ ! ) ص 45، فما أبغض الصور التي تتكرر عبر التاريخ وهي لاتحمل غير رائحة الدم التي تسوقها الأنظمة الشمولية وليس آخرها طاغية العراق وماجر على شعبه وشعوب المنطقة من ويلات ستظل آثارها عميقة في ضمير البشرية ( أرى النساء والرجال والشيوخ والأطفال يذبحون ذبح السوام وأرى البيوت تُنهب والدكاكين تُفرغ من سلعها والحرائر تُغتصب ، والدماء تسيل أنهاراً ، والرعاع يرقصون جذلين على جثث الضحايا ملوحين بالخناجر والسيوف المضرجة بالدماء ) ص49 0 هذا الاسترجاع من التاريخ كم أعاد نفسه ، الضحية نفسها والجلاد يبدل أقنعته فكم دارت دوائره علينا ولا تزال تضيق الخناق على الجنس البشرى بحلقاتها الصدئة المقيتة من طائفيات وأعراق ، لاتصب إلا في خدمة المنتفعين من أذناب الحكومات الرجعية المتخلفة والصهيونية العالمية 0 وكأن التاريخ يعيد نفسه بهذه الكلمات على لسان الراوي ( قطرات دم أولى سالت ، حارة لزجة قانية ، قرب "باب الشيخ" 0000 اذبح ! دمر ! انهب ! اسرق ! اغتصب العذراوات ) 0كم تكررت هذه الصورة المفزعة التي تغذيها أخلاقيات عصور ماقبل التاريخ وتنساق لها الأيدلوجيات ، وتنشطها العواطف الطائفية الغبية دون الرجوع والامتثال لما جاء به رب الأكوان في جل كتبه السماوية التي تحض على فعل الخير واعتبار الإنسان أخ الإنسان وقيمة عليا ، لايمكن المساس بقدسيته لأنه صنيعة الرب وظله على الأرض ، ولا تعطي أية مسوغات للتمثيل بصورته مهما كانت الذرائع والمنطلقات التي يعتمدها البعض ؛ لتمرير جرائمه تحت ظل أي قانون أوشريعة ما 0في الجولة الثالثة يصف لنا الراوي مرة والزمن أخرى في عدة صفحات مليئة بالتوتر والترقب مطحنة الحرب الدائرة خارج البيت بين العثمانيين والروس والألمان 0ليستأنف ( وحتى المعتدون بشر ، وحتى الظلم نزوة ، بل هو ضعف ، أو مرض مزمن في نفس بعض الأشخاص ) ص172يقول هذا ثم يعود ليقارن بين طلق زوجته الثانية أستير والطلقة التي تدوي خارج البيت 0 ( وفكرت " طلقة وطلقة" ، واحدة تسلب حياة من الوجود ، والأخرى تدفع بحياة وتهبها لهذا الوجود ، تضاد مسؤولة عنه اللغة 0000 كانت أستير تصرخ مع كل طلقة ، تصرخ مع طلقتها هي ومع طلقات المتحاربين 0 طلقة الألم ، وطلقة الهلع 0 وكانت خائفة على نفسها من كلا الطلقتين 0 كنت أعرف أنها ستلد في النهاية 0 ) ص174 و00 هكذا هي الحياة معادلة بين الموت والولادة ، ولكن أي حياة يحياها المرء مع العنف الذي يجري ويمسخ أجمل الوجوه 00!00و تحت ظل أي رهانات سياسية إقليمية ضيقة تنتزع الأرواح بكل صفاقة تحت منطلقات الثورة والتغيير وماشابه من تسميات ضاقت بها بطون المعاجم ، ألا يجدر بالحكومات العزيزة أن تلتفت قليلا إلى الوراء وتقلب صفحات التاريخ السوداء لكي تتعض 0 يقول شلومو( تخثرت أنفاسي في رئتي ، وأنا أتفحص وجوه الجثث الملقاة في الساحة 0 أكوام جثث ، أتفرس بوجوه المذبوحين 0 صبلاخيون بلا استثناء ، مسلمون من إخواني 0 وهذا فاضل ، رفيق الطفولة ، من بين القتلى ، هذا سعيد زاهدي ، التاجر المعروف كان رفيق دربي في آخر رحلاتي ، وهذا 00 وهذا 00 والنساء والأطفال ، عشرون 00 خمسون 00 ستون 00 بل نحو مائة من أهل صبلاخ ) ص180صور القتل تتكرر تحت ذات الذرائع ( حكاية ، أنا والأزمان نشهدها ولكن صانعها الإنسان ، بحمقه وبقسوته اللامتناهية 0 لذا فبسمة السخرية والتهكم لاتترك شدقي ، وهي تبتلع الكون المشغول بحروبه ونزاعاته ورغباته الموسومة كلها بالسخف ، وهو مع ذلك يحيلها قدرا منتفخا بمآسي العالم 0 حكاية أبداً لاتنفد لأن دروسها رغم وخامة عواقبها لايتعلمها أحد 0 ) ص231 ، أجل ولن يتخذها أحد عبرة فالدائرة تدور أسرع الآن بعد أن تطورت الوسائل الحديثة لقمع الشعوب ومصادرة أرواح الضحايا بأسهل الطرق ولأوهى الذرائع 0 يهود 00 مسلمون 00 نصرانيون 00وثنيون ، لايهم من تدور عليه العجلة فالمصالح فوق كل شيء 0 يقول حسن جاقماق المسلم الذي كان يمقت العثمانيين الأتراك وكان يرى خلاصه وأبناء جلدته مع الجيش البلشفي ضد القياصرة الروس وهو أحد شخوص الرواية المهمين (( أنا لاأعطي الحق للروس في مذبحتهم البشعة ، إذ مازال فيهم أعوان للقيصر الفاسد شبه المهزوم 0000 يارفاقي ! ضمير العالم يؤرقني ، منذ هذه اللحظة أحتشد سهاد الدنيا في عيني 0 لاريب عندي ، وما شككت لحظة ، في إنكم تشاطرونني الألم مما يحدث 0 في قاموسنا تنصهر المِلل والشعوب والطبقات والأديان إلى كلمة " الرفيق " وكلها تغدو كتلة بشرية واحدة متراصة 0 لكنهم مازالوا يكحلون عيونهم بألوان غيارات عفى عليها الزمن ، العسلي ، والأحمر ، والأخضر 00 من قبل جاء أناس وقسموا البشرية إلى شيع وأحزاب وطوائف سنعود نحن ونوحدها 0 يارفاقي ، لافرق بين يهودي ونصراني ومسلم 0 إننا نؤمن بالإنسان ، فأجيروا إخوتكم في الإنسانية 0 احموهم من سيف العثمانيين والألمان المسلول 0 ويا مِلل العالم اتحدوا ! )) ويشاطره شلومو الكردي فيما ذهب إليه نتيجة للأحداث المتسارعة برعبها وبحثهم عن مخلّص0 فيقول ( كان هذا ، ماينادي به أيضا شلومو كتاني 0 ولم يكن قد قرأ تعاليم ماركس ولينين ولاحتى تروتسكي 0 ولم يتقيد بعقيدة أو مذهب غير الإنسانية 0 فالإنسانية أم العقائد والمذاهب جمعاء 0 ) ص235 ويستمر القتل ويتفاقم الصراع حتى إن الأحياء ينبشون قبور موتاهم ليسدوا جوعهم فتذبح الأم ولدها الوحيد الذي ينازع الموت جوعا لتسد رمقها 0 وتتصاعد الأحداث بوتيرة مرعبة ويتحول الناس إلى غيلان وسعالي يأكل بعضهم البعض فيما يظل شلومو رابط الجأش ثابت الجنان بعد ان نفد آخر مالديه من طعام 0 يقول شلومو لزوجته الأولى أسمر بعد أن تُقتل زوجته الصغيرة الثانية أستير مع ولديها في الحرب الدائرة يقول بعد أن نفد كل شيء ( لقد أوصانا ربنا بإقراء الضيف وإغاثة الجائع ، وما نفعله شيمة من شيم الإنسان وطوبى لمن أنقذ نفساً ، وألف طوبى لمن أنقذ كل مايستطيع من أنفس !) ص337 0 يقول شلوموكتاني( من هذا القلب اللاهث الواهن أرحب بك ! هذا القلب ، نصبٌ ، جَلِدٌ ، صامدٌ ، مستودع التاريخ تاريخي وبعض تاريخ البشرية ، ودليل صادق على عته الإنسان وبطلان الأشياء " باطل الأباطيل " قال جامعة الحكمة 0 شلومو الملك " الكل باطل " من بعده رددها كثيرون ويرددها " شلومو الكردي " وغدا سأعيد هذه الروح لباريها ، من بعد أن يعطس هذا الجسم المتعب آخر عطسة ثم يخمد ، يهمد من ثم الفكر ، تصمت الذكرى 0 يخرس التاريخ 0 مئة عام ويزيد مجبولة في هذا الجسم الأعجف ، ستوارى تراب الأرض والنسيان 0 وسيلتهم الدود أحداثا جسيمة وصفات إنسانية وميزات وعيوباً ، وسترحل روحي مع عقلي بعيدا ، وسأروي الأحداث لمن خلق الأحداث ، لو كتب عليّ أن ألقاه ، وسأرويها لملائكته ولأهل الجنة أوأهل النار وقد ألقي هناك أصحاباً اغتالتهم يد الهمجية وجنون الإنسان ،0000 فلا يبقى فيها غير من صنع ذاكرة التاريخ في سالف العصور ، يوسف وشلومو وفرعون وهامان وعلماء وفنانون ومن أبدع أشياء تركت بصماتها على لحم الدنيا ، فتحدت أغبرة الأيام ونسيج عناكب منسوج على الوقت المتراكم البائد 0 ) وهاأنتذا ترويها لنا مع شاهدك الزمن بلسان فصيح ، تمتزج فيه المرارة بالحنين والسخرية بالألم 0 رحلت روحك غير أنها باقية هناك ، تحلق في سماء بغداد مسقط رأسك ومرتع طفولتك وقد قتلك الحنين إليها وهي التي لازالت مؤرقة ، عين على الجلاد وأخرى على الضحية 0 أما روحك فهي تحلق فيها كما حلقت في غربة بومباي وطهران ولندن التي وفرت لك شقة دافئة تقيك زمهرير بردها ، وهي هنا ترفرف بين السطور التي كتبتها بحب جارف للإنسان ونزوع أكبر نحو المطلق 0 فهاأنتذا تنقش بصمتك يانقاش على "لحم الدنيا " بعد أن سلبت منك الغربة الكثير وأعطتك القليل من حطام الدنيا 0 أجل كل شيء غدا نهبا ولكن00؟ ألم تقل أنت ألا بقاء ولاخلود إلا لمن صنع ذاكرة التاريخ ، وقد ختمت اسمك بالشمع الأحمر على ذاكرة الأجيال 0 البقاء لك ولروحك الكبيرة التي ذابت وتوزعت شظايا في روح شلومو الكردي ، وشريكه ميرعلي وحسن بوزورك ، وبنت الصائغ ألماس ، وفاطمة وناحوم وأسمر والخادمة قشنك هؤلاء وآخرون ، هم الضحايا الذين أوخذوا غفلة بجريمة جلاديهم 0
#ناصرقوطي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تونس: هجوم بسكين على عنصر أمن نفذه شقيق مشتبه به في قضايا إر
...
-
مقتل عنصري أمن في اشتباكات بحمص بين إدارة العمليات العسكرية
...
-
نتنياهو يضع عقبة جديدة أمام التوصل لصفقة تبادل للأسرى
-
زلزال عنيف يضرب جزيرة هونشو اليابانية
-
موزمبيق.. هروب آلاف السجناء وسط أعمال عنف
-
الحوثيون يصدرون بيانا عن الغارات الإسرائيلية: -لن تمر دون عق
...
-
البيت الأبيض يتألق باحتفالات عيد الميلاد لعام 2024
-
مصرع 6 أشخاص من عائلة مصرية في حريق شب بمنزلهم في الجيزة
-
المغرب.. إتلاف أكثر من 4 أطنان من المخدرات بمدينة سطات (صور)
...
-
ماسك يقرع مجددا جرس الإنذار عن احتمال إفلاس الولايات المتحدة
...
المزيد.....
-
-فجر الفلسفة اليونانية قبل سقراط- استعراض نقدي للمقدمة-2
/ نايف سلوم
-
فلسفة البراكسيس عند أنطونيو غرامشي في مواجهة الاختزالية والا
...
/ زهير الخويلدي
-
الكونية والعدالة وسياسة الهوية
/ زهير الخويلدي
-
فصل من كتاب حرية التعبير...
/ عبدالرزاق دحنون
-
الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية
...
/ محمود الصباغ
-
تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد
/ غازي الصوراني
-
قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل
/ كاظم حبيب
-
قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن
/ محمد الأزرقي
-
آليات توجيه الرأي العام
/ زهير الخويلدي
-
قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج
...
/ محمد الأزرقي
المزيد.....
|