أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - محمد الحنفي - مكبرات الصوت في شهر رمضان، و تكريس إزعاج راحة المواطنين ..... !!!.....؟















المزيد.....



مكبرات الصوت في شهر رمضان، و تكريس إزعاج راحة المواطنين ..... !!!.....؟


محمد الحنفي

الحوار المتمدن-العدد: 1693 - 2006 / 10 / 4 - 09:35
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


(شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان)

قرءان كريم
(من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له من ذنبه ما تقدم وما تأخر.)
حديث شريف
تقديم :
قد يتساءل متسائل:
و لماذا موضوع " مكبرات الصوت في شهر رمضان، و تكريس إزعاج راحة المواطنين" ؟
و في هذا الوقت بالضبط ؟
و بعيدا عن شهر رمضان ؟
فنجيبه بأننا لو طرحنا هذه المشكلة في حينه، لفهم منها أننا نسيء إلى وجدان الناس، و معتقداتهم، و إيمانهم. لأن الناس يقعون في شهر رمضان، و بسبب العادات، و التقاليد، و الأعراف، و بحكم إخلاصهم في اعتقادهم بالدين الإسلامي، تحت تأثير الأسر النفسي، و الوجداني، و الفكري، الذي يترتب عنه الأسر الجسدي، فلا يمارسون العقيدة بحكم العقيدة نفسها، بل بحكم الضغوطات النفسية، و الفكرية، و الوجدانية، التي يمارسها مؤدلجو الدين الإسلامي، الذين يتجندون في المناسبات الدينية، من أجل إيهام المسلمين المومنين بأنهم هم الذين يملكون مفاتيح الجنة، و هم الذين يتوسطون بين الله، و عباده، و هم الذين ينظمون عملية المرور من الحياة الدنيا، إلى يوم القيامة، و أنهم هم الذين يقدمون أفواج المخلصين إلى جنة الخلد، و يدفعون بأفواج العصاة إلى محرقة جهنم، حيث يقضون محترقين، فينساق الناس لجهلهم بحقيقة الدين وراء ذلك، و ينسون أن آخر من يقوم بالوساطة بين الله و بين عباده هو محمد بن عبد الله، و أن مهمته تلك، انتهت و هو لازال على قيد الحياة، عندما نزل قوله تعالى : "اليوم أكملت لكم دينكم و أتممت عليكم نعمتي و رضيت لكم الإسلام دينا"، لتتوقف و منذ ذلك الحين الواسطة بين الله، و بين البشر، و لتصير العلاقة بالله مباشرة، و دون واسطة. و هو ما يعني أن الدين الإسلامي هو دين الحرية، و ليس دين الأسر.

و الحرية تتحقق، أولا، و قبل كل شيء، في إلغاء كل أشكال الوساطة، التي يمكن أن تقوم بين المومنين بالدين الإسلامي، و بين الله، حتى تزول كل أشكال الرهبانية، التي أساءت كثيرا إلى الديانات السابقة على الدين الإسلامي، و التي قام الدين الإسلامي على أساس نقدها، و نقضها، في نفس الوقت، لإلغاء كل مظاهر الشرك بالله، التي تقيد حرية الإنسان في علاقته بالله، و تفرض الوصاية على الدين، أي دين، بما فيه الدين الإسلامي.

و الآن، و قد ابتعدنا عن شهر رمضان الذي يستغله مؤدلجو الدين الإسلامي، استغلالا بشعا، و متخلفا، يمكننا أن نتساءل :

لماذا هذا الاحتفاء المبالغ فيه بهذا الشهر ؟

هل شهر رمضان هو وسيلة للعباد فقط ؟

أم أنه هو المعبود ؟

هل عبادة شهر رمضان من صميم الدين الإسلامي ؟

أم أنها لا علاقة لها به ؟

ألا يعتبر الاحتفاء بشهر رمضان شركا بالله ؟

أليس شهر رمضان كسائر الأيام لا يتميز عنها إلا بكونه شهرا للصيام ؟

ألا يفقد الناس حريتهم في هذا الشهر بسبب ما يمارسه مؤدلجو الدين الإسلامي ؟


ألا يمكن اعتبار شهر رمضان مناسبة لتربية الناس، و إعدادهم للقبول إما بالاستبداد القائم ؟

أو الاستعداد للقبول بالاستبداد البديل ؟

ألا يمكن اعتبار شهر رمضان، و كل المناسبات الدينية، مناسبة لتضليل الناس، و صرفهم عن التفكير في واقعهم الاقتصادي، و الاجتماعي، و الثقافي، و المدني، و السياسي، الذي تتجند فيه البورجوازية التابعة، و الإقطاع المتخلف، لجني المزيد من الأرباح، في كل مناسبة دينية على حدة، و خاصة في شهر رمضان، الذي يسبقه الاستعداد، و يتخلله المزيد من الاستهلاك المضاعف، و يختم بالاستعداد لعيد الفطر؟

و في خضم كل مارأينا، يتم الانصراف، و بصفة نهائية، عن الواقع الذي تستبد به البورجوازية، و الاقطاع المتخلف. الامر الذي يدعونا إلى القول: بأن شهر رمضان هو مناسبة لتعميق الاستلاب، الذي لا تستفيد منه، في نهاية المطاف، إلا الجهات المستفيدة من الاستغلال.

و كنتيجة لهذه الرؤيا المتفحصة، نجد :

1) أن الطبقة الحاكمة تسعى إلى استغلال شهر رمضان، و كل المناسبات الدينية، لفرض الاستبداد، و العمل على تأبيده، و فرض إعطائه الشرعية الدينية، حتى يعتبره الناس قدرا من عند الله، و حتى يكون ذلك القدر ملتصقا بمسلكية المسلمين، الذين يربطون، بطريقة تلقائية، بين الخضوع لله، و الانسياق وراء الطبقة الحاكمة، و اعتبار ذلك الانسياق، جزء أساسيا، من الخضوع إلى الله، و هو ما يمكن اعتباره في صلب الشرك الله، لأنه يتنافى مع سعي الدين الإسلامي إلى إلغاء الواسطة بين الله، و عباده من جهة، و يجسدون رهبنة الطبقة الحاكمة من جهة أخرى.

وهذا التجسيد هو ما يمكن أن يعتبر مبررا للإكثار من مكبرات الصوت، لجعل تلك الرهبنة منسحبة على المجتمع ككل. و لا يهم إن كانت تلك المكبرات تقلق راحة الناس في بيوتهم، و في متاجرهم، و في مشاغلهم أم لا.

2) أن مؤدلجي الدين الإسلامي يتجندون، و بكافة الوسائل الجهنمية، التي لا ندري من أين لهم بها؟ إما باستغلال المساجد القائمة، أو إقامة مساجد موازية، لاستغلال شهر رمضان، لتسييد أدلجة الدين الإسلامي، التي ليست إلا تحريفا لهذا الدين، و من أجل تربية المسلمين على قبول الاستبداد البديل، الذي يمكن اعتباره أخطر على مستقبل المسلمين من الاستبداد القائم، مما يجعلهم يتمكنون من عملية تجييش الأتباع، و الشروع في عملية تجييش المجتمع ككل. و هو ما يمكن اعتباره أيضا مبررا للتكثيف من استعمال مكبرات الصوت، التي أبطلت عمليا الحاجة إلى وجود الصوامع، التي كانت منبعا للآذان، بحلول أوقات الصلاة، و ليس لشيء آخر، حتى يترسخ في وجدان الناس أن استعمال تلك المكبرات جزء من الدين الإسلامي.

و قديما قالوا: "الغاية تبرر الوسيلة". فإذا كانت الغاية تربية الناس على القبول بالاستبداد القائم، أو القبول بالاستبداد البديل، فإن استعمال مكبرات الصوت في شهر رمضان، و بتلك الكثافة التي تزعج راحة المواطنين، هو عينه الاستبداد القائم، أو البديل. لأنه لا علاقة له بحقيقة الدين من جهة، و لا يعكس الحرية التي جاء الدين الإسلامي لإشاعتها بين الناس من جهة ثانية، و يتعارض تعارضا مطلقا مع ادعاء الطبقة الحاكمة حرصها على الممارسة الديمقراطية.

فهل يعيد المسؤولون النظر في السماح بممارسة توظيف مكبرات الصوت في شهر رمضان المبارك؟


و هل يضعون حدا لاستغلال المناسبات الدينية لإشاعة تحريف حقيقة الدين ؟

الحاجة إلى الفهم الصحيح للدين الإسلامي :

و ما يقع في شهر رمضان، و في غيره من المناسبات الدينية، ناتج عن الفهم غير الصحيح للدين الإسلامي من قبل العامة، و عن أدلجة هذا الدين من قبل الخاصة، الذين سماهم إميل حبيبي، في روايته المشهورة، ب"فقهاء الظلام"، لأنهم يعطون تأويلا للنص الديني، و لغيره من النصوص الموروثة، يتناسب مع رغبتهم في إغراق الناس في خضم الضلال، و جعلهم يعتقدون: أن ذلك الضلال، هو عينه الدين الإسلامي، مما يجعل المجتمع يستغرق في التخلف الاقتصادي، و الاجتماعي، و الثقافي، الذي يرجعنا على مستوى النظرية، و على مستوى الممارسة اليومية، إلى العصور الوسطى.

و مما يدل على أن فهم الناس للدين الإسلامي غير صحيح. نجد :

1) سيادة عبادة شهر رمضان، عن طريق الاحتفاء به، و تحويل الزمن إلى مقدس، و استحضار ذلك المقدس في الممارسة اليومية، آناء الليل و أطراف النهار.

و معلوم أنه عندما يحضر مقدس على جانب الله تعالى، يحضر الشرك، لتنتفي بذلك الوحدانية، وحدانية الله، و وحدانية عبادته، التي هي المنطلق لتحرير الإنسان من التبعية لغير الله، و أساس وجود الدين الإسلامي، منذ عهد إبراهيم، و مرورا بمختلف الأنبياء، و الرسل، من بعده، إلى أن جاء محمد بن عبد الله كآخر الأنبياء، و الرسل.

فتقديس شهر رمضان إذن، هو تقديس لا يكرس إلا الشرك بالله، و هو أمر غير مقبول. و المطلوب ليس هو تقديس شهر رمضان، بل هو إخلاص العبادة لله، التي تقتضي أن نستحضر أهمية الصوم، الذي يعني الامتناع عن شهوتي البطن، و الفرج، و يعني إعادة النظر في الممارسة اليومية، في العلاقة فيما بين الناس، حتى يتخلصوا جميعا، بمناسبة شهر رمضان، من المسلكيات التي تسيء إلى كرامة الإنسان. و من إعادة النظر تلك تحضر أهمية شهر رمضان، و أهمية جميع المناسبات الدينية، و أهمية كل الشعائر الدينية، التي ليس الصيام في شهر رمضان إلا أحدها، و إلا فإن شهر رمضان كسائر الأيام، لا يعقل، و لا يمكن أن يعقل أبدا: أن يصير معبودا من دون الله. و ما دام الأمر كذلك، فهو لا يكتسب خصوصيته إلا بصيامه. أما الإنسان الذي يعقل فهو الذي يتنازل عن استخدام عقله، و الانسياق وراء الجهات، التي من مصلحتها استغلال المناسبات الدينية، لخدمة مصلحتها الطبقية.

و انطلاقا من ذلك التنازل، فإن الدين لا يكون لله، كما جاء في القرءان الكريم " و أن المساجد لله، فلا تدعو مع الله أحدا"، الذي يقتضي أن لا يكون التقديس على أساس ديني إلا لله، و أن تقديس شهر رمضان، أو تقديس المسجد، أو الإمام، أو المحدث، أو الواعظ، أو الناصح، ليس إلا شركا بالله، لا يغفره الله كما جاء في القرءان الكريم: " إن الله لا يغفر أن يشرك به،، و يغفر ما دون ذلك لمن يشاء ". و هذا القول صريح و واضح، و لا يحتاج إلى بذل مجهود كبير للوصول إلى إدراك كنهه، من أجل أن ندرك حقيقة وحدانية الله التي اختلطت، في الممارسة اليومية، بتعدد المقدس/ المعبود من غير الله.

2) تقديس العادات، و التقاليد، و الأعراف، المرتبطة بإحياء شهر رمضان، و التي ترتبط بهذا الشهر، كمعتقدات، لا علاقة لها بالدين الإسلامي، بقدر ما لها علاقة بالموروث الفكري، و الإيديولوجي، الذي ينتمي إلى العصور القديمة.

و تلك العادات، و التقاليد، و الأعراف، لا يمكن أن تكون كذلك، و لا يمكن استحضارها، لولا الاعتقاد بتقديسها، الذي يستلزم استحضار جملة من الحاجات التي تكلف الأسر المزيد من المصاريف، التي لا تستفيد منها إلا الطبقات التي تستغل المناسبات الدينية، للزيادة في أرباحها، و لكنس جيوب المواطنين، الذين يعتقدون: أن استهلاك مستلزمات العادات، و التقاليد، و الأعراف، يفتح أبواب الجنة، و يقرب من الله.

و الواقع: أن ما يحصل، بسبب ذلك، ليس إلا شركا بالله، الذي لا يمكن أبدا أن ننسب إليه ما يتنافى مع وحدانيته.

و لذلك نرى أنه من اللازم الوعي بعدم تناسب تقديس العادات، و التقاليد، و الأعراف، المرتبطة بصيام شهر رمضان بحقيقة الدين الإسلامي، كما يحصل في العديد من بلدان المسلمين، التي يختل فيها فهم العقيدة، لصالح سيادة الشرك بالله، في المعتقدات المتداولة، و في الممارسات المكرسة لتلك المعتقدات، و الناجمة عن انتشار الأمية، و الفقر، والجهل، و المرض، و عدم القدرة على إعمال العقل، فيما يمارس يوميا، و في كل المناسبات الدينية، و في المزج بين الدين، و الدولة، في الممارسة اليومية للحاكمين، و في ممارسة مؤدلجي الدين، الذين يسعون إلى إقامة الدولة الدينية.

و معلوم أن ما يقوم به مؤدلجو الدين الإسلامي، بمناسبة شهر رمضان بالخصوص، لا يمكن أبدا أن يكون خالصا لوجه الله، و لا يسعى إلى تكريس وحدانية الله، بقدر ما هو استغلال لهذه المناسبة، لإيصال خطابهم الإيديولوجي، و السياسي، لسائر المتعبدين، و إيهامهم بأن حل المشاكل القائمة، في الواقع، سيكون على أيديهم، بالعمل على إقامة "الدولة الإسلامية"، كفكرة مقدسة، تنضاف إلى المقدسات الأخرى، لتتعدد، بذلك، أوجه الشرك بالله، و لتتوافر، بذلك، مبررات قيام الرهبانية في الدين الإسلامي، الذي يتحول، على يد مؤدلجيه، إلى مجرد مقولات مبتذلة، يروج لها متثاقفوهم "الإسلاميون"، و تبعهم من المجيشين. و هو ما يمكن اعتباره إساءة للإسلام، و إساءة للمسلمين في نفس الوقت.

3) تقديس المساجد كأمكنة للصلاة. و هذا التقديس يزداد و يتكثف في شهر رمضان، فكأن تلك المساجد تمتلئ بغير البشر، و كأنها محطات يمكن أن ننتقل منها إلى الملكوت الأعلى، لتتوفر لها، بذلك، خاصية التوسط بين الدنيا، و الآخر، و الذي نعرفه: أن المسجد هو مكان مجتزأ، تتم العناية بطهارته، لأداء الصلوات الخمس، و بشكل جماعي، و في شروط أفضل، بعد سماع الأذان، لينسحب المصلون، بعد ذلك، إلى شؤونهم الحياتية. و هذا هو ما يجب أن يحصل، حتى في صلاة الجمعة الأسبوعية، التي يتم التأكيد فيها على الحضور إلى المسجد، كما جاء في القرءان الكريم: " يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة، فاسعوا إلى ذكر الله، و ذروا البيع ... فإذا قضيت الصلاة فانتشوا في الأرض و ابتغوا من فضل الله ...". و ما نعرفه أيضا أنه لا تشد الرحال إلا لثلاثة مساجد، المسجد الحرام، و مسجد الرسول، و المسجد الأقصى، كما جاء في الحديث، لا لأنها مقدسة، بل لأنها كانت في مرحلة تاريخية معينة، و لازالت، تلعب دورا أساسيا، و مركزيا، في توحيد عبادة الله، و تكريس وحدانية قداسته، و ما يوجد من غيرها، من مساجد، في جميع أرجاء الأرض، هي مجرد أماكن، تتم المحافظة على طهارتها، باعتبار الطهارة شرطا لأداء الصلوات الخمس.

و ما نراه من تقديس للمساجد، و احتفاء بها، مقابل الاستهانة بالإنسان، و احتقاره، يتنافى مع الغاية من العبادات كلها، بما فيها الصلاة. وتلك الغاية: هي تكريم الإنسان: " و لقد كرمنا بني آدم" كما جاء في سورة الإسراء.

ولذلك نجد أن ما نراه من احتفاء بالمساجد إلى درجة القداسة، ينقلها من أماكن للعبادة، إلى أماكن معبودة. و هو ما يؤدي إلى جعلها شريكا لله في العبادة، و هو أمر يتنافى مع حقيقة الدين الإسلامي، و مع وحدانية عبادة الله.

و هذا التقديس المفتعل للمساجد، هو الذي تستغله الطبقة الحاكمة من جهة، و يستغله مؤدلجو الدين الإسلامي للإجهاز على جعل الدين الإسلامي يتناقض مع كونه وسيلة لتحقيق كرامة الإنسان، و السعي إلى تحقيق استلاب هذا الإنسان، عن طريق الترويج للتأويلات المغرضة، التي يروج لها مؤدلجو الدين الإسلامي، المؤيدون للاستبداد القائم، أو العاملون على قيام استبداد بديل، لجعل الناس ينسحبون من التفكير في الواقع، ويستغرقون في التفكير في أمور أخرى، لا تخدم إلا مصالح الطبقة الحاكمة، أو مصالح مؤدلجي الدين الإسلامي. و هو ما يعني أن تقديس المساجد هو جزء لا يتجزأ من ادلجة الدين الإسلامي، التي تأسر الدين الإسلامي، و المؤسسات الدينية، في نفس الوقت.

و لذلك فانعتاق الدين الإسلامي من الأسر، و انعتاق المساجد، تبعا لذلك، يقتضي التعامل معها كأماكن تتم المحافظة على طهارتها، لأداء الصلوات الخمس، و يتم تجريم كل من يستغلها لتحريف حقيقة الدين الإسلامي.

و إذا كان هناك من استغلال للمساجد، فإن هذا الاستغلال يجب أن يتم في المسائل الاجتماعية، عن طريق تحويلها في أوقات معينة، إلى مدارس لتعليم الأطفال، و اليافعين، انطلاقا من البرامج الدراسية المقررة، حتى يتم قطع الطريق أمام مؤدلجي الدين، لأن أمور الدين مطروحة، حتى في تلك البرامج، التي تستهدف الأطفال، و اليافعين، و الطلبة، في المدارس، و الجامعات.

4) تحويل الشعائر الدينية، نفسها، إلى عمل مقدس، كتقديس الصلاة، و تقديس الصيام، و تقديس الحج –كشعائر- يؤديها الناس لتصير تعبيرا عن انتمائهم إلى الدين الإسلامي، و الذي نعرفه أن الشعائر هي مجرد عبادات، يقوم بها الناس، بطريقة معينة، منصوص عليها في كتب العبادات، المعبرة عن الانتماء إلى الدين الإسلامي، ووسيلة لتربية النفس البشرية، على الذوبان في الجماعة، و السعي إلى الفناء في الآخر، إضعافا للفردية المتضخمة، بالإضافة إلى التشبع بالقيم المؤدية إلى ذلك.

فالشعائر ليست هدفا، حتى يتم تقديسها، بقدر ما هي وسيلة لتأكيد وحدانية الله، التي تؤدي إلى التحرر من التبعية لغير الله. و هو التحرر الذي يسعى الدين الإسلامي إلى تحققه على أرض الواقع، حتى تتخلص البشرية من مجتمع القطيع، و بناء مجتمع الإنسان، الذي يفترض فيه أن يكون جميع أفراده متمتعين بحقوقهم الاقتصادية، و الاجتماعية، و الثقافية، و المدنية، و السياسية، حتى تتاح لهم الفرصة من أجل تحقيق كرامة الإنسان، عن طريق تطوره، و تطويره، بما يتناسب مع متطلبات العصر، و من أجل التأكيد على صلاحية الدين الإسلامي في كل زمان ومكان، باستيعاب القيم الجديدة، و المتطورة، و الهادفة إلى تحقيق الحرية، و الديمقراطية، و العدالة الاجتماعية، باعتبارها الأرضية التي تتحقق عليها كرامة الإنسان.

أما الشعائر الدينية، فيجب أن لا تتحول إلى مجرد طقوس تؤدى في مناسبات معينة، و في أماكن معينة، و يتحول أداؤها إلى هدف في حد ذاته، مما رفعها إلى درجة القداسة، التي تتنافى مع وحدانية، و قداسة الله تعالى، و مع استحضار أهمية الإنسان المستهدف بتحقيق الكرامة، كما جاء في العديد من النصوص الدينية.

و هذه الممارسات، مجتمعة، التي يتجند جيش مؤدلجي الدين الإسلامي، و عبر الإذاعة، و التليفزيون، و مختلف المطبوعات المروجة، و من أعلى منابر المساجد، لا يمكن أن تكون إلا تحريفا للدين الإسلامي، الذي يصير فيه المقدس متعددا، و يصير فيه السعي إلى تحقيق كرامة الإنسان، متغيبا من الممارسة الدينية، بدعوى أن ما ورد في القرءان: " و ما خلقت الجن و الإنس إلا ليعبدون"، كدليل على ما يسعى إلى تحقيقه مؤدلجو الدين الإسلامي. فكأن الله خلق العباد من الإنس، بالخصوص، ليصيروا قطعانا، لا رأي لهم فيما يجري في الحياة، و لا كرامة لهم. و هو ما يتناقض تناقضا مطلقا مع عدالة الله في الأرض، التي تقتضي تحقيق كرامة الإنسان. لأن العلاقة بين العبادة، و تحقيق كرامة الإنسان، قائمة في حقيقة الدين الإسلامي. و الفصل بينهما –لحاجة في نفس يعقوب- هو عين تحريف الدين الإسلامي، حتى لا يفكر الناس في واقعهم المليء بالمتناقضات، و بالكوارث الاقتصادية، و الاجتماعية، و الثقافية، و المدنية، و السياسية، التي لا يستفيد من انتشارها إلا الطبقة الحاكمة، و مؤدلجو الدين الإسلامي الذين يعملون ليل-نهار، على تحريف الدين الإسلامي، و على تكريس ذلك التحريف، حتى يعتقد الناس أنه هو الدين عينه.

الإيمان في قلوب المومنين و ليس في مكبرات أصوات المآذن و السطوح :

و كنتيجة لما تناولناه في الفقرات السابقة، نجد أنفسنا مضطرين إلى التساؤل عن الإيمان :


هل يوجد في مكبرات الصوت، المعتمدة بكثافة، في شهر رمضان ؟

هل يوجد في أعلى المآذن، و فوق السطوح، حيث توضع، أو تعلق مكبرات الصوت ؟

هل يوجد في المساجد فقط ؟

أم في خارجها أيضا ؟

هل يتغيب الإيمان طيلة السنة، و لا يحضر إلا في شهر رمضان ؟

هل يحضر في كل أوقات رمضان ؟

أم في الأوقات التي يحضر فيها الناس إلى المساجد فقط ؟

ألا يحضر الإيمان في اللحظات التي تستعمل فيها مكبرات الصوت ؟


إن الذي نعرفه أن الرسول، عندما عرف الإيمان، اعتبره ما وقر في القلب، و استقر فيه، و طيلة حياة الإنسان، و سواء اعتكف في بيته، أو في المسجد، أو في مكان آخر بعيدا عن الناس، أو في وسطهم، آناء الليل، و أطراف النهار.

و إيمان من هذا النوع، هو عمق حقيقة الإسلام، الذي عرفه الرسول، من خلال تعريف المسلم، عندما اعتبره من سلم الناس من لسانه، و يده.

و انطلاقا من هذا التصور، فإن الإيمان يخص المسلم، كفرد، في علاقته بالله، الذي يستحضره في قلبه، و في جميع لحظات العيش، التي يقضيها في الحياة، و لا شأن لذلك الاستحضار بأي كان.

ذلك الإيمان، الذي يترجم إلى معاملة تسمى بالإسلام، الذي يقتضي احترام المسلمين جميعا، و احترام جميع الناس، أنى كان لونهم، أو جنسهم، أو لغتهم، أو دينهم. لأنه في الإسلام "لا إكراه في الدين"، و في الإسلام "لا فرق بين عربي، و عجمي، و لا بين أبيض، و أسود إلا بالتقوى"، و في الإسلام "الدين المعاملة"، و في الإسلام "الدين النصيحة".

و على أساس الفهم الصحيح للأيمان، و الإسلام، كما هما في النصوص الدينية، لا كما يفهمها فقهاء الظلام، و متفيقهوه، من مؤدلجي الدين الإسلامي، لصالح من يسعى إلى إقامة استبداد بديل، نستطيع القول :

1) بأن الإيمان لا يحضر في شهر رمضان فقط. لأن ذلك معناه انتقال القداسة إلى شهر رمضان، الذي يتحول إلى معبود إلى جانب الله تعالى، و هو عمل لا يتجسد فيه إلا الشرك بالذات الإلهية. و هو ما لا علاقة له بحقيقة الدين الإسلامي، كما يتجسد ذلك من خلال الاحتفاء بهذا الشهر، احتفاء مبالغا فيه، على جميع المستويات الاقتصادية، و الاجتماعية، و الثقافية، و المدنية، و السياسية، و من وجهة نظر فقهاء الظلام، و متفيقهيه الذين يرتكبون جرائم ضد الإنسانية، بتغييب الناس، في مختلف المناسبات الدينية، عن الواقع الاقتصادي، و الاجتماعي، و الثقافي، و السياسي، الذي يزخر بالكثير من المشاكل، التي يستعصى حلها في إطار السياسة اللاشعبية، و اللاديمقراطية المتبعة. و ذلك التغييب، لا يخدم في العمق، إلا من يكرس الاستبداد القائم، أو من يسعى إلى فرض استبداد بديل، عن طريق استغلال مختلف المناسبات الدينية، و في مقدمتها مناسبة شهر رمضان، الذي لا يختلف عن الشهور الأخرى إلا في كونه مخصصا لعبادة الصيام ليس إلا.

و لذلك فالإيمان لا يحضر في شهر رمضان فقط، بقدر ما يحضر في سائر الشهور ، و على مدار عمر الإنسان المومن بالله، إلى أن يتوفاه الله.

و هذه المبالغة، في الاحتفاء بشهر رمضان، لا علاقة لها بحقيقة الإيمان، و هي لا تدخل إلا في إطار الادعاء. و الادعاء لا ثواب له عند الله، كما جاء في القرءان " و الذين ينفقون أموالهم رئاء الناس، و لا يومنون بالله و اليوم الآخر، كمثل صفوان عليه تراب فأصابه وابل فتركه صلدا، لا يقدرون على شيء مما كسبوا".

2) بأن الإيمان لا يحضر في المساجد فقط، بل يتعداه إلى ملازمة الإنسان في كل مكان يحل به، في حله، و ترحاله، و في كل لحظات عمره، في صلاته، و صيامه، و حجه إن استطاع إليه سبيلا، وفي زكاته إن توفر لديه النصاب، أي أنه قائم في قلب المومن، لا يفارقه، كما قال الرسول: "الإيمان ما وقر في القلب".

أما المساجد، فيحضر إليها المومنون، لأداء صلواتهم الخمس. و كل ما في الأمر أن المومن عندما يؤدي، أو يقضي شعيرة الصلاة، فإنه يستحضر عظمة الله، لا عظمة المسجد، مهما كان مزخرفا، و محنطا بالمظاهر التي يراها معدوها وسيلة لجعل الإنسان يتأمل في هذا الكون، في الوقت الذي تعتبر فيه تلك المظاهر من صناعة البشر ليس إلا.

و لذلك، فلابد من إعادة النظر في التعامل مع المساجد، حتى تصير مجرد أماكن لأداء شعيرة الصلاة، و حتى لا تتحول إلى أماكن مؤدلجة، ليقدسها الناس لأجل ذلك، و حتى لا تصير أماكن مخصصة لإشاعة أدلجة الدين الإسلامي، على يد فقهاء الظلام، الذين يتجندون لهذه الغاية، و حتى لا تصير وسيلة لتجييش المومنين، المغفلين وراء المؤدلجين، و حتى لا يعبد أولئك المغفلون المساجد، بدل عبادة الله، كما يعبدون الأضرحة المختلفة بدل الترحم على أصحابها.

3) بأن الإيمان لا يشاع بين الناس عن طريق مكبر الصوت. فمكبر الصوت ليس إلا وسيلة للإعلان عن شيء معين، و ليس إلا وسيلة للإعلان عن أداء الصلوات الخمس، و سواء تعلق الأمر باستعمالها للآذان فقط، أو تم نقل شعيرة الصلاة كاملة في شهر رمضان، و في غير شهر رمضان، فإن ذلك لا يجعلها معبر إلى الإيمان بالقلوب، لأن من سمحت له ظروفه بحضور أداء صلاة الجماعة في المسجد سيقوم بذلك، و من لم تسمح له تلك الظروف، فإنه سيؤدي الصلاة في بيته، أو في مكان عمله، أو سيؤجلها إلى وقت لاحق، و كون الناس لا يأتون إلى المسجد، و لا يؤدون الصلاة في إطار الجماعة و داخل المسجد، أو حوله، فإن ذلك لا يعطي الحق لأي كان، و مهما أدعى وصايته على الدين، في التنقيص من إيمان المومنين بالدين الإسلامي، أو التشكيك في ذلك الإيمان، أو تكفيرهم، كما يحصل، في أيامنا هذه، بسبب الأمية، و التخلف الفكري، الذي يسود بين المسلمين، ليصير جزءا لا يتجزأ من إسلامهم.

و لذلك فمكبرات الصوت هي مجرد مكبرات للتظاهر، و المزايدة، بين المتصرفين في المساجد، أو مالكيها، أو القيمين عليها، حتى يعلم الناس بأنهم أقوى، ومساجدهم أفضل من المساجد الأخرى.

و أمر كهذا يدخل في إطار الرياء، و التباهي، و المزايدة، مما يجعل الأجر غير وارد من وراء العبادة، كما أشرنا إلى ذلك من قبل، انطلاقا مما ورد في القرءان في هذا الشأن.

و بعيدا عن فهم فقهاء الظلام، و عن فهم المتفيقهين، من مؤدلجي الدين الإسلامي، و المتجيشين وراءهم، فإن اعتماد الفهم الصحيح للإيمان، و للإسلام، يجعل الدين الإسلامي الصحيح، منزها عن أن يتحول إلى مجرد احتفاء بشهر رمضان، أو بالمساجد في هذا الشهر، أو بتضخيم دور مكبرات الصوت، أو بقيام المتفيقهين بترويج الكلام الذي يسمونه حديثا، ليؤيدوا به أدلجتهم للدين الإسلامي، و لتأويلاتهم المغرضة له، و لنصوصه المختلفة، حتى تصير تل النصوص، بفعل التأويلات، مناسبة لهواهم، و معبرة عنه، و ذلك ما لا علاقة له بحقيقة الإيمان، و الإسلام.

مسؤولية تحريف طبيعة الإيمان و حقيقة الإسلام :

و ما يحصل في الواقع، و في مختلف المناسبات الدينية، يدفعنا إلى القول، بأن المسؤولية حاصلة فيما يقع.

فمن يتحمل مسؤولية التحريف التي تستهدف طبيعة الإيمان وطبيعة الإسلام ؟

إن عملية التحريف التي استهدفت حقيقة الإيمان، و حقيقة الإسلام، برزت إلى الوجود، منذ مقتل عثمان بن عفان، و منذ انقسمت النخبة إلى شيعة، و خوارج، و آل الزبير، و اتباع بني أمية، فصارت كل فرقة تعطي للإيمان، و للإسلام مدلولا يتناسب مع طبيعة أدلجتها للدين، و للنص الديني، ليتوارث المسلمون بعد ذلك الانتماء إلى فرق متعددة محسوبة على الإسلام، و هي في الواقع ليست إلا ممارسة لتحريفه. و التحريف ممارسة إيديولوجية مستمرة، و باحثة في عمق ظلام التاريخ، لإيجاد المبرر اللازم لما تمارسه كل فرقة على حدة، و لاعتماد تلك المبررات لصياغة المسلكية العامة، و الفردية، أيديولوجيا، و سياسيا، و تنظيميا، ليتحول المومنون، و المسلمون، إلى مجرد مجيشين لهذه الفرقة، أو تلك، تبعا لما يحدث من فرق في الواقع، و انطلاقا من الأهداف التي تسعى كل فرقة إلى تحقيقها.

و كنتيجة لذلك التحريف، و التجييش، تصل هذه الفرقة، أو تلك، إلى السلطة في هذا البلد، أو ذاك، فتتحول تلك السلطة على يد كل فرقة إلى سلطة دينية، و هو ما أدى إلى استنبات مفهوم "الدولة الإسلامية"، فكأن الإسلام ليس واحدا، و كأن الإيمان ليس واحدا.

و في الحالتين معان فهناك أشكال من الدول الإسلامية، و هناك ممارسات إيمانية متعددة، و هناك أشكال للعبادة، تختلف باختلاف المذاهب السياسية المؤدلجة للدين الإسلامي، و هناك من يسعى إلى إقامة دول دينية نقيضة للدول الدينية القائمة، بسبب الاختلاف في الأدلجة، أو بسبب الإيغال في تلك الأدلجة. و على هذا الأساس يمكن أن نجد أن المسؤولية عن تحريف الإيمان و الإسلام تكمن في :

1) الفرق الدينية التي نشأت قديما، و التي لازالت مستمرة في أوساط المسلمين إلى يومنا هذا. و هذا النوع من المسؤولية يمكن اعتباره تاريخيا، لارتباطه بمراحل تاريخية معينة، حتى لا نعمل على تحريف التاريخ، الذي يرتبط بالأساس بتحول التشكيلة الاقتصادية/الاجتماعية إلى تشكيلة أعلى منها. و ما حدث من تكون للمذاهب التي تختلف في فهمها للإيمان، و الإسلام، يعتبر مسؤولا، و بشكل مباشر، عن شرعنة تحريف مفهوم الإيمان، و مفهوم الإسلام.

2) الدول التي تنشأ على أساس أدلجة الدين الإسلامي، لأن نشأتها على ذلك الأساس، زرع للوهم بأنها، فعلا، "دول إسلامية" و ليست دولا للمسلمين، و معلوم أن الفرق واضح بين مفهوم "الدولة الإسلامية"، و مفهوم دولة المسلمين.

ف"الدولة الإسلامية"، تنطلق من أن الإسلام دين، و دولة، و انطلاقها ذاك يعطيها الحق في اعتبار نفسها تحكم باسم الله، و هذا الحكم، هو الذي يجعل الناس يقبلون الاستبداد، على أنه قدر من عند الله. و هذا القدر هو الذي يجعل الخضوع لإرادة الحاكمين، باعتبارهم ينوبون عن الله في الأرض، واجبا حتى يتجنبوا اعتبارهم كفارا، و ملحدين، يقام عليهم حد الكفر، و الإلحاد. و كلاهما يسيء إلى إيمان المسلم، و عقيدته.

أما دولة المسلمين، فهي دولة من اختيار المسلمين، كما جاء في القرءان الكريم: " و أمرهم شورى بينهم"، و كما جاء في الحديث: " إذا كنتم ثلاثة فأمروا أحدكم". لأن المسلمين هم الذين يختارون من يحكمهم، انطلاقا من دستور ديمقراطي، و من إجراء انتخابات حرة، و نزيهة، لإقامة مؤسسات تمثيلية حقيقية، و لإيجاد حكومة، مفرزة، من صناديق الاقتراع، بناء على برنامج انتخابي معين، يقتنع به المسلمون، و تقوم الحكومة باعتماده في برامجها المركزية، و القطاعية، حتى تقوم بخدمة مصالح الشعب الاقتصادية، و الثقافية، و السياسية، التي تحفظ كرامة الناس، بصفة عامة، و كرامة المسلمين، بصفة خاصة، على أساس المساواة فيما بينهم، انطلاقا من قيم الدين الإسلامي، كما تقتضي نصوصه ذلك: "لا فرق بين عربي، و عجمي، إلا بالتقوى"، و "الناس كأسنان المشط"، و " كلكم من آدم و آدم من تراب"، و هكذا ...

و لذلك فمسؤولية الدول المتوارثة، عبر العصور، و القائمة على أساس أدلجة الدين الإسلامي، حاضرة في ممارسة تحريف مفهوم الإيمان، و مفهوم الإسلام، لاعتبارها، نفسها، دولا دينية من جهة، و لتجنيدها للجهاز الإيديولوجي الضخم، و الذي تموله من أموال المسلمين، من أجل تكريس التحريف، على أنه هو الإيمان، و هو الإسلام. و من أجل تكريس التحريف على أنه هو الإيمان، و من أجل فرض سيادة الاعتقاد، و بواسطة القوة، على أن الله هو الذي حكم بواسطة هذه الدولة، أو تلك، التي تتحول إلى دولة رهبانية، في الوقت الذي يردد فيه "علماء" المسلمين و "فقهاؤها" أنه لا رهبانية في الإسلام، للإيغال في التضليل.

3) مؤدلجو الدين الإسلامي الموالون للاستبداد القائم، أو العاملون على فرض استبداد بديل. لأن هؤلاء المؤدلجين باعتبارهم "علماء" الدين الإسلامي، و "فقهاء" هذا الدين ، هم أول من يعرف أن ما يمارس في مختلف المناسبات الدينية، و خاصة في شهر رمضان، في الحياة العامة، و في مختلف المساجد، لا علاقة له بالأيمان. لأن الإيمان في حقيقته، لا علاقة له بما يجري، فما يجري هو ممارسة للشرك، بأوجه مختلفة، و باسم الدين الإسلامي، و عن طريق التأويل، المغرض للنصوص المختلفة. كما أنهم هم أول من يعرف: أن ما يمارس، لا علاقة له بحقيقة الإسلام، الذي ينقل المجتمع الإنساني إلى ما هو أفضل، حتى يتأتى اكتمال سعادة البشرية، باحترام الكرامة الإنسانية: الفردية، و الجماعية، التي هي الهدف الأسمى للممارسة الإسلامية الحقيقية.

و معلوم أن الكرامة الإنسانية، لا تتحقق إلا بتحقيق الحرية، و الديمقراطية، و العدالة الاجتماعية، كقيم أسمى، تعتمد في بناء حياة إنسانية سليمة، تتحقق في إطارها إنسانية الإنسان، الذي يتمتع بحقوقه المختلفة، التي تمكنه من اختيار من يمثله، و من يحكمه، في نفس الوقت، و من اختيار الدستور، الذي يناسبه، و القوانين التي تعتمد لتنظيم شؤونه.

و مسؤولية مؤدلجي الدين الإسلامي، تتمثل في الإصرار على التحريف، الذي يستهدف الإيمان، و الإسلام، و العمل على إشاعة ذلك التحريف، و بكل الوسائل الممكنة، و غير الممكنة، بما فيها اعتماد مكبرات أصوات المآذن، و على مستوى التراب الوطني، و في كل بلدان المسلمين، على أنها جزء لايتجزأ، من الإيمان، و من الإسلام، و أن استعمالها يعتبر فرض عين، حتى يتم إيصال صوت "الإيمان"، و صوت "الإسلام"، إلى كل الناس، الذين لم يحضروا إلى المساجد، أو لا يحضرون إليها، حتى ينغرس في أذهان الجميع التطابق بين الدين، و بين التحريف، و بين الإيمان، و الإسلام. ليسود بذلك التضليل، و بواسطة مكبرات الصوت، فيفقد بذلك المِؤمنون، و المسلمون، بوصلة الإسلام، التي تحل محلها بوصلة التحريف، التي تصير موجهة لمسلكية المؤمنين، و جميع المسلمين، على السواء، في اتجاه القبول بالتجييش على أنه هو الإسلام، و هو الإيما، و هو الاستعداد المستمر ل"الجهاد"، الذي لم ينتج لنا إلا هذا الخضم من الإرهاب، و عبر العالم، و الذي لا يمكن أبدا، أن يصير معبرا عن حقيقة الإيمان، و حقيقة الإسلام.

4) عامة الناس من المتعلمين بالخصوص، و حتى من غير المتعلمين، الذين يتعاملون مع أدلجة الدين الإسلامي، و كأنها هي الدين عينه. و هذه المسؤولية تكمن في انجرارهم وراء الدعوة إلى التعامل مع الدين الإسلامي، و كأنهم مجرد جيوش يصطفون وراء مؤدلجي الدين الإسلامي، و في تنظيماتهم المختلفة المشارب، و الأهداف المتفقة جميعا في العمل على تضليل المسلمين، و في استغلال الدين الإسلامي، و في السعي إلى إيجاد استبداد بديل، يسمونه "الدولة الإسلامية"، التي تختلف مضامينها، و أهدافها، من فصيل مؤدلج للدين الإسلامي، إلى فصيل آخر مؤدلج للدين الإسلامي. و قد كان من المفروض، أن يعمل عامة الناس، على استخدام عقولهم، فيما يستهدفهم من قبل البشر، و مهما كان ذلك البشر، و خاصة إذا كانوا مؤدلجين للدين الإسلامي، حتى يتبين المومنون، و عامة الناس، حقيقة الدين من غير الدين، و حتى يصير الدين لله، و الوطن للجميع.

و يرجع عدم استخدام الناس لعقولهم فيما يستهدفهم من قبل البشر، و مهما كان ذلك البشر، و خاصة إذا كانوا مؤدلجين للدين الإسلامي. خاصة الديانة الوثنية، و ما لحق من تحريف بديانة موسى، و ديانة عيسى، إلى الممارسة النقدية. لأن الممارسة النقدية، تبدو واضحة وضوح الشمس في قوله تعالى: "انا وجدنا آباءنا على أمة و إنا على آثارهم مهتدون"، و قوله: " انا وجدنا آباءنا على أمة و إنا على آثارهم مقتدون"، و قوله: " و قالت اليهود عزير ابن الله، و قالت النصارى المسيح ابن الله". و قول الرسول: " لا يكن أحدكم إمعة، بأن يقول أنا مع الناس، إن أساءوا أسأت، و إن أحسنوا أحسنت، و لكن وطنوا أنفسكم".

و حتى في النص الإسلامي نفسه، نجد نقدا لممارسة الرسول، تجنبا لأي تحريف يمكن أن يلحق العقيدة الإسلامية.

فقد ورد في القرءان "قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي". ووردأيضا: "عبس و تولى أن جاءه الأعمى، و ما يدريك، لعله يزكى، أو يذكر فتنفعه الذكرى".

و المومنون المسلمون عندما يمارسون النقد البناء، على مؤدلجي الدين الإسلامي من فقهاء الظلام، و المتفيقهين، و مجيشيهم، فلأجل المحافظة على الدين الحقيقي، وحمايته من كل استغلال إيديولوجي، أو سياسي، حتى لا يتحول إلى مجرد مطية للوصول إلى السيطرة على أجهزة الدولة، التي توظف بدورها في تحقيق المصالح الطبقية لمؤدلجي الدين، من فقهاء الظلام، و متفيقههيه، و مجيشيهم، و في حماية تلك المصالح، التي تصير بدورها مقدسة، بفعل الاستبداد البديل، الذي يسعى فقهاء الظلام إلى فرضه على المجتمع.

و هكذا يتبين أن مسؤولية المساهمة في تحريف الدين الإسلامي، هي مسؤولية تاريخية، و مسؤولية الطبقة الحاكمة، التي تقيم حكمها على أدلجة الدين الإسلامي، و مسؤولية فقهاء الظلام، و متفيقهيه، و المجيشين وراءهم، و مسؤولية عامة الناس، الذين لا يبذلون أي مجهود لمحاربة منكر الأدلجة التي تحرف الدين الإسلامي. مع أن محاربة المنكر، بمختلف الوسائل، تصير واجبة، كما جاء في الحديث ": من رأى منكم منكرا فلغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، و ذلك أضعف الإيمان ".

و يمكن بهذه المناسبة أن أعظم منكر يرتكب في حق الإنسانية بصفة عامة، و في حق المسلمين بصفة خاصة، هو تحريف الدين الإسلامي، الذي يحول هذا الدين إلى دين للشرك كما وضحنا ذلك في الفقرات السابقة، و معلوم أن الله "لا يغفر أن يشرك به و يغفر ما دون ذلك لمن يشاء"


ضرورة إعادة الاعتبار لحقيقة الإيمان :

و بوقوفنا على مسؤولية كل من التاريخ، و الطبقة الحاكمة، و مؤدلجي الدين الإسلامي، و سائر المومنين و المسلمين، نجد أنفسنا مضطرين إلى طرح السؤال :

ما العمل من أجل إعادة الاعتبار لحقيقة الإيمان ؟

و للإجابة على هذا السؤال: نجد أنفسنا أمام طرح سؤال آخر هو :

ما حقيقة الإيمان ؟

إن المفهوم التقليدي للإيمان الذي يعتمده فقهاء الظلام، و من على شاكلتهم، و الذي يتجسد في "الاعتقاد بالله، و ملائكته، و كتبه، و رسله، و بالقدر خيره، و شره"، هو مفهوم لا يمكن أن يستحضر الإنسان كقيمة يجب أن تشكل جزءا لا يتجزأ من ذلك الإيمان، لأن التسليم في الاعتقاد، نفي للذات، و خدمة ، و تقدير للمعتقد الذي يصير هدفا. و ما دام المعتقد غير متجسد، و هو في الدين الإسلامي لا يمكن أن يتجسد إلا من خلال الإنسان المومن، فإن هذا المومن يصير جزءا من ذلك الإيمان، لأنه لا يوجد الإيمان إلا بوجوده.

و على أساس هذا الاستنتاج، فإن الإيمان يجب أن يستهدف الربط بين القول، و العمل، بين النظرية، و الممارسة، بين الإقرار بوجود بالله، و العمل على سعادة الإنسان كاستحضار لذلك الوجو،د حتى لا يتحول الإيمان إلى سلاح لجعل الإنسان غير قادر على فهم ما يجري حوله، و لا مستوعب له، و لا فاعل فيه، و لا متفاعل معه، بسبب الانقياد المطلق وراء فقهاء الظلام، الذين يدعون الوصاية على الدين، و يحولون الإيمان إلى مجرد مجموعة من الطقوس التعبيرية، التي لا تنسجم أبدا مع حقيقة الإيمان.

فكرامة الإنسان يجب أن تشكل جزءا من ذلك الإيمان، كما يمكن أن نستنتج ذلك من العديد من النصوص المساهمة في بناء منظومة الإيمان.

فالله تعالى عندما يقول: " و لقد كرمنا بني آدم "، لا يقولها هكذا، بل لأن ذلك التكريم يعتبر جزءا من عدل الله في الأرض، الذي لا يستهدف إلا الإنسان، الذي يجب أن يتمتع بحقوقه الاقتصادية، و الاجتماعية، و الثقافية، و المدنية، و السياسية، التي هي الهدف الأسمى الذي تسعى البشرية من خلال حركيتها المتطورة، حسب تطور التشكيلة الاقتصادية الاجتماعية الهادفة إلى الارتقاء الذي تزول من خلاله مختلف الفوارق المعيقة لتحقيق كرامة الإنسان، التي هي عدالة الله في الأرض في نفس الوقت. و هذا ما يمكن أن نستنتجه أيضا من قوله تعالى: " إن الصلاة تنهى عن الفحشاء و المنكر"، و من غاية الصيام، و الزكاة، و الحج، لأنها جميعا تسعى إلى تحقيق كرامة الإنسان، إذا استبعدنا التأويلات الإيديولوجية للممارسة الإيمانية، و التي تجعل الإنسان فاقدا لإنسانيته، التي يغيب فيها الربط بين مختلف النصوص الدينية، التي يكمل بعضها بعضا.

و لذلك فأي فهم للإيمان يجب أن يستهدف الإقرار بوجود الله، و ما يستلزمه ذلك الوجود، و أن يستهدف في نفس الوقت، اعتبار ذلك الإيمان، أساسا للقول بضرورة تحقيق كرامة الإنسان، لنفي القهر الذي يستلزمه الفهم التقليدي، الذي يغيب بالدرجة الأولى، كون الإنسان في حاجة إلى حفظ كرامته، مهما كان شأنه و كيفما كانت عقيدته، أو لغته، و كيفما صار لونه، أو عرقه، لأنه بتحقيق تلك الكرامة، يتم الاستدعاء بطريقة مباشرة إلى اعتناق الدين الإسلامي، الذي يتحول إلى دين إنساني، إذا ترك لشأنه، و استبعد من الاستغلال الإيديولوجي، و السياسي، الذي يكرس تحريفه، الذي يجعل الإيمان غائبا، حتى بالمفهوم التقليدي، الذي يعتمده فقهاء الظلام، عصا غليظة، و مسدسات، و بنادق، و أحزمة من المتفجرات، يسلطونها جميعا على رقاب البشرية.

و هذا الغياب للإيمان، في الممارسة، هو الذي أنزل فيه الله في القرءان: " قالت الأعراب آمنا، قل لم تومنوا، و لكن قولوا أسلمنا، و لما يدخل الإيمان في قلوبكم". و نفس الآية الكريمة نتوجه بها إلى فقهاء الظلام، و متفيقهيه، و مجيشيهم، الذين تتطابق ممارستهم مع ممارسة الأعراب، الذين نزلت فيهم الآية الكريمة، و الذين لا يرون في الإيمان بالدين الإسلامي، إلا وسيلة لخدمة مصالحهم الطبقية، و لا شيء غير ذلك.

و كنتيجة للتدقيق في مفهوم الإيمان، الذي هو شأن إنساني، وصولا إلى التعامل مع الدين، على أنه لله فقط، كما تفيد ذلك الآية الكريمة: " و أن المساجد لله فلا تدعو مع الله أحدا"، و أن من صفات الله العدل، الذي يقتضي العمل على طلب العمل، على تحقيق كرامة الإنسان، التي لا تتجسد إلا في تمتيعه بحقوقه الاقتصادية، و الاجتماعية، و الثقافية، و المدنية، و السياسية، كما هي في المواثيق الدولية، المتعلقة بحقوق الإنسان، و التي تمنع استغلال أي دين، و مهما كان، في الأمور الإيديولوجية، و السياسية، و اعتماد ذلك الاستغلال في تأسيس أحزاب دينية، تسعى إلى الوصول إلى السيطرة على أجهزة الدولة، نرى ضرورة إعادة النظر في منظومة القيم المترتبة عن الفهم المغلوط للإيمان. تلك المنظومة التي تسهل أمر اعتماد أدلجة الدين، كوسيلة "إيمانية"، التي لا تتجاوز أن تكون مجرد اعتقاد بأيديولوجية معينة، قائمة على أساس التأويلات المغرضة للنصوص الدينية، و لا يمكن أن تكون لها علاقة بالله، الذي ينحاز في الإيديولوجية الدينية، إلى الجهة المؤدلجة للدين الإسلامي، و حسب ما يظهر في أدبيات هؤلاء المؤدلجين، و في ممارساتهم اليومية، و في وصايتهم على الدين الإسلامي.

فإعادة النظر في منظومة القيم المترتبة عن الفهم التقليدي للإيمان، صارت مسألة ضرورية، من أجل تجنب تحويل المجتمع، إلى مجرد قطيع مجيش، لا يسعى إلى تكريس الاستبداد القائم، أو فرض الاستبداد البديل، و محاربة كل القيم التنويرية، و التقدمية، و الإنسانية، و الديمقراطية، و إعادة النظر تلك، لا تكون إلا بالنضال الديمقراطي الحقيقي، المستمد من استحضار إرادة الشعب، المتنور، و التقدمي، و المالك لوعيه الطبقي الحقيقي، الذي يجنبه السقوط في مهوى عبور الاستبداد البديل، الذي يهدد مصير الشعوب المومنة بالدين الإسلامي.

وبذلك يتبين، و من خلال التجارب المختلفة، أن اعتماد التيارات المؤدلجة للدين الإسلامي، و المتكونة من فقهاء الظلام، و المتفيقهين، و المجيشين، لمحاربة الفكر الاشتراكي العلمي، و ملاحقة الاشتراكيين العلميين، و اغتيالهم، يعتبر جريمة في حق الانسانية، لأن ذلك الاعتماد هو الذي أدى إلى إقبار الفكر الديمقراطي، و الفكر الإنساني، ليحل محله الفكر الظلامي المتخلف، الذي أريد له أن يصير فكرا إسلاميا، يقود إلى قيام ما صار يسمى، على المستوى السياسي، ب " الحركة الإسلامية "، التي ليست إلا حركة مؤدلجة للدين الإسلامي، الذي هو للناس جميعا، و ليس خاصا بالمؤدلجين، الذين لا يمكن اعتبار أدلجتهم هي الدين الإسلامي، كما وضحنا ذلك في الفقرات السابقة.

و حتى تتحقق إعادة النظرة في منظومة القيم المترتبة عن الفهم التقليدي للإيمان، نرى ضرورة :

1) إيجاد دستور ديمقراطي تكون فيه السيادة للشعب.

2) ملاءمة القوانين المحلية، مع المواثيق الدولية، المتعلقة بحقوق الإنسان.

3) منع، و تجريم، قيام أي حركة سياسية، على أساس أدلجة الدين الإسلامي.

4) إعادة النظر في البرامج الدراسية، حتى تتخلص من كل ما له علاقة بأدلجة الدين الإسلامي.

5) القيام بحملات واسعة، و بمختلف وسائل الإعلام السمعية البصرية، و المقروءة، من أجل توعية الناس بخطورة أدلجة الدين الإسلامي.

6) إجراء انتخابات حرة، و نزيهة، لإيجاد مؤسسات تمثيلية حقيقية، من الشعب، و إلى الشعب.

7) إيجاد حكومة تقوم بخدمة مصالح الشعب، و رعاية تلك المصالح، و حمايتها، كما هي في الدستور الديمقراطي، و في القوانين المتلائمة مع المواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان.

و بهذه الخطوات الإجرائية، يتحمل الجميع المسؤولية أمام التاريخ، و أمام الله، و أمام الشعب، من أجل قيام مجتمع حر، و ديمقراطي، و عادل، قائم على أساس تحقيق الحرية، و الديمقراطية، و العدالة الاجتماعية، و لا نفوذ فيه لمؤدلجي الدين الإسلامي، من فقهاء الظلام، و المتفيقهين، و المجيشين.

هل يمكن الرجوع إلى ما كان عليه المسلمون الأوائل ؟

و إننا، و نحن نواجه أدلجة الدين الإسلامي، الساعية إلى تكريس التخلف الاقتصادي، و الاجتماعي، و الثقافي، و السياسي، عن طريق التأويلات المغرضة للنصوص الدينية الإسلامية الثابتة، نجد أن هؤلاء المؤدلجين، يجعلون من الماضي مثالا يحتدى، سعيا منهم إلى الاستعادة. و هو ما يفرض طرح جملة من الأسئلة المستفزة، التي تدفعنا إلى إعمال النظر في الماضي، كماض لا يتكرر، و في الواقع، كواقع يقوم على التجدد المستمر.

و من تلك الأسئلة نجد :

هل يمكن يصير مسلمو عصرنا، هذا، مثل المسلمين الذين عاشوا في صحراء الجزيرة العربية، قبل أربعة عشر قرنا ؟


هل يمكن أن يعيش مسلمو عصرنا بدون كهرباء، و بدون وسائل الاتصال السمعية البصرية، و بدون وسائل النقل الجديدة، و بدون اعتماد الشبكة العنكبوتية، و بدون العيش في المساكن الحديثة، و بدون ... و بدون ... ؟

هل المسلمون الأوائل، كانوا يفكرون في إقامة "دولة إسلامية"؟

أم أنهم سعوا إلى إقامة دولة للمسلمين ؟

هل حافظوا على حقيقة الإيمان كما هي في القرءان ؟

أم أنهم عملوا على تحريف ذلك الإيمان، لخدمة مصالحهم الطبقية ؟

هل طريقة لباسهم، و إسدالهم للحي مرتبطة بعادات و تقاليد ذلك العصر؟

أم أنها مجرد تطبيق شكلي للدين الإسلامي، انطلاقا مما جاء في الكتاب و السنة ؟


هل يرتفع المسلمون الأوائل إلى مستوى المقدس ؟

أم أنهم مجرد بشر يصيبون و يخطئون كباقي البشر، و في جميع العصور، و جميع الأماكن ؟

و إذا عملنا على تقديسهم، ألا يعتبر ذلك تكريسا للشرك بالله ؟

أليس مبرر مجيء الدين الإسلامي، هو إعادة الاعتبار لوحدانية الله ؟

فهل يمكن القول: بأن الدعوة إلى الرجوع إلى الماضي، هي مجرد إيديولوجية، تهدف إلى السعي إلى تحقيق مصالح طبقية معينة، و خدمة تلك المصالح، و حمايتها في نفس الوقت ؟

هل يصح الاستمرار في ترديد مقولة "آباؤكم خير من أبنائكم إلى يوم القيامة " ؟



ألا يتطور الإنسان، تبعا للتطور الذي يحصل، من خلال التحول الحاصل، بسبب الانتقال من تشكيلة اجتماعية، إلى تشكيلة اجتماعية أعلى ؟

أليس التمسك بالماضي، و تقديس ذلك الماضي – على تخلفه- من فعل الطبقات المستفيدة من الجمود العقائدي لدى المسلمين، في جميع بلدان المسلمين، حتى يتم تجييشهم على هوى الطبقات الحاكمة، أو على هوى فقهاء الظلام، و متفيقهيه، و مجيشيهم ؟

إننا في الواقع عندما نطرح السؤال: عنوان الفقرة : " هل يمكن الرجوع إلى ما كان عليه المسلمون الأوائل ؟" و ما ترتب عنه من أسئلة أخرى، فلأننا نسعى إلى جعل ذلك الماضي موضوعا للنقاش، على أن نميز في نقاشنا، بين الماضي كمثال، و بين الدين كدين، لأن الذين عاشوا في ذلك الماضي، هم مجرد بشر، و البشر يصيبون، و يخطئون، و الذين عاشوا في ذلك الماضي، لا يتوفرون على نفس المعطيات الاقتصادية، و الاجتماعية، و الثقافية، و السياسية، بهذا الكم، و هذا الزخم الذي يتوفر عليه الناس اليوم، و لا يمتلكون العقل العلمي، و لا منهجية التفكير التي يمتلكها الناس اليوم.

و الفكر الماضي قائم على الاتباع، أما اليوم فيقوم الفكر على الابتداع، و الذين عاشوا في الماضي لا يتوفرون على سعة الفكر الاقتصادي، و الاجتماعي، و الثقافي، و الأيديولوجي، و السياسي، كما يتوفر على ذلك سكان العصر الذي نعيش فيه. و المفروض أن ينعكس الأمر، و أن يصير الماضي مجرد عبرة نأخذ منها الدور، لا مثالا نستنسخه استنساخا بشعا.

و نحن عندما نطرح مشكلة الماضي، كمثال مقدس، للنقاش فلأننا نسعى إلى القول بأن تقديس الماضي، لا علاقة له بتأليه ذلك الماضي، الذي لا يمكن أن يعتبر شريكا لله في العبادة، لأن الذين يحرصون على تقديسه، يرفعون تلك القداسة إلى مستوى قداسة الله تعالى. و هو المنزه عن أن يكون له شريك. و ذلك التقديس، هو الذي يتحول إلى عصا غليظة، توظفها الطبقة الحاكمة، و يوظفها فقهاء الظلام، و متفيقهوه، لفرض تكريس الاستبداد القائم، أو لفرض استبداد بديل..

و هذا الدور الذي يلعبه السجن في الماضي، هو الذي يرفع قداسة الماضي إلى ما فوق قداسة الله، لأن الخلاف غير قائم أبدا حول موضوع قداسة الله، بقدر ما هو قائم حول موضوع قداسة الماضي، الذي يصرف مجهود كبير من أجل استرجاعه، أو على الأقل من أجل استنساخه، لأن الاسترجاع غير وارد أبدا، أما الاستنساخ فليس إلا تشويها لذلك الماضي، و الإساءة إليه.

و المستنسخون المشوهون للماضي، يشوهون الحاضر، و يسيئون إليه أيضا، و بدل أن يستحضروا ضرورة احترام كرامة الإنسان، كما هو وارد في القرءان، و انطلاقا من المواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، و مما وصلت إليه العلوم الحديثة في مختلف المجالات العلمية، فإن هؤلاء المستنسخين يجب أن يتحولوا، في نظرهم، إلى وسيلة لذلك التقديس، والاستنساخ المشوه.

و إذا كان هناك من استنتاج يمكن أن نصل إليه من وراء إعمال النظر في ممارسة تقديس الماضي، فإن هذا الاستنتاج يجب أن يتركز على أن إنسان الحاضر، هو المستهدف بالاستفادة من مختلف التجارب الماضية، و الحاضرة، حتى تكون تلك التجارب في خدمته، ضامنة لتمتعه بسعادته، المتمثلة في ضمان تمتيعه بحقوقه المختلفة، التي تمكنه من تقرير مصيره الاقتصادي، و الاجتماعي، و الثقافي، و المدني، و السياسي، حتى تساهم في بناء حاضره، و مستقبله في نفس الوقت، ليبقى، بعد ذلك، الماضي مجرد تجربة، قد تكون مصيبة، و قد تكون مخطئة، و في كلتا الحالتين: هي تجربة بشرية، لا أقل و لا أكثر.

و لذلك فمرحلة الخلفاء الراشدين، هي مرحلة من مراحل التجارب البشرية، و ليست وحيا من عند الله، لأن الوحي توقف قبل موت الرسول، بنزول قوله تعالى: "اليوم أكملت لكم دينكم، و أتممت عليكم نعمتي، و رضيت لكم الإسلام دينا".

و لعل فهم الخليفة أبي بكر الصديق للإيمان كان اكثر تقدما، و اعمق إيمانا، من فهم، و إيمان فقهاء الظلام، في عصرنا هذا، حتى لا نقول المتفيقهين، و مجيشيهم، المنتظمين جميعا في الاحزابوسلامية، المؤدلجة للدين الإسلامي.

فقد خرج أبو بكر ليخطب في الناس، بعد وفاة الرسول، قائلا : " من كان يعبد محمدا، فإن محمدا قد مات. و من كان يعبد الله، فإن الله حي دائم لا يموت". و هذه القولة المعبرة، جاءت في وقت كان يفترض فيه أن يصير أبو بكر، و من على شاكلته، أكثر استغلالا للدين، فيحول شخصية الرسول إلى شريك لله في العبادة. و هو ما نبه إليه الله رسوله عندما أوحى إليه بقوله: " قل إنما أنا بشر مثلكم". و هو ما حرص عليه الرسول نفسه عندما قال لصحابته ، حين ذاك: "لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى". مع أن الإطراء ليس إلا مدحا، و مع أنه ليس عبادة، إلا أنه يمكن أن يصير مقدمة لتحويل الممدوح، إلى معبود كما يفعل العديد من مداحي الرسول، والملوك في مختلف العصور، حيث يتحول الممدوح بحكم المغالاة في المدح، إلى معبود.

و فقهاء الظلام عندما يمجدون الماضي، فإنهم يؤلهونه، من حيث لا يدرون، و يؤلهون، تبعا له، شخصية الرسول، و يؤلهون المناسبات الدينية المختلفة، فيتجاوز شركهم عبدة الأوثان، و المسيحيين، و اليهود. بل إن زعيم فقهاء الظلام، يصير مقدسا، و تأويلاتهم للنصوص الدينية تصير مقدسة، و تعدد المقدس، لا يمكن أن يؤدي إلا إلى نتيجة واحدة. و هذه النتيجة: هي مخالفة ما جاء من أجله الدين الإسلامي، و تكريس تعددية المقدس، بدل وحدانيته، فيصير السجود لغير الله، على أيديهم، هو السائد.

و انطلاقا من هذه الممارسة، نجد: أن دعوة فقهاء الظلام إلى عبادة الماضي، و تقديسه، من خلال الدعوة إلى العودة إليه، ما هو إلا تبرير لممارستهم، و فرض لتأويلاتهم، و سعي إلى استغلال انشغال المسلمين بتصور كيف كان المسلمون في الزمن الماضي، ليفرضوا وصايتهم على الدين الإسلامي، و على ماضي هذا الدين، فيتجيش بسبب ذلك المغفلون، و الأميون، و فاقدو الوعي بالواقع وراءهم، ليتحول، ذلك التجييش، إلى وسيلة للصعود نحو السيطرة، على أجهزة الدولة، التي تستغل لتطويع المخالفين، أو لتصفيتهم باسم الكفر، و الإلحاد.

و ما دامت الدعوة إلى الرجوع إلى الماضي، مجرد تبرير لممارسة فقهاء الظلام، فإن ذلك الماضي لا يرجع، و لا يمكن الرجوع إليه، و استنساخه، كما هو، لسبب بسيط، و هو أن الماضي لا يرجع أبدا، نظرا للمسافة الزمنية الطويلة، التي تفصلنا عنه، و لأن استنساخه اعتمادا على ما كتبه المؤدلجون القدماء، و شبههم، ليس إلا بناء لتصور، لا علاقة له بالماضي، بقدر ما له علاقة بالتأويلات الإيديولوجية المتخلفة لذلك الماضي، الذي أريد له أن يخدم الأهداف الطبقية، للجهة التي تقف وراء أدلجة الدين الإسلامي.

و على هذا الأساس: نرى أن الماضي، يبقى مجرد تراكم من التجارب البشرية، التي ندرسها من أجل أن نستفيد منها ما يساعدنا على تطوير أنفسنا في الاتجاه الصحيح ، و من أجل أن نتجنب ما يعرقل ذلك التطور. و ذلك للاعتبارات الآتية :

الاعتبار الأول : هو الفارق الزمني الذي طال مجمل مناحي الحياة الاقتصادية، و الاجتماعية، و الثقافية، و السياسية، فلا شيء ثابت أبدا، فكل شيء تغير بفعل تغير الزمن، و بفعل تغير الشروط، التي يتأثر بها الإنسان، و يتفاعل معها، في كل عصر، لدرجة أنه لا يمكن أن نعتبر أبدا، أن المومن المسلم في القرن الواحد و العشرين، هو نفسه المومن المسلم، في القرن السابع الميلادي. فالفرق كبير، و الاختلاف واضح، و شروط التطور و التطوير مختلفة. و البداوة المغرقة، ليست هي الحضارة المغرقة، و التشكيلة الاجتماعية التي كانت سائدة في الجزيرة العربية، ليست هي التشكيلة الاجتماعية السائدة الآن، حتى في الجزيرة العربية نفسها. و ما محاولات التشبه بالزمن الماضي، على مستوى الشكل، ما هو إلا حنين للعودة إلى المرحلة البدائية، التي كان الإنسان، فيها، يعيش في الغابة، كباقي الحيوانات الأخرى، مستسلما للطبيعة، و غير آبه بما يجري حوله، مما لا علاقة له حتى بالمرحلة التي ظهر فيها الدين الإسلامي، التي تعتبر أكثر تطورا، بالنسبة للزمن الذي سبقها.

و التمظهر البدائي لا يمكن أن يكون تشكيلا لا للإيمان، و لا للإسلام، و لا يمكن أن يبعد المومن المسلم، من التأثر، و التفاعل، بما يجري في هذا العصر، مادامت حركة المجتمع، و على المستوى الكوني تقتضي ذلك.

و الاعتبار الثاني : هو هذا التطور الهائل، و المتسارع، و القائم في هذا العصر الذي نعيشه.

فالإنسان القديم، و المومن المسلم، في القرن السابع الميلادي، لم يعرف وسائل النقل السريعة، و المتطورة، و لا وسائل الإعلام الواسعة الانتشار، و التي تجعل جميع الناس، و كأنهم يعيشون في قرية واحدة، و لا هذه الفضائيات التي تجعل كل فرد يتتبع بالصوت، و الصورة، مختلف الأحداث، التي تقع هنا أو هناك، و لا هذه الشبكة العنكبوتية، التي أعطت إمكانيات هائلة للتواصل المباشر، و غير المباشر، مع البشر في جميع أنحاء العالم، مما يمكن من نقل الأفكار، و بالسرعة الفائقة، و السرية المطلوبة. و هو ما لم يكن متوفرا في القديم، و للمومنين المسلمين الأوائل.

و الاعتبار الثالث : هو هذا الفرق الواضح، في طريقة، و مستوى العيش، في هذا العصر، و التي تختلف كثيرا، عن طريقة و مستوى عيش سكان الجزيرة العربية، في القرن السابع الميلادي، سواء تعلق الأمر بالأكل، أو بالشرب، أو بالسكن، أو باللباس، أو بطريقة العلاج، أو بغيرها، مما يرتبط بحياة الإنسان الاقتصادية، و الاجتماعية، و الثقافية، و السياسية.

و هذا الفرق لابد أن ينعكس على العمل، و النظر، شئنا في ذلك أم أبينا، و سواء شاء ذلك فقهاء الظلام، و متفيقهوه، و مجيشوهم، أم أبوا، لأن فقهاء الظلام، أنفسهم، لابد أن يتأثروا بالشروط الموضوعية، التي تنعكس على فكرهم، و ممارستهم.

و إلا فلماذا يقطنون الأبنية الحديثة؟

و لماذا يستعملون الأدوات الحديثة، في إعداد و طهي الطعام ؟

لماذا يلجأون إلى استعمال الوسائل الحديثة في تنقلاتهم ؟

لماذا يلجأون إلى استعمال وسائل الاتصال التي لم يخترعوها ؟

لماذا يوظفون و يستهلكون وسائل الإعلام الحديثة لنشر ظلاميتهم، و تطوير تلك الظلامية ؟

لماذا يحرصون على تعلم كيفية صناعة المتفجرات، كوسيلة حديثة، للانتقام من المخالفين لرأيهم، و لظلاميتهم، كما يحصل في العديد من مناطق العالم ؟

إن ذلك كله يحدث، لأنه يوجد فرق بين الزمن الماضي، و الزمن الحاضر، مما يستحيل معه استنساخ الزمن الماضي، عن طريق تحولنا إليه، رغم المسخ الذي يصيب مظاهر رجال، و نساء، فقهاء الظلام، و متفيقهيه، و مجيشيهم.

والاعتبار الرابع : هو أن مقولة الرجوع إلى الماضي، هي مجرد مقولة إيديولوجية، تهدف إلى استحضار المثال / التجربة من الماضي، و العمل على تطبيقها على واقع اختلفت خصوصيته، لإيجاد مبرر لتطويع الناس، و إرهابهم، من أجل إخضاعهم، لارادة فقهاء الظلام، و توظيفهم لخدمة مصالحهم الطبقية، الاقتصادية، و الاجتماعية، و الثقافية، و السياسية، في الوقت الذي يقبع فيه فقهاء الظلام، في صوامع الوصاية على الدين، مرددين بينهم، و بين أنفسهم، قوله تعالى: "سبحان الذي سخر لنا هذا"، ليتمتعوا، هم، بالخيرات التي حرم منها غيرهم ممن يعيشون في البؤس، على جميع المستويات، و يعتبرونه في نفس الوقت قدرا من عند الله، و الله بريء من ذلك البؤس الذي ينتجه المتسلطون على رقاب البشر، حتى و إن كانوا من فقهاء الظلام، الذين يصلون إلى السيطرة على أجهزة الدولة.

و كنتيجة لهذه الاعتبارات، فإن العودة إلى الماضي، و استعادته إلى الحياة، غير ممكنة، و غير مقبولة أبدا، لأن ذلك الماضي، ليس إلا مجرد تجربة، لا تتكرر أبدا، و هي تبقى تجربة قابلة للدراسة، و التقييم، ليس إلا، من أجل العبرة، و الاستفادة من إيجابياتها، و سلبياتها.

أما الإيمان الذي يعني الاعتقاد بوجود الله، و وحدانيته، و بما جاء في كتبه، لتعضيد ذلك الإيمان، و تثبيته، لتحرير الإنسان من التبعية لغير الله، و ممارسة حياته، بشكل طبيعي، فهو هو لا يتبدل، و لا يتغير، و لا علاقة له، لا بالزمان، و لا بالمكان.

و القيم المترتبة عن الاعتقاد بالدين الإسلامي، تبقى أيضا هي هي، مادام المسلم الحقيقي هو: " من سلم المسلمون من لسانه و يده"، سواء تلعق الأمر بالعصور القديمة، أو بعصرنا هذا، و سواء عاش المسلمون في الجزيرة العربية، أو في غيرها، من الأماكن على وجه الكرة الأرضية، أو في أي كوكب آخر يمكن أن يستقر فيه المسلمون مستقبلا.

و لنا العبرة، و الموعظة في الآية الكريمة التي تجسد جوهر علمانية الدين الإسلامي: " يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا و بينكم أن لا نعبد إلا الله". و جوهر العلمانية الإسلامية نفسه يتمثل في قوله تعالى: " لا إكراه في الدين" .


أما ما نراه، و ما نشاهده، في ممارسة فقهاء الظلام، و متفيقهيه، و مجيشيهم، فلا علاقة له بالإيمان، بقدر ما له علاقة بالشرك بالله. لأن التبع لا يومنون بالله وحده، بقدر ما يومنون بالزعيم، و بطقوس أدلجة الدين الإسلامي، و بتقديس الأوقات، و الأماكن. و هو ما يترتب عنه تعدد المقدس، الذي لا يعني إلا الشرك بالله، الذي جاء الدين الإسلامي لوضع حد له، و العمل على إنضاج شروط احترام وحدانية الله، حتى يستمر، و حتى يصير، فعلا، صالحا لكل زمان، و مكان.

و بناء على هذا الفهم المغلوط للإيمان، و للإسلام معا، فإن الإصرار على اعتماد مكبرات الصوت، في مختلف المساجد، و بالكثافة المبالغ فيها في شهر رمضان، هو خير تعبير على العمل على تكريس تقديس غير الله، الذي يتنافى مع ضرورة احترام كرامة الإنسان، أنى كان لونه، أو جنسه، أو لغته، أو معتقده.

هل يصح الأخذ بالمقولة المتداولة: "آباؤكم خير من أبنائكم إلى يوم القيامة"؟

و ما توصنا إليه من الاستنتاجات الاستطرادية في الفقرات السابقة يقودنا إلى المقولة المتداولة كثيرا بين مؤدلجي الدين الإسلامي، و بين منظريهم: فقهاء الظلام، و متفيقهيه، و التي تنص على أن: "آباؤكم خير من أبنائكم إلى يوم القيامة ". و هي مقولة أريد لها أن تبتر من سياقها، كما بترت مقولة: "الدين أفيون الشعوب" من سياقها، لتوظف في إخضاع الشباب، لمشيئة فقهاء الظلام، الذين يعتبرون أنفسهم أوصياء على الدين، و على التاريخ، و نوابا عن الآباء، و الأجداد. لأن خضوع الشباب يسهل مأمورية استغلاله، و توجيهه، ثم تجييشه، لتوظيفه في محطات معينة.

و هذه المسلكية الانتهازية لفقهاء الظلام تجاه الشباب، هي التي تقودنا إلى التساؤل حول ما قام به الآباء في الأجيال السابقة، من أجل سعادة الأجيال اللاحقة:

هل لأنهم عاشوا في العصور القديمة، و خلفونا لنعيش نحن في هذا العصر ؟

هل بسبب انتمائهم إلى تشكيلة اجتماعية مختلفة عن التشكيلة الاقتصادية الاجتماعية التي نعيشها نحن ؟

هل لأن فهمهم للإيمان و للإسلام كان اكثر تدقيقا من فهمنا نحن ؟

هل لأنهم عملوا ، و بطرقهم الخاصة، على نشر الدين الإسلامي ؟

هل لأننا عاجزون عن أن نكون مثلهم في عملية نشر الإسلام، و بالطرق التقليدية ؟

هل كان القدماء يعلمون ما تصير عليه البشرية من تطور؟

هل كانوا يومنون بالتطور في الأصل ؟

و هل نحن عاجزون عن القيام بدور رائد يعيد للإيمان اعتباره، و للإسلام دوره في احترام كرامة الإنسان ؟

إن أي إنسان لا يفضل إنسانا آخر إلا بما يقدمه للبشرية من خدمات تساهم في رفاهيتها، و تطورها، و تبين إلى أي حد تكون التضحية في خدمة البشرية، و إلى أي حد تعتبر التضحية المتبادلة وسيلة لإثراء العطاء الجماعي للإنسانية.

و هنا يحضرنا ما ورد في الحديث: "سيد الناس خادمهم"، أي الذي يضحي بماله، و فكره، و وقته، و عمله الدؤوب من أجل رفاهية البشرية، أنى كان جنس أفرادها، أو لونهم، أو عرقهم، أو لغتهم، أو معتقدهم، لأن الرسول عندما قال: "سيد الناس خادمهم"، كان يعلم جيدا ما يقول، لأن الناس كلمة عامة، أما المومنون المسلمون، فكلمة خاصة. و هو ما يعني تقديم الخدمات لجميع الناس. و الحرص على وحدانية الله في التقديس، و في العبادة، هو من الخدمات العظمى، التي قدمت إلى الإنسانية. و أدلجة الدين الإسلامي، و تحريفه، هو ما يؤدي بالضرورة إلى تعدد المقدس. و بالتالي، فالخدمة لا تكون متبادلة إلا بين المؤدلجين للدين الإسلامي. و غيرهم يحرم من تلك الخدمات، حتى و إن كان يقول ربي الله، و لا اله إلا هو، وأخلص في عبادته، و يحترم كرامة الإنسان، فإنه يبقى بعيدا عن أن يكون مشمولا بخدمات مؤدلجي الدين الإسلامي.

و انطلاقا من هذا الاستنتاج، فإن مؤدلج الدين الإسلامي ليس سيد الناس، و ليس خادمهم، و ليس قادرا على أن يحترم كرامة الإنسان، كما هو مطلوب من المومن المسلم، و لا يسلم المسلم من لسانه، و يده، لأنه يقضي حياته يجرح في الناس الذين لا ينخرطون في عمليةأادلجة الدين الإسلامي.

و لذلك فمقولة: "آباؤكم خير من أبنائكم إلى يوم القيامة "، ليست صحيحة، إلا إذا وظفنا مبدأ النسبية في التعامل معها.

فالآباء الذين عملوا على تحقيق أفكار، و مثل عليا، اقتنعوا بها، و تحملوا مسؤولية تحقيقها، يكون لهم فضل ذلك العمل، و يتميزون به، و يضحون من أجله. و المثل العليا دائما تعمل على تجاوز الواقع المتردي، إلى ما هو أحسن، و ما هو أحسن لا يمكن أن يكون إلا انتقالا بالبشرية من تشكيلة أدنى، إلى تشكيلة أعلى ، و التشكيلة الأدنى، أو الأعلى، هي تشكيلة من صنع البشر، و ترتبط بالتحول الذي يعرفه البشر انطلاقا من واقعه الاقتصادي، و الاجتماعي، و الثقافي، و السياسي.

و البشرية عندما تساهم في عملية الانتقال إلى الأعلى، فلأن هناك من عمل، و بإخلاص، على إنضاج الشروط الموضوعية القائمة، حتى تصير مؤهلة لعملية التحول الكبرى.

و هذا العمل عندما يساهم فيه إنسان ما، فإنه يملك حق الأفضلية، في أي عصر عاش، و سواء كان ذلك العصر ماضيا، أو حاضرا. فالماضي و الحاضر يرتبطان ببعضهما ارتباطا جدليا، و ذلك الارتباط هو الذي يجعلنا نقبل بمقولة: "آباؤكم خير من أبنائكم إلى يوم القيامة "، ما داموا مساهمين في إنضاج شروط التحول الاجتماعي إلى الأحسن، و هو نفسه الذي يجعلنا نرفض هذه المقولة، إذا اعتبرنا أن الآباء، لا يرقون أبدا في تفكيرهم، و في ممارستهم الإيديولوجية، و السياسية، إلى مستوى المساهمة في إنضاج شروط التحول المطلوبة، فيصيروا بذلك دون مستوى أبنائهم الذين يصيرون خير منهم.

و على هذا الأساس نعتبر أن الشروط المتحكمة في وجود الإنسان، في مرحلة تاريخية معينة، هي التي تحدد :

هل الإنسان القديم هو الأفضل، أم الإنسان الحديث، و المعاصر ؟

هل الآباء المنتمون إلى التشكيلة الاقتصادية الاجتماعية المتخلفة، خير من المنتمين إلى التشكيلة الاقتصادية الاجتماعية المتطورة ؟

أم أن العكس هو الصحيح ؟

هل المعاصرون لنزول الوحي هم الأفضل ؟

أم الذين يعملون على تأويل ذلك الوحي لخدمة مصالحهم الطبقية ؟


هل المسلمون بمضامين ما جاء في النصوص الدينية هم الأفضل ؟

أم أولئك الذين يقضون الليالي الطوال من أجل القيام بفهم معين لتلك النصوص من أجل تحقيق غاية معينة هم الأفضل ؟

و كيفما كان الأمر، فما عاشه الأقدمون المعاصرون لنزول الوحي، و نظرا لظروفهم الاقتصادية، و الاجتماعية، التي تجعلهم عاجزين، حتى عن التفكير السليم، مما يجعلهم في مستوى تقبل ما جاء في القرءان، باعتباره شيئا جديدا، لم يكن معهودا من قبل أية جهة، و باعتباره مقاوما للتحريف الذي لحق الإيمان المحقق للوحدانية، و في مستوى حماية تلك الجدة، و ذلك التطور في الفكر، و في الممارسة، التي تؤدي إلى عملية التحول العميق في الممارسة الاقتصادية، و الاجتماعية، و الثقافية، و السياسية، حين ذلك، و نظرا للتضحيات العظيمة، التي قدموها من أجل الحفاظ على سلامة إيمانهم، و في أفق تحقيق ما اقتنعوا به، فإن أفضليتهم تبقى حاضرة، و تلك الأفضلية لا تخرجهم عن كونهم بشرا، يصيبون، و يخطئون، و لا ترفعهم إلى درجة أن من جاء بعدهم يكون ملزما بتقديسهم على جميع المستويات، و في جميع المراحل، لأنهم حينها سيصيرون شركاء لله في التقديس، و في العبادة.

كما أنه لا يجب أن نغفل ما أضافه من جاء من بعدهم. مما ساهم بشكل كبير في الانتقال من تشكيلة اقتصادية، اجتماعية دنيا، إلى تشكيلة اقتصادية، اجتماعية أعلى. و تلك الإضافات العظيمة، و في مختلف المجالات. و منها المجالات العلمية بالخصوص، ترفع أصحابها إلى مستوى الأفضلية، التي يجب أن لا تتحول إلى تقديس، بقدر ما تكرس الاحترام، و التقدير، الذي يقتضيه الحديث: "من سن سنة حسنة، فله أجرها و أجر من عمل بها إلى يوم القيامة"، الذي يشمل جميع من أفادوا البشرية، انطلاقا من شروطهم التي يعيشونها، أو عاشوها في السابق، مما يبقى أثره حاضرا في حياة النسا جميعا، سواء عاشوا قديما، أو حديثا، و بقطع النظر عن جنسهم، أو لونهم، أو لغتهم، أو عقيدتهم؛ لأن الحديث لا يحدد، و لا يرسم، سمات من "سن سنة حسنة"، بقدر ما يتركها على اطلاقيتها.

و لذلك، فالأفضلية، لا تكون إلا نسبية، لها علاقة بالزمان، و بالمكان, و بفعل الإنسان الإيجابي، و بأثر ذلك الفعل على مجمل التطور البشري، في المجالات الاقتصادية، و الاجتماعية، و الثقافية، و المدنية، و السياسية؛ مما يمهد الطريق إلى المستوى الأعلى المتطور، و المتجدد؛ سعيا إلى تحقيق رفاهية الإنسان، و تعميم تلك الرفاهية على جميع البشر، انطلاقا من المواثيق و العهود التي تمكنت الإنسانية من تحقيقها، من أجل الوصول إلى تحقيق الحرية، و الديمقراطية، و العدالة الاجتماعية، كقيم، و مثل عليا، تساهم، بشكل كبير، في تحديد: من يجب أن يرجى أن توكل إليه مهمة تحقيقها، و الحفاظ عليها، و حمايتها، حتى تكون له أفضلية ذلك، مما لا علاقة له لا بالقداسة، و لا هم يحزنون، و حتى يتم قطع الطريق أمام من يعمل على تأليه الماضي، من خلال تأليه من عاش في ذلك الماضي، بقطع النظر عن كونه قدم خدمات للبشرية، أو لم يقدمها، ليتحول بذلك الماضي و من عاشوا فيه إلى مقولات إيديولوجية للاستهلاك، ليس إلا.

و ما كان للاستهلاك الإيديولوجي، فهو لخدمة المصالح الطبقية، التي لا ترتقي إلى مستوى خدمة مصالح الطبقة المؤدلجة للماضي، و لمن عاشوا في الزمن الماضي، في ارتباط وثيق بين تلك الادلجة، و بين أدلجة الدين الإسلامي، الذي ترتبط أيضا بالزمن الماضي.





علاقة الدين بالواقع علاقة جدلية :

و إذا ثبت لدينا أن احترام الإنسان للإنسان، و تقديره، رهين بما يقدمه من تضحيات في سبيل إسعاد الإنسانية، و تحقيق رفاهيتها، فإن عملية تقديس الماضي، و تقديس الإنسان الذي عاش في الماضي، تنتفي، و بصفة نهائية، من الممارسة الدينية، ليبقى الإيمان خالصا لله، وحده لا شريكك له، و ليتحرر الإنسان من التبعية لغير الله، حتى تصير حريته جزءا من وجوده، و تتوقف، و إلى الأبد، مبررات أدلجة الدين، لأن الناس حينها يصيرون أحرارا في إيمانهم، و في معتقداتهم، و نظرا لتأثير الدين في الناس، و بسبب الاستلاب الديني للواقع، نجد أنفسنا أمام إشكالية علاقة الدين بالواقع، التي يجب النظر فيها من خلال طرح الأسئلة :

لماذا هذا الاستغراق في التدين، و بهذا الشكل المبالغ فيه في معظم الأحيان ؟

أليس الدين يسرا ؟

ألم يرد في القرءان قول الله: " إن مع العسر يسرا، إن مع العسر يسرا " ؟

أليس الدين تحقيقا لوحدانية الله كما جاء في قوله تعالى: "قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد و لم يولد و لم يكن له كفؤا أحد " ؟

أليس في تحقيق تلك الوحدة تحرر للإنسان من التبعية لغير الله ؟

و لماذا هذا الإصرار على جعل الدين في خدمة التوجهات الإيديولوجية، و السياسية ؟

لماذا يتحول الدين إلى خدمة المصالح الطبقية للطبقات القائمة على أساس أدلجة الدين الإسلامي ؟

أليس إغراق الواقع في المرض، و الفقر، و الجهل، وسيلة للتمكن من وجدان الناس، و جعلهم يعتقدون بوجود شيء اسمه الوصاية على الدين، التي لا تختلف عن الرهبانية في شيء ؟

أليست تلك الوصاية على الدين هي عين الرهبانية ؟ أليست الرهبانية تحريفا للدين ؟

أليس ذلك التحريف متناقضا مع ما جاء في القرءان الكريم ؟

أليس العمل على تمتيع الناس بحقوقهم الاقتصادية، و الاجتماعية، و الثقافية، و المدنية، و السياسية، كما هي في المواثيق الدولية؟، تحقيقا للإيمان؟، في مستواه السامي ؟

أليس تحقيق كرامة الإنسان، كما هي في قوله تعالى: " و لقد كرمنا بني آدم"، جزءا و عمقا للإيمان في الدين الإسلامي ؟

أليس التشدد في الدين عن طريق أدلجته، أو التسامح فيه، إفراز لواقع مترد، بفعل تكريس السياسات اللاديمقراطية، و اللاشعبية، أو بفعل تكريس الممارسة الديمقراطية الحقيقية، التي تكون الكلمة فيها للشعب، الذي يقرر في إطارها مصيره بنفسه ؟

أليس المؤدلجون للدين من صناعة الاستبداد الديني الذي تمارسه الأنظمة في جميع بلدان المسلمين ؟

أليس استئساد، و حرصهم على الإمساك بأجهزة السلطة رغبة في بناء استبداد بديل ؟


أليس الاستبداد البديل رجوعا بالبشرية إلى الوراء ؟

أليس تكريس التخلف هو الذي يسميه هؤلاء عودة إلى الماضي، كما يظهر ذلك، من خلال مظاهرهم، الشكلية، لرجالهم التي يسمونها إسلامية، و مظاهر نسائهم، التي يسمونها حجابا إسلاميا ؟

هل يمكن أن يقوم عدل، و أن تقوم حرية، و أن تقوم ديمقراطية، بوصول هؤلاء إلى السلطة ؟

هل يمكن أن يكون هناك تواصل طبيعي مع العالم في ظل حكم هؤلاء ؟

و عندما نجد أن عملية الاستغراق في التدين، هي السائدة في الواقع، سنجد أن ذلك الواقع، يعاني من أزمات حادة، من تجلياتها : غياب حركة متطورة، و متناسبة مع العصر، الذي نعيش فيه، و نمو حركات متخلفة، نابعة من اعتبار الماضي هدفا، يتم العمل على استعادته، ليصير جميع الناس في وجودهم، و في آمالهم، و في تطلعاتهم، رهينين بذلك الماضي، و ساعين إلى استعادته، و لو عن طريق تمثله، على مستوى الشكل، على مستوى المضمون الإيديولوجي، المتمثل في أدلجة الدين الإسلامي، حتى يكون ذلك التمثل وسيلة لتحقيق التمثل السياسي، عن طريق قيام "الدولة الإسلامية"، كما يصر الساعون إلى استعادة الماضي على تسميتها.

و لذلك فبدل الدخول في مجال غير منتج، مع الساعين إلى استعادة الماضي، و بالتصور الذي أتينا على ذكره، نرى ضرورة العمل على إيجاد حلول جذرية، و واقعية، للمشاكل التي تقف وراء تأزيم الواقع، و وراء إفراز الساعين إلى استعادة الماضي، حتى يتوجه الناس بفكرهم، و بممارستهم، إلى المستقبل، دون إغفال ضرورة الاستفادة من الماضي، كتجارب تاريخية، تزخر بالعطاءات التي لا حدود لها، من أجل الاستناد إلى تلك العطاءات، و سعيا إلى الرغبة في بناء الحاضر، في تجلياته المختلفة، و أملا في تحقيق مستقبل نوعي، تتحقق فيه رفاهية الإنسان، و تحفظ فيه كرامته، و قد يكون الواقع فعلا غير مأزوم، يتمتع فيه الناس بحقوقهم الاقتصادية، و الاجتماعية، و الثقافية، و المدنية، و السياسية، انطلاقا من وجود دستور ديمقراطي، يضمن سيادة الشعب على نفسه.

وهكذا نجد أن الاستغراق في التدين، و إفراز الراغبين في عودة الماضي، سيصبح غير وارد، و إذا ورد فإنه سيكون باهتا، و البهتان يتجلى في استماته بقايا التخلف، من أجل الاستمرار في الواقع بشكل، أو بآخر، و رغبة في الوصول إلى استعادة تأزيم الواقع، لإيجاد مبرر للدعوة إلى عودة الماضي، باعتباره مثالا للتدين الصحيح، و لينشغل الناس، من جديد، بالاستغراق في التدين.

و بذلك يتبين أن علاقة الدين بالواقع، هي علاقة جدلية، تترجح تارة في اتجاه قيام حركة جماهيرية متقدمة، و رائدة، تعمل على فرض إرادة الجماهير الشعبية الكادحة، و تارة أخرى، في اتجاه إفراز حركة متخلفة، تسعى إلى السيادة من خلال الرغبة، و السعي الحثيث، إلى عودة الماضي، و من أجل ذلك، يتم توظيف الكثير من الوسائل، التي يأتي في مقدمتها، اعتماد مكبرات الصوت، كوسيلة أساسية، لجعل الناس يتقبلون ما تدعو إليه تلك الحركة المتخلفة، على أنه هو الدين عينه.

فالواقع إذن، إما أن يكون في خدمة التقدم، إذا كانت الشروط القائمة فيه، تؤدي إلى ذلك، و إما أن يكون في خدمة التخلف، إذا اختلق تلك الشروط. و تبعا لذلك فالدين إما أن يكون خالصا لله و نابعا من إيمان صادق به، و إما أن يكون مؤدلجا، و الإيمان بالله يصير إيمانا بشيء آخر، لا علاقة له بالدين الإسلامي، الذي هو الدين الخالص لله ، لا يقبل غيره عند الله تعالى، كما جاء في القرءان الكريم: " و من يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه، و هو الآخرة من الخاسرين".

و أدلجة الدين الإسلامي، لا علاقة لها بالدين الإسلامي، لأنها تحريف له، و في التحريف شرك بالله، كما حصل في تحريف ديانة موسى، و ديانة عيسى.

فهل يتم العمل على إنضاج الشروط المؤدية إلى احترام كرامة الإنسان، حتى نحافظ بذلك على سلامة الإيمان من الشرك، و الدين الإسلامي من الأدلجة ؟

أم أن الشروط المفرزة لإهدار كرامة الإنسان، هي التي ستبقى قائمة ؟

و انطلاقا من العلاقة الجدلية القائمة بين الدين، و الواقع، من خلال الإنسان، الحامل للإيمان من جهة، و المشكل لتحولات الواقع، من جهة أخرى، نجد أن الإقرار بتحولات الواقع، من تشكيلة إلى أخرى، و التحكم في الواقع، من طبقة إلى أخرى، متجسد في قوله تعالى: " و تلك الأيام نداولها بين الناس". و هو ما يعني أن لا شيء ثابت أبدا. و الحركة لا يمكن أن تنتج إلا التطور. و هو ما يعني انتقال الإنسان في تفكيره، و في ممارسته و في رؤياه العامة، و الخاصة، من الأدنى، ثم إلى الأعلى، و من الأسوأ ثم إلى السيء، ثم إلى المقبول، ثم إلى الحسن، ثم إلى الأحسن.

و الإيمان لا يمكن أن يبقى بعيدا عن هذه التحولات، حتى و إن كان يتصف بالثبات. كما أن الإسلام، باعتباره دينا، لابد أن يتأقلم مع التحولات، التي تحصل في الزمن، و المكان، فيصير تارة منسجما مع الحرص على احترام كرامة الإنسان، و تارة أخرى يتراجع إلى الوراء، و يظهر و كأنه يتجسد في استعادة الماضي.


الحفاظ على سلامة المواطن من تحريف عمق الإيمان، و من مسلكيات المسلم :

و انطلاقا من قوله تعالى: " و تلك الأيام نداولها بين الناس"، التي نستنتج منها الإقرار بتحولات الواقع، نستطيع أن نصل في استنتاجنا: أن تلك التحولات إذا تركت لشأنها، و لم تتم عرقلتها، و تم نهج ممارسة ديمقراطية في العلاقة بين البشر، فإن تلك الممارسة، لابد أن تؤدي إلى تطور الإنسان، و تطور المجتمعات البشرية، على جميع المستويات الاقتصادية، و الاجتماعية، و الثقافية، و السياسية.

و التطور لا يكون حقيقيا إذا لم يؤد إلى تحقق الحرية، و الديمقراطية، و العدالة الاجتماعية، أي إذا لم يؤد إلى تحقيق رفاهية الإنسان، كنتيجة لتحقيق المثل السامية الثلاثة، التي تجسد سعادة الإنسان: مثال الحرية، و مثال الديمقراطية، و مثالا العدالة الاجتماعية.

و بتحقيق هذه المثل، كنتيجة للتطور الطبيعي للواقع، من تشكيلة، إلى أخرى، تتحقق سعادة الإنسان، و سلامته. و في تحقق سعادته و سلامته، يصل الإنسان إلى تحقق عمق الإيمان، و ترتقي مسلكية المسلم، و تختفي نهائيا الأفعال المؤدية إلى إهانة كرامة الإنسان، لنصل فعلا إلى إقامة العلاقة الجدلية الصحيحة بين الإيمان، و الإسلام؛ لأنه بقدر ما يتقوى الإيمان، بقدر ما ترتقي مسلكية المسلم، و بقدر ما ترتقي هذه المسلكية، بقدر ما يتعمق الإيمان. و كل تلك العلاقة لا يمكن أن تساهم إلا في تجسيد سعادة الناس جميعا، و رفاهيتهم.

و إذا أشرنا، في الفقرات السابقة، إلى أن الإيمان هو ما وقر في القلب، و أن المسلم هو من سلم المسلمون من لسانه و يده، فإن تلك الإشارة لابد أن تصب في اتجاه قيام مجتمع نوعي، ينشغل فيه الناس بعلاقاتهم الاقتصادية، و الاجتماعية، و الثقافية، و السياسية، و ينشغل فيه الأفراد بعلاقاتهم فيما بينهم، و بالله، بحكم ما وقر في قلب كل واحد منهم من إيمان، لتأكيد ما ورد في الحديث: "المومن للمومن كالبنيان المرصوص، يشد بعضه بعضا"، و قوله: " و الله لا يومن، و الله لا يومن، قيل من يا رسول الله، قال : الذي لا يأمن جاره بوائقه"، و قول الله تعالى "المومنون و المومنات بعضهم أولياء بعض".

و هذه الأقوال، و غيرها، مما لم نأت على ذكره، تؤكد حقيقة واحدة، لا مهرب منها، و هذه الحقيقة هي بناء الإنسان، و حفظ كرامته، و ضمان سلامته، و لا شيء آخر؛ لأن الله غني عن خدمات عباده. و إلا فما معنى قوله تعالى " إن الصلاة تنهى عن الفحشاء و المنكر"، و ما دلالة صلاة الجماعة، إذا لم تخدم بناء علاقات اجتماعية، و إنسانية، بين الناس المومنين/المسلمين، و ما معنى الصيام الذي لا يكون إلا لله، كما جاء في الحديث: " كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي، و أنا أجزي به"، و ما دلالة الزكاة، إذا لم تساهم في تحقيق العدالة الاجتماعية/الاقتصادية، و ما دلالة الحج، إذا لم ينتج الإخلاص في تحقيق كرامة الإنسان، كنتيجة للإخلاص في العبادة.

و نحن عندما نمعن في العبادات كلها، نجد أنها تساهم في العمل على تحقيق عمق الإيمان، المطور لمسلكية المسلم، المعني بتحقق كرامة الإنسان، و حفظ تلك الكرامة.

و إذا كان الأمر كذلك، فإن الغاية من الإيمان، و من الإسلام هي: بناء منظومة القيم النبيلة، التي يتحلى بها المومن / المسلم، في حله، و ترحاله، تجاه نفسه، و تجاه الناس، و تجاه الطبيعة، و في علاقته بالله؛ لأنه بالقيم النبيلة، يحرص المومن / المسلم على ضرورة تمتع الناس بحقوقهم الاقتصادية، و الاجتماعية، و الثقافية، و المدنية، و السياسية.

و بالقيم النبيلة، يحرص المومنون / المسلمون على بناء مؤسسات دولة الحق، و القانون، لقطع الطريق أمام إمكانية قيام الدولة "الدينية"، التي يسعى إلى قيامها مؤدلجو الدين الإسلامي، الذين يعتبرون الديمقراطية كفرا، و العلمانية إلحادا؛ لأن الإيمان، و الإسلام، بالمعنى المشار إليه، لا يتحققان إلا في إطار دولة الحق، و القانون، لأن الحق، و القانون، يقفان وراء فرض احترام كرامة الإنسان الاقتصادية، و الاجتماعية، و الثقافية، و السياسية.

و دولة الحق و القانون هي دولة ديمقراطية، ضامنة للحرية، في مستوياتها المختلفة، بما فيها حرية الاعتقاد، حتى لا تتاح الفرصة لأدلجة عقيدة معينة، من أجل أن تصير وسيلة لإقامة دولة دينية.

و لذلك فبث القيم النبيلة بين المومنين / المسلمين، و بين الناس جميعا، هي رسالة إيمانية، و إسلامية. و هذه الرسالة هي التي تحصن المومنين / المسلمين من التفكير في أدلجة الدين الإسلامي، أو من الانسياق وراء المؤدلجين، و التفرغ للانخراط في الواقع، وفق ما تقتضيه قوانين، و قيم دولة الحق، و القانون، التي تتحقق في إطارها العلاقة الجدلية بين الإيمان، و الإسلام، و تداول السلطة بين الطبقات الاجتماعية، و تسهيل عملية الانتقال من مستوى اجتماعي، إلى مستوى اجتماعي أرقى، من خلال التطور الطبيعي الحاصل في التشكيلة الاقتصادية الاجتماعية.



مكبرات الصوت وسيلة لإقلاق راحة المواطنين :

و من خلال سياق الحرص على الفهم الصحيح للإيمان، و الإسلام، في نفس الوقت، نجد أن الحاجة إلى مكبرات الصوت غير واردة، و أن ورودها، إذا حصل، لا يتجاوز وقت الآذان، ليعلم الناس أوقات الصلاة، كما لا يتجاوز داخل المسجد، و في صلاة الجمعة فقط، و تحت إشراف، و مسؤولية القيمين على المساجد، ودون أن يؤدي ذلك إلى إقلاق راحة المواطنين، كسكان يجاورون المساجد، أو كمارة، أو كعاملين في أماكن عملهم، أو في متاجرهم، أو في محترفاتهم؛ لأن الحضور إلى الصلاة، في الأوقات الخمسة، يعد اختياريا، و لا يكون واجبا إلا في صلاة الجمعة، بنص قوله تعالى: " يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله و ذروا البيع"، و ذلك في وقت صلاة الجمعة فقط، و ليس في جميع اليوم، كما دل على ذلك قوله تعالى: "فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض، و ابتغوا من فضل الله، و اذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون".

و ما يحصل في واقعنا المغربي، و في واقع كل بلد عربي، أو أي بلد من بلاد المسلمين، من مغالاة، في استعمال مكبرات الصوت، لا علاقة له لا بالإيمان، و لا بالإسلام، بقدر ما له علاقة باستغلال مكبرات الصوت، لتأبيد الاستبداد القائم، أو لفرض استبداد بديل، و باسم الدين الإسلامي، الذي يصير مؤدلجا في الحالتين معا؛ لأن الإيمان، كما أشرنا إلى ذلك في الفقرات السابقة، هو ما وقر في القلب، و ليس ما يفرض عن طريق توظيف مكبرات الصوت؛ و لأن الإسلام يوحي بالسلام بين الناس، حتى لا يؤذي بعضهم بعضا، إلى درجة الاجتهاد في المسلكية الخاصة الفردية، و المسلكية العامة الجماعية، في الحفاظ على سلامة الناس العاديين البسطاء، و لو عن طريق إماطة الأذى عن الطريق، كما جاء في الحديث النبوي الشريف، حتى يتم التأكيد بذلك، و من خلال الممارسة اليومية، على مضمون الحديث: "المسلم من سلم المسلمون من لسانه و يده".

و لذلك فالقيمون على المساجد، عندما يغالون في توظيف مكبرات الصوت، إنما ينطلقون من فهم غير صحيح للإيمان، و الإسلام. و ذلك الفهم هو الذي ينقل التقديس من الذات الإلهية، إلى المساجد، و إلى مكبرات الصوت، و من خلالها إلى أولئك القيمين الذين يصيرون مقدسين، باعتبارهم ينوبون عن الله في الأرض، و يستطيعون التواصل معه، و كأن الوحي ينزل عليهم، و كأن ذلك الوحي يعطيهم الحق في أن يتمثلوا دور الرسول ص الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه، و لا من خلفه، و مع ذلك، فهو ليس مقدسا، بقدر ما هو مكلف بتبليغ الرسالة، و هي مهمة أوكلها الله إلى الرسول محمد ص، و إلى الرسل من قبله. و هذه المهمة لا تستوجب تقديسه، بقدر ما تستوجب الإيمان بأنه رسول الله، و بأن ما يتلقاه من وحي، هو من عند الله. و هذا الإيمان يعتبر جزءا من الإيمان بالله تعالى، و لا يترتب عنه أبدا تقديس الرسول الذي ليس إلا بشرا، كما جاء في القرءان " قل إنما أن بشر مثلكم يوحى إلي"؛ لأنه بتوقف الوحي يصير إنسانا عاديا، له فضل تبليغ الرسالة، و كجزاء له على ذلك، تتم دعوة المسلمين إلى الصلاة عليه، و الدعاء له، كما جاء في القرءان: "يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه و سلموا تسليما".

و القيمون في المساجد، عندما يغالون في استعمال مكبرات الصوت، فلأنهم يسعون إلى جعل أنفسهم مقدسين، ليصيروا، بذلك، شركاء لله في القداسة، لأنهم يجعلون الناس الذين يتكونون، في غالبيتهم، من الأميين، أو من أشباه الأميين، المصابين بمرض الجهل المركب، و الذين يمكن أن نعتبر القيمين على المساجد جزءا لا يتجزأ منهم، أو من مؤدلجي الدين الإسلامي، الذين يجسدون ذلك الجهل المركب، فيعتقدون: أن أولئك القيمين، هم من يقوم بإدخال رواد المساجد إلى الجنة، و هم الذين يحولون دون ولوجهم جهنم. فكأن القيمين على المساجد يوزعون صكوك الغفران، يمينا، و شمالا، على من يقدسهم، و يعتبرهم أوصياء على الدين: أي من يعتبرهم رهبانا، مع أنه، في الدين الإسلامي، لا وجود لشيء اسمه الرهبانية، التي وقفت وراء تحريف ديانة موسى، كما وقفت وراء تحريف ديانة عيسى، كما جاء في القرءان ": و قالت اليهود عزير ابن الله، و قالت النصارى المسيح ابن الله". و هذا التحريف: هو الذي استوجب نزول قوله تعالى: "قل هو الله أحد، الله الصمد، لم يلد، و لم يولد، و لم يكن له كفؤا أحد ".

و نظرا لأنه، في الدين الإسلامي، لا وجود لشيء اسمه الرهبانية، فإن ما يقوم به القيمون على المساجد، و تنفيذا لتعليمات السلطات القائمة، في البلاد العربية، و في باقي بلدان المسلمين، و منها المغرب، بطبيعة الحال، يعتبر تحريفا للإيمان، و الإسلام، في نفس الوقت؛ لسعي هؤلاء، و من خلال ذلك التحريف، إلى جعل الدين الإسلامي، في خدمة الاستبداد القائم، أو لتمهيد الطريق أمام سيادة الاستبداد البديل. و من خلال كل ذلك، لجعل الدين الإسلامي، في خدمة مصالحهم الطبقية، و إلا فلماذا نجد أن هؤلاء يعادون كل مظاهر التطور، و الحداثة، التي تستهدف تغيير أحوال الناس الاقتصادية، و الاجتماعية، و الثقافية، والمدنية، و السياسية إلى الأحسن. كما نجدهم: يحرصون على تكريس كل مظاهر التخلف، التي يعتبرونها مجسدة للإسلام، و الإسلام منها براء، لا على مستوى العقيدة، و لا على مستوى الشريعة.

و بما أن ممارسة هؤلاء القيمين على المساجد، لا علاقة لها بحقيقة الإيمان، و بحقيقة الإسلام، فإن لجوء هؤلاء للمغالاة في استعمال مكبرات الصوت، لا علاقة لها بحقيقة الدين الإسلامي، بقدر ما لها علاقة بالمصلحة الطبقية لأولئك القيمين على المساجد، و للطبقة الحاكمة، و لمؤدلجي الدين الإسلامي، أي أن المغالاة في استعمال مكبرات الصوت، تهدف إلى نشر الفكر الظلامي، الذي يعتبرونه جزءا لا يتجزأ من الفكر الإسلامي. مع أن الأصل في الفكر الإسلامي هو أنه فكر تنويري، و الفكر الإسلامي، باعتباره كذلك، هو الذي يخرج الناس من الظلمات، إلى النور، كما تعلمنا ذلك في صغرنا، و أثناء دراستنا، و على يد أناس لا علاقة لهم بأدلجة الدين الإسلامي. أما الفكر الظلامي، الذي يعمل القيمون على نشره بواسطة مكبرات الصوت، فيعمل على إخراج الناس من النور، و يدخلهم في الظلمات، لإفساد عقيدتهم، و تحريف إسلامهم، و جعلهم ينساقون وراء القيمين على المساجد، الذين يتمثلون الظلامية على أنها هي الإسلام، وعلى أن التسليم بها هو الإيمان، من أجل أن يعتبروا قابلين للتجييش وراء مؤدلجي الدين الإسلامي، و ينفذوا أوامرهم، التي يعتبرونها أوامر إسلامية، و يساعدوهم على الوصول إلى مراكز القرار، ثم إلى امتلاك أدوات السلطة. على أن تلك المساعدة تدخل في إطار الجهاد، مع أن هذا المفهوم ارتبط بمرحلة تثبت الدين الإسلامي، في الواقع، ليس إلا.

و القيمون على المساجد، عندما يقومون بذلك، يرتكبون جرائم في حق الإنسانية، لكونهم لا يولون اعتبارا، لا للمرضى، و لا للعجزة، و لا حتى لمن يريد أن يرتاح، ليستعيد نشاطه الجسمي، و العقلي، بعد يوم العمل المضني، و بعد أن أدى الفرائض.

و لو كان هؤلاء القيمون، يولون الاعتبار لعامة الناس، ما فرضوا استعمال مكبرات الصوت، في نقل صلاة التراويح، لتفرض على الناس رغما عنهم. و من انتقد تلك الممارسة التي لا علاقة لها لا بالإيمان، و لا بالإسلام، يوصف بالكفر، و بالإلحاد، و بقلة الإيمان؛ و كأن المومنين، ملزمون، بالإيمان بمكبرات الصوت، و كأن استعمال مكبرات الصوت، من جوهر الإيمان، مع أن هذه المكبرات، كانت منعدمة، أيام نزول الوحي. و بالتالي، فالإيمان بمكبرات الصوت، يستلزم الإيمان بالقيمين على المساجد، الذي يستلزم الإيمان بالمساجد، و بالإمام، و غير ذلك، مما يؤدي إلى تعدد المستهدفين بالإيمان، من غير الله تعالى. و هو ما يعني تكريس الشرك بالله، على أرض الواقع، و جعل ذلك الشرك جزءا من الممارسة الإيمانية، التي تتناقض تناقضا مطلقا مع ما جاء به الدين الإسلامي، الذي سعى، و منذ البداية، إلى تحرير الإنسان من التبعية لغير الله، وأن تكون العلاقة بينه، و بين سائر البشر، قائمة على الاحترام المتبادل، و أن يتحدد نوع الاحترام الواجب، حسب درجة القرابة، و درجة المعرفة، و حسب الممارسة الإيمانية، للأفراد، في نفس الوقت. و إلا: فما معنى قوله تعالى: "قل هو الله أحد، الله الصمد، لم يلد و لم يولد، و لم يكن له كفؤا أحد ".

و ما يمارسه القيمون على المساجد، لا ينفي عنهم كونهم ولدوا، و يلدون، و كون ولاتهم، و أولاده،م لا تنفي عنهم أنهم كسائر البشر، مما يفرض عليهم تكريس احترام غيرهم، الذي يلزمهم بعدم إزعاج راحة الناس في بيوتهم ،وفي الشارع، و حتى في المسجد، عن طريق المغالاة في استعمال مكبرات الصوت.

و بما أن هؤلاء القيمين، لا يلتزمون باحترام الناس، على أساس اعتقادهم أنهم يشكلون سلطة دينية مقدسة، فإن مغالاتهم في استعمال مكبرات الصوت طيلة السنة، و خلال شهر رمضان، تصير أيضا مقدسة، و مكبرات الصوت التي صنعها الإنسان، أيضا مقدسة، و هذه المستويات من التقديس، تصير قائمة في الواقع، بحكم العادات، و التقاليد، و الأعراف، التي تدخل في إطار ممارسة الإنسان، التي تساهم، بشكل كبير، في تحريف مفهوم الإيمان، و مفهوم الإسلام، حتى يكون ذلك مبررا لقداستهم، التي تمكنهم من الوصاية على الدين، مما يجعلهم يوظفونه، في خدمة مصالحهم الطبقية، التي تزداد تمكنا بفعل خضوع الناس إليهم، و قبولهم بالأمر الواقع.

و لتجنب إقلاق راحة المواطنين راحة المواطنين بمكبرات الصوت، نرى ضرورة تحديد التوظيف :


1) على مستوى الصوت، الصادر عنها، إلى الناس الذين يرغبون في الالتحاق بالمساجد، من أجل الحضور إلى صلاة الجماعة. و في هذا الإطار يجب أن يراعى في الصوت أن يكون قابلا للاستيعاب، و التذوق، و الاستئناس، حتى يصير خير منبه إلى أن وقت الصلاة قد حل، حتى يؤديها الناس بشكل فردي، أو في إطار الجماعة.

2) على مستوى المجال، فإن مكبرات الصوت، يجب أن لا تسمع بالقرب من مساجد أخرى، تستعمل مكبرات أخرى، لنفس الغاية. و إلا فإنها إذا كانت تسمع بالقرب من مساجد أخرى، فإن استعمالها يصير مهزلة.

3) أن تكون الأصوات الصادرة عنها، داخل المسجد، غير مزعجة، حتى تشد انتباه الناس، و تجعلهم يتمثلون لحظة التعبد، عن طريق التخشع، الذي يصعب الوصول إلى تحققه.

4) أن لا تستعمل داخل المسجد إلا في شروط معينة، يصعب معها التركيز، عن طريق السماع العادي، و من أجل المساهمة في مساعدة المومنين، على تحقق التأمل، و الخشوع اللذين يستلزمها، انخراط المومن، في أداء الصلاة.

5) أن يكون استعمالها هادفا: إلى جعل المصلين ينسجمون مع أجواء أداء شعائر الصلاة، من بدايتها إلى نهايتها، و يستفيدون مما يلقى داخل المسجد، من أحاديث، و محاضرات، تهم الأمور الدينية، و الدنيوية، على السواء، حتى يتسلح بالقيم النبيلة، التي تجعل علاقته الإيمانية بالله خالصة لوجهه، و بالقيم التي تجعل علاقته بالناس، أنى كان معتقدهم، أو جنسهم، أو لونهم، أو عرقهم، مطبوعة بالاحترام المتبادل، الذي يرتفع بمسلكية المومن إلى المستوى الإنساني.

6 ) أن لا يتجاوز سماعها الفضاء الداخلي للمسجد، حتى لا تتحول مكبرات الصوت إلى وسيلة لإقلاق راحة المواطنين.

و ما سوى هذه الحدود المقبولة، و الواضحة، فإن أي مغالاة في استعمال مكبرات الصوت، سوف تكون من أجل فرض الاستبداد القائم، أو العمل على فرض استبداد بديل، و العمل على جعل الناس البسطاء، يعتبرون أن ما يمارس: هو حقيقة الدين الإسلامي، و أن تحمل إزعاج مكبرات الصوت، لراحتهم يعتبر جزءا من الإيمان، و من الإسلام، حتى ترتفع قيمة المستبدين المستغلين للدين الإسلامي، أو حتى يلتف حول من يسعى إلى فرض استبداد بديل، لتترسخ بذلك مكانتهم، و ليتحول بذلك الدين من ممارسة لعبادة الله، إلى ممارسة لعبادة المساجد، و ملحقاتها، بما فيها مكبرات الصوت، لتفقد بذلك عبادة الله الواحد، الأحد، قيمتها، و ليصير الإنسان بسبب ذلك مستعبدا، بدل أن يتحرر من التبعية لغير الله.

فهل ما يجري على أرض الواقع هو الدين عينه ؟

و هل تم اختصار الإيمان في ممارسة الشكليات ؟

و هل تلك الشكليات تمكن الإنسان من تمثل حريته ؟

و هل يستطيع بواسطة الانسياق وراء تلك الشكليات أن يتمثل حقيقة الإيمان، و أن يمارس حقيقة الإسلام ؟

و هل الغاية من الدين هي تحقيق كرامة الإنسان، أم أنها شيء آخر ؟

و هل في الإمكان وصول الإنسان إلى درجة التمثل الإيماني الحقيقي، دون أن تتحقق مع ذلك التمثل كرامة الإنسان المتجسدة في تمتيعه بحقوقه الاقتصادية، و الاجتماعية، و الثقافية، والمدنية و السياسية ؟

أليست الغاية، من المغالاة في الشكليات، التي من بينها إزعاج راحة المواطنين، هي من صرف أنظار الناس عن حقوقهم الاقتصادية، و الاجتماعية، و الثقافية، والمدنية، و السياسية ؟

أليس الحرمان من التمتع بمختلف الحقوق، تكريسا للاستبداد ؟

ألا يتم التطابق، فيما يمارس، بين الدين، و الاستبداد ؟

أليس ذلك التطابق مبررا لاعتبار الرافضين للاستبداد خارجين عن الدين ؟

و أين نحن بذلك مما جاء في القرءان الكريم، الذي سعى إلى تحرير الإنسان من التبعية لغير الله ؟

ألا ينطبق على هؤلاء المغالين في الشكليات، قوله تعالى: "قالت الأعراب آمنا، قل لم تومنوا، و لكن قولوا أسلمنا، و لما يدخل الإيمان في قلوبكم " ؟


أليس هؤلاء، ممن انتقد القرءان الكريم ممارستهم ،عندما قال: " إنا وجدنا آباءنا على أمة و إنا على آثارهم مقتدون"، و عندما قالأيضا: " انا وجدنا آباءنا على أمة و إنا على آثارهم مهتدون "؟

أليس ذلك مخالفا لحقيقة الإسلام ؟

هل يدركون مغزى قوله تعالى: " و من يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه، و هو في الآخرة من الخاسرين" ؟

و بناء على ذلك: أليست المغالاة في استعمال مكبرات الصوت خروجا على الإسلام، و تحريفا لحقيقة الإيمان ؟

إننا بطرح هذه الأسئلة، و غيرها، لا نسعى إلا إلى استعادة العقل العلمي، و التنويري، الذي غاب، و بصفة نهائية من فكر ، و من ممارسة المسلمين، لأن حضور العقل العلمي، و التنويري، هو الضمانة الأساسية، و المركزية، لحماية الدين الإسلامي من التحريف، عن طريق الادلجة الرسمية، و غير الرسمية، المبررة للمغالاة، في الشكليات التي يأتي على رأسها استعمال مكبرات الصوت، الذي له علاقة بإزعاج راحة المواطنين.

و لنا العبرة في قوله تعالى: "إن أنكر الأصوات للصوت الحمير". و نكران صوت الحمير، سببه إزعاج راحة المواطنين.

و مبرر القبول بأصوات الحمير، هو كونها لا تعقل.

أما القيمون على المساجد فيعقلون، أي يدركون ما يفعلون، و يخططون له، و تلك هي الطامة الكبرى.


خلاصة عامة :

و نحن عندما نلجأ إلى معالجة موضوع : " مكبرات الصوت في شهر رمضان و تكريس إزعاج راحة المواطنين"، فلأننا نرغم على معالجة من هذا النوع من جهة، و لأن طبيعة التعامل مع هذه المكبرات، وفي هذا الشهر، تكاد تجنح إلى تقديس هذه المكبرات، و جعلها جزءا لا يتجزأ من المقدس الجمعي، و هو أمر مخالف لحقيقة الإيمان، و لحقيقة الإسلام.

و لجعل الرؤيا واضحة، بما فيه الكفاية، في الموضوع الذي اخترناه للمعالجة، حاولنا مقاربة الفهم الصحيح للدين الإسلامي، و وضحنا: أن الإيمان ما وقر في قلوب المومنين، و ليس في مكبرات الصوت، التي تعلو سطوح المساجد، و المآذن، و عملنا على تحديد مسؤولية: من يستهدف تحريف طبيعة الإيمان، و وقفنا على ما يجب عمله لرد الاعتبار لحقيقة الإيمان، و حاولنا مقاربة الجواب على السؤال: " هل يمكن الرجوع إلى ما كان عليه المسلمون الأوائل ؟"، و السؤال: "و هل يرتفع المسلمون الأوائل إلى مستوى المقدس؟ أم أنهم مجرد بشر يصيبون، و يخطئون ؟" و السؤال: "هل يصح الاستمرار في ترديد مقولة : آباؤكم خير من أبنائكم إلى يوم القيامة ؟ و عملنا على توضيح: أن العلاقة القائمة بين الدين، و الواقع، هي علاقة جدلية، و عملنا على مقاربة فهم: " و تلك الأيام نداولها بين الناس"، و وضحنا: أن الحرص على سلامة المواطنين من عمق الإيمان، و بينا: أن الغاية من الدين الإسلامي، هي بث القيم النبيلة بين جميع البشر، أنى كان لونهم، أو جنسهم، أو لغتهم، أو عقيدتهم، لتحقيق السلام بينهم، و سجلنا: أن مكبرات الصوت في مختلف المساجد هي مجرد وسيلة لإقلاق راحة المواطنين فقط،ولا تستغل أبدا لمساعدة المسلمين، في كل بلد من بلدان المسلمين، على التعاطي مع أمور دينهم، في مختلف المناسبات الدينية، بروية، و بحكمة، و منها: مناسبة شهر رمضان، و في مناسبات الصلوات الخمس، و مناسبة صلاة الجمعة، و وقفنا على حدود توظيفها في المساجد، من القيام بإعلام ديني هادف، و دون إقلاق لراحة المواطنين، و وقفنا على دور تلك الحدود في تعميق الإيمان، و في تحقيق غاية الدين الإسلامي، و من أجل مساجد منفتحة على المحيط، و معدة إعدادا جيدا لنشر القيم النبيلة، التي تعمل على تحقيق الكرامة الإنسانية في الواقع الاقتصادي، و الاجتماعي، و الثقافي، و المدني، و السياسي.

فهل تتم إعادة النظر فيما يجري في الواقع: واقع المومنين، و واقع المسلمين، و واقع المساجد، و واقع القيمين على تلك المساجد ؟

و هل يمكن أن نعتبر أن الدين الإسلامي جاء هدى، و رحمة للناس، و ليس إزعاجا لراحة المواطنين ،سواء آمنوا بالدين الإسلامي، أم لم يومنو به، من منطلق أنه: "لا إكراه في الدين " كما جاء في القرءان الكريم ؟

ألا نعتبر أن الهدى، و الرحمة، تغيب غيابا مطلقا، من مسلكية المواطنين، عندما نجعلهم منزعجين بأصوات مكبرات الصوت المزعجة ؟

هل استخلصنا العبرة من قوله تعالى: " إن أنكر الأصوات لصوت الحمير" ؟

أليست الأصوات المنبعثة من مكبرات الصوت، و بتلك الطرق الهمجية، و خاصة في شهر رمضان، تشبه صوت الحمير ؟

ألا يدل ما يقوم به القيمون على المساجد، و من يوجههم، على القصور في فهم طبيعة الإيمان، و طبيعة الإسلام في نفس الوقت ؟

أليس ذلك القصور مدعاة للقول: بأن المراجعة الشاملة لمسلكية القيمين على المساجد صارت واجبة ؟

ألا تستلزم تلك المراجعة وجود قوانين رادعة ؟

ألا نعتبر أن تلك المراجعة تؤدي دور حماية المساجد من الاستغلال في الأمور الإيديولوجية، و السياسية ؟

و نحن عندما نعالج هذا الموضوع، فلأننا نمتلك الشجاعة الكافية، و الإيمانية، و الإسلامية، و لقول الحق، مهما كان مرا، حتى و إن أدى إلى لجوء همج مؤدلجي الدين الإسلامي إلى إصدار فتوى قطع الرأس؛ لأن مثل هؤلاء ينحرفون عن الدين الإسلامي، و يجعلون منه دينا للشرك بالله، و لأننا في نفس الوقت لا نخشى في الله لومة لائم.

و هدفنا من هذه المعالجة: هو إثارة الانتباه إلى أن ما يجري في مختلف المناسبات الدينية، بما فيها مناسبة شهر رمضان، و المغالاة في استعمال مكبرات الصوت، لا علاقة له لا بحقيقة الإيمان، و لا بحقيقة الإسلام، حتى يتم العمل من أجل تجسيد مفهوم الآية الكريمة: " و أن المساجد لله فلا تدعو مع الله أحدا"، و حتى يتم استغلال المساجد فيما فيه مصلحة لجميع الناس، و حتى يتم استبعاد استغلالها من قبل أناس يعملون على تحريف عقيدة المسلمين. ولنا العبرة في قوله تعالى " يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر و أنثى و جعلناكم شعوبا و قبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله اتقاكم"؛ لأن هذه الآية استهدفت جميع الناس، بقطع النظر عن كونهم مسلمين، أو غير مسلمين، حتى نتصرف، نحن، على هذا الأساس، و حتى يتجنب القيمون على المساجد إزعاج راحة المواطنين، أنى كان معتقدهم، أو لا معتقد لهم، و في ذلك فليتنافس المتنافسون.



#محمد_الحنفي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بمناسبة الدخول الاجتماعي:2006 / 2007: نقطة نظام: الانتهازية ...
- بمناسبة الدخول الاجتماعي:2006 / 2007: نقطة نظام: الانتهازية ...
- بمناسبة الدخول الاجتماعي:2006 / 2007: نقطة نظام: الانتهازية ...
- بمناسبة الدخول الاجتماعي:2006 / 2007: نقطة نظام: الانتهازية ...
- بمناسبة الدخول الاجتماعي:2006 / 2007: نقطة نظام: الانتهازية ...
- حول الموقف من تصريحات -بابا- الفاتيكان المتعلقة برؤيته للدين ...
- بمناسبة الدخول الاجتماعي:2006 / 2007: نقطة نظام: الانتهازية ...
- بمناسبة الدخول الاجتماعي:2006 / 2007: نقطة نظام: الانتهازية ...
- بمناسبة الدخول الاجتماعي:2006 / 2007: نقطة نظام: الانتهازية ...
- بمناسبة الدخول الاجتماعي:2006 / 2007: نقطة نظام: الانتهازية ...
- بين مبدئية الك.د.ش. وانتهازية بعض الكونفدراليين، يصير العمل ...
- بمناسبة الدخول الاجتماعي:2006 / 2007: نقطة نظام: الانتهازية ...
- بمناسبة الدخول الاجتماعي:2006 / 2007: نقطة نظام: الانتهازية ...
- هل تفعل الك.د.ش. مبادئ النقد، والنقد الذاتي، والمحاسبة الفرد ...
- بمناسبة الدخول الاجتماعي:2006 / 2007: نقطة نظام: الانتهازية ...
- بمناسبة الدخول الاجتماعي:2006 / 2007: نقطة نظام: الانتهازية ...
- هل يحقق الانتهازيون النقابيون بعضا من فتات تطلعاتهم الطبقية ...
- بمناسبة الدخول الاجتماعي:2006 / 2007: نقطة نظام: الانتهازية ...
- بمناسبة الدخول الاجتماعي:2006 / 2007: نقطة نظام: الانتهازية ...
- رسالة مفتوحة الى المكتب التنفيذي للك.د.ش: هل هناك وضوح في صر ...


المزيد.....




- 82 قتيلا خلال 3 أيام من أعمال العنف الطائفي في باكستان
- 1 من كل 5 شبان فرنسيين يودون لو يغادر اليهود فرنسا
- أول رد من الإمارات على اختفاء رجل دين يهودي على أراضيها
- غزة.. مستعمرون يقتحمون المقبرة الاسلامية والبلدة القديمة في ...
- بيان للخارجية الإماراتية بشأن الحاخام اليهودي المختفي
- بيان إماراتي بشأن اختفاء الحاخام اليهودي
- قائد الثورة الاسلامية آية الله‌خامنئي يصدر منشورا بالعبرية ع ...
- اختفاء حاخام يهودي في الإمارات.. وإسرائيل تتحرك بعد معلومة ع ...
- إعلام العدو: اختفاء رجل دين اسرائيلي في الامارات والموساد يش ...
- مستوطنون يقتحمون مقبرة إسلامية في الضفة الغربية


المزيد.....

- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - محمد الحنفي - مكبرات الصوت في شهر رمضان، و تكريس إزعاج راحة المواطنين ..... !!!.....؟