|
إسرائيل بعد الانتخابات، وصلنا إلى حافة المنزلق الخطر
جواد بولس
الحوار المتمدن-العدد: 7422 - 2022 / 11 / 4 - 04:33
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
أكتب مقالي هذا قبل نشر نتائج الانتخابات الاسرائيلية الرسمية؛ فالصورة العامة التي كشفت عنها صناديق الاقتراع واضحة وهي تؤكّد على أننا سنواجه في الحقبة القريبة القادمة اكتمال تشكيل نمط حكم سياسي جديد مختلف عمّا واجهناه منذ اقامة دولة إسرائيل وحتى أيام الحكومة السابقة.
أعرف أن الكثيرين من أبناء مجتمعي العربي سيعترضون على هذا التوصيف، لأنهم يساوون بين سياسات الحكومات الاسرائيلية السابقة، منذ عهد دافيد بن غوريون حتى عهد حكومة يئير لبيد، تجاه المواطنين العرب وما ستفعله حكومة نتنياهو سموطريتش بن جبير وحلفائهم من الاحزاب الصهيونية والمتدينة. لقد عاملت جميع حكومات اسرائيل المتعاقبة مواطني الدولة العرب بعنصرية ممنهجة سافرة وأحيانًا بقمع دموي قد أسقط، في بعض محطات المواجهة الساخنة، الضحايا العرب مثل ما حصل في مواجهات يوم الارض عام 1976 ومواجهات أكتوبر عام 2000 وفي حالات اعتداء فردية كثيرة.
من الصعب طبعًا اقناع العديدين من شرائح المجتمع العربي بوجود فوارق خطيرة بين نظام الحكم العنصري الذي اقرت "ديمقراطية" قادته العرجاء، بعد فشلهم بتهجير ابائنا إبان النكبة، بضرورة معاملة المواطنين العرب بمساواة منقوصة، في حين كانوا يمارسون ضدنا سياساتهم العنصرية بشتى الأساليب والذرائع، وبين نظام "كامل الفاشية" سوف يتعاطى ويتصرف معنا حتمًا وفق مفاهيم تقضي بضرورة تلقيننا، نحن المخربين حسب قاموسهم، خلاصات قناعاتهم، "القومودينية"، ومفادها انهم "أصحاب هذا البيت وسادة هذه الأرض"، ولن يقبلوا معهم في هذه المساحة شريكًا ولا نزيلا.
لقد أخفق جميع قادة الاحزاب العربية ومؤسساتنا القيادية الأساسية، اللجنة العليا لمتابعة شؤون المواطنين العرب واللجنة القطرية للرؤساء، ومعهما معظم مؤسسات المجتمع المدني، بتذويت الفوارق بين الحالتين وبتعبئة المواطنين وبتنظيمهم استعدادًا لمواجهة لحظة الحسم، وذلك كما تجلّت مواقف الجميع ازاءها قبل وخلال المعركة الانتخابية.
لقد آثرت أن أكتب مجددًا عن مخاطر ما أفضت اليه نتائج الانتخابات، وأبتعد متعمّدًا، على الاقل في هذه المرحلة، عن معالجة تداعياتها وتحليل نتائجها المقلقة؛ فكثيرون سيشرعون باستلال اقلامهم واغراقنا بهذه التحاليل ولا حاجة لمزيد، ولقناعتي بعدم وجود جدوى من اي انتقاد لاصحاب المواقف ولكيف مارسوها قبل وفي يوم الانتخابات، ولأن ما يهمني اليوم هو كيف سنواجه ما ستفضي اليه هذه النتيجة في اليوم التالي لاقامة حكومة نتنياهو المتوقعة.
قد يراهن البعض على أن الحكومة القادمة، مهما كانت يمينية قومية متدينة ومتطرفة، لن تجرؤ على القيام بما لم تجرؤ عليه سابقاتها. لا أعرف من اين يجيء هؤلاء بهذه القناعة، خاصة بعد أن سمعنا وعود عشرات النواب، من معظم احزاب الإئتلاف المرتقب، لناخبيهم وتعهداتهم بتطبيق مواقفهم الفاشية تجاه الفلسطينيين بشكل عام وتجاهنا، نحن المواطنين العرب، على وجه التحديد؛ وسمعنهاهم أيضًا يجاهرون بمخططاتهم لاستكمال عناصر احكام سلطتهم على جميع مرافق الدولة وتمكينهم، كحكومة ووزراء، من تجسيد عقائدهم "القومودينية" لتأكيد فوقية الشعب اليهودي وتسيّده على أرض اسرائيل ومن يسكنها من الاغيار، من دون منازع وكما وعدهم ربّهم.
سيكون "قانون القومية" مجرد متكأ لما يخططون له، فمنه سينطلقون للاستيلاء الكامل على المحكمة العليا الاسرائيلية، وذلك من خلال تغيير قانون انتخاب قضاتها وتفويض الحكومة بتعيينهم، أو على الاقل، بضمان أكثرية حكومية في لجنة التعيينات؛ كما وسيبادرون مباشرة إلى سن قانون يخول الكنيست سلطة الغاء قرارات المحكمة العليا، عندما تتدخل هذه المحكمة وتلغي قانونًا لا يتماشى مع مباديء الديموقراطية والمساواة وغيرها. هكذا صرّح قبل يومين، عضو الكنيست عن الليكود ميكي زوهر، عندما سئل عن نشاطه الاول في الحكومة المقبلة، وأضاف أنهم سيشرّعون في اليوم الأول قانونًا "يحظر على العرب في إسرائيل رفع العلم الفلسطيني وسحب جنسية كل مواطن يرفعه". لن يكفي مقال لجرد قائمة ما ينوون تنفيذه بعد استلام الحكومة؛ فالنائبة ميري ريغف مثلًا ستبدأ بتنظيف الوزارات من طبقة الموظفين المهنيين، التكنوقراط، لان هؤلاء الموظفين يعرقلون تنفيذ قرارت الحكومة في أحيان كثيرة ويتوجب التخلص منهم. بينما اعلن سموطريتش انه اذا اصبح وزيرًا للجيش فسيدفع بوحداته النظامية الى شوارع المدن المختلطة لتضمن تلك القوات احقاق النظام والأمن هناك. وفي المقابل صرح زميله في القائمة ايتمار بن جفير الذي يطالب بحقيبة الامن الداخلي على انه سيبدأ مباشرة بتغيير تعليمات اطلاق النار "فلن تلقى،بعد اليوم، الحجارة والصخور على عناصر الشرطة دون ان نأذن لهم باطلاق النار. سنمنح حصانة شخصية لكل شرطي، وفي كل حدث وحادث يحصل على خلفية قومية ستمنح الجنود وللشرطة حرية العمل" . لن أسهب حول كيف يفكر هؤلاء تجاه العرب/المخربين وممثليهم في الكنيست ففكرة تهجيرنا / الترانسفير لم تعد مجرد هواجس صهيونية كما كانت في السنوات الخوالي بل اصبحت خطة ناجزة تنتظر فرصة مؤاتية لتنفيذها في ظل الحكومة القادمة.
من الواضح أن عناصر النظام القادم تعمل على تطوير منظومة أدوات متكاملة لادارة الحكم ولتثبيته وفقًا لمفاهيمها ولأهدافها، ولملاحقة جميع "اعداء الدولة والنظام" ومعاقبتهم، بدءًا من عامة الناس ومرورًا بطلاب الجامعات والموظفين، وحتى الأطباء والمحامين والمحاضرين في الجامعات. فهناك من سيراقب سلوك الجميع اليومي ونشاطاتهم المرئية والفيسبوكية وغيرها؛ وما مارسته حكومات نتنياهو سابقًا سيظهر كتدريبات تمهيدية على ملاحقات عرقية ستطال جميع شرائح مجتمعنا بدون تمييز وحساب.
نقلت مواقع الاخبار قبل أيام معدودة عن رئيس لجنة الخارجية والامن في الكنيست النائب عن حزب يش عتيد ، بن براك تصريحًا مفاده إنه على قناعة "ان عودة رئيس المعارضة (يقصد نتنياهو) للسلطة مع حزب " الصهيونية المتدينة" ستكون بداية النهاية فهذا تحالف خطير" ؛ وبعد تأكيده على وجود الاختلاف والفارق بين الحالتين أضاف مؤكدًا على أن "هتلر اعتلى سدة الحكم بصورة ديمقراطية ، فبناء الديمقراطية يتم خلال سنوات ولكن من السهل هدمها". ورغم تأكيده على وجود اختلاف فقد اثارت اقواله عاصفة داخل اسرائيل على جميع الصعد. ألنا في هذا التصريح عبرة؟
يؤسفني أن الصراعات والملاسنات بين قادة ونشطاء داخل الاحزاب العربية ما زالت مستعرة؛ وذلك بدل أن يقوموا بمراجعة تبعات الهزيمة التي تحققت، وهي هزيمة حتى لو اعتبرها البعض نصرًا، واعلامنا ماذا سيفعل كل "تيار" منهم في مواجهة خطر الفاشية الداهمة. فأنا لا اعتقد ،كما كتبت في الماضي، أنهم يملكون رؤية واضحة من الممكن تحويلها الى خطة عمل مؤثرة وناجعة وتتعدى شعاراتهم الهوياتية الحزبية وحسب.
أعرف أن زرع الأمل في نفوس الناس هو المقدمة الأولى لصمودهم ولثباتهم وأنا طبعًا أوافق على ذلك؛ بيد ان الأمل مهما دثّرناه بالعواطف الصادقة، لن يكفي لصد قطعان الفاشيين الذين تتأهب كتائبهم لاختلاق الذريعة والانقضاض على مواقعنا. قد تكون المدن المختلطة، كما صرّحوا، هي اول المعاقل المهاجمة في المستقبل القريب، واذا حصل ذلك سيتصدى لهم اهل المدن وسيدافعون عن "البيت والعرض" ببسالة طبعًا. ولكن لن يضير القادة اذا تذكروا اليوم ما قاله "لاعب النرد" وفكّروا بالجنود الذين سيدفعون أرواحهم أثمانًا من دون ان يعرفوا من المهزوم ومن انتصر .
#جواد_بولس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عندما تصير أرحام امهاتنا أعداء لاسرائيل
-
صوّت تحمي حقّك، همسات قبل معركة حاسمة
-
عدل اسرائيلي مغشوش وذاكرة فلسطينية شعبية قصيرة
-
أسرى الأمل في فلسطين : جوع وموت في سبيل الحرية والكرامة
-
حين تصبح الكنيست بيتًا مرغوبًا للحركة الوطنية الفلسطينية
-
انشطار القائمة المشتركة وسياسة النجوم
-
الطريق الثالث..كل الطرق تؤدي الى الطاحون
-
مرسيل خليفة..في الطريق إلى القدس
-
في أيلول الفلسطيني، موحدون في وجه السجان
-
كيف نتصدّى - للافا- النتنياهوية
-
القائمة المشتركة: سيل نزّاز خير من نبع مقطوع
-
حمّى البحر المتوسط
-
على عتبات المحكمة العليا الاسرائيلية - سذج وحالمون
-
وقفة عابرة على عتبة الكنيست
-
ملاحظتان عن زيارة بايدن
-
هواجس أوّلية قبل معركة ساخنة
-
غافلون على رصيف معركة إسرائيلية جديدة
-
من كهانا إلى كهانا تولد مملكة إسرائيل وتترسخ
-
سيصير يومًا خليل عواودة ما يريد
-
القدس بعد - عهد الفيصلية-
المزيد.....
-
من قوته إلى قدرة التصدي له.. تفاصيل -صاروخ MIRV- الروسي بعد
...
-
نجل شاه إيران الراحل لـCNN: ترامب و-الضغط الأقصى- فرصة لإنشا
...
-
-لقد قتلت اثنين من أطفالي، فهل ستقتل الثالث أيضا؟-: فضيحة وف
...
-
كيم: المفاوضات السابقة مع واشنطن لم تؤكد سوى سياستها العدائي
...
-
الوكالة الدولية للطاقة الذرية تعتمد قرارا ينتقد إيران لتقليص
...
-
ZTE تعلن عن أفضل هواتفها الذكية
-
مشاهد لاستسلام جماعي للقوات الأوكرانية في مقاطعة كورسك
-
إيران متهمة بنشاط نووي سري
-
ماذا عن الإعلان الصاخب -ترامب سيزوّد أوكرانيا بأسلحة نووية-؟
...
-
هل ترامب مستعد لهز سوق النفط العالمية؟
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|