أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - صلاح الدين ياسين - كتاب -الدولة المستحيلة: الإسلام والسياسة ومأزق الحداثة الأخلاقي-: هل الدولة الدينية ممكنة في ظل الشروط الراهنة؟















المزيد.....


كتاب -الدولة المستحيلة: الإسلام والسياسة ومأزق الحداثة الأخلاقي-: هل الدولة الدينية ممكنة في ظل الشروط الراهنة؟


صلاح الدين ياسين
باحث

(Salaheddine Yassine)


الحوار المتمدن-العدد: 7416 - 2022 / 10 / 29 - 16:32
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


يُعد هذا الكتاب البحثي من أبرز أعمال وائل حلاق، الباحث المختص في الدراسات الفقهية، وتاريخ الفكر الإسلامي. إن أطروحة الكتاب الرئيسية بسيطة، ومؤداها أن نموذج الحكم الإسلامي المعياري، الذي ما انفك يستهوي بعض معاصرينا، يتعذر قيامه في ضوء الصيغة الراهنة من التنظيم السياسي، ونعني بذلك الدولة الحديثة. وفي مسعى منه لإثبات فرضيته، لا يغوص المؤلف في جدال نظري حول ما إذا كان الإسلام دينا ودولة أم دينا فقط. كما أنه لا يسبغ هالة من القداسة على الحداثة، أو يزعم بأنها أقصى مراحل التطور الحضاري، بقدر ما يتساءل - من منطلق عملي وواقعي - حول ما إذا كان نموذج الحكم الإسلامي ممكن التحقق باستحضار الشرط السياسي والحضاري الراهن.
إن مضمون الدولة الحديثة يظل عرضة للتغيير، فقد يتداول على حكمها ليبراليون ويساريون ومحافظون وغيرهم، إلا أن خواصها الشكلية تتسم بالثبات، لكونها تُشَكل جوهر الدولة الحديثة، التي لا يُتصور قيامها من دونها. ويمكن حصرها، بنظر المؤلف، في خمسة محددات أساسية على النحو التالي: أن الدولة الحديثة هي نتاج أوروبي خالص، السيادة الشعبية كبديل للحكم الثيوقراطي، احتكار العنف المشروع كوسيلة لضمان إنفاذ القوانين، الجهاز البيروقراطي للدولة (لاحظ ماكس فيبر أنه بالرغم من الثورات العديدة التي عرفتها الدولة الحديثة، وما أفضت إليه من تحولات، ما فتئ الجهاز البيروقراطي والإداري للدولة عنصرا أساسيا في تشكيلها)، وصولا إلى خاصية الهيمنة الثقافية للدولة.
وعليه انصرف الكاتب إلى تناول تلك الخواص الجوهرية في تشكيل الدولة الحديثة لبيان مدى تَعَارضها مع أي نموذج للحكم الإسلامي:

الطابع المتناقض لمفهوم "الدولة الإسلامية"
إن وصف "إسلامية" لا يسعه أن ينطبق على الدولة الحديثة، بالنظر إلى أن هذه الأخيرة، بما هي الشكل السائد للتنظيم السياسي، نشأت في سياق تاريخي ومكاني خاص، متصل بالظرف الأوروبي في عصر الحداثة والتنوير، بعد قرون مريرة من الصراعات المذهبية والطائفية، وسيطرة الكنيسة على مفاصل المجتمع والحكم. وقد وفرت نظريات العقد الاجتماعي الأساس النظري للدولة الحديثة، بحيث أقامت مشروعية الحكم على أساس تعاقدي ووضعي، عوضا عن مصادر المشروعية التقليدية القروسطية (= الحق الإلهي المطلق للحكام، القانون الطبيعي... إلخ).
وفي المقابل، لم تعرف البلاد الإسلامية على امتداد قرون طويلة أي مظهر للدولة الحديثة، قبل الاحتكاك بأوروبا في الحقبة الإمبريالية إبان القرنين السابقين، إذ كان القانون الأخلاقي للشريعة هو السائد والمنظم للحياة الاجتماعية. لكن الاستعمار قد أَفرغَ قانون الشريعة الأخلاقي من محتواه، حين أقدم على تفكيك النظام الاجتماعي والاقتصادي والسياسي، الذي كانت تنظمه الشريعة دون هوادة، مؤذنًا ببداية احتكاك الفضاء الإسلامي بأشكال وهياكل الدولة الحديثة. ومن ثم، نخلص إلى أن الدولة الحديثة هي منتوج أوروبي خالص، سرعان ما عملت الدول الأوروبية على تصديره إلى مستعمَراتها في مختلف قارات العالم.

السيادة للأمة في مقابل سيادة الخالق
يُعد مفهوم السيادة من أبرز خصائص الدولة الحديثة، إذ كان يحيل، منذ العصر الوسيط، إلى تأكيد سيادة الدولة على حساب تَفَوق الكنيسة وقوى الإقطاع، بفضل آراء ثلة من المفكرين القانونيين (من أبرزهم مارسيل دو بادو)، ثم ما لبث أن اصطبغ المفهوم بصبغة خاصة - تزامنًا مع ظهور الدولة الحديثة - سواء لجهة مصدر السيادة، أو تجسيدها الفعلي.
إن مصدر السيادة في الدولة الحديثة هو الأمة أو الشعب، وتتجسد (أي السيادة) في القانون الوضعي، الذي يسنه ممثلو الأمة المُنتخَبون من لدن الشعب. وغني عن البيان أن المفهوم الحديث للسيادة يستمد جذوره النظرية من رواد الفكر السياسي الحديث، وفي مقدمتهم جان جاك روسو، الذي أفاض في الحديث عن السيادة الشعبية في مؤلفه "العقد الاجتماعي". وعلى الضفة الأخرى، يقابل تعبير السيادة في نموذج الحكم الإسلامي مفهوم الحاكمية، حيث السيادة تنبع من الخالق، وتتجسد في قانون الشريعة الأخلاقي.
الذات السياسية كنقيض للذات الأخلاقية
يذهب المفكر الألماني كارل سميث (1888-1985) إلى أن الدولة الحديثة، هي فضاء للصراع والعنف بامتياز، فالغاية الأسمى هي بقاء واستمرارية الدولة، بصرف النظر عن الاعتبارات الأخلاقية الصرفة. وهكذا فإن النطاق المركزي (بتعبيره) لهذا الشكل الحديث من التنظيم السياسي هو الاقتصاد والسياسة. أما القضايا المتصلة بالأخلاق، فلا تتجاوز كونها نطاقات ثانوية. وعليه ثمة فصل في الدولة الحديثة بين القانون والأخلاق المعيارية، فوظيفة القانون هي محاولة حل المشاكل الوضعية، وليس خلق الحياة المثالية الفاضلة، أو إدخال الناس إلى الجنة، ذلك أن ما هو أخلاقي يعود تقريره إلى ضمير ووجدان الفرد.
تأسيسا على ذلك، وفي أعقاب تَشَكل الدولة الحديثة، ونجاحها في بسط سلطانها على مجمل إقليمها الترابي، بفضل خاصية احتكار العنف المشروع، وجهازها البيروقراطي، سرعان ما فطن حكامها إلى أن فرض السيادة عن طريق استعمال وسائل الضبط والإكراه لوحدها (الشرطة، الجيش... إلخ) لا يعد كافيا، إذ لا مناص من إنجاز مشروع مواز للهيمنة الثقافية على المجتمع، والتوغل فيه رمزيا وإيديولوجيا، مما يصب في صالح خلق المواطن النموذجي، المستعد للتضحية بنفسه في سبيل بقاء الدولة وتَفَوقها. ومن هنا سَيُمَثل إحداث المدارس والجامعات، وإقرار التعليم النظامي، الخطوة الأولى في مشروع الهيمنة الثقافية، إذ ستعكس المناهج التعليمية إيديولوجيا الدولة الحديثة، وأولوياتها، وبرامجها.
وإذا كانت الدولة الحديثة معنية، في المقام الأول، بخلق ذات سياسية – قومية - مواطنة، فإن نموذج الحكم الإسلامي لا يعترف سوى بالذات الأخلاقية، المستوحاة من تعاليم الشريعة. وهكذا يشدد المؤلف على أن الإسلام لم يعرف في تاريخه مفهوم التجنيد الإجباري، بل حتى التضحية في سبيل الله والدين الإسلامي لم تكن ملزمة، فلئن كان الجهاد (خاصةً في حالة تَعَرض دار الإسلام لعدوان خارجي) فرضا دينيا، تؤدي مخالفته إلى عقاب أخروي، فإنه لم يكن يُوَلد عقوبة دنيوية، بخلاف التجنيد الإلزامي في الدولة الحديثة. كما أن نموذج الحكم الإسلامي لم يشهد تعليما نظاميا بالمعنى الحقيقي للكلمة، إذ كان تلقين الطلاب في منأى عن سيطرة الحكام، ويرتكز بالأساس على تعاليم الشريعة وبعض العلوم الطبيعية، التي لا تنال من التصور الإسلامي التقليدي للحياة الأخلاقية والاجتماعية.
التحدي الاقتصادي والأخلاقي للعولمة
بما أن فرضية الكتاب الأساسية، تفيد بأن نموذج الحكم الإسلامي يتعذر تطبيقه راهنا، في ظل رسوخ الدولة الحديثة، فإن تلك الفرضية تصبح أكثر وضوحا، في سياق تغول العولمة بأبعادها المختلفة، التي تغطي كافة مجالات الحياة. وفي هذا الصدد، يرفض الكاتب الطرح القائل بأن العولمة تُفضي إلى إلغاء سلطة الدولة، فلئن كان ذلك ينطبق على الدول الضعيفة، التي أمست فريسة بيد القوى العظمى والشركات الكبرى، وجب التنويه بأن العولمة هي مشروع هيمنة أرسته الدول القوية، وتحديدًا الولايات المتحدة الأمريكية، بعد أفول نظام الثنائية القطبية، الذي ساد إبان حقبة الحرب الباردة.
إن نظام العولمة يفرض تحديات جمة على دعاة الحكم الإسلامي، ذلك أن خيار العزلة ومعاكسة التيار الجارف يبدو مكلفا للغاية، لما يرتبه ذلك من حصار سياسي واقتصادي، وعقوبات دولية خانقة. فالعولمة في بعدها الاقتصادي، تحيل إلى تعميم النموذج الرأسمالي القائم على منطق نفعي، بالنظر إلى أن هاجسه الوحيد هو تحقيق الربح ومراكمة الثروة. أما الاقتصاد الإسلامي، المستند إلى قواعد أخلاقية، ومُثُل فاضلة، يصعب تصور صموده أمام وحش العولمة الرأسمالية، مثلما يرى الكاتب. كما لا يجب إغفال التحدي الثقافي للعولمة، المتمثل في إشاعة الثقافة الغربية ونمطها في العيش، على نطاق واسع، بفضل ما تُتيحه التقنيات الجديدة من ذيوع واسع لها، يتجاوز حدود الدول القطرية، الأمر الذي يتعارض مع الخصوصية الثقافية المزعومة للفضاء الإسلامي.



#صلاح_الدين_ياسين (هاشتاغ)       Salaheddine_Yassine#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كتاب -الحرب الهادئة: مستقبل التنافس العالمي- لصاحبه نوح فيلد ...
- قراءة في كتاب -الانتفاضات العربية على ضوء فلسفة التاريخ- لها ...
- الفكر السياسي عند فلاسفة اليونان
- هل القوة القهرية هي الضامن الوحيد لبقاء الأنظمة السياسية أم ...
- قراءة في كتاب الديمقراطية والتحول الديمقراطي – غيورغ سوزنسن
- دليلك لمعرفة دلالة مفهوم -الميتافيزيقا-
- قراءة في كتاب -علم النفس السياسي- لصاحبه دايفيد هوتون
- كتاب مدخل إلى الأيديولوجيات السياسية ل -أندرو هيود-: دليلك ل ...
- كتاب -اسبينوزا- لفؤاد زكريا: إضاءة على أهم أفكار فيلسوف التن ...


المزيد.....




- مسيحيو حلب يحتفلون بعيد الميلاد الأول بعد سقوط نظام الأسد وس ...
- فعالية لحركة يهودية متطرفة للتشجيع على الاستيطان في غزة
- تردد قناة طيور الجنة كيدز 2024 نايل سات وعربسات وخطوات ضبط ا ...
- خبيران: -سوريا الجديدة- تواجه تحديات أمنية وسط محاولات لتوظي ...
- أردوغان يهنئ يهود تركيا بعيد حانوكا
- “السلام عليكم.. وعليكم السلام” بكل بساطة اضبط الآن التردد ال ...
- “صار عندنا بيبي جميل” بخطوات بسيطة اضبط الآن تردد قناة طيور ...
- “صار عنا بيبي بحكي بو” ثبت الآن التردد الجديد 2025 لقناة طيو ...
- هل تتخوف تل أبيب من تكوّن دولة إسلامية متطرفة في دمشق؟
- الجهاد الاسلامي: الشعب اليمني حر ويواصل اسناده لغزة رغم حجم ...


المزيد.....

- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - صلاح الدين ياسين - كتاب -الدولة المستحيلة: الإسلام والسياسة ومأزق الحداثة الأخلاقي-: هل الدولة الدينية ممكنة في ظل الشروط الراهنة؟