|
هل هي بداية حكم ولاية الفقيه في العراق؟
عبدالخالق حسين
الحوار المتمدن-العدد: 1693 - 2006 / 10 / 4 - 09:33
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
قدم يوم 2/10/2006 ، النائب سامي العسكري من "الكتلة الشيعية" اقتراحاً طالب فيه بتشكيل لجنة عليا من البرلمانيين مكونة من فقهاء في الشريعة الإسلامية، مهمتها تدقيق القوانين التي يصادق عليها المجلس التشريعي للتأكد من تطابقها مع الإسلام. وقد تلقى الاقتراح موافقة رئيس البرلمان الدكتور محمود المشهداني. إلا إن النائب الدكتور فؤاد معصوم (من التحالف الكردستاني) اعترض على الاقتراح قائلاً أن هذا الأمر من اختصاص المحكمة الفيدرالية. ولما أيد النائب حميد مجيد موسى (من كتلة العراقية) موقف النائب فؤاد معصوم، وجه الدكتور المشهداني إهانة له وأرغمه على السكوت بشكل غير لائق. كما واعترضت النائبة ميسون الدملوجي من كتلة (العراقية) على الاقتراح وقالت أن في هذه الحالة يجب تشكيل لجنة عليا أخرى من فقهاء في الديمقراطية وظيفتها التأكد من أن القوانين التي يصادق عليها البرلمان لا تتعارض مع الديمقراطية وذلك وفق المادة الثانية من الدستور. إلا إن اقتراح النائبة الدملوجي قوبل بالصراخ والغضب من رئيس البرلمان الذي أختتم صراخه بالقول أن: " أي قانون لا يتوافق مع الإسلام نتعامل معه بالقندرة (أي بالحذاء!!) سواء توافق مع الديمقراطية أو لا يتوافق". وقوبل هذا الصراخ واللغة السوقية بترحيب حار من النواب الإسلاميين، السنة والشيعة. ولما حاولت النائبة صفية السهيل (من كتلة العراقية) دعم زميلتها قائلة بأن ما طرحته النائبة ميسون الدملوجي هو دستوري، استشاط رئيس المجلس غضباً واتهمها بما يوحي بأنها ضد الإسلام. ثم حاول النائب مهدي الحافظ المشاركة في السجال إلا إن الرئيس منعه من الكلام!!
لا شك أن الديمقراطية التي ضحى الشعب من أجلها كثيراً في خطر. فنحن هنا أمام محنة قاتلة يجب على المثقفين عدم السكوت عنها. فكما هو معروف إن دور رئيس البرلمان هو إدارة اجتماعات المجلس وبحيادية تامة كدور القاضي في سير المحاكمات. إذ ليس من حق الرئيس إبراز تحيزه إزاء أي اقتراح أو لائحة قانون، ناهيك عن الصراخ وتوجيه الإهانة واتهام الأعضاء الذين لا يوافقهم في الرأي. غني عن القول أن تصرف رئيس المجلس غير قانوني ومدان، خاصة وقد استخدم لغة سوقية في مكان يجب الحرص على قدسيته من قبل الجميع، فما بالك أن يتعرض للإهانة من قبل رئيس البرلمان نفسه. ففي الوقت الذي يحق فيه للنائب سامي العسكري طرح اقتراحه، كذلك يحق للآخرين إبداء آرائهم فيه. وكذلك من حق الرأي العام من خارج البرلمان المشاركة في اغناء النقاش في وسائل الإعلام.
في الحقيقة إن مقترح النائب سامي العسكري هو تمهيد لتطبيق (حكم ولاية الفقيه) ولكن تحت تسمية أخرى. ولو نجح الإسلاميون في ما يريدون، فسنقرأ على الديمقراطية السلام. إن الديمقراطية هي حلم الشعب العراقي وكلفته تضحيات جسام، يحاول الآن الإسلاميون الالتفاف عليها بمختلف الأساليب والوسائل لتفريغها من محتواها وتبديلها بـ"نظام ولاية الفقيه" واستنساخ النظام الإيراني. ففي إيران انتخابات وبرلمان ورئيس جمهورية منتخب، إلا إن القوانين يجب أن توافق عليها لجنة حماية الدستور التي لم ينتخبها أحد وأن القرار النهائي والحكم الحقيقي بيد مرشد الجمهورية الإسلامية غير المنتخب من الشعب. وهذه المحنة العراقية الجديدة التي تضاف إلى محنه الأخرى الكثيرة، هي نتيجة التناقضات في الدستور الذي كتب بتسرع والذي حذرنا منه إثناء كتابة مسودته وأشرنا إلى الألغام التي زرعت فيه عن قصد لتفريغه من الديمقراطية، ولكن اعتراضاتنا وقعت على أذن صماء والآن يدفع الشعب ثمنه. ففي المادة (2) فقرة (أ) تنص ـ "لا يجوز سن قانونٍ يتعارض مع ثوابت أحكام الإسلام." وفقرة (ب) ـ "لا يجوز سن قانونٍ يتعارض مع مبادئ الديمقراطية." وكما هو واضح من النصين، فإنهما متناقضتان، وعلى حد تعبير السيد رئيس مجلس البرلمان، صارت الحقوق الديمقراطية مساوية مع الحذاء وتعامل بالحذاء في حالة تعارضها مع ثوابت أحكام الإسلام، وفي هذه الحالة سنقرأ الفاتحة على الدستور وعلى الديمقراطية معاً. والسؤال المحيِّر هو كيف استطاع الدكتور محمود المشهداني وبقدراته المتواضعة هذه تبوئ هذا المنصب الخطير؟ فقد عرف عنه قبل سقوط البعث أنه كان طبيب أسنان، متديناً بسيطاً إلى حد السذاجة، يتردد على التكيات والدراويش، محباً للخير. فكيف تحول هذا الإنسان الطيب إلى هذه الرعونة في التعامل مع الآخرين؟ يقول فولتير: " لتعرف إنساناً على حقيقته امنحه السلطة". وقد وضعت الأقدار المشهداني على المحك، فمنحته المنصب الخطير، وهو الذي اعترف مرة قائلاً: "اننا كنا عاجزين عن إدارة مستوصف فكيف بنا ونحن ندير دولة". الجواب واضح وهو المحاصصة الطائفية هي التي ضمنت له المنصب واختارت الشخص غير المناسب. فتصرفاته وتعليقاته تذكرنا بـ" الطيب الذكر" خير الله طلفاح، الذي اشتهر بالرعونة والعبارات السوقية. فمحمود المشهداني أيضاً اشتهر بعبارات مضحكة وسوقية، سواءً إثناء إدارته لجلسات البرلمان أم في تصريحاته خارج البرلمان. الله في عونك يا شعب العراق، فهؤلاء هم قادتك، ولا بد فإن صدام حسين وأتباعه يضحكون الآن بشماتة وفرح غامر!!
وكمثقفين، لا حول لنا سوى تقديم النقد والنصح لمن أوصلتهم الأقدار إلى التحكم بمصائر شعبنا، نقول لهم، فكروا جيداً قبل أن تقدموا على هذه العملية الانتحارية، ولا تخيِّبوا أمل الشعب بكم ولا تضيِّعوا تضحياته. فقد عانا هذا الشعب بما فيه الكفاية، ولا قدرة لديه ليخوض آيديولوجية شمولية أخرى ويضيِّع أربعة عقود أخرى من وقته في التجارب الآيديولوجية الشمولية التي أثبتت فشلها في كل مكان. نؤكد لهؤلاء بأن لا خوف على الإسلام من القوانين الديمقراطية، فتجارب البلدان الديمقراطية "الكافرة" أثبتت أن الإسلام فيها بخير، ولكن الديمقراطية وحقوق الإنسان ليست بخير ومعدومة في البلدان التي تدعي أنها طبقت الشريعة الإسلامية. وصاحب الاقتراح النائب سامي العسكري ومعظم الذين رحبوا باقتراحه من الإسلاميين فضلوا العيش في البلدان الغربية الديمقراطية في عهد النظام البعثي الساقط على العيش في البلدان التي طبقت فيها الشريعة الإسلامية.
العراق يختلف عن إيران وعن السعودية وعن أية دولة إسلامية أخرى، وذلك بسبب تعددية مكوناته العرقية والدينية والمذهبية. فشريعة أي إسلام تريدون تطبيقها في العراق؟ هل هي شريعة إسلام السيد علي خامنئي الذي لا يعترف إلا بالإسلام الشيعي؟ أم بشريعة الشيخ يوسف القرضاوي والزرقاوي وبن لادن والسلفيين الآخرين الذين يكفرون الشيعة ويبيحون ذبحهم؟ بينما نجد مساجد السنة والشيعة وجميع المذاهب الإسلامية الأخرى عامرة في البلاد الديمقراطية الغربية التي تسمونها ببلاد الكفار. كما و نرى بعض المذاهب الإسلامية مضطهدة في الدول الإسلامية التي تطبق الشريعة. ففي بريطانيا حيث يوجد فيها أقل من مليونين مسلم، عدد المساجد فيها يفوق عدد المساجد في إيران التي يبلغ عدد المسلمين فيها أكثر من 70 مليون نسمة. وهذا يعني أنه لا خوف على الإسلام من الديمقراطية، بل هناك كل الخوف على الديمقراطية وحقوق الإنسان من الإسلامويين في ظل حكم الشريعة. فكما قال المصلح جمال الدين الأفغاني: " وجدت الإسلام في الغرب بدون مسلمين ووجدت المسلمين في الشرق بدون إسلام". تذكروا أيها السادة قول الله تعالى : (إنّا نحن نزّلنا الذكر وإنّا له لحافظون)، وتذكروا أيضاً قول عبدالملطلب جد النبي محمد (ص) لأبرهة: (للبيت رب يحميه). فللإسلام أيضاً رب يحميه، ولا يحتاج حمايتكم له بقوانينكم التي تتعارض مع الديمقراطية وحقوق الإنسان.
خلاصة القول، من الصعوبة تطبيق حكم الشريعة في بلد متعدد المذاهب. فكل مذهب إسلامي يريد الشريعة حسب تفسيراته للقرآن والسنة. وكما قال الإمام علي (ع): "القرآن حمال أوجه". ناهيك عن صعوبة التوفيق بين الديمقراطية وحكم الشريعة. ونذكر على سبيل المثال لا الحصر: الرق ممنوع حسب المبادئ الديمقراطية وغير ممنوع في الإسلام، الزواج محرم من فتاة قبل بلوغها الثامنة عشرة من العمر وفق مبادئ حقوق الإنسان والديمقراطية في الدول المتمدنة، ومسموح به من الطفلة بعد التاسعة من العمر في الإسلام. شهادة المرأة تعادل نصف شهادة الرجل في الإسلام، بينما تعادل شهادة الرجل في العالم المتحضر، وكذلك الأرث. العقوبات الجسدية محرمة وفق الشرائع الدولية وواجبة وفق الشريعة الإسلامية مثل رجم الزاني والزانية وقطع الأطراف والعين بالعين، وحق الزوج في ضرب الزوجة... الخ. فماذا أنتم فاعلون في هذه الحالة أيها السادة الأفاضل؟ هل تساوون جميع هذه الحقوق الديمقراطية مع قندرة السيد رئيس البرلمان؟
#عبدالخالق_حسين (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ليس دفاعاً عن البابا - 2
-
ليس دفاعاً عن البابا بندكتوس السادس عشر
-
هل العالم أكثر أو أقل أمناً بعد أحداث 11 سبتمبر؟
-
في الذكرى الخامسة لهجمات 11 سبتمبر
-
الفيدرالية الطائفية مشروع لتفتيت العراق
-
في العراق، القتل من أجل القتل
-
الليبراليون ودعاة الحروب
-
آخر الحروب في الصراع العربي الإسرائيلي
-
حول لصوص الكلمة
-
الإرهاب وسياسة بريطانيا الخارجية!
-
القرار 1701 وانتصارات نصر الله!!
-
الإسلام في حالة مجابه مع العالم
-
الانتصارات، بين الوهم والحقيقة
-
ثورة 14 تموز وعبدالكريم قاسم (14) الخلاصة والإستنتاج
-
الإناء بما فيه ينضح
-
ثورة 14 تموز وعبدالكريم قاسم (13) قالوا عن الزعيم عبدالكريم
...
-
هل حقاً صار حزب الله قوة عظمى؟
-
ثورة 14 تموز وعبدالكريم قاسم (12) موقف الجواهري من قاسم
-
ثورة 14 تموز وعبدالكريم قاسم (11) من هو عبد الكريم قاسم؟
-
ثورة 14 تموز وعبدالكريم قاسم (10) أسباب اغتيال ثورة 14 تموز
المزيد.....
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
-
الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
-
إيهود باراك يفصح عما سيحدث لنتنياهو فور توقف الحرب على غزة
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|