|
الإنسان التافه
داود السلمان
الحوار المتمدن-العدد: 7415 - 2022 / 10 / 28 - 20:39
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
التافه لا يرى ما يقوم به من عمل يخادع به الناس إنّه: تفاهة لا ترتقي للعمل السّويّ، وللخلق الرفيع أيضًا، بل يعدَّ ذلك من باب الغلبة والانتصار على خصومه. فالتفاهة، بمعنى آخر عمل يناقض المنطق السليم، أي يخل بالأخلاق والآداب العامة، لا يرتضيه العقل، مخالف لسنن المبادئ الحقة. التافهون موجودون في كلّ زمان ومكان، أي لا يخلو منهم زمان ولا مكان، يتصرفون كما يتصرّف البُلهاء، غير عابئين بما يجري من حولهم من قضايا: أخلاقية ومصيرية، سواء ما تتعلق بهم أو بغيرهم، لأنّ نظرتهم للحياة وللناس ليس لها معنى، بحكم تفاهتهم. الشخص التافه ليس له قيمة وسط المجتمعات، والتي تهتم بقضاياها المختلفة، وتؤمن بتطورها وتحافظ عليها من جميع المخاطر المحدقة بها، أو التي قد تضر بها بطريقة أو بأخرى، من الذين يتربصون بها، من اعداء وخصوم، كون الشخص التافه امرؤ غير مبالي، ينظر الى قضايا مجتمعه من وجهة نظر قاصرة، أي لا يمتلك بُعد نظر ليترجم أمور واقعه. ومُمكن أن نعرّف التفاهة بأنها العمل الذي لا قيمة له، ولا فائدة ترجى منه، فهو عمل لا يخدم الناس، لأن قيمته معدومة، فالتفاهة، إذن، بمعنى آخر بلا محتوى لحقيقة نرتجي الركون اليها لتحقيق هدف، أو لأجلاء غموض، وما شاكل. لذا تجد موقف التافهين متذبذب، وقراراتهم متفاوتة، ومشاعرهم مخادعة، لا يثبتون على قرارات معينة، بل حتى لا يعرفون كيف يفكرون، وإذا واجهتهم مخاطر لا يستطيعون كيفية الخلاص منها، بحيث يخرجون وهُم في أحسن حال، واتمّ وضع، لا يتأثرون بما جرى لهم، كونهم وجدوا لهم المَخرج الصحيح، وتخلصوا من المأزق الذي يواجههم. التافهون قد يكونون جهلة وسّذج، وقد يكونون مثقفين ومتعلمين، فالتفاهة، إذن، توجد بين الجهلة والمتعلمين، وليس للتعليم أن يحصنهم من داء الجهالة، لأن التفاهة هي نوع من المرض الوبيل، بل هي أشدّ من المرض، والسبب كون ثمة أمراض تُعالج بالمضادات الحيوية وبالحُقن إلى أن يشفى الشخص المريض، إلّا إن التفاهة لا يمكن أن تشفى حتى لو عالجناها بأنجع الأدوية، وبأشراف أمهر وأحذق الأطباء. تظهر علامات التافه على محياه، وتبان من خلال تصرفاته ومواقفه، بحيث ترى شخصًا ساذجًا وغير مبال عما يجري من حوله بأحداث لها مساس بالأخلاق العامة والآداب، وهذا الشخص تراه كأنّ الأمر لا يمسه من قريب ولا من بعيد، فأعلم أنّ هذا الشخص هو قمة في التفاهة. نعم، قد نستطيع أن نشفي الشخص المصاب بداء التفاهة، لكن بشروط، ولو أنّ هذه الشروط تكون صعبة وقاسية على المريض. ومن هذه الشروط هو أن يعطينا عهدًا بأن يغيّر جميع تصرفاته المتعود عليها. ومنها أيضًا أن لا يستعجل بإعطاء القرارات بصورة مستعجلة، بل عليه أن يتأنى ويصبر قليلاً، وإذا وجد الفرصة سانحة بإعطاء رأيه فليفعل. ومنها أيضًا كذلك هو أن يتصف بحسن الأخلاق، فلا يتنصت على الناس ولا يهتم بالأمور التي لا تعنيه، وأن لا ينقل الحديث من شخص إلى آخر مهما كانت الأسباب، لأنه أن فعل ذلك فأنه سيصبح منافق، والمنافق لا يقل شأناً عن الشخص التافه. هذه الأمور، وغيرها لو طبقها الشّخص التافه بحذافيرها، واقلع عن ماضيه القديم، بإصرار وتحدّ فنحن على يقين بأنه سيصبح إنسانًا سويّ. تمرّ على كل إنسان مواقف صعبة وفي ذات الوقت تمرّ مواقف سهلة يسيرة، فالإنسان العاقل يتعامل مع تلك المواقف بحكمة عالية، فيقيس الأمور بعقله ولا يتسرّع بالحكم؛ وأما الإنسان التافه المستعجل المتسرّع، فيتخذ قراراته سريعًا، وربما بعصبية وبلامبالاة، فبدل أن يكسب خيرًا تكون وبالا عليه؛ وهذا هو الفرق بين الجاهل الأحمق التافه، وبين الإنسان العاقل السّويّ. التافه يرى الأمور بصورة معكوسة، فيتأثر بتلك الصورة وفق رؤياه، على اعتبار أنّ تلك الصورة هي الحقيقة التي يراها هو نفسه، لا ما يراها الآخرين، فيحددّ موقفه منها على ذلك الاعتبار، بدون أن يحسب للواقع حساب، فتظهر تفاهته على علاتها، وتبان للناس. أحياناً تجد التافه منشرح الأسارير، مطمئن البال خال الوفاض، لا يتأثر باعتبارات إنسانية يجدها تدور من حوله، كأنه يعيش في عالم آخر، عالم مثالي لا تشوبه أحزان ولا تكدرّ صفوه جذوة ألم عابرة، فهو ميت بجسد حيّ، تجسّدت فيهه كلّ معاني التفاهة. وبعكم العقل أنّ لكلّ أحد لابد من علامة أو سمة يتسم لها، وهذه العلامة أو السّمة هي ما تميزه عن الآخرين، بحيث أن الناس يعرفونه بها منذ لحظة مجيئه وحضوره في مكان وزمان معيّنين. وعلامة وسّمة التافه، أنّه دائمًا يضحك ويكركرّ على أبسط المواقف، حتى وإن كانت في غير محلها، أي حتى في المواقف الحزينة التي لا تدعو للضحك أو الاستهزاء، أو غير ذلك من المواقف، الحرجة وغير الحرجة، فتلك هي علامة وسمات التافه. التافهون هُم من يعبث بمشاعر الآخرين، ويترفعون عنهم بمنطق تفاهتهم، ذلك لأنهم – أي التافهون – لا يعيرون أهميّة بما يقدم الاخرون من منجز فكري أو علمي أو أدبي أو فلسفي، ويعدّون هذه العلوم مضيعة للوقت، لأن موقف التافهين ازاء هذه العلوم موقف شك وريبة، فقط ما يفكرون هُم به، وما يعملونه يحسبونه هو العمل الصحيح، القائم على الواقع، المتبني لما يقوّم أود الحياة، معتبرين أنّ القضايا المادية المحسوسة، والتي تدرّ عليهم أموالاً هي من يجب أن نعير لها أهمية في واقعنا المعاش. بقاء الإنسان على ما تعلمه من معارف وأمجاد زائفة معتبرها حقائق، فلم يغّير ولم يبدل، ولم يسع لقب الموازين بل يصر على بقائها، فهي مما شك تدلُ على تفاهته، ومن المفترض أن يساير تطور مراحل العلم، وركب التقدم لا أن يبقى يراوح في مكانه معتمداً على النظريات القديمة، معتبراً اياها ثوابت لا يمكن دحضها أو حتى تفنيدها هي جهل، وهذا الجهل يودي إلى التفاهة كون الذي يبقى على ما هو عليه، ولم يحرك ساكناً في طريق الوعي إذ تنطبق عليه هذه المقولة.
#داود_السلمان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
في طوابير الموتى
-
نصوص ( 2)
-
أنا أقُلد بوش الأبن
-
كتّاب شكلوا علامة فارقة في الفلسفة والفكر
-
لماذا ننتقد الغرب...ولم ننتقد أنفسنا؟
-
لماذا الافتراء على اليهود؟
-
تجارة الدين بديل لجشع آخر
-
أخطر عشر كتّاب قرأت لهم/ الأخير
-
محاولة لتعريف المثقف
-
تحليل حكاية فلم: لوعة الحُبّ
-
أخطر عشر كتّاب قرأت لهم/ نجيب محفوظ
-
أخطر عشر كتّاب قرأت لهم/ ماركيز
-
الجلبي.. هل قتله بيته؟!
-
أخطر عشر كتّاب قرأت لهم /كولن ولسون
-
أخطر عشر كتّاب قرأت لهم /سارتر
-
وللآن.. نحن مكبلين
-
أخطر عشر كتّاب قرأت لهم/البير كامو
-
أخطر عشر كتّاب قرأت لهم /كافكا
-
أخطر عشر كتّاب قرأت لهم/ دوستويفسكي
-
أخطر عشر كتّاب قرأت لهم/ فرويد
المزيد.....
-
الأنشطة الموازية للخطة التعليمية.. أي مهارات يكتسبها التلامي
...
-
-من سيناديني ماما الآن؟-.. أم فلسطينية تودّع أطفالها الثلاثة
...
-
اختبار سمع عن بُعد للمقيمين في الأراضي الفلسطينية
-
تجدد الغارات على الضاحية الجنوبية لبيروت، ومقتل إسرائيلي بعد
...
-
صواريخ بعيدة المدى.. تصعيد جديد في الحرب الروسية الأوكرانية
...
-
الدفاع المدني بغزة: 412 من عناصرنا بين قتيل ومصاب ومعتقل وتد
...
-
هجوم إسرائيلي على مصر بسبب الحوثيين
-
الدفاع الصينية: على واشنطن الإسراع في تصحيح أخطائها
-
إدارة بايدن -تشطب- ديونا مستحقة على كييف.. وترسل لها ألغاما
...
-
كيف تعرف ما إذا كنت مراقبًا من خلال كاميرا هاتفك؟
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|