|
بين (الحياد) و (الانخراط) في العلاقة الصراعية مع الاحتلال
بسام الصالحي
الامين العام لحزب الشعب الفلسطيني
الحوار المتمدن-العدد: 7415 - 2022 / 10 / 28 - 15:10
المحور:
القضية الفلسطينية
من المهم رؤية المظاهر التي بات عليها الوضع الفلسطيني الراهن بعد مسيرة تسعة وعشرين عاما من توقيع اتفاقية اوسلو، والتغيرات التي حملتها على الصعيدين السياسي، والاجتماعي الاقتصادي، بما في ذلك التغيير في الهيكل الاجتماعي الفلسطيني ومركباته وما انطوى عليه من تغيرات ذات مضامين طبقية متنوعة، بالإضافة الى التغير الضخم الذي حملته ولا تزال حالة الانقسام الفلسطيني.
تتعرض هذه المقالة إلى حالة التعاطي مع التحديات الوطنية الراهنة التي يفرضها الاحتلال، ونعني بها بشكلٍ خاص تصاعد العدوانية الاسرائيلية المتزايدة ضد الشعب الفلسطيني والتي تتمثل في زيادة العدوانية العسكرية والأمنية من جيش الاحتلال ومستوطنيه من جهة، وفي ذات الوقت توسيع تدخلات "الادارة المدنية" الاسرائيلية وإعادة التواصل المباشر من قبلها مع الجمهور الفلسطيني من الجهة الأخرى، وكل ذلك في ظل الرفض الاسرائيلي الواضح لإنهاء الاحتلال، واستبداله في الواقع بتطبيق "صفقة القرن" واجهاض اي افق سياسي للحل القائم على تنفيذ قرارات الامم المتحدة.
ولا شك ان هذا الانكشاف في علاقة الاحتلال المباشرة بشقيها العدواني والمدني الاسرائيلي مع الشعب الفلسطيني، ولد ويولد من الوجهة الأخرى مقاومة باسلة ومتحدية للاحتلال من قبل الشعب الفلسطيني ومن قبل أوساط الشباب فيه بشكل خاص في معظم المناطق تقريبا، وأيضاَ تفاعلا مع "التسهيلات" أكثر من أية فترات سابقة.
إن حالة تعاطي الأطراف المركزية الفلسطينية مع هذه التحديات تتطلب تعديلا جذريا، فواقع هذا التعاطي يغلب عليه الميل إلى (الحياد) بدلا من تعزيز (الانخراط) في مواجهة هذه التحديات، ونعني هنا في الاطراف المركزية كلا من السلطة الفلسطينية (بشقيها) في الضفة وغزة، ومنظمة لتحرير الفلسطينية، ثم القوى والفصائل الفلسطينية، وبدرجات أقل يمكن انسحاب ذلك على مؤسسات ومنظمات المجتمع المدني بهذه الدرجة او تلك.
ويساعد الموقف الفلسطيني بالتأكيد على الطبيعة الصراعية للعلاقة مع الاحتلال، بوصفها علاقة بين شعب محتل ودولة احتلال، والتخلص من الالتباسات التي طبعت هذه العلاقة نتيجة الاتفاقات مع اسرائيل وما ترتب عليها من التزامات، يساعد على تعزيز (الانخراط) من قبل كل الاطراف المركزية في الصراع والتخلص بشكل كامل من ميول (الحياد) بغض النظر عن اية تبريرات او انكار لذلك.
إن هذه الاطراف رغم التفاوت بينها كمكونات وبين اطرافها في كل مكون ، انزاحت بشكل منهجي متزايد نحو (الحياد) في هذا الصراع بشقيه العدواني الأمني، والمدني الاسرائيلي، بدلاَ من تعزيز (الانخراط) الذي يشكل هدف وجود هذه الاطراف جميعا كمجاميع وكمكونات في كل مجموع.
يسعى الاحتلال للتعامل مع السلطة الفلسطينية وفقا لخيارين، أما الحياد من قبل السلطة في تعامل الاحتلال مع (متطلباته) الأمنية وتسهيلاته المدنية، أو التعاون معه في تحقيقها بهذه الطريقة او تلك بما فيها غض النظر عنها وتقليص مستوى رد الفعل تجاهها، وبالنسبة لسلطة غزة فانه يمارس ذات الضغط على قاعدة (الأمن مقابل التسهيلات).
وبغض النظر عن مدى التوقعات التي يتوخاها الاحتلال من ذلك والتي تعيقها طبيعة الجذور الوطنية والسياسية لمركبات السلطة إلا ان الاحتلال يهدف الى زيادة (الحياد) من هذه الأطراف كحد أدنى ولا يتورع عن الضغط والمجاهرة بوقاحة من اجل ان تقوم السلطتان بتنفيذ مطالباته الخاصة في كل من الضفة من جهة وغزة من الجهة الأخرى.
وبرغم التفاوت في وضعية السلطة بين كل من الضفة وغزة، إلا ان المسعى الاسرائيلي المنهجي (للتحييد) هو مسعى مستمر ومتواصل وتسانده في ذلك التدخلات الخارجية من الولايات المتحدة أساساَ ثم أيضاَ من الدول الاقليمية المنخرطة في الشأن الفلسطيني وابرزها تركيا وقطر والامارات، بالإضافة إلى كل من مصر والاردن اللتان تتميزان بوضعهما الخاص مع القضية الفلسطينية.
في مقابل حالة (التحييد) بغض النظر عن درجته، فان المهم وقف هذا الاتجاه والتركيز على (الانخراط) كبديل موضوعي والزامي لمنع تكريس (التحييد) بصورة مقصودة أو غير مقصودة، و(الانخراط) هنا ليس أمراَ مستحدثاَ أو طارئاَ، فهذا هو مضمون دور الحركة الوطنية وكل مركباتها وهو مضمون دور منظمة التحرير التي قادت الثورة الفلسطينية المعاصرة، والدور المفترض للسلطة الفلسطينية باعتبارها جزءا منها وباعتبارها سلطة (انتقالية) تأسست وفقا لذلك.
ومن الواضح ان ضعف (الانخراط) وتراجعه حكمتهما عوامل مختلفة بما فيها عوامل موضوعية ولكن أمر تغيير الاتجاه وتعزيز (الانخراط) محكوم بالإرادة السياسية وبالقرار السياسي والذي لا يخلو من صعوبات ولدتها المصالح والرؤى المختلفة في مراكز القرار المتنوعة.
إن (الانخراط) يحمل ترجمته عبر مظاهر واليات متنوعة يعززها الوعي والمثابرة والمسؤولية الوطنية، ومنطلقها الأساسي الانحياز إلى الشعب والعمل في أوساطه وتلبية متطلبات صموده وعدم السماح بتركه وحيدا أو بمبادراته الذاتية في مواجهة عدوانية الاحتلال أو سياساته الاقتصادية، بل قيادته وتنظيم هذه القيادة من اجل تحقيق الاهداف المشروعة لشعبنا في التحرر والاستقلال والعودة.
إن الاطار العام المذكور في هذه المقالة لا يعني مساواة الأطراف فيما ذكر فيها من اتجاه عام، فهناك مستويات مختلفة وتباينات بذلك، إلا ان الحقيقة تؤكد انه بمقدار انزياح كل طرف وكل مركب من مركبات البنية السياسية الفلسطينية نحو تعزيز هذا (الانخراط) بمقدار ما يبرر وجوده الفعلي والقيادي للشعب الفلسطيني، وهو بذلك يقطع الطريق على اوهام الاحتلال بتكريس حالة (الحياد) او التمادي فيها إلى حد المطالبة (بانخراط) معاكس تحت سيل من المسميات والذرائع المختلفة.
إن الطبيعة الصراعية للعلاقة مع اسرائيل بين شعب محتل ودولة احتلال، والتخلص من الالتباسات التي طبعت هذه العلاقة نتيجة الاتفاقات مع اسرائيل وما ترتب عليها من التزامات، يفرض في الواقع تعزيز (الانخراط) والتخلص بشكل كامل من وهم (الحياد) بغض النظر عن اية تبريرات أو انكار لذلك، كما يفرض التمسك بهذا الموقف وعدم السماح بتمييعه او التراجع عنه.
#بسام_الصالحي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
بوصلته البسيطة والطبيعية
-
تحية الى الحزب الشيوعي الإسرائيلي بمناسبة انعقاد مؤتمره الثا
...
-
ندعو لإطلاق حوار شامل وتجديد المشروع الوطني، والتصدي لكل الم
...
-
عن قيادة الحركة الاسيرة وعن منظمة التحرير الفلسطينية وسلطتها
...
-
الغابة والأشجار.. الأسرى والبنوك.. والاحتلال
-
جرأة وإبداع الفكر، جرأة وإبداع النضال
-
الحسابات الصغيرة تفشل الأهداف الكبيرة.. لقاء موسكو نموذجا
-
بين المنارة وبرج إيفل وبين الأبيض الذي يتوسط حراك الضمان و(
...
-
المطلوب مبادرة سياسية فلسطينية عربية لشق الطريق لعملية سياسي
...
-
نحن وقانون الضمان الاجتماعي
-
كلمة أمين عام حزب الشعب الفلسطيني بسام الصالحي في اجتماع الم
...
-
منظمة التحرير... الحصن الأخير ومنفذ التغيير
-
اسرائيل استبدلت هدف المفاوضات من الارض مقابل السلام إلى (الس
...
-
مرجعية الحكومة وسياساتها اولا
-
الغابة الحقيقية خلف الأشجار
-
الرؤية الصينية والدور الصيني
-
نحن والمسألة السورية
-
كي لا يصبح وزير خارجية قطر (الممثل الجديد للفلسطينيين)
-
صياغة اولية في مراجعة الزامية لحماية الحقوق الثابتة لشعبنا
-
كلمة تقدير ومحبة لروح د. جابي برامكي
المزيد.....
-
تصعيد روسي في شرق أوكرانيا: اشتباكات عنيفة قرب بوكروفسك وتدم
...
-
روبيو يلتقي نتانياهو واسرائيل تتسلم شحنة القنابل الثقيلة
-
مئات يزورون قبرالمعارض نافالني في الذكرى السنوية الأولى لوفا
...
-
السيسي يلتقي ولي العهد الأردني في القاهرة
-
بعد حلب وإدلب.. الشرع في اللاذقية للمرة الأولى منذ تنصيبه
-
إيمان ثم أمينة.. ولادة الحفيدة الثانية للملك الأردني (صور)
-
السعودية تعلق على الأحداث في لبنان
-
إسرائيل تتسلم شحنة من القنابل الثقيلة الأمريكية بعد موافقة إ
...
-
حوار حصري مع فرانس24: وزير الخارجية السوداني يؤكد غياب قوات
...
-
واشنطن وطوكيو وسول تتعهد بالحزم لنزع نووي كوريا الشمالية
المزيد.....
-
اعمار قطاع غزة بعد 465 يوم من التدمير الصهيوني
/ غازي الصوراني
-
دراسة تاريخية لكافة التطورات الفكرية والسياسية للجبهة منذ تأ
...
/ غازي الصوراني
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
-
إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين
...
/ رمسيس كيلاني
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
المزيد.....
|