أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - ناهده محمد علي - العنف والشباب والعقاب / الجزء الثاني















المزيد.....



العنف والشباب والعقاب / الجزء الثاني


ناهده محمد علي

الحوار المتمدن-العدد: 1692 - 2006 / 10 / 3 - 09:57
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


"علاقة المؤسسات التعليمية بالعُنف"

ان هناك علاقة كبيرة بين مايجري في المؤسسات التعليمية وأساليب التعليم في المدرسة الغربية والعُنف، حيث يعيش الطلاب الغربة الاجتماعية ويجدون التعويض في العلاقات السريعة من خلال الانترنيت ورسائل التعارف، ويعاني كلاً من المدرس والطالب الظروف الاجتماعية الصعبة وخاصة الطلاب من الجنسيات الاخرى، وهذا مايجعل العلاقة متوترة بين الطلاب والمدرسين احياناً وبين الاثنين والمجتمع .
ويعاني كلاً من الطالب والمدرس من ممارسات، العُنف المتمثلة باستخدام المسدسات الصغيرة والسكاكين في ممارسات عدوانية مع تواجد المخدرات في كثير من حقائب الطلاب وهي ظاهرة يسعى كل من المدرسة والمجتمع الى محاربتها لكنها تتنامى في كثير من المدارس والجامعات . ولو حللنا اوضاع الطلاب النفسية والاجتماعية لوجدنا ان وقت الطالب المشحون وعملية تخزين المعلومات تؤدي كما ذكرت الى عدم احتكاك الطالب بعائلته وإكتسابه للقيم منها والتي لايستطيع ان يكتسبها من جهاز الكومبيوتر، ونضرب مثلاً على ذلك بحديث لطلاب احدى الثانويات الامريكية استمعت له من خلال وسائل الإعلام الأمريكية، ويعرض هذا الحديث اوضاع الطلاب في الثانويات ويؤكد الطلاب سيادة مبدأ العنف بقولهم "نحن نتعلم في مدارسنا كيف نقاتل بعضنا ونكره بعضنا البعض بينما يكون المدرسين بعيدين كل البعد عن معرفة ما يدور بيننا من اخفاء المسدسات والسكاكين والمخدرات في الحقائب، ونحن نخفي المشكلة خوفاً من المدرسين وهكذا يصبح الجميع دائريين في دائرة السوء، ويصبح النموذج المرغوب للطالب هو الاكثر غرابة شكلاً ومضمونا"ً. ولكي تكون الصورة اكثر وضوحاً تتحول الكثير من المدارس الامريكية الى مراكز تعليمية مخيفة للطلاب وخاصة صغار السن منهم حيث يقوم على ابواب الكثير من المدارس رجال أمن يقومون بتفتيش الطلاب وحقائبهم بأجهزة الكشف الخاصة بحثاً عن الاسلحة الصغيرة.
لو حللنا اوضاع الطلبة هذه لتوصلنا الى نتائج خطيرة تؤكد ان المجتمع يدفع بالطالب الى ممارسات العُنف، فالاطفال في سن ما قبل المدرسة يتدربون على اللعب بمسدسات الالعاب وكل ما يقدمه التلفزيون يؤكد ذلك ابتداءاً من افلام الكارتون وانتهاءً بالافلام البطولية، ويذكر بهذا الخصوص الدكتور"لي سالك" المختص في طب نفس الاطفال في مركز "كورنيل الطبي" في نيويورك [بأن مضمون هذه الالعاب المتفاعلة يُعلم الاطفال بأن يحلوا مشاكلهم بالضغط على الزناد، وهم يعرفون العالم وكيف يحلون مشاكل الحياة عن طريق مضامين المشاهد التمثيلية]11 وهكذا ان العُنف المتواجد في داخل المدرسة ما هو إلا انعكاس للعنف في خارجها وما يقدمه المجتمع من آداب وفنون وحتى انواع الرياضة المحببة. ويتميز بهذه الممارسات الطلاب الذكور اكثر من الاناث بسبب طبيعة الذكور الأكثر ميلاً الى العدوان من الاناث، فالانثى بطبيعتها أكثر رقة وأكثر تفاعلاً مع الجانب الجميل من الحياة لكن هذا يختلف ما بين الفتاة السويّة والفتاة المنحرفة والتي تتجه الى اسلوب الملابس الغريب والمظهر الخارجي المخيف متشبهةً بشخصيات الساحرات أو شخصيات مصاصي الدماء ومنهن المنحرفات جنسياً والمتشبهات بالذكور. لكن العُنف لدى الفتيات بشكل عام هو اقل نسبة من الذكور، وتتناسب اوضاع الفتاة الامريكية والاوربية مع الوضع الاجتماعي كله حيث يفرز المجتمع صراعاته في جميع مجالات الحياة ويؤثر في البناء السايكولوجي للافراد ومن بينهم الطلاب الذكور والاناث.
ويمارس بعض الطلاب ممارسات موجهة نحو الطالبات الاناث وتظهر على شكل تحرشات ومضايقات تتنافى مع القيم والقوانين المعروفة للمدارس، وتذكر احدى الباحثات الاستراليات [بأن الاولاد في احدى المدارس الابتدائية الاسترالية يمسكون بالفتيات في الاماكن المعزولة في المدرسة ويتحرشون بهن وقد يعبر هذا عن حب السيطرة لدى الاولاد في التعبير عن القوة والعُنف، لكن المشكلة بأن هذه التحرشات لا يُعترف بها كمضايقة ومحاصرة بل كتحرشات فقط، ولقد بدأت نقاشات في المدارس حول اسباب هذه التحرشات، وقُدمت كاسيتات فيديو ومؤلفات تساعد على النقاش بين المدرسين والطلاب]12
ولو قارنا ما يحدث هنا مع مشكلة العنف لدى الاناث في الشرق الاوسط لوجدنا ان أوضاع المشكلة واشكالها واسبابها مختلفة، حيث تعاني الفتاة الشرقية وخاصة الطالبات من ضغوط اجتماعية مختلفة لدفعها من صفوف الطالبات الى صفوف ربات البيوت وهي تعاني من مشكلة التزويج المبكر مما يخلق انفجارات صغيرة واحياناً كبيرة في شخصية الطالبة وتحاول مجابهة الضغوط الخارجية بمستويات مختلفة من العُنف لكن الخوف السائد لدى هذه الفتاة تجعل الانفجارات الحادثة مكتومة تحت الجلد وتحولها الى عنف داخلي موجه نحو الذات كالإضراب عن الطعام او حالات الانتحار, اما العنف الخارجي فأشكاله جميع اساليب العدوان في المدرسة والبيت الموجهة نحو الاطفال الذين يُذكِّرونها بطفولة معذبة وتقوم الفتاة باعادة سلسلة العنف التي مورست ضدها في البيت او في المدرسة.
ويشمل هذا الطالبات اللواتي يتحولن الى أُمهات بشكل مبكر، وتختلف مستويات العُنف لدى الطلاب في الشرق الاوسط باختلاف البيئة الاجتماعية والجنس والمستوى التعليمي ومن جهة اخرى فإن هذه الممارسات محكومة بالعُرف والعادات الاجتماعية وتعاليم الدين الاسلامي والتي ترفض العدوان، وتلعب العلاقات العائلية المتينة الدور الاكبر في وضع التوازن النفسي والروحي وتؤطر مسببات الرغبة في العدوان رغم المشاكل الاجتماعية الكثيرة للمجتمع الشرق أوسطي والتي تشكل فئة الطلاب شريحة هامة فيه. ولو قارنا هذا بأوضاع الطالب الغربي لوجدنا أن عامل الدين لا يلعب دوراً اساسياً في الحد من موجات العُنف وقليلاً ما يرتاد الطلاب قاعات الكنائس أو يلتقون برجال الدين للتنفيس عن مخاوفهم أو حتى للاعتراف بأخطائهم، بل الملاحظ هو العكس فالكثير منهم يتجهون حالياً نحو البوذية والالحاد.
إن هذه الاوضاع توصل بشكل سريع هؤلاء الشباب الى الوقوع في هوّة سحيقة في الوقت الذي يبدأ البناء التقليدي للعائلة بالتهدم ويتحول الى العائلة الاحادية الجنس وحينما تحتاج هذه العائلة الى تواجد الاطفال تضطر الى إقامة علاقات سريعة خارج مؤسسة الزواج أو تَبَّني طفل من الملاجئ، ولا يخفى ان هذا الطفل سيكون محروماً اما من ابيه او أُمه وموضوعاً قسراً في عائلة مشوهة مكونة من رجل + رجل أو إمرأة + إمرأة، وكثيراً ما يجد الطفل نفسه قد فقد أباه أو أمه في نماذج اخرى للعائلات بسبب عمليات تغيير الجنس أو الطلاق.
من هنا نلاحظ ان الطفل في المجتمع الغربي يبقى محاصر بأسباب الخراب الاجتماعي وفقدان الرعاية الصحيحة له منذ ولادته وقد يُدفع به للتخلص من مسؤولية رعايته الى دور الرعاية الاجتماعية وكثيراً ما يكون الوالدين من الطلاب صغار السن حيث لا يتجاوزوا الخامسة عشر او السادسة عشر ويفتقد هؤلاء الى ابسط مقومات الامومة أو الابوة معنوياً ومادياً. وحول هذه المشكلة يذكر الباحث "بوب هولمان" مؤلف كتاب الاطفال والجريمة [ان الاطفال الاكثر ارتكاباً للجريمة هم الذين لم يوفر الوالدين لهم او لم يستطيعوا ان يوفروا المتطلبات البدنية والمعنوية ولم يوفروا لهم الطمأنينة بسبب الانفصال والطلاق ويدفعونهم الى بيوت الرعاية الاجتماعية ]13
ويجب الاشارة هنا الى ان نسب الطلاق مرتفعة في العائلة الغربية ولا يمتلك الطفل الذي نشأ في وضع كهذا إلا ان تكون لديه رغبة كبيرة في الانتقام، ويضاف الى هذا السبب والذي هو فقدان الرعاية والطلاق أسباب اخرى مختلفة للعدوان منها هو اختلاف المستوى الاجتماعي والعقلي للاطفال في المدارس الابتدائية والمتوسطة، فالاطفال الذين يعانون من صعوبات تعليمية والذين يتلقون رعاية خاصة من المدرسين يتلقون ايضاً معاملة خاصة متسمة بالعدوان من قبل زملائهم لأنهم يشكلون نقاط ضعف في الصف والمدرسة فيتحكم هنا القوي بالضعيف ويفرضون كراهيتهم لهم ونلاحظ نموذجاً لذلك في احدى المدارس الامريكية حيث يعاني الاطفال الشواذ والاقل مستوى تعليمي من المعاملة القاسية والشرسة من قبل الطلاب الآخرين، ويتحدث عن هذه المدرسة الباحثتان "بيتي عثمان، وهنريت بلندر" حيث تقولان بأن [احد الاطفال في هذه المدرسة الامريكية هو في السادسة من عمره ويعاني من سرقة الاطفال لطعامه وانهم يدعونه بدون طعام اثناء الاستراحة وهو يخشى أن يخبر المعلمة بذلك ويبقى جائعاً، وتشتكي طالبة اخرى في الثانية عشر من عمرها من مُناداة الاطفال الاخرين لها بأسماء مثيرة للأشمئزاز، كما تعاني طالبة اخرى من المتخلفين من تهديد الطالبات لها بالضرب، وكانت النتيجة ان الطفل الاول رفض الذهاب الى المدرسة وبقيت الطالبة الثانية بدون صديقات عدى ممرضة المدرسة والطالبة الثالثة اصبحت تخشى السير في ممرات المدرسة لئلا تُضرب ]14.
وهكذا نلاحظ ان اسباب العُنف لدى الطلاب كثيرة، كما أن العُنف الممارس فوق الطلاب من قبل المجتمع ونواته الاجتماعية "العائلة" هو كبير ايضاً، كذلك من قبل الطلاب الذين يتمتعون بالقوة البدنية والعقلية على الطلاب الضعفاء وغير الاسوياء، ويجري هذا احياناً لغرض التسلية والاثارة وتخويف الطلاب الاخرين من ذوي العاهات الجسدية والعقلية. ويتمتع الطلاب بمشاهدة [العُنف المرئي] وهو انواع الرياضة العنيفة والدراما العنيفة لارضاء الرغبة في العدوان وتقوم هذه بدورها بتحفيز هذه الرغبات.
ان محفزات العُنف احياناً كما ذكرت ليست مجتمعاً أو بشراً فقط بل بعض انواع التكنولوجيا المطورة والعقول الآلية المبرمجة على حب الاثارة وهي اجهزة الكومبيوتر والفيديو والعابهما، ويشير بعض الباحثين الاستراليين مثل "كولين ويب و ون رو" [بأن العاب الفيديو والكومبيوتر ينتج عنها تزايد السلوك العدواني لدى الاطفال وعملياً يستخدم الاولاد الصورة والصوت للموت والدمار ويحولونها الى حقيقة، لذا يجب ان يكون هناك اهتمام جدّي من قبل الوالدين ومنتجي هذه الافلام والالعاب والتأكيد بأن لا تحوي هذه الالعاب على العُنف لان الاطفال شديدي التأثر بهذه الالعاب، ويجب ان تُناقش خطورة هذه الالعاب واسباب منعها مع الاطفال]15
ان العقل الانساني صانع الكومبيوتر ومبرمجه هو مَنْ وضعَ البرامج العلمية والموسوعية والمسلية والاخيرة تعتمد على الرياضة العقلية احياناً والتلاعب بالمشاعر والغرائز أحياناً أخرى وهذه تعتمد على تربية الرغبات لدى الطالب وتحفيز الرغبات الطيّبة احياناً او الخبثية والعدوانية احياناً اخرى، وهذه الاخيرة هي السائدة والتي تلقى الرواج الاكبر بين المراهقين الاوربيين والامريكان والتي كما قلت سابقاً تأتي كتقليد للوضع الاجتماعي والثقافة الاجتماعية السائدة وكتقليد للعُنف السائد في الشارع، ولم يعد الوالدان هما النموذجان الاصلح للأقتداء بل اصبح نموذج البطل وهو عادة بطل الافلام العنيفة هو النموذج المقتدى به. إن ما يحدث هنا ان المراهق او المراهقة يتخذان القدوة من هؤلاء ويحاولان تقليدهم، كما ان المجتمع يضع بين ايدي هؤلاء الاطفال والمراهقين وسائل اخرى للتقليد متواجدة عادة في اجهزة والعاب العُنف المتعددة الانواع والخطورة مثل [القنابل اليدوية، مُطلقة الصواريخ، مسدسات اشعة الليزر، مسدسات الماء لبعد 30 قدم، وقد شجعت لرواج هذه اللُعب افلام الكارتون العنيفة والافلام السينمائية مثل رامبو، ترمنيتر أو المُنهي، وهي تعلم الدروس في العُنف، وتأتي الالعاب بعلب ملونة-ازرق واحمر وابيض يجلب انتباه الاطفال بين عمر 5-9 وهذه الالعاب الجذابة المتفاعلة تُمرِّن الاطفال على الاطلاق في بيوتهم، وبرامج التلفزيون المخصصة للاطفال تكوّن لهم وضعية مشابهة لما هي على الشاشة في سلوكهم وحسب رأي الدكتور "ريتشارد سوين" رئيس قسم السايكولوجيا في جامعة "كولورادو" ان الاطفال يتلقون تلميحات بأدوارحقيقية وهذا يطرح بأن الصغارسيعيشون استجابات اقوى من التخيل أو التظاهر بشخصيات متقَمصة]16. ان هذا يؤكد على ان هذه الوسائل لها قوة وتأثير على تكوين شخصيات هؤلاءالطلاب، ويعتبر كل من العائلة والمجتمع مسؤول عن تقديم هذه الوسائل بين يدي الطالب .
وهناك اوضاع واسباب مَرضيّة لهذا العُنف وهي الوضع العقلي والعصبي للطالب المصاب والذي لديه "ADHD" أو Attention Deficit Hyper Activity Disorder, تقول الباحثة "لوراين هاموند" بهذا الخصوص [ان بعض ممارسي العُنف من الاطفال يتميزون بالنشاط المرضي أو المفرط حيث يتميز الذي يعاني من اعراض النشاط المفرط بأنهم سريعي الحركة وسريعي ردود الفعل وتأتي مرحلة التفكير بعد رد الفعل السريع، ويمكن أن تكون ردود الافعال هذه عدوانية، ويتسم هؤلاء الاطفال ايضاً بأنهم قليلي الخوف من النشاطات الخطرة والبدنية]17
ان هؤلاء الاطفال والمراهقين يمرون بوضع عقلي وصحي غير متوازن ولهذا فهم يحتاجون الى رعاية صحية ونفسية خاصه ولهذا ايضاً لا يمكن ادانتهم من قبل المؤسسات الاجتماعية بل يجب الاحاطة بهم من قبل المدرسة والعائلة والمجتمع للاقلال من خطورتهم على انفسهم وعلى الاخرين، ويُستحسن ان تحتوي هؤلاء الاطفال والمراهقين مدارس خاصة لأنهم ليسوا مجانين وبنفس الوقت ليسوا أطفالاً أسوياء. ان مشكلة هذا النوع من الاطفال يزداد يومياً في المجتمع الامريكي والاوربي لأسباب كثيرة منها الاسباب النفسية والصحية للأمهات اثناء الحمل وأيضاً يحدث هذا لأسباب وراثية، لكن المهم هنا هو تحجيم خطر الكثير من الاطفال الذين يرتكبون جرائم العُنف بدرجاتها والضحية عادةً قد تكون من زملاء المدرسة أو أحد افراد عائلة المصاب بهذا المرض، ان السلوك العدواني لأي فرد سواء كان سوي أو غير سوي يقابله رد فعل عدواني من قبل الجانب الآخر المتلقي للعدوان وهكذا تتولد حلقة متصلة من العدوان، ويأخذ بممارسة هذا النوع من السلوك أُناس أو طلاب كانوا بعيدين عن ممارسته من قبل، ويؤكد الكثير من الطلاب على انهم يقومون بأعمال العُنف انتقاماً أو رد فعل معاكس لفعل عنيف ما من قبل الاخرين، ولكي نقطع هذه السلسلة يجب علينا قطع الاسباب المختلفة والتي تبدأ بتثبيت الاواصر العائلية كما ذكرت سابقاً والتي بدأت تتحول من فحواها التقليدي المتكامل الى عوائل مجزأة أو مشوهة خاصةً من العوائل المطلقة فقد يعيش الاولاد مع الأب المنفصل أو الأم المنفصلة وقد يشكل الاولاد أيضاً وحدة منفصلة ومستقلة اقتصادياً واجتماعياً عن العائلة الأم، ولا يجد الاولاد في هذه الحالة من يقدم لهم النصح والارشاد وقد يفاجأ الابوان أحياناً كثيرة بنداء من احدى المراكز الاجتماعية أو من البوليس لاشعارهم بمسؤولية تحمل سلوك الاولاد مادياً ومعنوياً ولاخراجهم من تورطاتهم الاجتماعية.
وتمتد المشكلة ايضاً حتى في العوائل غير المنفصلة، اذ ان اقامة العلاقات الخطيرة لدى الاطفال والمراهقين لا تجري امام الوالدين بل في الشارع أو في البارات أو ممرات المدارس وأيضاً في الانترنيت.
لقد اطلقت احدى الوجوه الثقافية والاجتماعية المعروفة في الولايات المتحدة وهي"أوبرا ونتري" صيحة تحذير بأن - احمو اولادكم من الانترنيت - كما قدمت احدى الكاتبات الامريكيات "داتارايس" في كتابها "اطفال في خطر" تحذيرات عديدة عن مخاطر الانترنيت في التعرف على اصدقاء خطيرين يقومون بتوريط وتعريف الاولاد على معلومات خطيرة عن الجنس والمخدرات وطريقة استخدام المسدسات والبنادق وكيفية ارتكاب الجرائم والافلات من البوليس، كما تعرض اعلانات عن مجموعات عنصرية شاذة أو نازية وتعرض شعاراتهم واسلحتهم، كما تعرض علاقات شاذة بين الاولاد والفتيات. ويتواجد الانترنيت وشبكاته في معظم البيوت الامريكية والاوربية والمكتبات وجميع المدارس حيث يجري تحضير البحوث المدرسية بأستخدام "الانسكولوبيديا"وهذا ما هو ضروري لكل طالب في اي دولة متحضرة لكن المحذور هنا هو الاستخدامات الاخرى للانترنيت والتي تمتد الى اقامة علاقات مع اشخاص غرباء وغير معروفين لدى الوالدين ثم يصبح الموضوع لدى الاولاد أشبه بالادمان. وفي هذه الدوامة من العلاقات الغير صحية يكون الوالدين بعيدين عن هذا كل البعد حتى وان كانوا في بيت واحد مع الاولاد الذين عادةً ما يخفون المعلومات عن عوائلهم خوفاً من العقاب. وقد انتشرت مؤخراً تخصصات في علم "جرائم الكومبيوتر والانترنيت" لحماية الاطفال من ارتكاب الجرائم من خلال علاقات ومعلومات الانترنيت المستخدمة لغرض التعارف.
لقد نشرت وسائل الاعلام الامريكية حديثاً لطلاب مدرسة "كولومبيَّن الثانوية" في مدينة "كولورادو" والتي حدثت فيها كما ذكرنا حادثة ابريل 1999 والتي أطلق فيها الرصاص بعض الطلاب على مجموعة من زملائهم وذكر هؤلاء الطلاب - بأن البعض منهم يقلد أفلام العُنف، وان ما يحتاجونه هو علاقات عائلية مترابطة والاهم من هذا هو العلاقة بالدين وايجاد اماكن للصلاة في المدارس لتهذيب ارواحهم -.
ان من الواضح ان حديث هؤلاء الطلاب كان كمن وقع في فخ كبير يحاول الخلاص منه والاوضح ان هؤلاء قد وجدوا الحلول وعلى المجتمع والعائلة التنفيذ.C
رابعاً ـ البيئه المدرسيه والعائليه :
إن نجاح الاسلوب التعليمي يعتمد على مدى فاعلية المدرس في العمليه التعليميه وفعاليته في المساهمه في تربية الطلاب وتوجيههم نحو السلوك الافضل وتنقيتهم من التشويهات الاجتماعيه والتي تُكتسب من الاختلاط بين العناصر النقيه والملوثه من الطلاب في مجال المجتمع، حيث يختلط الطالب كل يوم في الشارع والمدرسه بأشخاص مختلفين لهم تأثير مختلف عليه. ويختلف سلوك المدرس مع الطالب عادة حسب مستواه المهني والعلمي حيث يؤثر بشكل حاد على الطالب إذا امتلك القدره اللازمه بالتعاون مع إدارة المدرسه، وقد يصادف المدرس مشاكل مختلفه مثل مشكلة الطلبه المشاكسين والذين قد يُجمعون ويُعزلون في صف واحد حسب رغبة الاداره كما يُعزل ذوي الأمراض المعديه عن بقية أفراد المجتمع، وهذا مايجعل هؤلاء بؤره متفجره ودائمه في المدرسه ويحاول المدرس إخمادها عبثاً لأن عزل هؤلاء الطلاب المشاكسين عن الآخرين هو خطأ كبير لأن اسس هذه الحالات يكون دائماً أعمق بكثير من محاولات الارهاب أو الترغيب أحياناً فهي متشعبه وقويه وموجوده في العائله والمجتمع وبالتحديد تتواجد جذور هذه المشكله في دور الوالدين وخاصة الأم حيث يعاني الكثير من الطلاب من مشاكل الانفصال بين الوالدين ومن مشكلة الحرمان من الرعايه. وهناك مشاكل كثيره تتعرض لها الطالبات على وجه الخصوص والتي يجب على المدرسه المساهمه في حلها لكن الدور الاهم في حل هذه المشاكل هو للأم والذي هو أكثر حسماً وتأثيراً، وتتعرض الكثير من الطالبات الى أنواع من الاعتداءات الجسديه في داخل المدارس والجامعات وخارجها، وقد لوحظ [إن المعرضات لهذه الاعتداءات وللاغتصاب في نموذج للبحث لعدد من الطالبات المتعرضات لهذه المشكله وعددهن "19" ويبلغن من العمر 16 سنه وبدون أمهات، وقد أثبتت الدراسه على أن وجود الأم ضروري وعدم وجود الأم الحقيقي أو عدم قدرتها على الحمايه بسبب المرض أو الادمان يعرض الفتيات لكثير من المشاكل، وقد لوحظ أيضاً إن اللواتي لديهن أُمهات من المعرضات للأعتداء وهن بمستوى ثقافي فقير إنهن بمعدل مضاعف عن اللواتي لديهن أمهات بمستوى ثقافي أعتيادي] 18 وهنا يظهر أهمية دور الأم ومستواها الثقافي في حماية الفتيات من الأعتداءات الجسديه وتوجيههن التوجيه الصحيح لأجل بناء الاتزان النفسي لهؤلاء الفتيات. وقد يفشل كل من المدرس والاداره في وضع الحلول لمشكلة الشراسه وتحرشات الطلاب ببعضهم، ونطرح هنا نموذج لأحدى المدارس الاستراليه، فقد إتخذت الاداره الحل الاسهل في جمع الطلاب المستشرسين، يذكر المؤلف"رولو براون" بهذا الخصوص [بأن الصف الأسوأ في هذه المدرسه هو الذي يُظهر الطلاب فيه سلوكاً متطرفاً وكل طالب في هذا الصف قد طُرد من المدرسه مرتين في السنه، ويتميز الطالب فيه بالرائحه القذره، وقد قام بالسرقه والتشاجر والاعتداء على زملائه، ويقوم المدرسين بمناداة هؤلاء الطلاب بأسماء غير مستحبه "كحيوانات" مثلاً ويقوم الطلاب بمناداة بعضهم بأسماء فضيعه أيضاً، كما يبتعد المدرسون عن الالتزام بتدريسهم، أما عن طلاب الصفوف الاخرى فيحاول المدرسون أن يدفعوهم إلى الدراسه والعمل ويصرفونهم عن أماكن اللعب وخاصة بين الدروس]19.
وهنا نلاحظ أن إدارة هذه المدرسه تحاول عزل الطلاب ذوي المستوى الهابط خُلقاً وتعليماً، وهذا ما أكدت التجارب والبحوث التربويه فشله، ويؤكد مؤلف كتاب "أولاد المدارس" -رولوبراون- على أن التأكيد يجب أن [يجري في المدرسه على ايجاد وإقامة فهم نموذجي للعداله الاجتماعيه والسلوك الصفي واللغه المستعمله في الصف والشروط والقواعد ومنع ازعاجات الآخرين والشذوذ واحترام الذات، كما يؤكد المؤلف على ضرورة ارتباط الادارة مع المدرسين والطلاب وارتباط المدرسين مع الوالدين للعمـــل بهدوء ووضوح وبروح دينيه]20.
أن هذا النوع من العزل للطالب الشرس ومحاولة دفع الطلاب الاصحاء نفسياً إلى الدراسه وترك اللعب لايشكل الحل الأوحد بل يجب الانتباه إلى ترتيبات أخرى في وضع الشروط الصحيه للدراسه والتي لاتتعلق فقط بخلق الجو الدراسي السليم بل بوضع القيم الدراسيه والتربويه الصحيحه لكي يطبقها الطالب في حياته المدرسيه والبيتيه ويجب الانتباه أيضاً إلى مساهمة البيت في حل مشاكل الأبناء وكذلك لتصحيح سلوك الآباء والأمهات نحو بعضهم ونحو أبنائهم ومتابعة تطوير الاهتمام بالنمو الجسدي لهؤلاء الطلاب وتأثيره على السلوك وتأثيرات النشاط الهرموني في فترة المراهقه، وبدون هذا تكون العائله هي مركز تخريب لهؤلاء الأبناء وليس مركز تربوي هام .
وبخصوص مشكلة الشراسه أيضاً فإن البعض من الطلاب الذكور يتميزون بالروح العدوانيه أكثر من الطالبات، ولهذا أسباب كثيره منها تربويه وتقع المسوؤليه في هذا على كل من الطالب والمدرس والعائله حيث يكون الطالب مسؤولاً عن تصرفاته في المدرسه والبيت والدوافع قد تكون ذاتيه وقد تكون أحياناً أخرى اجتماعيه، وحسب رأي الباحثه النيوزيلنديه "هيلينا كندي" [أن الذكور هم أكثر عنفاً أو ميلاً للعنف من الأناث وإن ليس هناك عامل واحد لهذا بل مجمع عوامل للعدوان أو التجاوز في السلوك الانساني منها ثقافيه ومنها بايولوجيه والتي يكون فيها البشر أنفسهم عوامل مؤثره وهي التي تشكلنا كما نحن عليه وتشكل ماهيتنا ذاتياً ولكن النقطه المهمه هي أن هذه العوامل تستطيع أن تغير سلوكنا كأشخاص وكمجتمعات، وإذا لم نتسامح ولم نشجع عدوان الذكور فسيكون هذا العدوان أقل بكثير. وكلٌ منا له الميل للعدوان وللرفض والاعتراض ولكننا إذا تقبلنا عنف الذكور كشيء محتم فسيكون كذلك]21. أن رأي المؤلفه "كندي" قد اعتمد على ملاحظة نسب عدوان الذكور التي تزيد عن نسبة عدوان الأناث وهذا يعني أن مراقبة نسب العنف ودرجاته في المجتمعات المتحضره توصلنا إلى نتائج خطيره عن ارتفاع نسب الذكور العدوانيين والتي توجب متابعة أوضاع الطلاب الذكور في المدارس ووضع الحلول العلميه والمخططات المستقبليه لتقويم سلوك الطالب والاهتمام بالجانب التربوي وعدم إهماله وجعل دور المعلم دور أساسي في قيادة العمليه التعليميه وربطه بالطلاب مباشرة ذكوراً وأناثاً. أن المشكله الأخرى المهمه التي يعاني منها كل من المدرسه والعائله هي المخدرات والتي تتزايد نسبة تناولها في المجتمع الامريكي خاصة والتي يُظهر الطالب براعه خاصه في أخفائها عن أعين المدرسين والوالدين، وقد إطلعت مؤخراً على محاوره جرت بين الوجه الثقافي الامريكي المعروف "أوبرا ونتري" مع البروفسور "ديفد هاوكينز" حيث ذكر [يبدأ الاطفال بتناول المخدرات من سن التاسعه أو الحاديه عشر في المدارس الامريكيه، وينتمي هؤلاء الأطفال لعوائل مثقفه مثل أحد الأطفال والذي تعمل والدته ممرضه وأبوه رجل بوليس ويعيش معهم أيضاً كلب بوليسي، لكن هذا الطفل وهو في التاسعه إستطاع إخفاء ادمانه عن والديه وحتى عن الكلب البوليسي وظل يتناول المخدرات لمدة سنتين واعترف لهم بأنه بدأ بالمرجوانا وانتهى بالهروين كبقية الطلاب، كما ذكرت إحدى الامهات المنفصلات وهي أم لاربعة أطفال بأن أبنتها بدأت منذ سن الحاديه عشر تستخدم الحبوب والهروين في مطبخ البيت والحمام ولم تنتبه إليها حتى جاءتها الفتاة ذات يوم في مكان عملها لتطلب النجده ولتعترف لها بأنها مريضه، وطالب آخر لم يشعر بأدمانه أحد في البيت حتى وُجد ذات صباح جثه بارده في فراشه، ويذكر البروفسور"هاوكينز" إن الآباء لايكفي أن يمنعوا الاطفال عن المخدرات بل يجب أن يشرحوا لهم لماذا وكيف، وكذلك ان يوضحوا لهم بأن مستقبلهم وحياتهم تتوقف على ذلك، وكيف ان هذه المخدرات تنفي كل مشاريع المستقبل].
أن من الغريب أن يكون تناول المخدرات من قبل الطلاب في المدارس في أماكن منعزله أو في المرافق الصحيه والغريب ايضاً أن يقوم الطلاب بإخفاء هذه المخدرات في أحذيتهم لكي لاتطالهم أيدي البوليس على أبواب المدرسه. وهكذا يقوم الطالب هنا بلعبه خطيره يعتبر نفسه فيها الرابح وهو الخاسر في الحقيقه.
أن العادات الخطيره مثل تناول المخدرات والمسكرات لدى الطالب تنتقل أحياناً بواسطة العدوى من الطالب المدمن الى الطالب السوي من خلال الاختلاط والمعايشه، ويجب البحث هنا عن سبب هذه العادات .
تقول الباحثه "بفرلي أنجل" [بأن التغيير يكون بمعرفة الاسباب الرئيسيه للسلوك ونستطيع أن نقوم بتغيير دائمي، ولايمكن أن تساعد الاراده ونصائح اللآخرين أو النقد الذاتي إلا إذا فهمنا أنفسنا ويجب أن نفهم أيضاً سبب اندفاعنا نحو الناس المؤذين ولماذا نبقى بعلاقات متعسفه أو فاسده]22.
أن العلاقات الفاسده تصبح كالعدوى للاطفال والمراهقين حيث يؤثر الجزء الفاسد على الجزء الصالح من الطلاب ويقوم بإفساده لذا لايكفي أبداً عزل هذا النوع من الطلاب عن المجتمع بل يجب معالجة هذه العناصر واصلاحها وإصلاح العمليه التعليميه بشكل كامل بأحياء دور المدرس كمربي وكعنصر فاعل في العمليه التعليميه، فلن يستطيع الطالب ان يقوم بفهم سلوكه وحده أو تغييره لذا يجب أن يقوم المعلم بدوره التقليدي في التعليم والتوجيه والذي لايمكن أن يؤديه العقل الآلي أو أي جهاز الكتروني متطور، فالطالب تكوين إنساني يتعلق وجوده ونوع شخصيته وكمية المعلومات التي يمكنه إكتسابها بعوامل كثيره، ويمكن فقط للعائله والمدرس إدراكها، ويلعب المدرس الدور المهم في تشخيص الخطأ ومحاولة إصلاحه بالتعاون مع االطالب نفسه أو مع عائلته، وقد تكون الاسباب للتخريب النفسي الحاصل موجوده في ذات الطالب وقد تكون أيضاً بعيده عن حدود ظروفه أوظروف عائلته.
أن المشكله الاخرى التي يجب على المدرس والعائله حلها بالأضافه إلى مشكلة الشراسه ثم المخدرات هي الطلاب ذوي الحالات الشاذه وغير الطبيعيه والنشاط العدواني، تقول الباحثه "آني موير" في كتابها-A Mind to Crime- [بأن الكثير من السلوك المضاد للمجتمع يبدأ في المدرسه وتقوم المدرسه بتسجيل مشاكل هؤلاء الطلاب وكونهم مركز للقلق والاستياء وهذا ما يجعلهم غير مُحببين إلى المدرسين وبالأضافه إلى عزلتهم، وقد جرت دراسه للطــلاب الذيـن يتسمــون بالنشــاط المرضـــي غير العــادي أو "Hyperactive" وكمثل على ذلك أُخذ كعينة أحد الطلاب وهو في السادسه من عمره وقد لوحظ بأنه كان سيئاً في الدراسه وتوجد صعوبه في دفعه إلى الهدوء في الصف وكثيراً مايقاطع المدرس ويزعجه، ويتلف أوراقه وأوراق الآخرين بالكتابه عليها وخربشتها، وفي دروس الفن هو مقلق للآخرين في عملهم وهو مغتصب أو مؤذي وله نوبات انفعال في تشكيل الصداقات وان استطاع ذلك فهي قصيره، ويحول أحاسيسه إلى عنف عضلي ويدخل نفسه في كثير من المشاكل ويحاول المدرسين إجباره على السلوك المقبول لكنه يقابل هذه المحاولات بسلبيه ولديه أيضاً حالات للسرقه وليس لهذا الطفل الوعي أو الاحساس بخطأ أعماله كما ليس لديه إحساس أو تفرقه بين الصح والخطأ وهو مصدر يأس لمدرسه ولوالديه وهذا التصرف هو نتيجة العمل أو الوظيفه غير الطبيعيه للمخ وبتسميه أخرى الاضطراب في الانتباه والتركيز أو"Hyperkinesis".
وعدم الانضباط هذا هو عدواني أو مسبب للعدوان لفظياً وعضلياً أو مسبب للمعارك والانفعال أو عدم الانتباه وأحياناً إلى القتل والسرقه والكذب، وقد يصاب بهذا الاولاد أكثر من الفتيات ويمكن أن يتطور في المستقبل إذا لم يُعالج ويصبح سلوكاً مضاداً للمجتمع في مرحلة بلوغ الشخص ونضوجه، ويتحول إلى سلوك عنيف وفظيع مستخدماً كل أنواع الأسلحه وممارساً لكل الجرائم]23.
إن الملاحظ هنا أن ردود الأفعال العنيفه هذه تتطور وتتصاعد تدريجياً [لكنها تحضِر دائماً لعمل ما أو تصرفٍ ما بطريقة الشخص المتوتر وتشير إلى أنه سيقوم بفعل ما كتعبير عن ثوره أو حاله عصبيه بشكل قاس وصارم ومتصلب ويبدأ بالتعبير عن هذه الحاله عقلياً وعضلياً]24.
ولايمكن أن ندّعي أن معظم الممارسين للعنف هم مرضى عقلياً أو نفسياً، ولكن المؤكد أن الطفل والمراهق الطالب هو نتيجه لعوامل كثيره منها وراثيه ومنها مكتسبه وفي الحالتين المسؤول الأول عنها بشكل أو بآخر هو العائله والمجتمع ويأتي الأولاد كمنفذين لأعمال ايجابيه وسلبيه حدثت ومعبرين عن المخزون البايولوجي والاجتماعي وكاشفين عن هذا المخزون ويحاسَب المجتمع والعائله بقدر النشاط الذي يمارسونه للتغلب على نقاط الضعف في أبنائهم، إذا كان الأبناء يعانون من خلل نفسي أو عقلي أو لم يتبلور لديهم بعد عنصر الاراده لتغيير أنفسهم بسبب عدم النضوج أو المرض. ويتحمل المجتمع بالتالي نتائج جهود كل عائله مع أبنائها، ومانراه من تكنولوجيا عاليه واستخدامات حديثه للعقول الآليه أو علاجات جديده للآلام الانسانيه ماهو إلا نتيجه لجهود عوائل لتطوير أبنائهم، وقد لاحظت إن الكثير من المتفوقين في مجالات العلم والتكنولوجيا هم ذوي علاقه جيده جداً مع عوائلهم ومن الناحيه الأخرى نلاحظ إن علاقات المجرمين والمنحرفين أخلاقياً مع عوائلهم تشكل دائماً نقاط سوداء في حياتهم وخاصة علاقتهم مع الامهات، ومن جهه أخرى فإن إهمال الأم وانشغالها أو انحرافها يؤدي إلى تواجد ابن أو ابنه منحرفه أو عدوانيه على الأكثر.
إن التعامل المتشنج مع الطالب في المدرسه إيضاً من قبل الطلاب أو المدرسين والاداره ووضعه في نقاط الضوء بسبب ضعفه الدراسي أو المستوى المادي وبسبب لونه وعنصره أو دينه كما يحدث في كثير من المدارس الأمريكيه والأوربيه أقول أن هذا قد يجعل الطالب يتعرض لضغوط نفسيه كبيره من المدرسين والطلاب كما يخلق هذا الرغبه في العدوان لصد هذه الضغوط .
وتبقى التفرقه العنصريه في المدارس هي أحد العوامل التي تشوه مجتمعات الطلاب وتخلق الحواجز بين الاطفال ويعود هذا على الأكثر إلى التربيه العنصريه القديمه والتي لاتزال تعتقد بأن العنصر الأبيض هو وحده القادر على التطوير والأبداع والسلوك المنضبط، لكن الواقع إن الطلاب الذين هم من أصل أفريقي قادرين أيضاً على التفكير الخلاق والارتباط بعلاقات مخلصه وحميمه مع الطلاب البيض والملاحظ أيضاً إن الأواصر العائليه هي أكثر قوه وتماسك في العائله الافريقية الأصل بشكل عام. لكن المقارنات هنا لاتنفع وماينفع هو التربيه المضاده للعنصريه والتربيه على مبدأ المساواة وجعلها قيمه اجتماعيه هامه وهذا ماعبر عنه الكثير من المفكرين وعلى رأسهم المفكر "مارتن لوثر كنج" [أحلم بأن أطفال الأرض يعيشون يوماً في أُمه لاتحاسب الأنسان بلون جلده بل بمحتويات شخصيته، وذات يوم سيمكن للأولاد الصغار والفتيات السود أن يمسكوا بأيدي الأولاد والفتيات الصغيرات البيض كأخوه وأخوات]25.
أن محاولات الكثير من المفكرين لخلق المساواة وخلق مجتمع جديد للأطفال قد ساعدت كثيراً في جعل الأرضيه صالحه لجميع الطلاب للنمو العقلي والجسدي ولخلق علاقات طيبه مع جميع العناصر الأخرى مما أبطل الكثير من المشاكل المقلقه في المدارس الأمريكيه والأوربيه ومما يساعد على الامتزاج الصحيح للعناصر المختلفه في المدرسه الواحده .
أن الضغط العنصري والديني هو أحد مسببات العنف لدى الطلاب لأنه يشكل التكتلات بين الطلاب، فالقلّه تحاول أن تتجمع وتحتمي ببعضها وتتعامل بشراسه مع الفرق الأخرى وتأخذ موقع المهاجم بدل موقع المدافع لشعورها بضآلة العدد والقوّه ويثير هذا الأشمزاز بين أوساط التربويين لأن هذا هو مجتمع طلابي وليس مجتمع حرب لكن التصادم الحاصل أحياناً يحدث كنتيجه حتميه للغبن الاجتماعي والتربيه العائليه والمدرسيه والمذنب في هذا حتماً هو المجتمع والعائله ثم المدرسه. ولايمكن للمدرسه أن تغير مضامين التربيه العائليه الخاطئه لوحدها بل يجب أن يسير الاثنان في خط متوازي وليس متعاكس. ولتقويم المفاهيم التربويه ووضع أً‏ُسس جديده لها يجب تهيئة المدرسين تهيئه تربويه ومهنيه صلبه ومتينة القواعد وفي كل الاحوال يجب أن لايجلب المدرس معه إلى المدرسه مشاكله أو عنصريته أو إحباطات الطفوله ولذا يجب أيضاً أن يكون سلوك المدرس مع الطلاب نزيهاً ونقياً محباً ومتسامحاً مع كثير من الصلابه وقوة الشخصيه . وقد لاحظت في بعض الدول المتطوره وخاصة في دوله مثل نيوزيلند بأن المدرس يعمل على ضوء مقاييس دقيقه تربويه ونفسيه وبروح المساواة نحو الكثير من الطلاب المختلفي العناصر والأديان والتي تعيش في هذا البلد، ولاحظت أن الحقوق ممنوحه لكل طالب لتعلم أصول دينه ولغته الأم في داخل مدرسته وخارجها وهذا مايوفر الشعور بالمساواة لدى الطلاب .
أن الكثير من البرامج التربويه والتعليميه في العالم تؤكد على المساواة بين الطلاب وتربيتهم على القيم النبيله أما التنفيذ فكثيراً مايعتمد على نزاهة الأداره والمدرسين، والهدف من هذا هو أن ينعم الطالب والمدرس بجو مُسالم وهادئ يساعد الطلاب على اكتساب العلوم والمعارف بدون هزات نفسيه وانقطاع وخلق ترابط وثيق بين الطلاب لكي يكونوا أداة بناء وليس هدم في حالة تخرجهم ولايخفى أن الطالب الذي يتربى على العدوان أو يتلقاه في المدرسه ويكون عُرضه له لايمكن أن يكون إلا أداة هدم، وكثيراً مانلاحظ أن بعض الطلاب قد يستخدموا معلوماتهم لهدم وتقويض مجتمعاتهم وقد تستخدم الاداره أساليب مختلفه لمعالجة العدوانيين باستخدامات مختلفه ومنها الحبوب المهدئه لتهدئة الطلاب لكنها تساعدهم في الحقيقه على الادمان وقد يؤدي ذلك إلى حاله من الهدوء الصفي في البدايه إذ أن المدمن قد يظهر كشخص طبيبعي وسوي وقد تختفي تشنجاته ولكن بعد فتره وحينما تنفذ السموم داخل جسمه تظهر عليه علامات الأدمان وعدم الانضباط في السلوك والعدوانيه. يقول المفكر النيوزيلندي "كين مك الروي" [بأن بعض الاطفال "الهايبر أكتف" يعالجون بالحبوب المهدئه لتهدئتهم وهذه تُضعف تعليمهم وعادة الاطفال من هذا النوع لايُتوقع منهم تعلم الكثير وتقريباً معظمهم لديهم مشاكل تعليميه وإذا عولجت المشاكل التعليميه هذه إختفى النشاط المرضي لديهم ويكون السلوك غير العادي ماهو إلا رد فعل للاحباط والخيبه والغضب لسقوطهم وفشلهم الدراسي]26.
أن المخدرات كما ذكرنا تساعد كثيراً على نمو السلوك العدواني وعدم الانضباط في السلوك في حالات تعاطيها أو بعده وعلى الوالدين والمدرسين مراقبة الأولاد في البيت والمدرسه ومراقبتهم لسلوكهم وفهم أسباب هذا السلوك إذا كان مؤقتاً أو دائمياً أو يعود إلى أسباب معينه مثل المشاكل العائليه والاقتصاديه أو إلى المخدرات التي تتنوع أشكالها وتأثيراتها، وتكاد تنتشر في كثير من دول العالم وخاصة بين الطلاب، وتذكر الباحثه "باربارا كوتمن" في كتابها "الوالدان اللذان يساعدان أولادهم على التغلب على المخدرات" بأن [الوالدين يجب أن يعلموا ماذا يعني أن يكون طفلهم مُدمن على نوع من الخدرات التي يختارها، وماهو حجم الضغط المسلط عليه باستخدامه لهذه المخدرات مع إخضاعه للعلاج وهذا يحتاج إلى الوقت والصبر]27.



#ناهده_محمد_علي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من أغضب من في 11 سبتمبر !؟
- العقاب البدني والعقاب المعنوي
- مقدمة كتاب العنف و الشباب والعقاب


المزيد.....




- رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن ...
- وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني ...
- الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
- وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ ...
- -بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله- ...
- كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ ...
- فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
- نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
- طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
- أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق


المزيد.....

- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي
- فلسفات تسائل حياتنا / محمد الهلالي
- المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر / ياسين الحاج صالح
- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام
- سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري - / الحسن علاج


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - ناهده محمد علي - العنف والشباب والعقاب / الجزء الثاني