|
هكذا صودرت الحريات في الدول الليبرالية
صالح مهدي عباس المنديل
الحوار المتمدن-العدد: 7410 - 2022 / 10 / 23 - 11:38
المحور:
المجتمع المدني
هل صودرت الحريات البشرية و الأرادة الفردية و الجماعية في الدول المتطورة اقتصاديا حيث بنيت على اساس الليبرالية و الأستقلالية الفردية التي تقدس حرية الفرد و استقلاله. مفهوم الدولة الحديثة و الحكومة بالذات بني هلى اساس الثورة البريطانية و قيام حكومة اوليڤر كرومويل و نشوء اول برلمان و تحديد سلطات الملك تلتي تبعتها معاهدة ويستفاليا 1648، اذ تسيطر الدولة على رقعة جغرافية وفيها كتلة سكانية معينه. ضمن حدود هذه الدوله يكون المواطن له حقوق و عليه بعض الألتزامات. عرّفت الحقوق الأساسية للأنسان على الشكل الآتي: حق الحياة بكرامة و استقلالية فردية اذ يكون الفرد رئيس نفسه و يعيش كما يشاء و يجني ثمار عمله. حق الحرية و هي الحريات التي ذكرناها في مقال سابق. حق الملكية الخاصة بكل اشكالها اي كل استحقاق حصل عليه كنتيجة عمله.
و بعد استقلال امريكا اضاف المشرع حق نيل السعادة في الحياة و هذا امر مثير للجدل. اما التزامات الفرد فهي الضوابط التي سنتها القوانين حيث شرعت بواسطة ممثلي الناس المنتخبين في البرلمانات و المجالس الوطنية. وهنا بدأت نقاط الخلاف بين المفكرين و المشرعين، و اصبحت بذلك مواجهة غير مباشرة و غير معلنة بين حقوق الفرد و حقوق المجتمع لا يمكن تقدير اهميتها ما لم ننظر بعمق الى تأثير القوانين على الحريات و الحقوق الفكرية. هنا ولدت نظرية العقد الأجتماعي مبنية على طروحات ايمانويل كانت و جون لوك و جان جاك روسو، انطلقت تلك النظرية افتراضيا من حياة الأنسان البدائي اذ يعيش حياة محفوفة بالمخاطر فلا يأمن على سلامته و يعاني من الجوع و الفقر و تفتك به الأمراض المعدية. لذا اصبح من المحتم عليه ان يعيش في جماعات. و بما ان نفس الأنسان امارة بالسوء و تتحكم به الغرائز و الأهواء و الطموحات الغير مشروعة و سعيه لكسب المزيد من المال و الشهوات و السلطة. اذن اصبح العيش في المجتمع فيه مخاطر جديدة و هي الجرائم التي يرتكبها الفرد تجاه افراد المجتمع مما جعل سن القوانين و تحديد العقوبات و ضمان الحقوق امر لا مفر منه. بنيت الشرائع و القوانين بألهام من الديانات و بناء على افكار الفلاسفه اليونان. في القرنين الثامن عشر و التاسع عشر يبدو ان الأنسان عاش مساحة من الحرية لا بأس بها. شهد القرن العشرين تطورات سريعة و غير متوقعة ناتجة عن تقدم الطب و العلوم التي ادت الى عصر السرعة و الحربين العالميتين و السلاح النووي و الثورة المعلوماتية. و هكذا اصبح العالم مكان اكثر خطورة مما استوجب المزيد من القوانين و التنظيمات التي من شأنها تقليل خطورة الفرد على المجتمع ( الفر هو اساس المجتمع، لكن من بين الناس مجرمين و فاسدين بعتدون على الأخر و يهددون امانة و مصلحة المجتمع و لابد من رادع) مثل هذه القوانين و من شأنها ان تفرض المزيد من القيود على الناس و تحتاج الى نظام يتولى ادارتها و تنفيذها و هذا يزيد من العبيء الأقتصادي على دافع الضريبة. بعد الحرب العالمية الثانية تعافى الاقتصاد و ازداد انتاج السلع و تحولت المجتمعات الى رفاهية استهلاك البصائع و تبعها في السبعينيات شيء من الركود ادى الى اكتشاف بطاقة التأمين( Credit Card) شجعت الناس على شراء بضائع اكثر ، و صاحبها تخفيض الفوائد و اصبح بأمكان اي يشخص شراء منزل و الأستمرار بدفع الفوائد. هنا اصبح الفرد مدمنا بشكل مزمن على الديون و بدون ارادته و المدمن هو عبد لما ادمن عليه. و هنا بدأ عصر جديد لا يخلو من بعض اشكال العبودية المقنعة، اذ يذهب الفرد الى العمل بعد ان يستيقض مبكرا و يعمل من الثامنة صباحاً الى الخامسة مساء و بكل اشكال الخضوع لصاحب العمل و في ضروف صعبة يحصى فيه عليه انفاسه و يراقب من الآخرين و تسجل في الذاكرة كل التصرفات، و لابد عليه ان يذعن لأن هناك قرض لابد دفعه. يضاف الى ذلك ان هناك اطفال و مدارس و ماء و كهرباء و اقساط التأمين على الحياة و التأمين الصحي و تأمين البيت و السيارة و ضرائب البلدية على البيت الذي تسكن فيه و تحديد سنوي لقيادة السيارة و ربما التأمين المهني و اشكال اخرى من متطلبات الحياة اليومية، و كذلك الضرائب الي تصل الى اكثر من 50٪ في بعض الدول. ارهقت هذه الألتزامات كاهل المواطن و أصبح مديناً لمختلف الجهات مدى الحياة. فرضت هذه الضروف طبقات فوق طبقات من القوانين لان كل تغيير يولد اشكالات تحتاج الى قوانين جديدة. احد النتائج هو ارتفاع نسبة الأمراض النفسية حيث في استراليا50٪ من الناس يعانون من القلق المزمن او الكآبة. اصبح الأنسان مجند من اجل ان تبقى عجلة الأقصاد على الدوران و كل فرد فيها عبارة عن حلقة لها رقم لا أكثر. هنا لابد من الوقوف على موضوع الضرائب فمن ناحية دعاة الحرية فان الفرد يكون فد اصبح وسيلة و ليس غاية و تم سوء استعمله لمدة اربعة اشهر من السنة اذا كانت الضريبة 30٪. دعاة الليبرالية يعتبرون هذا نوع من العبودية المعاصرة. اذ اصبح التوازن بين مصلحة الفرد و مصلحة المجتمع، اما الأشتراكيين فهم دائما يميلون الى مصلحة المجتمع ولو كان ذالك على حساب حريات الفرد و حتى حقوقه و استقلاليته كأنسان له قدسية خاصة بتكوينه. اعتقد تمكن دعاة الاشتراكية و تبقى الليبرالية فكرة نبيلة و لكن صعبة المنال. هنا لابد من الأشارة الى ان حرية التعبير و الصحافة بقيت صامدة لكن الرجل المرهق نفسياً و اقتصاديا لا يميل الى الخوض في السياسة و الفكر. اما الثورة المعلوماتية هلى كل فوائدها للفرد و المجتمع فاخذت نصيبها في انتهاك خصوصية الفرد و اسراره اليومية و جعلته عرضة للمراقبة و التنصت او حتى المتابعة و الأبتزاز بشكل غير مسبوق.
و اترك للقارىء ان يستنتج ما يراه مناسب.
#صالح_مهدي_عباس_المنديل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مفهوم الحرية
-
الانسان ، غاية ام وسيلة
-
لماذا فشلت الشيوعية
-
لماذا سيفشل السوداني
-
الصداقة في مجتمعنا
-
ادارة الدول العربية
-
نقد الأعلام العربي
-
مآثر العرب
-
السقوط
-
التجديد في الشعر العربي
-
مؤسس المدرسة
-
كيفية ايجاد حلول للمشاكل
-
التفكير النقدي
-
التفكير النقدي لطلبة الجامعات
-
التعليم في العالم العربي
-
الجامعة
-
المدارس
-
كلية الطب
-
اوجاع في بغداد الحصار
-
كي لا ننسى
المزيد.....
-
كاميرا العالم ترصد خلوّ مخازن وكالة الأونروا من الإمدادات!
-
اعتقال عضو مشتبه به في حزب الله في ألمانيا
-
السودان.. قوات الدعم السريع تقصف مخيما يأوي نازحين وتتفشى في
...
-
ألمانيا: اعتقال لبناني للاشتباه في انتمائه إلى حزب الله
-
السوداني لأردوغان: العراق لن يقف متفرجا على التداعيات الخطير
...
-
غوتيريش: سوء التغذية تفشى والمجاعة وشيكة وفي الاثناء إنهار ا
...
-
شبكة حقوقية: 196 حالة احتجاز تعسفي بسوريا في شهر
-
هيئة الأسرى: أوضاع مزرية للأسرى الفلسطينيين في معتقل ريمون و
...
-
ممثل حقوق الإنسان الأممي يتهرب من التعليق على الطبيعة الإرها
...
-
العراق.. ناشطون من الناصرية بين الترغيب بالمكاسب والترهيب با
...
المزيد.....
-
أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال
...
/ موافق محمد
-
بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ
/ علي أسعد وطفة
-
مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية
/ علي أسعد وطفة
-
العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد
/ علي أسعد وطفة
-
الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي
...
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن
...
/ حمه الهمامي
-
تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار
/ زهير الخويلدي
-
منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس
...
/ رامي نصرالله
-
من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط
/ زهير الخويلدي
-
فراعنة فى الدنمارك
/ محيى الدين غريب
المزيد.....
|