|
ظاهرة السياسي الشعبوي
فاخر جاسم
الحوار المتمدن-العدد: 7410 - 2022 / 10 / 23 - 11:38
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
الشعبوية: " هي أيديولوجية، أو فلسفة سياسية، أو نوع من الخطاب السياسي الذي يستخدم الديماغوجية ودغدغة عواطف الجماهير لتحييد القوى المضادة وكسب تأييد الناس والمجتمعات " (1). أنها نظام يعتمد سياسات تحظى بشعبية على المدى القصير ولكن غير مستدامة في المدى الطويل، وعادة في مجال السياسات الاجتماعية. وتظهر الشعبوية كتيار سياسي خلال الأزمات السياسية والاجتماعية التي تنشأ بسبب فشل النخب الحاكمة في تحقيق الوعود الإنتخابية والقيام بالاصلاحات التي يحتاجها التطور الاجتماعي، وبشكل عام غياب العدالة الاجتماعية، حيث تشكل هذه الظروف، البيئة المناسبة لظهور الزعامات الشعبوية، وبنفس الوقت الدافع المهم لانخراط مجموعات كبيرة من السكان في نشاط المنظمات الشعبوية (2). وتفرز الأزمات الاجتماعية، بعض الزعامات الشعبوية، التي تستغل نمو مزاج سياسي غاضب لدى الفئات الأكثر تضرراً من نتائج الأزمة، والتي تفقد ـ بسبب الشعور بالتهميش والحرمان الاجتماعي ـ الثقة بنظام الأحزاب السياسية والنخب الحاكمة، فيقوم الزعيم الشعبوي بتقديم حلول للأزمة تتجاوب مع المزاج العام، معتمداً خطاباً يتملق الجماهير لغرض التعبئة السياسية ضد نخب منافسة له. ويتصاعد تأييد الفئات المهمشة للشعبوية عندما تكون معارضة للسلطات الحاكمة، ولكن سرعان ما يضعف هذا التأييد بعد الفوز بالسلطة، لأنها تفتقد، أي الحركات الشعبوية، إلى برنامج سياسي واضح، تستطيع من خلاله المحافظة على التأييد الواسع عندما كانت في المعارضة (3). ويهدف الخطاب الشعبوي إلى اعتبار النخب السياسية الحاكمة، نخباً فاسدة خذلت جمهورها وكذبت على المواطنين، مؤكدا على أن خطابه هو الوحيد المعبر عن طموحات الغاضبين من النظام القائم ونخبه السياسية والثقافية والدينية، والقادر على انتشالهم من حالة البؤس والحرمان بمجرد الاشتراك في نشاطاته الشعبوية والثقة بالوعود التي يقدمها "القائد الرمز" باعتباره الممثل الحقيقي لطموحاتهم. وعلى صعيد التحرك السياسي، فإن تحرك القائد الشعبوي، يهدف إلى خلق حالة من التمييز بينه وبين الزعماء الآخرين لإظهار نفسه بانه المناضل الوحيد الذي لا مثيل له، والغرض من ذلك اشعار الجمهوربتفرده بين الزعامات السياسية في الوسط الذي يتحرك فيه وغالباً ما يكون هذا الوسط قد فقد الشعور بالقدرة على التغيير لذلك من السهل عليه تلقف الأوهام التي يبشر بها القادة الشعبويون. وغالباً ما تلعب ظروف التكوين الاجتماعي والنفسي لشخصية هؤلاء القادة، دوراً في تعزيز النرجسية لديهم، فيقومون باللجوء إلى سياسة تهييج المشاعر الجماعية، قومية اومذهبية أو طائفية، بهدف تكوين نرجسية جماعية، يقوم الزعيم الشعبوي باستغلالها، لكي تشعر هذه الجماعة بأهمية دورها المركزي بين المكونات الاجتماعية. وهناك خاصية لدى الجماعات الطائفية وذات الأيديولوجيا الدينية، التي تضفي صفات القدسية على قادتها، الامر الذي يصبح انتقاد هؤلاء القادة حالة غير مقبولة. أما من حيث محتوى الخطاب الشعبوي، فانه يتميز ببعض السمات الرئيسية، منها: 1. يركز على مفردات سياسية وفكرية عامة تتمحور حول دور القائد المركزي في عملية التغيير، والتأكيد على النرجسية الجماعية التي تدغدغ مشاعر الجمهور الشعبوي وتوهمه بتميّزه عن الآخر في قدرته على التغيير بمفرده. 2. اثارة مشاعر القلق والخوف من المستقبل لدى متلقيه لتعزيز حاجتها إلى زعيم منقذ، وبنفس الوقت تقوية التضامن العضوي بين القاعدة التي يتشكل أغلبها من فئات هامشية فقيرة وفئات متعلمة يائسة مستعدة للطاعة والخضوع. 3. من الخصائص المهمة في علاقة التيار الشعبوي بالمواطنين، الركون الى العاطفة في إثارة الجماهير، والاعتماد على مفاهيم ومفردات معادية أو مناهضة للعقل، حيث يتم اللجوء إلى رفض الطروحات العقلانية، وبدلا عن ذلك يتم اللجوء إلى استخدام مفردات، تهدف إلى" تحريض المشاعر والعواطف وإلهابها، وجعلها بديلاً عن العقل في تقويم حياة الفرد والمجتمع، وتحديد ما عليهم أن يفعلوا وما عليهم أن يتركوا مع اعتبار الماضي وحده هو المنطلق الوجودي والمعرفي لكل ما يعيشه الإنسان، وما سيأتي لاحقاً في حياته (4). 4. تعيق الشعبوية الديمقراطية، نظرا لأن الوعي الشعبوي يستند على العاطفة والرأي الواحد الذي يمثله القائد وليس على المعرفة والعقلانية، وهذا الوعي يتعارض مع الديمقراطية التي تتطلب الوعي الذي يقوم على المعرفة وحرية الاختيار بين البرامج المختلفة. أما في المجال السياسي فتتميّز الشعبوية بالارتجال في النشاط وفي تعاملها مع الفعاليات التي تريد زج أنصارها بها في إطار صراعها مع الأنظمة التي تعتقدها فاسدة، وتتبع نخباً سلطوية فاسدة أيضاً، لذلك تلجأ الشعبوية إلى انتقاد المؤسسات السياسية القائمة على الرغم من وجود تمثيل لها فيها لأن الأنظمة التي تعمل الشعبوية على إزاحتها "تمتلك مؤسسات تحدد اليات عملها من خلال المؤسسات الدستورية والسلطات الشرعية التي تعد النافذة الرسمية التي يتم من خلالها التغيير على العكس من الشعبوية التي لا تعد هذه المؤسسات هي الوسيلة الحقيقية للتغيير، بل الجماهير هي الحاكمة في طبيعة هذا التغيير من خلال الشارع والاحتجاجات (5)". وتفرز الشعبوية السلوك الجمعي الذي يضفي قداسة على القادة والمكان والزمان، وهو أحد اهم المخاطر التي تتولد عنها، فتتحول إلى حالة عفوية يرتبط وجودها وفعاليتها برمزية القائد الذي يتحكم بأساليب نشاطها وأهدافها، لذلك تفقد استمرارية النشاط والتغييرات المستمرة للأهداف. وبما أن الشعوبية تميل إلى الإيمان بالترجمة المباشرة للنبضات العامة والعواطف العامة، لذلك يقوم الزعماء الشعوبيون باثارة المشاعر، خاصة لدى الفئات غير الواعية، ودفعها للابتعاد عن التفكير العقلاني بالمشاكل التي تواجهها. وهذا يفسر سبب الهيجان لدى العامة الذي يحركهم القادة الشعبويون، الذي سرعان ما يخفت بناء على الرغبة الذاتية لزعيمهم. وتتمّكن الزعامات الشعبوية من تهميش القواعد السياسية والاجتماعية والقانونية، والتي تشكل الضوابط التي تنظم الصراعات بين مختلف مكونات التشكلية الاجتماعية وتمنع تحولها إلى العنف، خاصة خلال فترة احتدام أزمة السلطة والمجتمع، وذلك من خلال العمل على إذكاء النزعات البدائية في المجتمع، التي تعتمد على العنف والقوة، لفرض الرأي وأقصاء الآخرين، متخذين من تخلف الوعي الاجتماعي وسيلة لتأجيج النزعات الطائفية والمذهبية والقومية والعشائرية والمناطقية. واخيراً، يؤدي التحاق مجموعة من المثقفين بالزعامات الشعبوية إلى تحول نوعي في تركيبة قيادتها السياسية، يساعدها على تطوير إمكانياتها السياسية والتعبوية. وغالباً ما يحدث التحول في مواقف المثقفين الفكرية، بعد الصراعات الداخلية حول النهج السياسي والفكري في الأحزاب اليسارية والقومية، ففي الستينيات شهدت المنطقة العربية تحول في مواقف اليساريين باتجاه الناصرية، خاصة الموقف من الاتحاد الاشتراكي. وتكرر ذلك بعد الثورة الإيرانية، على ضوء مناهضتها للأمبريالية ونهجها الشعبوي، ثم حدثت الموجه الثالثة في التحول الفكري، بعد انهيار التجربة الاشتراكية، حيث انتقلت مجموعة من المثقفين الماركسيين واليساريين، إلى الفكر الليبرالي، باعتباره الفكر القادر على تحقيق التقدم الديمقراطي في البلدان العربية الإسلامية، بدعم من الليبرالية الجديدة في الغرب. الهوامش
1. موقع معرفة: الشعبوية، https://www.marefa.org/ نقلا عن أ. د. محمد كريم الساعدي، الشعبوية ومسرح الشارع مقاربات في الرؤية والمقاصد السياسية والأجتماعية، صحيفة المثقف الالكترونية، العدد 5006 20/5/2020. 2. يكون ذلك واضحاً في البلدان الرأسمالية، حيث صعد الخطاب الشعبوي في بلدان رأسمالية رئيسية، كالولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وأيطاليا، بعد أن أصبح الخطاب الليبرالي غير قادر على كسب رضى المواطنين في ظل عدم قدرة النظام الاقتصادي للرأسمالية المعولمة على تقليص الفوارق الكبيرة في الدخل بين قلة من أغنياء المجتمع وغالبية تشعر بتقلص فرص العدالة الاجتماعية التي طبقت بعد الحرب العالمية الثانية، وخاصة أثناء الصراع بين المعسكرين الإشتراكي والرأسمالي. 3. تؤكد هذه الحقيقة تجربة كثير من الزعماء الشعبويين بعد فوزهم في السلطة، على سبيل المثال الرئيس الامريكي السابق، دونالد ترمب، والرئيس الفرنسي ماكرون، والرئيس البرازيلي الحالي، جاييربولسونارو وغيرهم، حيث يلاحظ تصاعد المعارضة لسياستهم، نتيجة عدم تحقيق وعودهم الانتخابية. 4. د. عدنان عويدات، صحيفة المثقف 6 ـ 11ـ 2020لعدد: 51551675551لعدد: 5176 المصادف 5. أ, د. محمد كريم الساعدي، الشعبوية ومسرح الشارع.. مقاربات في الرؤية والمقاصد السياسية والأجتماعية، مصدر سابق. يشير فرانسيس فوكوياما، إلى ان الشعبوية تتعلق بأسلوب القيادة. اذ يتجه القادة الشعبويون الى تطوير عبادة شخصية حول انفسهم مرتدين عباءة السلطة الكاريزمية التي تتواجد بشكل مستقل عن المؤسسات مثل الاحزاب السياسية. ما هي الشعبوية ؟ ترجمة: أ. م. د. حسين أحمد السرحان، https://annabaa.org/ نفس المصدر السابق.
#فاخر_جاسم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
اليسارالإشتراكي ورهانات الحاضر
-
ارهاب الدولة في ظل نظام القطبية الواحدة 3 3
-
ارهاب الدولة في ظل نظام القطبية الواحدة ( 2 3 )
-
الإرهاب الدولي ومفهومه في ظل نظام القطبية الواحدة
-
الرؤية الحرة للأشياء .. قراءة صادقة للواقع
-
النقد والمعايير الأخلاقية
-
الحزب الشيوعي العراقي والممارسة الثورية للاخلاق
-
العوملة الرأسمالية والدولة الوطنية الديمقراطية
-
الرأسمالية المعولمة وفعالية المعايير الاخلاقية
-
جدلية الصراع بين السلطة والدولة في العراق بعد 2003 القسم الث
...
-
جدلية الصراع بين السلطة والدولة في العراق بعد عام 2003
-
الماركسية: فلسفة للتغيير أم للتبرير؟ 2 2
-
الماركسية: فلسفة للتغيير أم للتبرير ؟
-
أكتوبر وحل القضية القومية
-
العولمة الرأسمالية واعادة بناء اليسارالاشتراكي
-
لماذ فشلت الاحتجاجات الشعبية في بناء أنظمة ديمقراطية؟
-
الطائفية وانهيار الدولة العراقية الحديثة
-
تأكل الشرعية الوطنية للدولة في الشرق الأوسط
-
قراءة في ديوان - جذور الفجر- للشاعر عبد الإله الياسري اطلالة
...
-
الاحتجاجات الشعبية العربية وآفاق تطورها الديمقراطي
المزيد.....
-
-عيد الدني-.. فيروز تبلغ عامها الـ90
-
خبيرة في لغة الجسد تكشف حقيقة علاقة ترامب وماسك
-
الكوفية الفلسطينية: حكاية رمز، وتاريخ شعب
-
71 قتيلا -موالين لإيران- بقصف على تدمر السورية نُسب لإسرائيل
...
-
20 ألف كيلومتر بالدراجة يقطعها الألماني إفريتس من أجل المناخ
...
-
الدفاع الروسية تعلن تحرير بلدة جديدة في دونيتسك والقضاء على
...
-
الكرملين يعلق على تصريح البنتاغون حول تبادل الضربات النووية
...
-
روسيا.. اكتشاف جينات في فول الصويا يتم تنشيطها لتقليل خسائر
...
-
هيئة بريطانية: حادث على بعد 74 ميلا جنوب غربي عدن
-
عشرات القتلى والجرحى بينهم أطفال في قصف إسرائيلي على قطاع غز
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|