|
الآثار الاقتصادية للصراع الروسي الاوكراني على الاقتصادات الخليجية
عدنان فرحان الجوراني
الحوار المتمدن-العدد: 7409 - 2022 / 10 / 22 - 15:42
المحور:
الادارة و الاقتصاد
المقدمة: تسبب الصراع الروسي الأوكراني، الذي بدأ في فبراير 2022، في اضطرابات واسعة في أسواق السلع العالمية، اذ تعد روسيا وأوكرانيا منتجين ومصدرين مهمين للطاقة والمنتجات الزراعية، مثل النفط والغاز الطبيعي والقمح والذرة، وسرعان ما تم الشعور بآثار الاضطراب في كثير من الاقتصادات العالمية بعد بدأ الصراع في فبراير ومارس 2022، اذ استجابت أسعار السلع للأزمة من خلال الارتفاع بوتيرة تاريخية، مما زاد من الضغوط التضخمية على مدخلات المنتجين والسلع الاستهلاكية، هذا فضلا عن انتكاسة الاستجابة العالمية لوباء COVID-19 الذي أدى الى بطء نمو الاقتصاد العالمي وخسائر كبيرة للعديد من القطاعات الاقتصادية. وكان انخفاض الإنتاج والتجارة المرتبطين بالحرب والعقوبات العالمية المحركين الرئيسيين لاضطرابات أسواق السلع الأساسية، اذ أدى الدمار الذي خلفته الحرب في أوكرانيا إلى إعاقة إنتاج وتصدير السلع الأساسية مثل القمح والغاز الطبيعي، فضلا عن ذلك، أدت العديد من الاستجابات السياسية من الدول في جميع أنحاء العالم للعقوبات المادية والاقتصادية التي فرضتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوربي على روسيا إلى مزيد من الاضطرابات في الأسواق العالمية، من خلال زيادة تعطيل تدفقات التجارة العالمية في السلع والمنتجات المرتبطة بروسيا. أولا: الأهمية الاقتصادية لروسيا واوكرانيا في الاقتصاد العالمي: تعد روسيا من أهم الدول المنتجة للنفط في العالم، اذ تأتي في المرتبة الثانية بعد الولايات المتحدة وكما يوضح الشكل الآتي:
شكل (1) الدول العشر الأعلى انتاجا للنفط الخام في عام 2021 يتضح من الشكل الأهمية الكبرى للنفط الروسي اذ أن روسيا هي ثاني أكبر مصدر للنفط الخام بعد السعودية، وقد شكلت عائدات النفط والغاز الطبيعي في عام 2021 (45٪) من الميزانية الفيدرالية لروسيا. في عام 2021، بلغ إنتاج روسيا من الخام والمكثفات 10.5 مليون برميل يوميًا، ما شكل 14٪ من إجمالي المعروض العالمي، كما صدرت روسيا ما يقدر بنحو 4.7 مليون برميل يوميًا من النفط الخام إلى دول حول العالم. وتعد الصين أكبر مستورد للخام الروسي (1.6 مليون برميل يوميا)، لكن روسيا تصدر حجمًا كبيرًا للمشترين في أوروبا (2.4 مليون برميل يوميًا). كما تعد روسيا ثاني أكبر منتج للغاز الطبيعي في العالم بعد الولايات المتحدة، ولديها أكبر احتياطيات غاز في العالم، واحتلت روسيا المرتبة الأولى كأكبر مصدر للغاز في العالم في عام 2021، اذ أنتجت حوالي 762 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي، وصدرت ما يقرب من 210 مليار متر مكعب عبر خط الأنابيب. تمتلك روسيا أيضًا شبكة خطوط أنابيب واسعة النطاق لتصدير الغاز، تمر عبر بيلاروسيا وأوكرانيا، وعبر خطوط الأنابيب التي ترسل الغاز مباشرة إلى أوروبا (بما في ذلك خطوط أنابيب نورد ستريم وبلو ستريم وتركستريم)، واستحوذ الغاز الطبيعي الروسي على 45٪ من الواردات وحوالي 40٪ من طلب الاتحاد الأوروبي على الغاز في عام 2021. وقد زادت هذه الحصة في السنوات الأخيرة، مع انخفاض إنتاج الغاز الطبيعي المحلي في أوروبا. ألمانيا وتركيا وإيطاليا هي أكبر مستوردي الغاز الطبيعي الروسي. كما تعد روسيا وأوكرانيا من بين أهم منتجي السلع الزراعية في العالم، وكلا البلدين يعتبران مصدرين صافين للمنتجات الزراعية وهما موردان رئيسيان للمواد الغذائية والأسمدة للأسواق العالمية، ففي عام 2021، صُنف روسيا أو أوكرانيا، أو كليهما، من بين أكبر ثلاث دول مصدرة للقمح والشعير والذرة وبذور اللفت وزيت بذور اللفت وبذور عباد الشمس وزيت عباد الشمس. كما صنفت روسيا كأكبر مصدر في العالم للأسمدة النيتروجينية، والمورد الثاني الرائد للبوتاسيوم، وثالث أكبر مصدر للأسمدة الفوسفورية. ثانيا: الاثار الاقتصادية للصراع على الاقتصاد العالمي: قبل بداية الصراع بدأت بوادر الانتعاش للاقتصاد العالمي بعد أن وصل معدل نمو الاقتصاد العالمي الى (5.5%) في عام 2021، الا أن بداية الصراع جعلت البنك الدولي يتوقع انخفاض هذا المعدل الى (4.1%) عام 2022 والى (3.2%) عام 2023. خلال أسابيع قليلة فقط من بدء الصراع، ارتفعت أسعار السلع الأساسية في أسواق الطاقة والزراعة على حد سواء بوتيرة لم تشهد سوى القليل من السوابق التاريخية، على سبيل المثال، ارتفع متوسط السعر الشهري للنفط بنسبة 18٪ من فبراير إلى مارس ووصلت أسعار خام برنت الى أعلي مستوى لها منذ عشر سنوات عند (130) دولار للبرميل في مارس 2022، وكان ذلك أحد الزيادات الشهرية الأكثر أهمية المسجلة، وارتفعت أسعار الفحم بنسبة (60%)، والغاز الطبيعي الاوربي بنسبة تزيد عن (30%)، وربما كان الارتفاع الكبير في أسعار القمح أكثر أهمية من الناحية التاريخية، اذ ارتفعت أسعار القمح بنسبة 29٪ في شهر مارس، وكانت من بين أعلى الزيادات في الأسعار خلال القرن الماضي، لم تحدث زيادات أخرى في الأسعار بهذا الحجم منذ حظر النفط وصفقة الحبوب الروسية في السبعينيات. تسبب الصراع في البداية في تقلب أسعار النفط، والذي زاد مع ارتفاع حالات COVID-19 في الصين، مما أدى إلى عمليات إغلاق جديدة، الأمر الذي أضر بالطلب وتعطيل سلاسل التوريد. اذ أن الصين تعد ثاني أكبر اقتصاد في العالم وأكبر مستورد للنفط. ارتفعت الأسعار بعد بدء الصراع الروسي الأوكراني، وكسرت حاجز 100 دولار للبرميل في 1 مارس، ووصلت إلى 139 دولارًا للبرميل في 7 مارس قبل أن تتراجع إلى نطاق 100 دولار الذي لا يزال مرتفعًا للغاية وفقًا للمعايير التاريخية. وقد أسهم ارتفاع أسعار النفط والسلع الأساسية في تزايد الضغوط التضخمية في جميع أنحاء العالم فبعد أن انخفض معدل التضخم العالمي الى (1.2%) على أساس سنوي في مايو 2020، ارتفع الى (6.5%) في فبراير 2022، الأمر الذي دفع الولايات المتحدة إلى رفع أسعار الفائدة في 16 مارس للمرة الأولى منذ عام 2018. وتسببت العقوبات والتدابير المفروضة على الصادرات الروسية من النفط والغاز في إحداث صدمة في الاقتصاد العالمي، مما أدى إلى ارتفاع تكاليف المعيشة، والتأثير على الإنتاج الصناعي والزراعي، وربما يؤدي إلى اضطرابات اجتماعية كالمظاهرات التي تحدث الآن في العديد من دول العالم وخاصة الدول الأوربية ضد ارتفاع الأسعار. ثالثا: الآثار الايجابية للصراع على الاقتصادات الخليجية: ان ارتفاع أسعار الطاقة عالميا سيكون له آثار ايجابية كبيرة على دول الخليج كونها دول منتجة ومصدرة للنفط والغاز، فاذا ما تجاوز سعر برميل النفط حاجز المائة دولار فان ذلك يعني ان هذه الدول ستحقق فائضا ماليا كبيرا يساعدها في انجاز مشاريعها الاستراتيجية التي توقف معظمها نتيجة أزمة COVID-19. اذ يتجاوز إجمالي احتياطات دول الخليج الست (السعودية، والبحرين، وقطر، وسلطنة عمان، والإمارات، والكويت) من النفط، 510 مليارات برميل، تشكل نسبتها 32.7 بالمئة من مجمل الاحتياطي العالمي المؤكد البالغ 1.55 تريليون برميل. ويبلغ إجمالي إنتاج دول الخليج من النفط الخام قرابة 18 مليون برميل يوميا، تشكل نسبته 19 بالمئة من إجمالي الطلب العالمي البالغ قرابة 99 مليون برميل يوميا. وتعد السعودية صاحبة ثاني أكبر احتياطي مؤكد للنفط الخام بحسب بيانات وزارة الطاقة في المملكة، بأكثر من 270 مليار برميل، تشكل نسبته قرابة 17.3 بالمئة من الاحتياطي العالمي، فضلا عن كونها ثالث أكبر منتج للنفط الخام في العالم بمتوسط يومي 10.2 ملايين برميل يوميا، بحسب بيانات "أوبك"، وأكبر مصدّر للخام عالميا بمتوسط 6.9 ملايين برميل يوميا، وتشكل نسبة النفط السعودي قرابة 10.7 بالمئة من إجمالي الطلب اليومي على الخام عالميا، وترتفع إلى 13 بالمئة من إجمالي الطلب اليومي، عند الإنتاج وفق طاقتها القصوى. بينما تملك دولة الإمارات احتياطات مؤكدة تبلغ 107 مليارات برميل، تضعها في المرتبة الخامسة عالميا، بعد كل من فنزويلا والسعودية وإيران والعراق، ومن حيث الإنتاج النفطي، تنتج الإمارات حاليا قرابة 3 ملايين برميل يوميا تشكل 3.4 بالمئة من مجمل الطلب العالمي اليومي، ولدى الدولة قدرة فورية على زيادة الإنتاج إلى 3.5 ملايين برميل يوميا، تشكل قرابة 4 بالمئة من الطلب العالمي. بينما الكويت، صاحبة سادس أكبر احتياطي نفطي في العالم بإجمالي 101.5 مليار برميل، تنتج باليوم قرابة 2.62 ملايين برميل يوميا، تشكل نسبته 2.9 بالمئة من مجمل الطلب العالمي، ومثل السعودية والإمارات، لدى الكويت قدرة فورية على زيادة الإنتاج حتى 3.2 بالمئة من الإنتاج تشكل 3.6 بالمئة من الطلب العالمي. بينما سلطنة عمان، منتج متوسط للنفط الخام بمعدل يومي مليون برميل تشكل 1.1 بالمئة من الطلب العالمي، فيما بلغ الاحتياطي المتوقع للنفط الخام والمكثفات النفطية للسلطنة بنهاية 2020 حوالي 4.706 مليارات برميل. أما البحرين، فهي بلد منتج صغير للنفط الخام بأقل من 350 ألف برميل يوميا، بينما قطر تنتج في اليوم متوسط 700 ألف برميل. وبالنسبة للغاز فان قطر هي أكبر منتج للغاز الطبيعي المسال في العالم بأكثر من 110 ملايين طن سنويا، وتطمح للوصول إلى 127 مليون طن بحلول 2027، وتنتج قطر سنويا 205.7 مليارات متر مكعب من الغاز الطبيعي، تشكل نسبته 5.34 بالمئة من الإنتاج العالمي. البالغ أكثر من 3.84 مليارات متر مكعب. أمام هذه المعطيات، تبرز أهمية دول الخليج العربي في صناعة الطاقة التقليدية، خاصة في وقت الأزمات الجيوسياسية، كالجارية حاليا. تعد المملكة العربية السعودية أكثر الدول التي من المرجح أن تستفيد من إطالة أمد الصراع مع القدرة على إنتاج 12 مليون برميل يوميًا وهي قدرة يمكن الاعتماد عليها إذا أثر الصراع وقرر العالم أو أوروبا مقاطعة صادرات النفط الروسية، وقد منحت أسعار النفط المرتفعة منذ نهاية فبراير الماضي عائدات اقتصادية إضافية للمملكة. قطر دولة أخرى يمكن أن تستفيد من الأزمة، خاصة على المدى الطويل، ففي وقت سابق من هذا العام، اذ أن قطر بانتاجيتها العالية من الغاز تعد بديلا محتملا لإمدادات الغاز الروسي إلى أوروبا إذا قطعت روسيا صادرات الغاز إلى القارة، الا أن ذلك يواجه صعوبات في الأجل القصير وهذا ما أشار اليه وزير الطاقة القطري حين أوضح أن بلاده لا تستطيع على الفور استبدال صادرات الغاز إلى أوروبا، ولا تستطيع أي دولة ذلك. كما أوضح الوزير: "لا توجد قدرة على فعل ذلك من الغاز الطبيعي المسال". وبين أن "معظم الغاز الطبيعي المسال مرتبط بعقود طويلة الأجل ووجهات واضحة للغاية. لذا، فإن استبدال هذا الحجم من الحجم الذي يكاد يكون مستحيلًا بسرعة "، على الرغم من ذلك، فإن الصراع قد يفيد خطط قطر لتوسيع الغاز على المدى الطويل. رابعا: الآثار السلبية للصراع على الاقتصادات الخليجية: ليست كل الآثار الناتجة عن الصراع إيجابية فهناك أيضا آثار سلبية، اذ أن هناك خاسرون من ديناميكيات السوق الحالية، بما في ذلك منتجي النفط في الخليج. على الرغم من الشائعات حول تعليق روسيا من اتفاق أوبك بلس، فإن التعاون الحالي بين موسكو ومنتجي النفط الآخرين قد يستمر ويستمر إلى ما بعد سبتمبر 2022، عندما تنتهي اتفاقية خفض الإنتاج، على الرغم من تضاؤل فرص حدوث ذلك، هناك مخاوف مستمرة بشأن استقرار سوق النفط والحفاظ على تماسك الكارتل هو السبيل الوحيد لإدارته، وعلى الرغم من انخفاض طاقتها الإنتاجية، تظل روسيا لاعبًا مهمًا ويمكن أن يزداد دورها في آسيا، وهي سوق استهلاكية رئيسية لمنتجي النفط في الخليج. إذا كانت هناك أسئلة خلال الأسابيع الأولى من الصراع في أوكرانيا حول ما إذا كان التهديد بالعقوبات والاختناقات اللوجستية سيسمح لموسكو بإعادة توجيه صادراتها النفطية من أوروبا إلى آسيا، فإن الإجابة الآن واضحة: نعم، يمكنها ذلك. على سبيل المثال، في حالة محطات النفط في غرب روسيا، ارتفع حجم إمدادات النفط المتجهة إلى "الشرق" من 0.14 مليون برميل يوميًا في يناير 2022 إلى 0.9 مليون برميل يوميًا في أبريل و 0.55 مليون برميل يوميًا في مايو. وبغض النظر عن مخاوفها الأولية وترددها، تبين أن الهند هي المشتري الرئيسي لكميات إضافية من النفط الروسي. من الصفر تقريبًا في فبراير، ارتفعت وارداتها إلى 0.9 مليون برميل يوميًا في مايو، في السنوات السابقة لم يتجاوز متوسط وارداتها 0.2 مليون برميل في اليوم. سرعان ما اتبعت الصين مثال الهند. برز الاهتمام بالإمدادات الإضافية ليس فقط من المشترين التقليديين للهيدروكربونات الروسية بين شركات تكرير النفط المستقلة في الصين (ما يسمى أباريق الشاي)، ولكن أيضًا من اللاعبين الصينيين الرئيسيين المرتبطين بالحكومة، الذين قالوا في البداية إنهم لن يكونوا مهتمين بشراء النفط الروسي. بسبب التهديد بفرض عقوبات. ومع ذلك، كما تظهر الإحصاءات، بعد الانخفاض الأولي في صادرات النفط الروسية إلى الصين من 1.7 مليون برميل في اليوم في يناير إلى 1.4 مليون برميل في اليوم في فبراير، بدأت الكميات في النمو مرة أخرى، لتصل إلى 1.6 مليون برميل في اليوم في أبريل ونحو 2 مليون برميل في اليوم في مايو. في أبريل ومايو من هذا العام، وصلت إمدادات النفط البحري الروسي إلى الصين إلى أعلى مستوياتها منذ مارس 2020، حيث تجاوزت مليون برميل في اليوم، مقابل متوسط 0.8 مليون برميل في اليوم في عام 2021. في السوق الهندية، تحدى النفط الروسي مواقف منتجين خليجيين آخرين، بما في ذلك الإمارات والسعودية، فضلا عن العراق فبحلول مايو 2022، فقدت الدول الثلاث حجمًا كبيرًا من صادراتها لصالح موسكو وكما موضح بالشكل الآتي: شكل (2) الصادرات النفطية الى الهند من قبل اعلى المنتجين خلال المدة (يناير- مايو2022)
من الشكل يتضح أن الصادرات الروسية ارتفعت بشكل كبير خلال المدة (مارس-مايو) في حين انخفضت صادرات الدول العربية الثلاث في نفس الفترة. قد يمثل النفط الروسي أيضًا تهديدًا للمصالح السعودية في السوق الصينية، على الرغم من أن حجم الإمدادات السعودية إلى الصين ينمو باستمرار حتى الآن، ومع ذلك، وفقًا لبعض الخبراء، ستكون عُمان الضحية الرئيسية لتدفق نفط الأورال الروسي إلى الصين. هناك عدة عوامل تدعم نمو إمدادات النفط الروسية إلى آسيا، أهمها الخصومات غير المسبوقة التي يقدمها المنتجون الروس لعملائهم للتعويض عن المخاطر والتكاليف المحتملة لشراء النفط سياسيًا، ووفقًا لتقديرات مختلفة، قد يصل هذا الخصم إلى ما بين 25-35 دولارًا للبرميل، مما يجذب مصافي التكرير التي تهتم بالربح والتي عززت بالفعل هوامشها الربحية والبلدان التي تواجه صعوبات اقتصادية ولا تستطيع شراء النفط بالسعر الرسمي المرتفع، قد تفيد خسارة روسيا الجزئية لسوق البتروكيماويات أيضًا في تجارة النفط: فقد يكون الطلب على النفط الروسي كمادة وسيطة في تلك البلدان التي حاولت استبدال روسيا وزيادة صادراتها في أسواق الوقود والمنتجات البتروكيماوية الأخرى. فضلا عن ذلك فان روسيا مستعدة لدفع التكاليف المرتبطة بتزويد الأسواق الآسيوية بالنفط وتتعلم بسرعة من أخطائها، ولا يشمل هذا استعدادها لتقديم خصومات فحسب، بل أيضًا لتحمل المخاطر والتكاليف المرتبطة بدفع تكاليف التأمين على السفن، وامتلاك أسطول ناقلات خاص بها، واستخدام ناقلات ذات حمولة منخفضة، فضلاً عن تداول النفط من ناقلة إلى أخرى في النهاية، على الرغم من كل التكاليف المرتبطة، تسمح أسعار النفط المرتفعة اليوم لروسيا بالبقاء في جني الأرباح. كل هذه العوامل أجبرت دول الخليج على إعادة النظر في سياسات التسعير الخاصة بها. وهكذا، كان العراق، في نيسان (أبريل)، أول من خفض أسعار نفطه، وفي مايو، حذا منتجون خليجيون آخرون حذوها، ومن المثير للاهتمام، أن الأسعار الروسية تبين أنها أكثر تأثيرًا من العوامل الأخرى التي تؤثر على السوق، مثل إمكانية التخفيف التدريجي لقيود الحجر الصحي في الصين، والتي كان من المفترض نظريًا أن تدفع أسعار النفط إلى الأعلى. وبالتالي فان الصراع الروسي الاوكراني أدى إلى إعادة هيكلة تدفقات سوق النفط وخلق مصادر جديدة لعدم اليقين ستستمر على الأقل حتى ينتهي الصراع وتتحسن العلاقات، ومن غير المحتمل أن يحدث ذلك قريبًا ويبدو أن السوق قد بدأ في التعرف على الطبيعة طويلة المدى للوضع الحالي. تدريجيًا ، يبدو أن الجميع قد توصلوا إلى نفس النتيجة: أصبح النفط الروسي الخاضع للعقوبات حقيقة جديدة في أسواق النفط الآسيوية ويجب حسابه، وفي حين تحاول بعض الدول مثل إيران ، إيجاد طريقة للتعايش مع روسيا ، على أمل تقسيم سوق النفط، يمكن للآخرين مثل المملكة العربية السعودية وشركائها ، توقع العمل مع موسكو في إطار أوبك بلاس، على الرغم من أن بعض أعضاء الكارتل يؤيدون زيادة المنافسة مع موسكو على أسواق النفط، ومع ذلك ، لا ينبغي لأي منهم أن يشك في أن روسيا ستظل لاعباً مهماً في سوق النفط ، على الأقل في المستقبل المنظور. إن الارتفاع الحاد في أسعار النفط والسلع والغذاء هو تذكير بأن دول الخليج قد لا تتأثر بالصراع، الا أن هذا الارتفاع رغم ايجابياته قد يقابله ارتفاع في تكاليف الدعم لتغطية ارتفاع أسعار الغذاء والطاقة والتأثير الضار للضغوط التضخمية على ملايين العمال المهاجرين ذوي الأجور المنخفضة في جميع دول مجلس التعاون الخليجي الست. فضلا عن ذلك، تتمتع العديد من صناديق الثروة السيادية في الخليج بانكشاف كبير على الاستثمارات في روسيا، غالبًا بالشراكة مع صندوق الاستثمار المباشر الروسي، وقد عانت بالفعل من انخفاضات كبيرة في قيمتها حيث استُهدفت روسيا بالعقوبات الاقتصادية الغربية وفرضت تدابير مضادة لها. فمثلا توقع أحد تقديرات قيمة الأصول الروسية التي يحتفظ بها جهاز قطر للاستثمار (QIA)، على سبيل المثال، انخفاضها من 16 مليار دولار إلى 9.6 مليار دولار في أول شهرين من عام 2022، وهي الفترة التي شملت في الغالب تصاعد التوتر.
#عدنان_فرحان_الجوراني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
جائحة كورونا تهدد الرأسمالية
-
الآثار الاقتصادية لانتشار فيروس كورونا
-
بطالة الشباب في العراق ..القنبلة الموقوتة
-
عملة البيتكوين (BitCoin)..الآثار الاقتصادية والمخاطر المتوقع
...
-
قراءة موجزة في تقرير السعادة العالمي لعام 2017
-
قراءة في تقرير رأس المال البشري في العالم لعام 2016
-
الآثار الاقتصادية السلبية لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوربي
-
نظرية التوقعات الرشيدة ..الاطار النظري
-
غسيل الأموال في العراق الأسباب والآثار والمعالجات
-
الآثار السلبية للسكوت عن الفساد في العراق
-
الآثار الاقتصادية والاجتماعية للعمالة الأجنبية في العراق
-
الآثار الاقتصادية للتعرفة الكمركية الجديدة في العراق
-
الفوائد الاقتصادية لاستضافة معرض اكسبو 2020 في دبي
-
الطاقة المتجددة ودورها في تحقيق التنمية المستدامة في دولة ال
...
-
الأسباب الموجبة لاختيار البصرة العاصمة الاقتصادية للعراق
-
هبوط الدولار الأمريكي ..أسباب ونتائج
-
-الآثار الاقتصادية للربيع العربي-
-
تقرير التنافسية العالمية 2012-2013
-
تقرير التنافسية العربية 2012 عرض تحليلي
-
الآثار الاقتصادية لإغلاق مضيق هرمز على الاقتصادات الخليجية ع
...
المزيد.....
-
أسعار النفط عند أعلى مستوى في نحو 10 أيام
-
قطر تطلق مشروعا سياحيا بـ3 مليارات دولار
-
السودان يعقد أول مؤتمر اقتصادي لزيادة الإيرادات في زمن الحرب
...
-
نائبة رئيس وزراء بلجيكا تدعو الاتحاد الأوروبي إلى فرض عقوبات
...
-
اقتصادي: التعداد سيؤدي لزيادة حصة بعض المحافظات من تنمية الأ
...
-
تركيا تضخ ملايين إضافية في الاقتصاد المصري
-
للمرة الثانية في يوم واحد.. -البيتكوين- تواصل صعودها وتسجل م
...
-
مصر تخسر 70% من إيرادات قناة السويس بسبب توترات البحر الأحمر
...
-
البنك الأوروبي: التوترات التجارية تهدد الاستقرار المالي لمنط
...
-
مصر.. الكشف عن خطط لمشروع ضخم لإنتاج الطاقة الهجينة
المزيد.....
-
الاقتصاد المصري في نصف قرن.. منذ ثورة يوليو حتى نهاية الألفي
...
/ مجدى عبد الهادى
-
الاقتصاد الإفريقي في سياق التنافس الدولي.. الواقع والآفاق
/ مجدى عبد الهادى
-
الإشكالات التكوينية في برامج صندوق النقد المصرية.. قراءة اقت
...
/ مجدى عبد الهادى
-
ثمن الاستبداد.. في الاقتصاد السياسي لانهيار الجنيه المصري
/ مجدى عبد الهادى
-
تنمية الوعى الاقتصادى لطلاب مدارس التعليم الثانوى الفنى بمصر
...
/ محمد امين حسن عثمان
-
إشكالات الضريبة العقارية في مصر.. بين حاجات التمويل والتنمية
...
/ مجدى عبد الهادى
-
التنمية العربية الممنوعة_علي القادري، ترجمة مجدي عبد الهادي
/ مجدى عبد الهادى
-
نظرية القيمة في عصر الرأسمالية الاحتكارية_سمير أمين، ترجمة م
...
/ مجدى عبد الهادى
-
دور ادارة الموارد البشرية في تعزيز اسس المواطنة التنظيمية في
...
/ سمية سعيد صديق جبارة
-
الطبقات الهيكلية للتضخم في اقتصاد ريعي تابع.. إيران أنموذجًا
/ مجدى عبد الهادى
المزيد.....
|