سعاد لومي
الحوار المتمدن-العدد: 1692 - 2006 / 10 / 3 - 09:57
المحور:
التحزب والتنظيم , الحوار , التفاعل و اقرار السياسات في الاحزاب والمنظمات اليسارية والديمقراطية
كان لدي أم سوداء، وادعة، مسكينة، عاشت فقيرة معدمة، وماتت بسرطان الرئة بسبب التدخين. وطالما ضربت من الحرس القومي وهي تركض وراء (السيد الوالد) الذي أصبح شيوعيا، ومازال يحتفظ بصورة للشهيد الوطني سلام عادل: صورة نادرة معه شخصيا لا تعرف بها ثمينة ناجي يوسف.
ماتت امي مودّعة بكلمات أبي: كم مرة قلت لها كافي تدخين.. مو صرت دوغة طابوق.. وتقول العبيد ما يهمهم الجكاير عبالك رئتهم مو مال بشر، من حديد.. لكن إذا لم يدخن العراقي في العراق العظيم ماذا يفعل؟
ماتت امي وهي لا تعرف من الشيوعية غير الدفاع عن الفقراء والمعدمين. وكانت تردد دائما: إن الله يحب الشيوعيين لأن قلوبهم ترقّ للفقير. وهي لم تعرف اكثر من هذا في السياسة والديالكتيك والضرورة والحتمية وضد دوهرنغ.
وحينما يئست من وصول الشيوعيين إلى الحكم في العراق، قالت: كلّ شيء كان مناشير في مناشير وراح جلدنا للدباغ بسبب المناشير، بس لو اعرف شنو بهاي المناشير؟! هذا لومي (التفس) علموه بحزبهم الاحمر - لون التفته- القراءة والكتابة.. وانا ما افكّ الخط. عجيب عبد وصار يقرا ويكتب .. مو يتسودن عليه.
وبعد استشهاد سلام عادل نصبت امي مناحة بالباب. وهرب والدي إلى العمارة ومنها إلى إيران بمساعدة من توده.. وفي عام 1968 عاد الوالد الغضنفر من هناك وهو يرطن بالفارسية، وحينما رأته الوالدة سألته: هو انت لومي لو بدلوك؟ قال: انا لومي العبد أبن العبد، ما اتبدّل ولا أتقندل، وحتى العجميات لم اتزوجهن هناك رجعت صاغ سليم بعد اشتردين يا ام سعاده؟
بربرت امي قليلا وقالت: متونس عباله إيران تسويه أبيض! كفه الجدر
ـ هاي شبيك شو ما تسلمين عليه، فد بوسه واحدة مو صار سنين
ـ يابوسه؟ صنهير, مو أكلنا خرء من وراء المناشير مال الشيوعية
ـ شنسوي إذا طلعوا الجماعة ورور مزنجر!
والورور المزنجر هو المسدس الصديء.
ترك والدي الحزب الشيوعي منذ أن عاد إلى العراق ولم تنفع معه جميع محاولات إعادته. وكلما جاء له الرفاق القدامى كان يقول لهم: ورور مزنجر!
وبما ان والدي لم يعد يستطيع القراءة فقد كنت آتيه باخبار الحزب الشيوعي العراقي.
ـ إي سعاده شنو صاروا الحمر ويه البعثيين بجبهة..؟
ـ جبهة بقيادة حزب البعث العربي الإشتراكي!
ـ ضرطت!
ولم يعد يسأل عن أي بيان للحزب بعد ذلك.
ثمّ ارسل إليه ضابط امن المنطقة المفوض للحضور إلى دائرة امن مدينة صدام فأقتيد وهو لا يستطيع السير. كانوا يعملون جردا بجميع الشيوعيين المبطلين.
ـ أنت لومي؟
ـ نعم.
ـ أنت شيوعي؟
ـ نعم.
ـ ولك ما تخاف؟!
ـ وليش اخاف كنت شيوعي قبل أربعين عاما
ـ والآن؟
ـ مثل ما تشوف عاجز
ـ هل يتصل بك جماعتك ؟
ـ حتى إذا اتصلوا انا ما اشتريهم ببيزه
ـ يعني تركت الشيوعيه؟
ـ ....
أما الآن فأبي يسألني ما حال الحزب الشيوعي سعوده؟ أريد ان أعرف
ـ بويا صارعنده مؤتمر
ـ يعني راح يحررون العراق؟
ـ لا.
ـ مناشير يعني.. الله يرحم الوالدة!
غريبة من بعد عينك يا يمه
#سعاد_لومي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟