راغب الركابي
الحوار المتمدن-العدد: 7403 - 2022 / 10 / 16 - 22:07
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
السِّمات : قيل جمع سمة بكسر السين و هي العلامة ، وقيل بل هي من السمو بمعنى العلو والرفعة ، وهناك من قال بل هو لفظ مشتق من - أسم - ، والأسم : عرفه بعض النحاة بمعنى السمو و الرفعة أو من الوسم بمعنى العلامة ..
وقد أطلق على هذا الدعاء أسم فقيل ( دعاء الشبّور ) والشبّور : في لغة العبرانيين يعني البوق ، أو هو الشيء الذي ينفخ فيه ، وهو بمثابة الأداة التي يُدعى أو يُنادى فيها للعبادة أو لأمر هام ، ولكن لماذا سميناه نحن العرب بهذا الأسم ؟ ، قال الشيخ الكفعمي : - فيما روآه عن الإمام الصادق ( إن يوشع بن نون عند محاربته للعماليق خاف منهم فأمر الخواص ممن معه في جيشه ، أن يكتبوا أسماء العماليق واحدًا واحدًا على جرار ، ويقرأ بهذا الدعاء في قرن مثقوب من قرون الضأن .. ) ، ومنه يتبين أن هذا الدعاء في أصله ليس عربياً وربما عُرب لأهميته .
وهناك قول شاذ ذهب إليه بعضهم فقال : - إنما الشبور بمعنى الشبوت وهو يوم السبت - !! ، وهذا قول غريب كما ترى ولا ينسجم مع لغة العبرانيين ولسانهم ، فالسبت هو يوم مقدس محترم عندهم ويطلق عليه في لغتهم - شبُت - ولم نسمع أحداً قال عنه شبورا !! ، ودعاء السمات في ظاهره هو ذكر و بيان لأسماء بعض الأنبياء وبعض الكلمات وبعض الأماكن التي تدل على معاني في نفسها .
وأما البناء التاريخي لهذا الدعاء من جهتي السند والدلالة ، ففيه أقوال متعددة والذي أعتمدناه من جهة السند ماورد في مصباح الشيخ الطوسي مرفوعاً عن مشايخه إلى حضرة الأمامين الباقر والصادق عليهما السلام ، ويجري على هذا الدعاء ما يجري على غيره من جهة الضبط التاريخي ، وبما إننا أتخذنا من نفس القاعدة التي يجري تطبيقها على كل الأدعية والزيارات ، وهي القبول بها من جهة دعوتها للخير ومكارم الأخلاق ، ولهذا لم نجري عليها مشرط التحقيق كما في باقي الأخبار والروايات ، إنما أجرينا عليه قاعدة - التسالم في أدلة السنن - وهي قاعدة إعتبارية تجد ان الغرض المطلوب يتحقق من خلال الدعوة للخير والعمل الصالح بها ، هذا من جهة السند التاريخي ..
وأما من جهة المعاني والدلالات ، فهناك ثمة ما يُغري في هذا الدعاء شأنه في ذلك شأن باقي الأدعية والحكم ، وقد تعرضنا ذات مرة لتوضيح دعاء كميل وما فيه من الدلالات والعبر ، أعني أن هذا الدعاء مورد البحث هو من حيث الصناعة البيانية يشبه غيره من الأدعية ، مع تفاوت ملحوظ في بعض العبارات والجمل بحسب الوضع والإعتبار .
إن مقدمة الدعاء تبتدأ بالقول - اللهم إني أسألك بأسمك العظيم الأعظم - ، ويعلق أحد العرفاء بالقول : - ويصح إطلاق - الأسم الأعظم - على هذا الدعاء عنواناً وأسماً ومعناً ، فيكون معنى السمات المشار إليها هي الأسماء العظيمة ، والدعاء كما هو يستدرجنا بدعوته الخالصة إلى تزكية النفس وتهذيبها ، من خلال ما يقدمه لنا ويُحملنا إياه من كم هائل غزير من المعاني والألفاظ والمعارف الحاثة إلى الإعتصام والتمسك بحبل الله المتين .
لكن جهة الإثارة المرموز إليها في هذا الدعاء والتي شدت إنتباهي ، هو في ذلك المعنى الأخر أو الأسم الأخر لهذا الدعاء ، في قول صاحب مفاتيح الجنان - دعاء الشبور - ، وإذا كان الشبور هو هذه الأداة أعني - البوق - ، والبوق من جهة الإختصاص أداة يستخدمها بنو إسرائيل في المناداة للصلاة والعبادة ، إذن هذا الدعاء ليس نتاجا عربيا أو مسلما ، بل هو ترجمة مدمجة مضاف إليه بعض العبارات والصور لكي يتشكل بطابع إسلامي ، وهذه صفة سيئة سادت في العصور اللاحقة في زمن الترجمة وماتلاها أيام الدولة العباسية .
ولو تتبعنا البنية اللغوية والدلالية لهذا الدعاء نجد إنه حريص على ذكر أماكن وسكنى أنبياء بني إسرائيل ، وما مر عليهم ، فموسى النبي كان حاضراً وبكثافة في كل زوايا هذا الدعاء وذكره ، وقصته حين ألتقاه الرب وكلمه أو جهة مسيره ودعوته ذكرت على نحو من التفصيل هنا ، ومن قبل هذا حدد أماكن سكنى وعبادة جميع أنبياء بني إسرائيل الأخرين ، بدءا بإبراهيم وإسحاق الذي عاش في بئر شيع ( بئر السبع ) كما يسميه العرب ، وأن يعقوب إسرائيل عاش وأستوطن بيت إيل في رامله القريبة من بيت المقدس كما في لغة أهل الشام .
هذه الإحالة التاريخية تُلغي عندنا المفهوم السائد الذي يتقاذفه سياسيو هذا العصر ، بأن هذه الأرض ليست أرض - بني إسرائيل - أو أنها محتلة منهم ! ، أو إنها جزء من الهبات التي منَّ بها عليهم الأنكليز في مطلع القرن العشرين !! ، هذا الكلام يوضح معنى التهافت التاريخي الذي يروجه في أذهان البسطاء جيش من المغالطين ، ودعونا نوضح المعنى بشيء من الذكر الذي ورد في باطن الدعاء وظاهره .
يقول الدعاء : أن مجد الله وملكوته تجلى لأنبياء بني إسرائيل ، هناك في تلك الأرض التي باركها الله لهم فيها ، وهذا التاريخ البعيد لا علاقة له بوعد بلفور وبالقرار الأممي لسنة 1947 م !! ، هي كلمات تحدثت عن حقبة تاريخية وماض سحيق ، مما يجعلنا أمام حقيقة أخرى كيف لنا أن نواجهها ؟ وكيف لنا أن نحكم عليها ؟ من غير كلام نظري وتنظير وعنتريات وحقوق لا حقة . ودعونا نقرب الفكرة هل يصح إعتبار كل من هاجر إلى أرض ما لظرف ما ، وأستوطنها يحق له طرد أهلها والإدعاء بأنه صاحبها ومالكها ؟! [ ونفس الشيء يمكن قوله حول جميع الملكيات والإعتباريات الأخرى ] ، فهل يصح مثلاً القول أن كتابات فرويد وكارل ماركس وأنجلز وشوبنهاور المترجمة للعربية كتابات عربية ؟ وهل يصح القول إن كتابات المشرقيين والمشائيين كحكمة الإشراق وكتابات البيروني والخوارزمي عربية لأنها ترجمة إلى العربية ؟ .
مع الأخذ بعين الإعتبار في المسألة التي نبحث فيها ، هناك ملاحظة تقول أن بني إسرائيل من جهة الإنتماء القومي والديني إلى الأم ، ومن جهة أخرى لا يصح عندهم الدعوة إلى دينهم ، لأنهم بحسب المفاهيم الثقافية لديهم إنهم أبناء الله وأحباءه !! ، على عكس باقي الديانات السماوية الأخرى التي فتحت الباب مشرعاً للدعوة والنشر على مصراعيه وبكل الطرق .
وأما إشكالية - الأقلية والأكثرية - فهي ليست غالبة في مسألتنا ، ولعل الله سبحانه من جهته حسم هذا النزاع بقوله : - وأكثرهم للحق كارهون - ، فليست الكثرة دليلاً على الصحة والحق ، ولا القلة دليلاً على الضعة والبطلان ، من هذه الجهة وغيرها أرجوا أن يقرأ هذا المقال بعين الرعاية لكي نقف جميعاً على طريق الحق مبتعدين عن الأحقيات والأدعاءات والتزييف ، ويبقى - الحق أحق أن يتبع - ..
#راغب_الركابي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟