زكريا كردي
باحث في الفلسفة
(Zakaria Kurdi)
الحوار المتمدن-العدد: 7402 - 2022 / 10 / 15 - 04:38
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
ما من شك لديَّ ، في أنّ الأصوليين - بشكل عام - همْ أناسٌ خطرون، لكن الأخطر فيهم ،
هم أولئك المثقفون منهم، المفوّهون، المتبجّحون بحرفية النص وظواهر الكلم . المُتعلمون القادرون بسهولة على تسويق الخطل ، وتبرير خيانة الحقيقة،
الذين يتمتعون - عادةً - بذاكرة بلاغية موهوبة، تَنْضحُ بمعجزاتِ اللغو الرصين وثرثرات الأولين،
حيث تعيش سلطة شهرتهم برمتها، على تُدَبيجُ شذرات مزوّرة ، من فتات العلم وعناوين أخبار الواقع،
بحثاً عن إعجازات مُتهافتة، ومجازات باهتة تُزيّنُ بها خرافات الأقدمين .
الذين يملكون مواهباً تمثيلية ، وصنعةً في الإيحاءات النفسية، تُمْكنُهم من جعل أيّ لغو فارغ ، بياناً جذاباً، يَسحرُ الألباب، ووهب أية معان طلسمية، مخيالاً مهيباً ، في خواطر وأفئدة العامة من الناس،
التي تحرص دائماً على إغراقها في رغوة تفاسير لا تتوقف، و تغييبها في أقاصيص مُقدسة لا تنتهي. ولا تسمن أو تغني عن أي جوع معرفي.
ويكمن جوهر خطر هؤلاء في أنهم يحملون في رؤوسهم قناعات صلدة، تقول بأنّ هذا النص النسبي، الذي بين ايديهم، إنّما هو تنزيلٌ ماورائيٌ مُطلق ، وحرفي المَبنى والمَعنى، ويتجاوز في صوابيتة، كل حدود الزمان والمكان .
أما الأسوأ في الافهام الأصولية على الاطلاق،
فهو الفهم الأصولي الموتور الذي يَدأبُ على الدّعوةِ إلى ما يؤمنُ بالعنف سبيلاً واحداً أوحداً.
و يسعى عبر القتل و الارهاب إلى تطبيق ما يوقن به شرعةً ومنهاجاً،
ويعمل باستمرار ، على فرضها بالقوة على باقي افراد المجتمع، لأجل هدايتهم الى صراطه المستقيم المزعوم.
فيؤكد للعالمين حقيقة،
أنّ الإرهاب هو أعلى مراحل الأصولية.
قصارى القول :
الاصولية هي بمثابة جدران عقائدية سميكة، تصدّ آذان معتنقيها عن دروب الإصغاء للرأي الآخر المُختلف،
أو أقفال عقلية مقدسة ، تُوصدُ أمام بصائرهم، كل أبواب الحقائق الأخرى .
وبالتالي تمنع اذهانهم من نعمة الوعي النقدي، و اكتساب السعة العقلية، و تحرمها من سمة الإحاطة بالمعقولات، وهي تقتل الدافع لفهم أية فكرة جديدة، قد يطرحها الواقع.
ولذلك اقول أنّ البون شاسع جداً،
بين الفهم العلماني والفهم الاصولي .
فهذا هاجسه التقدم في الوعي، وتحضير الذهن الدائم لمراحل اعلى من العلم وسمو الفهم ...
وذاك ديدنه فقط، الدفاع عمّا يملك من يقين في آثار أسلافه، وجلّ غايتة شفاء صدره ، والعمل فقط ، على تحقيق النصر والسؤدد لها، مهما كلّف ذلك من ثمن فكري أو اجتماعي أو أخلاقي .
ولهذا الفهم الأصولي لا يضيره بتاتاً ـ استخدام كلّ أشكال الأرهاب من اجل هزيمة مصادر الاسئلة النقدية، التي يشعر أنها تسوءه، وتُزلزل أسسه عقيدته،
لذا يُجاهد ما استطاع على سحق المُطلقات الاخرى، التي تُجابه سلطانه، وتُنازع وجوده ، دون إبداء أيّة شفقة أو رحمة.
Zakariakurdi
امستردام 2022
#زكريا_كردي (هاشتاغ)
Zakaria_Kurdi#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟