|
وسائل الطبقة السياسية العراقية في الخداع
عباس منعثر
شاعر وكاتب مسرحي عراقي
(Abbas Amnathar)
الحوار المتمدن-العدد: 7402 - 2022 / 10 / 15 - 04:32
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
في 2003، وبعد سقوط صدام حسين، حضر الجلبي إلى محافظة ذي قار، ومعه مجموعة من الساسة الجدد، الذين جلبتهم أمريكا من دول الشتات في لندن وواشنطن وطهران ودمشق. تحدّث الجلبي بلغة جديدة وحذّر المواطنين من الخداع وأكد على ضرورة البدء ببناء عراق ديمقراطي. لم يُلهب لا خطابه ولا طريقته حماس الجمهور المتعطش لإرثه المقموع. كان الجلبي غريباً وسط أناس يعرفون الديمقراطية للمرة الأولى. جاء بعده رجل معمم، استقبله الناس بالهتافات العارمة، ربما كان الجمهور المتحمس لخطابه مدفوع الأجر، وربما كانت الحماسة له حقيقةً بعد طول اضطهاد، خاصة أنه دغدغ المشاعر بكلمات كان النظام السابق يمنعها بشكل كامل. المهم في الأمر، لدينا نموذجان في الصورة وليس نموذجاً مفروضاً من السلطة. طيلة فترة صدام، لم يعتاد عراقيو الداخل على الاختيار؛ بل إنهم أدمنوا أن يفكر الآخرون بالنيابة عنهم، ويختاروا بالنيابة عنهم، لأنهم حتى في دينهم يعتمدون في ذلك على التقليد. هي تجربة فريدة ومرعبة أن يكون لك الحق في تفضيل الطريق التي تعجبك. هتف الناس (واحسين.. واحسين)، وهنا برزت أول خدعة: (ماكو ولي إلا علي ونريد قائد جعفري). فمعنى الشعار أنّ التمترس الطائفي هو خيار الأغلبية، وأنّ ثمة توجهاً مستقبلياً للإقصاء الطائفي والدّيني المبرمج. في المبارزة بين منهجين، انتصر المعمم (العلاق) على المدني (الجلبي)، وهو الطريق الذي سيُجبر العراق على السير فيه لما بقي من وجوده.
في البدء، سوّقَ الساسة الجدد أنفسهم كمؤمنين إسلاميين ورعين، فكانوا يفتتحون كلامهم بـ: (السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وصلّ اللهم على أبي القاسم محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين..). استمرت هذه الكليشة تتكرر باستمرار حتى استقرّت في الوجدان كتأكيد على أنك إذا أردت التشيع وإذا كنت مناصراً لأبي القاسم ولعلي وأولاده فعليك بمناصرة القائد الجعفري؛ فأتباع يزيد سيحاربونه مثلما حاربوا آل بيت النبي. بعد أن أدت ما عليها اختفت تلك الكليشة والمقدمات الطللية إلى الأبد!
كانت الإسلاموية تتناثر من القادمين الجدد في سحناتهم وكليشياتهم وعناوين كيناتهم: المجلس الأعلى الإسلامي وحزب الدعوة الإسلامية وحزب النهضة الإسلامي والحزب الإسلامي العراقي وحزب الفضيلة الخ.
بعد ترسيخ هذه المفاهيم، خشي السياسيون أن الشرخ الطائفي في العراق لم يكن واسعاً بما فيه الكفاية: شرعوا باللجوء إلى ورقة أخرى هي ورقة البعثية وربطها بالسنة، في المناطق الغربية. ومثّل ذلك رعباً كبيراً للناس أن نظام البعث قد يعود أما بمساعدة الخليج وأمريكا، أو بصعود بعثيين قدماء إلى سدّة الحكم. وقد حقق التخويف نتائج مبهرة، فقد وصلت الجموع الشيعية الغفيرة إلى أن الصلاحية والكفاءة ليست شرطاً بالحاكم، بل ثمة شرط واحد في انتخاب أي مرشح أن يكون شيعياً جعفرياً، وبذلك سقطت الوطنية، وضَمَنَ الطائفيون أن لا تكون هناك شخصية وطنية جامعة مانعة عابرة للطوائف والقوميات، بل خرج الشيعي العلماني من الاختيار أيضاً، وشعر الناس انهم راضون بذلك كمكسب، بينما انغمس السياسي الجعفري إلى أذنيه في الفرص الهائلة غير المعقولة للإثراء والسلطة.
أجرت الطبقة السياسية بعض التعديلات التكتيكية في داخلها، خاصة في تشويه وعرقلة أولئك السياسيين الشيعة القادرين على كسب الطبقة المسحوقة. تمت تصفية الجلبي سياسياً لأنه متهتك وابنته متحررة تلبس الفاضح و(سيجعل بناتنا مثلها)، وباكتمال تصفية علاوي البعثي، خلا لهم التنافس، وظلوا يبدعون في الهاء الناس وتشتيت انتباههم بحيث ما أن يفيق المواطن من صدمة حتى ترشقه مجموعة من الصدمات المتتالية للمحافظة على الشعب في حالة التأزم التام حتى لا يفكر في أشياء أخرى قد تكون مُضرة في المستقبل القريب.
يروي شاهد عيان أنه في انتخابات 2010 صوّت هو وعائلته الريفية المتكونة من 7 أشخاص لصالح قائمة العراقية برئاسة إياد علاوي. وبعد فرز المنطقة بالكامل نتج عن فوز القوائم الشيعية 100% من الأصوات الكلية ولم تحصل أي قائمة أخرى على أيّ صوت. ويروي شخص آخر شارك في فرز النتائج في منطقة ريفية نائية، أن جميع من في القاعة قد اتفقوا على إلغاء أي بطاقة تنتخب علاوي بوضع علامة إضافية لإبطالها. وبالفعل تم إبطال آلاف الأصوات في مناطق متفرقة بهذه الطريقة.
هؤلاء المزورون لم يتأثروا بالمال السياسي ولم يتلقوا رشوةً من أحد؛ بل إنّ شعورهم بالقلق هو الدافع، إذ أنهم خافوا أن يؤدي فوز علاوي إلى العلمنة ومنع المشي واللطم وبعثنة المجتمع من جديد. وقد نام هؤلاء المزورون ليلتها مرتاحين من غير تأنيب ضمير؛ فيمكنك الكذب والتزوير وربما القتل إذا كان ذلك في خدمة المذهب.
وصل الإنسان في الوسط والجنوب إلى أنّ ممارسة طقوسه التي حُرم منها دهراً هي غاية ما يريد من حقوق؛ أما تصاريف الحياة فهو قادر على تمشيتها. القناعة الفائضة وعدم التمييز بين الحقوق والواجبات، بعد سنوات من تشويه الوعي الذي قام به صدام حسين، جعل المواطن لا يتطلّب إلا بعض الممارسات التي عدها انتصاراً لمذهبه ودليلاً على صدقيته. ففي الزيارة الأربعينية يتراوح العدد بين 10 إلى 12 مليون مشارك لممارسة طقس ديني يهتف فيه المريدون (هيهات منا الذلة)، في حين لا يجتمع ربع هذا العدد للمطالبة بحقوقهم المنهوبة التي خلقت واقعاً منغمساً تماماً بأبشع أنواع الذلة!
هل يكفي هذا؟
حينما أجعلك مرعوباً بشكل دائم، أكون قد نصّبتُ نفسي المدافع الدائم عنك، وستفهم إنني لو غبتُ أو رحلتُ فلن تكون بمأمنٍ من أن تُصبح أحد الجثث المرمية على قارعة الطريق. إذن، يجب السماح للإرهاب الدولي بالمساهمة في إبداعاته. تبعاً لخطة أو تهاون، توالت أيام الأسبوع الدامية التي لم يذهب ضحيتها أي سياسي طيلة 20 سنة سوى الحكيم وعز الدين سليم، والحادثان يُصنفان كنموذج للتصفية السياسية من داخل منظومة الحكم الفاسدة.
جعلت لعبةُ الموت رائحةَ الدم تسيل في الشوارع وتفوح من البيوت، إلى درجة أنّ عائلات بكاملها وجدت مقتولة في الصباح لسبب واحد: أنها من طائفة أخرى، أو أن الاختيار قد وقع عليها لإرباك الوضع وتأزيمه أكثر.
لسبب أو آخر، صار السيستاني شيئاً فشيئاً أيقونة مقدسة، وقبلةَ القلوب، ورغم أن الساسة القادمون من الخارج بمعظمهم لا يقلدونه؛ غير أنهم أصبحوا، إعلامياً، سيستانيين أكثر من السيستاني نفسه، فقد ضربوا به أكثر من حجر. أعادوا قيمة مضخمة جداً لموقع المرجعية بحيث صار بمقدورها أن تختار نيابة عن الناس لو أرادت، وبحيث ظلوا في انتظار فتاويها حتى عندما سقطت البلاد بيد الإرهاب، فضَمِنَ السياسيون بذلك أن لا ثورة ممكنة على الإطلاق.
وبعلم المرجعية ورضاها أو بدونه، انطلت خدعة (الشمعة) أو(555) والقائمة الشيعية المباركة؛ وحُرِمَ الشارع من التأني في استقبال صدمة الديمقراطية، خاصة في الكتابة المستعجلة للدستور وإجراء الانتخابات المبكرة.
بالتوازي مع ذلك، برز لاعب جديد في غسيل المخ: المنبر الحسيني.
أثناء حكم صدام، كان الكثيرون يبتهجون لمحاضرات الوائلي التي تبثها الإذاعة الإيرانية. فخطابه بالمجمل وسطي متسامح ومقبول من كل الطوائف. صورة رجل دين معتدل ومنبري مثل الوائلي لا تفي بالغرض وينبغي زيادة الضخ لخلق إنسان مجوّف تماماً.
في إحدى مدن الجنوب الغارقة في الإهمال الحكومي والفقر المدقع والأُمية، صدحت أصوات من المنابر الحسينية ترفض الديمقراطية بحجة أنها تعني الخمر والسّفور والزّنى.
ظلت تبرز ظواهر غريبة على المنابر، وداوم المواطن العادي يغوص في جدل ديني حول الولاية التكوينية ومكان ظهور المهدي مع إهمال فاضح للظواهر الحياتية الخطيرة من المعاناة مثل زيادة الفقر وكثرة أولاد الشوارع ومنظر النساء وهنّ يجمعن غذائهن من المزابل.
وبالتوغل في فنطازيا الهوس المنبري المتنامي، انتقل الإنسان البسيط المسالم إلى كائن طائفي درجة أولى من غير أن يشعر. صار، بحجة الدفاع عن المذهب، يعيش في جزيرة من الطوائف والأعراق المتناحرة وتحقق الانفصال التام عن الواقع.
وبطريقة مباغتة، انغمس الجميع في حرب مذهبية شاملة، أنبتت عداءً مجتمعياً يتجادل بالدم والذبح والمفخخات.
وللإيغال في الحالة، فجّر أحد ما مرقد الإمامين في سامراء 2006، وكانت الصاعقة. ورغم تبادل التهم حول القائم بالعمل هل هم المتطرفون السّنة أو قاسم سليماني أو إسرائيل، انهى التفجير أي امل للتصالح وازداد الشِّقاق، بل تحول العراق إلى مسلخ كبير؛ لم يُرحم فيه طفل ولا امرأة ولا شيخ هرم.
وفي أجواء لندنية غائمة، كان رجل الدين الشيعي ياسر الحبيب يطلق بالونات في الهواء مكتوب عليها: (عائشة زانية، عائشة في النار). وكانت الابتسامة المنتشية تشع على وجهه ووجه المحتفلين بهذا الكرنفال. في الوقت نفسه، في بغداد: في الأعظمية، أو مدينة الصدر، كان الناس يموتون بالأحزمة الناسفة والاغتيال الطائفي، هذا نصرةً لوصي رسول الله وذاك غضباً على التطاول على عرض رسول الله، وبانتهاء احتفالية الحبيب المرخصة من الشرطة اللندنية يرجع المحتفلون فرحين إلى بيوتهم؛ بينما تعود الجثث في العراق إلى الأمهات المنكوبات مصحوبة بالأنين والنحيب.
أهم ما نتج عن الصراع الطائفي هو تقسيم العرب السّنة في العراق إلى صنفين: موالين لنا أو مغيبين، مخطوفين، هاربين من وجه العدالة، فالذين يطيعون ويبصمون على قراراتنا بلا تفكير هم حلفاء شرفاء وإن تلّطخت أيديهم بالدّماء؛ أما المتمردون فليس لهم إلا 4 إرهاب وإن كانوا ملائكةً مُنّزلين.
في خضم الفوضى، أعلن رجل دين منبري أن المرشح حتى لو كان فاسداً، فلا بأس، إذا كان شيعياً، فهو درعك الوحيد، مثلما أعلن أحدهم أن على الشباب أن لا يهتموا بالذنوب فالحسين موجود ليغفرها لهم!
هذه التجارب تعكس المنطق السياسي الناجح لسياسيي الشيعة الفاشلين: اربط أي موضوع بآل البيت وخاصةً الحسين أو علي بن أبي طالب وستربح الجولة.
رغم ذلك، خرج السياسيون من الحرب الطائفية هم وعائلاتهم سالمين غانمين؛ لكن الشعب فهم الدرس بشكل خاص: مزيداً من التشبث بالسياسي الطائفي بصرف النظر عن نجاحه أو نزاهته؛ فالحكمة تقول: إذا اختلف الساسة قتلونا؛ وإذا اتفقوا سرقونا.
في 2014 انزلق الوضع السياسي إلى درجة أن التأييد الشعبي لحماة المذهب وصل إلى أدنى درجاته خاصة مع نهاية فترة نوري المالكي الثانية، فتمّ اختراع داعش التي أنعشت السياسيين الطائفيين فترة وأتاحت لهم اجتياح المناطق الغربية والهيمنة على الدولة بالكامل.
نُقل آلاف من الشباب الى قاطع عمليات صلاح الدين حيث حصلت مجزرة سبايكر على يد أعضاء حزب البعث وهم أنفسهم أعضاء تنظيم الدولة الإسلامية لأسباب طائفية كما صرّح رئيس الوزراء آنذاك. لكن، يوجد في الجنوب وحدها عشرات من مراكز التدريب الصالحة، فالنظام السابق قد حول المدن الى ثكنات عسكرية. كان بالإمكان أن يتم تدريب هؤلاء في البصرة أو الناصرية أو العمارة دون حاجة الى حماية أو تخوف من أي حدث كان. فهل يعقل أنه، في فترة ذروة الطائفية، ومع الإرباك الأمني الكبير، ومع نمو داعش وتنامي نشاط أعضاء البعث، ومع وجود توتر بين حكومة المالكي والعشائر السنية، يُنقل عسكريون جدد من مناطق آمنة إلى مناطق توتر وهم ما زالوا مجرد متدربين؟ هل كانت العملية بيع لآلاف الشباب من أجل ولاية ثالثة، أم هو مخطط دولي يصبح فيه هذا الفعل الطائفي مبرراً لسلوك عدائي يجعل المليشيات مهيمنة تماماً على ثلاثة أرباع الأرض العراقية؟
بعد سقوط الموصل ودخول داعش على خط الأزمة، صار الحشد الشعبي بديلاً عن الحرس الثوري، أو أريد له ذلك. وبعد تقلّبات عديدة، أضحى الحشد دولةً وحده، في محاولة لصناعة كيانات خاصة موازية تتحكم بموارد البلد الهائلة وتحتكر استخدام العنف. في الوقت الذي تم تصوير الحشد كملاذ أخير للشيعي بديل للجيش ومكافحة الرهاب، تمّ إسقاط هيبة الجهات الأمنية الأخرى ووصفها بصفات سلبية عديدة كي لا توجد أي نقطة التقاء يجتمع عليها العراقيون مهما كانت.
داعش نفسها تُستخدم حسب الطلب.
في تسريب صوتي لاحد أعضاء الحشد اعترف انهم يقومون بتجنيد المجانين وتفخيخهم ثم تفجيرهم كي يعطوا انطباعاً بضرورة وجود الحشد لصدّ الإرهاب وحماية الناس. في لحظات التأزم السياسي تغيب داعش رغم انه الوقت الرخو لنشاطها؛ لكنها تنشط فقط تماشياً مع رغبات بعض الجهات وفي الوقت الذي تشاء.
سعى الطائفيون الى تفتيت القوة التقليدية من جيش وشرطة ونخرها بالفساد والطائفية، جهزوا العملاق الجديدة بترسانة كاملة من التأييد المعنوي الشعبي ونالوا به مقاعد لم يكونوا يحلمون بها في انتخابات 2018.
قبل إحدى الانتخابات، ظهر احد اتباع الأحزاب وهو يوزع سندات الأراضي على المواطنين بشرط انتخاب حزبه، واشتهرت احدى الجهات الحزبية بتوزيع البطانيات مع مبلغ مالي زهيد لاجتذاب الأنصار، وفي التصويت على رئيس الجمهورية سنة 2022 وصل سعر النائب إلى مبلغ هائل بملايين الدولارات، وأظهرت بعض التسريبات مسؤولين عراقيين وهم يقسمون على القرآن بالولاء لرئيس كتلة ما، الأمثلة السابقة عينة عن استخدام المال السياسي للوصول الى الأهداف في ظل نظام منخور بالفساد والمحسوبية.
من بين أهم الوسائل الأخرى للكسب السياسي: الملفات.
من خلال جهاز الاستخبارات تتمكن الدولة من معرفة بعض الأسرار عن بعض الشخصيات العامة، وتتصرف حسب خطورة تلك الأسرار على البلد. لكن ما حدث أن الملفات تحولت الى وسيلة ضغط وابتزاز، بحيث أن رئيس الوزراء السابق نوري المالكي يتحدث الى عضو مجلس النواب بأن يسكت وإلا أخرج الملفات التي تدينه في قتل العراقيين، أي (انك تستطيع أن تقتلهم وتستمر في قتلهم؛ لكن إذا اعترضت طريقي سأخرج ملفاتك وأدينك!)..
جنباً إلى جنب مع الابتزاز، أُستخدم القضاء في الصراع السياسي: فالعدالة الغائبة في تفسيرات المحكمة الاتحادية التي حرمت علاوي من تشكيل حكومة 2010 عن طريق تفسير مدحت المحمود المنافي لأبسط التفسيرات القانونية استمرت في الحضور مع فائق زيدان الذي أصدر جوقةً من القرارات (من بينها الثلث المعطل)، من أجل إيقاف الصدر عن تشكيل حكومة الأغلبية في 2022.
مع كل وسائل الترغيب والترهيب برزَ أسلوب متكرر ومتناوب مع بقية الأساليب ألا وهو الوعود، حتى اشتهر العراقيون بالسخرية من كثرة استخدام السياسيين للسين وسوف: (سنعمل، سنبني، سنغير، سنواكب)، في كل مرة يضيق عليهم الخناق ولا يعود العنف أو الرشوة تفي بالغرض. والمشكلة أن المواطن ينخدع كل مرة من قبل الأشخاص أنفسهم وبالذرائع ذاتها؛ بل أنه يساهم بخداع نفسه بحيث يوجد من يدافع عن السياسيين ويبرر لهم فشلهم مع أنهم يتمتعون بمتع الدنيا كلها وهو يعاني حتى من الماء والكهرباء.
وبالتداخل مع هذه الأوراق، لم ينسَ السياسيون رزمة من أوراق مصكوكة بعناية من قبيل الإرهاب الوهابي والذي جعل الاقتراب من أي حضن عربي هو خيانة لدماء الشهداء. لحد الآن، ترفض سيدة عجوز شراء التمر السعودي معلقةً بذلك: (ما اشتري من الوهابية!).
أشاعت بعض القنوات الولائية أن ثمة مؤامرة خليجية غرضها إحراق الوسط والجنوب، لذلك حدثت تظاهرات 2019 بدفع من السفارات وإسرائيل وبعض الدول العربية السنية حصراً. فالمؤامرات تعتمد على المدّ والجزر وحسب اتجاه الرياح السياسية، مثل قطر التي كانت راعية الإرهاب الأولى في العالم في البدء ثم غابت عن الاتهام، ومثل سوريا التي موّلت الإرهاب في البدء ثم اصبح الدفاع عن دمشق هو الذي حفظ مقدسات الشيعة في سوريا وفي العراق معاً.
بالنسبة للمليشيات، لا أسهل من وضع الكاتم على صدغك واطلاق النار في وضح النهار وأمام الكاميرات والشرطة والمارة؛ فمن يجرؤ على مواجهتهم أو محاسبتهم. لذا وجب السكوت للحفاظ على حياة المرء وحياة عائلته، ولذا تجد قضاةً وسياسيين وأدباء وفنانين يحتمون بإقليم كردستان أو تركيا أو أوربا خشيةً من التصفية.
إذا ضاقت عليهم، فليست الحرب الأهلية ببعيدة، بل هي احتمال وارد، والسلاح المنفلت جاهز لأداء المهمة. أما الاحتمالات المخيفة الأخرى أن يعمدوا إلى اختراع داعش جديدة أو تفجير أضرحة شيعية إذا كان في ذلك مصلحتهم أو مصلحة الدول التي تدعمهم.
العراق إذن، وبسبب هذه الطبقة السياسية، على الحافة، سيبلعه الوادي اذا أراد أي شخص مهما كان التغيير أو المساس بمصالحهم وإمبراطوراتهم.
كحلٍّ نهائي، توّصل الوعي الشعبي إلى نتيجة مفادها: (نتركهم يسرقون ويتحكمون بالبلد كيفما شاؤوا، على الأقل نحافظ على ما تبقى من حياتنا البائسة، بدل أن تكون نهايتنا شبيهةً بسبايكر جديدة).
#عباس_منعثر (هاشتاغ)
Abbas_Amnathar#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
القائد العظيم صدام حسين!
-
تحولات صورة الحشد الشعبي من القداسة إلى الدناسة
-
بين العجم والروم بلوة ابتلينا!
-
بين غاندي وجيفارا، أيكون الحل مستحيلاً في العراق إلا باستخدا
...
-
أين ما عشناه في العراق بعد 2003 مما حلمنا به؟
-
هل تُلدغ المليشيات العراقية من الجحر نفسه مرتين؟
-
هل إيران حليف حقيقي أم مصاص دماء؟
-
التصحر في العراق والموقف الشخصي والحزبي
-
هل عمار الحكيم هو الضد النوعي المناسب لمقتدى الصدر؟
-
كيف يُهدد الصّراعُ بين الشّيعة الأمنَ العراقي؟
-
إخلاء المنطقة الخضراء من الميليشيات
-
مقتدى الصدر هو أمل الولايات المتحدة الأفضل
-
تصويت لا يؤدي الى مكان: لماذا لا يحتاج العراق إلى انتخابات م
...
-
خلاف طهران والصدر يؤجج عدم الاستقرار في العراق/ ج2
-
خلاف طهران والصدر يؤجج عدم الاستقرار في العراق
-
عدمُ اكتراثِ بايدن سلّمَ العراقَ لإيران
-
النزاع المستعر في العراق والخشية من اندلاع العنف من جديد
-
الانقلابان في العراق، وكيف تستجيب الولايات المتحدة لهما
-
مونودراما.. بوذا في صومعة الخيزران.. عباس منعثر
-
مسرحية.. هو الذي رأى كلَّ شيء.. عباس منعثر
المزيد.....
-
-عيد الدني-.. فيروز تبلغ عامها الـ90
-
خبيرة في لغة الجسد تكشف حقيقة علاقة ترامب وماسك
-
الكوفية الفلسطينية: حكاية رمز، وتاريخ شعب
-
71 قتيلا -موالين لإيران- بقصف على تدمر السورية نُسب لإسرائيل
...
-
20 ألف كيلومتر بالدراجة يقطعها الألماني إفريتس من أجل المناخ
...
-
الدفاع الروسية تعلن تحرير بلدة جديدة في دونيتسك والقضاء على
...
-
الكرملين يعلق على تصريح البنتاغون حول تبادل الضربات النووية
...
-
روسيا.. اكتشاف جينات في فول الصويا يتم تنشيطها لتقليل خسائر
...
-
هيئة بريطانية: حادث على بعد 74 ميلا جنوب غربي عدن
-
عشرات القتلى والجرحى بينهم أطفال في قصف إسرائيلي على قطاع غز
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|