|
دفاعا عن الديمقراطية والكفاحية: مساهمة نقدية لحصيلة المؤتمر الوطني الثامن للنقابة الوطنية للتعليم-ك د ش
من أجل توجه نقابي ديمقراطي كفاحي
الحوار المتمدن-العدد: 1690 - 2006 / 10 / 1 - 10:45
المحور:
الحركة العمالية والنقابية
المكتب الوطني (26عضوا) يوم 2 غشت 2006 كمحطة تنظيمية مؤجلة، تكون النقابة الوطنية للتعليم قد أنهت مؤتمرها الوطني الثامن الذي انعقد أيام 17-18-19يوليوز بالبيضاء. وبهذا العدد ضمن عدد أعضاء اللجنة الإدارية الذي وصل إلى 263عضوا (أي 31.8 بالمائة من عدد المؤتمرين 826)، تكون النقابة الوطنية للتعليم قد كرست بناءها التنظيمي في الظرف الراهن كهرم مقلوب: تضخم في القمة(الأجهزة الوطنية) وضيق في القاعدة (بالنظر إلى هزالة عدد المنخرطين الذي لم يتجاوز 14000منخرطا سنة 2005). انعقد المؤتمر تحت شعار«النضال من أجل تعليم عمومي جيد للجميع وتحسين الأوضاع المادية والاجتماعية للشغيلة التعليمية»، وهو عمليا نفس الشعار الكلاسيكي الذى اتخذه المؤتمر الوطني السابع بالمحمدية في يوليوز 1995. وفي غياب النضال من أجله، فإنه لا يعني سوى الإعلان الشفهي عن معارضة سياسة التعليم الرسمية (شعار الدفاع عن المدرسة العمومية) وعن النية في النضال لتحسين شروط عمل أجراء التعليم ومعيشتهم، لكن مع ما يشبه الاستسلام العملي أمام تلك السياسة المنتقدة. وسنعمل في هذا التقييم، من وجهة نظرنا، على وضع النقابيين المقتنعين بالديمقراطية والكفاحية(قولا وفعلا) وعموم الشغيلة المتطلعة لبناء نقابة موحدة ديمقراطية كفاحية تضامنية جديرة بعلة وجودها، أمام حصيلة المؤتمر، كما نراها، ومدى استجابة هذه الحصيلة لتحديات: تجسيد النقابة التي تستلزمها مواجهة هجوم الدولة البرجوازية على التعليم كخدمة عمومية وشروط عمل ومعيشة أجرائه وأدوات نضالهم. حالة التفكيك النقابي من فوق ومن تحت والتي لم يسبق لها مثيل. تعاظم خطر الجماعات السلفية الرجعية على المجال النقابي، والتي سبق لقسم منها (العدالة والتنمية) أن أسس نقابة خاصة، ونسجل سعي القسم الأخطر منها (العدل والإحسان) النفاذ إلى النقابة الوطنية للتعليم ، حيث وصل صوتهم إلى داخل المؤتمر. ينطلق هذا التقييم من كون النقابة الوطنية للتعليم ظلت لعقود موحدا لنضالات الشغيلة التعليمية، ولا زالت قادرة، كأداة للنضال، على لعب هذا الدور وانتزاع مكاسب، شرط إنماء كفاحيتها وديمقراطيتها وتصويب فهم وممارسة الارتباط بالطبقة العاملة في إطار المركزية ك.د. ش ومختلف قوى النضال الاجتماعي والحقوقي وغيرها. يروم هذا التقييم أيضا، فتح نقاش جماعي تعددي حول آفاق انبثاق توجه نقابي ديمقراطي كفاحي وحدوي، على قاعدة شعارات كفيلة بتقديم أجوبة لأزمة حركتنا النقابية.
1- المؤتمر و امتحان الديمقراطية والبرنامج النضالي.
أ- لم يخرج التحضير للمؤتمر الوطني الثامن عن طريقة التحضير التي اعتمدت خلال المؤتمر الوطني السابع سنة 1995، رغم ادعاءات الحرص على إشراك الجميع 1، فقد تقرر المؤتمر منذ فاتح أكتوبر 2005 في اجتماع للمجلس الوطني، بينما لم تنزل مشاريع المقررات للفروع ولم يفصح عن كل الأمور التنظيمية إلا في نهاية مايو 2006. سبعة أشهر مرت دون نقاش في جريدة «الديمقراطية العمالية» أو إصدار نشرة داخلية أو إنجاز موقع إلكتروني للنقاش وإشراك المنخرطين ولا تجمعات عامة حول المؤتمر...الخ. وظل المكتب الوطني و"خبراء" المشاريع المنتقون هم المتحكمون في تهيئ ما سيعرض أدبيا وتنظيميا، وواكب أعضاء اللجنة الإدارية اجتماعات ماراطونية لمناقشة ما يقدم لهم. هكذا غاب الإعلام النقابي وغاب التنظيم عن المواكبة والإشراك الفعلي للمنخرطين وتمكينهم من إبراز وجهات نظرهم المختلفة بشكل يعبر فعلا عن نقابة تعددية ومحترمة لقواعدها كما يحلو للبيروقراطية الحديث عنه. لحظة المؤتمر أريد لها أن تكون أشبه بمهرجان استعراضي2يتعارض مع أبسط شروط مؤتمر هيأة نقابية جدية: سوء اختيار التوقيت: مما فوت فرصة شد اهتمام الشغيلة التعليمية إلى قضايا الشأن والنضال النقابي ووضع ومستقبل أدوات نضالهم. الكم الهائل لعدد المؤتمرين وعدد لا يحصى ممن اعتبر لجنة التنظيم، مما سبب مصاعب جمة لتوفير شروط مواكبة المؤتمرين لأشغال المؤتمر. فوجبات إطعام المؤتمرين كانت تستغرق وقتا طويلا إلى درجة اتصال بعضها ببعض، مما كان يعرقل تنظيم وتركيز النقاش الجماعي المثمر، علما أن ذلك الكم لا يعكس قاعدة الانخراط ، بما أن المنتخبين، رغم قاعدة 1/40، لا يمثلون سوى 57.50بالمائة من عدد المؤتمرين3. غياب برنامج سير أشغال المؤتمر وصمت الرئاسة عنه رغم إلحاح المؤتمرين عليه وقت تقديم النظام الداخلي للمؤتمر. تمركز عدد من مؤتمري أنصار الخط المهيمن داخل النقابة ،أشبه بمليشيات، في مقدمة قاعة الجلسات العامة لإرهاب المتدخلين النقديين بالشعارات والمقاطعة والتهديد والشتائم، هذا فضلا عن الوعيد ببئس المصير التنظيمي من طرف مسير رئاسة المؤتمر، الذي ظهر كوكيل متحمس للخط المهيمن، لبعض المتدخلين المنتقدين لحصيلة التجربة السابقة أو لما جاء في البيان الختامي4. هل هذه شروط كفيلة بتقييم التجربة بشكل هادئ ورفاقي وإعداد النقابة الوطنية للتعليم لمواجهة الهجوم النيوليبرالي على التعليم كخدمة عمومية مجانية وجيدة وتحديات الحفاظ على المكتسبات وانتزاع مطالب نساء ورجال التعليم؟5ما قيمة المنطلقات والمرجعية التي تستند إليها النقابة الوطنية للتعليم والتي دونت في مشروع التقرير العام أمام هكذا ممارسات؟6 محطة انتخاب الأجهزة القيادية (اللجنة الإدارية والمكتب الوطني) لم تخرج في نظرنا عن سياق الدوس عن مزاعم الديمقراطية. فقد تم اعتماد طريقة المحاصصة الحزبية في إطار لجنة الترشيحات. هكذا تم انتقاء لجنة إدارية وبعدها مكتب وطني للترضيات وجبر الخواطر، في وضع تفجري من فوق. لجنة إدارية مثقلة بالأعضاء(263 أي حوالي ثلث المؤتمرين )، غير جديرة باسمها كقيادة، بعيدة حتى عن المعايير التي اعتبرت لجنة الترشيحات أنها اعتمدتها وبعيدة عن العدد الذي عبر عنه التوجه العام للمؤتمرين(121) فارغة هي الديمقراطية النقابية التي لا تمكن من انتخاب أجهزة بلوائح مرتكزة على برامج نقابية متباينة، تخلق نقاشا حقيقيا يطور الأداء النقابي بدل انتقاء أعضائها وفقا لولاءات سياسية أقرب إلى التعصب القبلي7. لا ديمقراطية دون اعتماد قاعدة النسبية في تمثيل وجهات النظر، وتمكين الأقلية من الدفاع عن وجهة نظرها، عبر تنظيم منابر للتعبير عن مختلف الخطوط داخل النقابة،منابر لن تكون حتما باسم الأحزاب أو التيارات السياسية بل باسم برامج نقابية، قد توحد مناضلين من أحزاب وتيارات مختلفة وآخرين غير منتمين سياسيا، وتكون محاور الاصطفاف هي مختلف المقترحات بصدد نوع المطالب وأشكال النضال من أجلها وحصيلة المعارك، والمواقف من تطورات الوضع الاجتماعي والسياسي..الخ فالتجربة الانشقاقية الاتحادية لسنة 2002 ومثيلتها من طرف جماعة بوزبع بعد المؤتمر، وما راج عن مشاكل حول عدد الكراسي المستحقة للفصائل الممثلة في لجنة الترشيحات خلال المؤتمر خاصة داخل المكتب الوطني، تؤكد أن أي خلاف بات يهدد النقابة بتصدعات في حجم الكارثة. إن الحفاظ على النقابة مشروط بحسن تدبير التباينات السياسية داخلها. لا خيار سوى تفعيل آلية الديمقراطية بما تعنيه من حرية التعبير أمام الاجتماعات وتفعيل الإعلام النقابي الذي يمد كل المنخرطين بالمعلومات ويرفع من معارفهم ووعيهم ويمكنهم من عرض آرائهم، المتباينة بالطبع، أمام الجميع، وضمان حق النشر للأقليات وإيصال وجهة نظرهم إلى أعضاء النقابة كافة. لقد شكلت لحظة نقاش مشروع البيان الختامي خلال المؤتمر درسا بليغا لكل مناضل ديمقراطي، فمهما تكن الحجج، فقد أبانت عن إصرار الخط المهيمن على الاستمرار في سياسة خنق أي رأي معارض لوجهة النظر الرسمية داخل النقابة. كما أبان رفع أنصار الخط المهيمن لشعار «صناديق الاقتراع» عن خطورة استمرار القبول بـ «لجنة الترشيحات» كآلية لانتخاب الأجهزة. فذلك الشعار لا يعني سوى استهزاء وتعرية لصدقية مزاعم الديمقراطية و الكفاحية لدى الخط المعارض لوجهة النظر غير العمالية المهيمنة داخل النقابة. لا بد من مطابقة الأقوال بالأفعال. إن إنجاز قطيعة مع من أرادوا بالأمس وضع النقابة الوطنية للتعليم ومجمل ك د ش كرجُل آلي ضمن قاطرة الحكومة سنة 2002، ومهدوا لذلك بما وُصف آنذاك باتفاق آخر الليل في 13 مايو 2002 8؛ يعني إنماء كفاحية النقابة9 وربط الأقوال بممارسة ميدانية وفية لمصالح الشغيلة التعليمية واعتماد فعلها الجماعي الواعي كأساس للممارسة النقابية. وذلك يشترط الديمقراطية أولا و أخيرا10 في سير عمل النقابة اليومي و الإستراتيجي في حياتها الداخلية عموديا وأفقيا وأثناء الاجتماعات والإعلام و النضالات و تشكيل الأجهزة المسيرة، وبالمجمل إعطاء المثال عن الديمقراطية العمالية المنشودة داخل المجتمع. فقوة الشغيلة وتعزيز وحدتها واكتساب النقابة للصدقية لديها لا تتحقق إلا في مناخ حرية التعبير والمبادرة والإحساس الجماعي بالتحكم المباشر بزمام أمور التنظيم والنضال. فالديمقراطية ضرورية لتقدم الوعي وقوة النقابة وتماسكها ووحدتها وإلغاؤها يعني إضعاف المنظمة النقابية وفقدانها للمصداقية وبالتالي انحصارها وتفتت الشغيلة. إن الديمقراطية بالنسبة لنقابيين ديمقراطيين كفاحيين، لا تعني فقط إمكانية الوصول إلى كراسي القيادة داخل النقابة، إنها مطلب برنامجي قائم على مبدأ «تحرر العمال من صنع العمال أنفسهم». وهذا يناقض السعي إلى الحلول مكان الشغيلة عبر الكراسي، وبالتالي فالواجب يقتضي الدفاع عن الديمقراطية الداخلية في أقصى تفاصيلها دون هوادة و دون كلل، و النقد المنهجي البَناء لجميع أوجه التبقرط ومواجهة منابعه و بالموازاة السعي إلى كسب أغلبية الهياكل النقابية إلى مواقف نضالية عمالية بطرق ديمقراطية.
ب- برنامجيا، نقف عند أهمية :
محطة المؤتمر الاستثنائي التي منعت جر النقابة الوطنية للتعليم بشكل مباشر إلى قاطرة حكومة البنك الدولي.
احترام موعد انعقاد المؤتمر، أي أربع سنوات على محطة المؤتمر الاستثنائي وهو سلوك قلما نجده في حركتنا النقابية.
التدخل الإيجابي في ملف رجال التعليم المبعدين قسرا من الأقاليم الصحراوية والذي أكد عليه اثنان من المعنيين الحاضرين في المؤتمر.
نسبيا حملة الدفاع عن المدرسة العمومية سنة 2004، حيث عقدت ندوة وطنية يومي 29و30 مارس 2004 وتبعتها عدة ندوات محلية، كانت فرصة للتشهير بسياسة الدولة التخريبية في ميدان التعليم. لكن للأسف أوقفت هذه الحملة عند هذه الحدود، ولم تتم المتابعة بمبادرات إعلامية ونضالية ولم يتم مد الجسور مع قوى النضال المعنية بالحقوق الإنسانية والدفاع عن الخدمات العمومية...إلخ. وتم التوقف عند صياغة ورقة نقدية قدمت باسم النقابة في منتدى الإصلاح المنظم بالرباط في يوليوز 2005من طرف وزارة التربية الوطنية. دون ذلك، لم يُجب التقرير الأدبي الذي قدمه الكاتب العام للنقابة عن الحقيقة الكامنة خلف حصر نضال النقابة في مسايرة ما تجود به الحكومة تجاه ملفات الترقية، والاستسلام لمنظور الدولة في الإصلاح عبر المطالبة بتسريع وثيرة تنفيذ بنود «الميثاق» و المطالبة بإشراك النقابة11. ما علاقة ذلك بشعار الدفاع عن المدرسة العمومية؟ لم يستحضر التقرير الأدبي أيضا، أيا من أوجه شلل كثير من الهياكل التنظيمية المحلية والإقليمية والجهوية، والتي تحولت إلى هياكل مجسدة في أفراد مُكملين لدور الإدارة في تدبير إعادة الانتشار، مستفيدين من ترضيات لبعض منخرطي اللحظة أو ذوي القربى السياسية (ومن يدري أية مبررات أخرى)، وتنتهي أنشطتها بعد ذلك، وإن اشتغلت على مطالب فحوارات شكلية تنتهي بدون متابعة ودون إثارة أي اهتمام لدى الشغيلة المعنية. في المقابل لم تكن ثمة ولو إشارة إلى دينامكية بعض الفروع المكافحة وبعض التجارب المحلية التي تمكنت في بعض الأقاليم كبني ملال وخنيفرة وورزازات وزكورة و فكيك ...الخ من خلق دينامية تعبوية وتنسيقات موحدة للشغيلة جديرة بالاهتمام وتحديد سبل فك عزلتها و انقاذها من الخنق لارتباط جل مطالبها بالمستوى الوطني. قدم التقرير الأدبي تفسيرا خاطئا ومضللا لمشكلة الفئوية، حيث اعتبرها نتيجة للفردانية التي أنتجها الواقع فضلا عن كونها ظاهرة عالمية واقترح تقنية «لجن فئوية وطنية ممثلة للجهات تحت إشراف المكتب الوطني»12.صحيح أنه تم التعبير عن موقف صائب بأن الفئوية ضرب لمبدأ تضامن الشغيلة وقوتها ووحدة النقابة، إلا أنه لم ير في الأمر نتاجا موضوعيا لغياب الديمقراطية الداخلية ولطريقة تدبير المطالب (النظام الأساسي الذي كرس الفئوية، كيفية حل مشاكل الترقية الداخلية)، وتبني خط التعاون الطبقي(ما يسمى «الشراكة») الذي عصف بالدفاع الحازم عن مصالح مختلف فئات الشغيلة التعليمية وصدقية النقابة ودفع المستائين إلى أسوأ الحلول وضمنها الفئوية . لم يجب التقرير الأدبي عن معايير إسناد التفرغ النقابي، إذا اعتبرنا ذلك مكسبا انتزع من الدولة، وفكرة عن مدى إفادتهم لإدارة نقابتنا القطاعية والمركزية، وآلية التجديد كعنصر ضمن عوامل منع التبقرط ومراكمة المنافع الشخصية. كما لم يطرح الموضوع على أي مجلس وطني لتحديد معايير الإسناد والتوزيع الجغرافي ووظيفة المتفرغ مركزيا أو محليا. لم يقبل نقاش تطورات الكونفدرالية الديمقراطية للشغل منذ التوقيع على اتفاق غشت 96 ومجمل الانعطافة نحو الفهم البرجوازي للنقابة والذي توج بالتصويت بنعم على ميزانية 2006. ماذا يعني الارتباط بالكدش وبالطبقة العاملة إن لم يكن لنقابتنا ذات الوزن الكبير داخل المركزية، يعكسها التواجد الكبير في الأجهزة المسيرة لـ ك د ش مركزيا ومحليا، رأي فيما يجري و في إطار «المشاركة الفعالة في أنشطة مركزيتنا و تعزيز خطها الكفاحي ..»13كما أكد عليه مشروع المقرر التنظيمي والقوانين المعروض على المؤتمر، واستنادا إلى بيان تأسيس مركزيتنا سنة 78. ورغم محاولات التضييق على الرأي الآخر، فقد شكل المؤتمر لأول مرة في تاريخ النقابة لدى بعض المناضلين النقديين باختلاف انتماءاتهم السياسية واللامنتمين منهم فرصة لمحاكمة التخاذل اتجاه: مجمل اﻹجراءات التخريبية والهجومية للدولة على التعليم والمستوحاة من «الميثاق الوطني للتربية والتكوين» وخلفية خفض الإنفاق العمومي بحجج اقتصادية لا تنطلي إلا على من راح ضحية تضليل الليبراليين. مجمل ملفات الفئات التعليمية ضحية سنوات التقشف واختلاف روافد التوظيف (ومنها تصنيفات الإطار والدرجة) وثغرات الأنظمة الأساسية ...الخ. ما يتهدد أجراء التعليم ضمن موظفي الدولة بخصوص السيناريو المرجح لإصلاح نظام التقاعد والذي شرع في تنفيذ عناصره. ما يتهدد أجراء التعليم ضمن مجموع الطبقة العاملة بخصوص القانون التنظيمي للإضراب، الذي يروم نزع سلاح الشغيلة قصد إنجاح الهجمات والإجراءات التي تستهدف أوضاعها وأجورها واستقرار عملها...الخ. إجراءات الهشاشة القادمة، التي أسس لها النظام الأساسي الجديد والمراسيم التطبيقية لـ«الميثاق» من قبيل قانون الأكاديميات وغيره..الخ. كما عبر العديد من المناضلين النقديين المعارضين للخط المهيمن عن رفضهم لاستمرار المغادرين طوعا في أجهزة النقابة. فبغض النظر عن كونهم مناضلين قدموا تضحيات في إطار تعزيز النقابة والدفاع عن مصالح الشغيلة، من وجهات نظرهم السياسية طبعا، فإنهم اختاروا مغادرة صفوف الشغيلة في ميدان كدحها طوعا وكانوا سباقين لتنفيذ تعاليم البنك الدولي للحكومة من منظوره لإصلاح الإدارة وتقويم ميزانية الدولة، والنقابة ليست عاقرا حتى يفرض عليها المغادرون طوعا في الأجهزة مدى الحياة ولأسباب حزبية لا علاقة لها بالديمقراطية14. للأسف هذا النقاش لم يثمر تلاقيا برنامجيا وتنسيقا بين هؤلاء المناضلين النقديين للخط المهيمن داخل النقابة، مما حد من إمكانيات تأثيرهم النوعي على مسار المؤتمر، ونرجع ذلك في رأينا لعوامل أزمة الثقة والتي أنتجت ظاهرة التوجس من الآخر وغياب وعي برنامجي لا يقف فقط عند حدود النقد وتسجيل المواقف، بل يذهب إلى طرح البدائل التنظيمية والبرنامجية المتماسكة طويلة النفس والسعي لبناء قطب ديمقراطي كفاحي وازن ومؤثر داخل النقابة ومساهم في إعادة بنائها على أسس عمالية.
2- آفاق العمل:
انتهى المؤتمر -رغم أن مشاريع المقررات المصادق عليها تتضمن كثيرا من المواقف والتحليلات الايجابية التي تنتظر التفعيل حتى لا تبقى حبرا على ورق- دون أن تنال أي من التحديات التي تواجه مستقبل الشغيلة وأداتها النقابية ما تستحق من وضوح في المواقف: الموقف من «الميثاق الوطني للتربية والتكوين» و مراسيمه التطبيقية والإجراءات المصاحبة، في إطار ما يعرف بالإصلاح، والتي تُكثف منظور الرأسمال العالمي لإصلاح التعليم والذي يٌعد تتويجا لمسلسل نسف التعليم كخدمة عمومية . الموقف من النظام الأساسي لموظفي التعليم والنظام الأساسي للوظيفة العمومية الحافلين بمعايير السوق المتجهة نحو إضفاء المرونة على تسير"الموارد البشرية" و مراجعة آليات الترقية (التخلي عن الأقدمية) و إدخال مقاييس المردودية و الزيادة في سلطات رؤساء العمل في التأديب ومرونة الأجر و فرض الحركية على الموظفين(سياسة إعادة الانتشار)...الخ. الموقف من "الإصلاح" الجاري لنظام التقاعد كجزء مهم من الحماية الاجتماعية و كيفية التشهير بمسؤولية الدولة في خطر الإفلاس ورفض دمقرطة التسيير و كيفية مواجهة ذلك. وما البدائل العمالية الواجب طرحها للنضال ؟. كيفية طرح بدائل عمالية في مواجهة إتجاه الدولة نحو خفض كثلة الأجور بمبررات ضخامتها و مستلزمات تعبئة الموارد المالية الكفيلة بدفع عجلة النمو الإقتصادي. كيفية مواجهة الميل نحو وقف التوظيف و تشريع العمل بالعقدة و تفويت عدد من الخدمات للقطاع الخاص و الرهان على الجماعات المحلية و ما يسمى بالشركاء، مع ما يرافق ذلك من إثقال كاهل الشغيلة بخدمات إضافية. الموقف من قانون تقييد الإضراب، و الذي سيأتي دوره على شغيلة الوظيفة العمومية بعد تطبيقه على القطاع الخاص. المبادرات الواجب اتخاذها من أجل دمقرطة المؤسسات الاجتماعية و التي يقتطع لأجلها من أجرة شغيلة التعليم: التعاضدية العامة للتربية الوطنية و الصندوق الوطني لمنظمات الإحتياط الاجتماعي و مؤسسة محمد السادس للنهوض بالأعمال الاجتماعية للتربية والتكوين.. انتهى المؤتمر أيضا، دون وضع الأصبع على الأسباب الحقيقية المفسرة لنزوعات التفتيت(الفئوية) وضيق أفق النضالات المحلية الجارية في بعض المناطق والانشقاقات النقابية ولحالة اليأس العام لدى الشغيلة من العمل النقابي. هذه المظاهر التي نراها تعبيرا عن تخلف أدائنا النقابي في الاضطلاع بمهام توحيد المطالب ومركزة النضالات وتطوير تقاليد التضامن العمالي، هذا علاوة على غياب الديمقراطية الداخلية. هذه الأخيرة بما تمنحه من إمكانية لتنظيم التعدد السياسي كسبيل لمنع مبررات التمزيقات النقابية المتتالية، وتضمن دينامية القاعدة العمالية و مشاركتها الواعية و الموحدة و كفاحية النقابة. هكذا، ورغم ما أبانت عنه الشغيلة في بعض الفروع و بعض الفئات من طاقات نضالية، يتم الاستمرار في هدر قوى النضال مما ينبئ بمزيد من الإضعاف لنقابتنا باعتبارها ظلت موحدا لنضالات شغيلة التعليم لعقود من الزمن. لقد أتت مشاريع المقررات بكثير من العناصر الإيجابية، رغم تسلل بعض المفاهيم و التحليلات الليبرالية والتي جعلت مفاهيم بعض المقررات متناقضة كما هو الشأن بالنسبة لمقرر الملف المطلبي (فقرة تشخيص اختلالات التعليم تقدم تحليلا يناقض مطالب الفقرتين 1 و2)، والتي تنتظر ممارسة تطابق الأقوال بالأفعال. وهنا نتساءل عن عدم عرض مقرري التكوين والإعلام للنقاش القبلي، واللذان كان يجب أن يحظيا بأهمية كبيرة في ظرف تمارس فيه الدولة ووكلاؤها الليبراليون هجوما فكريا و إديولوجيا شرسا يفسد فكر ووعي الشغيلة بل والأطر النقابية نفسها. أمام هكذا مؤتمر، نعتبر أن نقاش وضع النقابة الوطنية للتعليم و مجمل الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، علما أن أوضاع المنظمات النقابية الأخرى أسوء بكثير، على سكة الديمقراطية والكفاحية يعود بقوة على رأس جدول الأعمال. و هو ما يفرض مبادرات ملموسة على طريق إرساء توجه نقابي برنامجي ديمقراطي كفاحي، يَلُف كل النقابيين الديمقراطيين الكفاحيين الذين يربطون الأقوال بالأفعال بغض النظر عن انتماءاتهم السياسية أو عدمها. لقد راكم أنصار نقابة ديمقراطية كفاحية عدة تجارب، كما مُورست تكتيكات مختلفة. وهنا لا بد من التقييم وتبادل التجارب وفتح النقاش الجماعي والقيام بمبادرات، لكن لا بد من التخلي عن تكتيك السعي إلى الكراسي عبر تسويات لا مبدئية تفقد شعارات الديمقراطية و الصراع الطبقي من أية مصداقية. لا خيار غير تحويل حالة الاستياء العامة حيال ما يتهدد النقابة الوطنية للتعليم و مجمل الحركة النقابية إلى فعل ميداني بانٍ وموحد، بدل ردود الأفعال السلبية من قبيل الاستقالة أو التجميد الذاتي أو استبدال الإطار النقابي أو الانشقاق. طبعا لا نتوقع المعجزات السريعة، لكن عندما يتعلق الأمر بمبادرات منهجية تَروم رسم خط نقابي عمالي متميز برنامجيا عن الخط المهيمن حاليا فان للخطوة الصغيرة إلى الأمام قيمة اكبر. نعتبر هذا التقييم لحصيلة المؤتمر أرضية للنقاش، نسعى أن يحفز على الجلوس الجماعي، قصد الفهم و الفعل الجماعيين وفق خطة ميدانية في إطار تنسيق تعددي للمناضلين الديمقراطيين الكفاحيين.
مؤتمرون مناضلون من أجل إرساء توجه نقابي ديمقراطي كفاحي. [email protected] 13/09/2006
--------------------------------------------------------------------------------
هوامش:
1- جاء في استجواب للكاتب العام للنقابة الوطنية للتعليم في " الديمقراطية العمالية"عدد159 السبت 15 يوليوز 2006: "والمنهجية التي اعتمدت هي الإشراك ، إشراك كل المسؤولين و القواعد في التحضير للمؤتمر". 2- إذا كان المقصود إبراز القوة أمام الدولة فبوليسيها السري والعلني يعرف حقيقتنا ،أما أمام الرأي العام فمسيرات فاتح مايو تكشف عورتنا . وإذا كان المقصود إبراز التفوق على رفاق الأمس فإنهم يعرفوننا وقد طمأنهم تصويتنا على ميزانية 2006. 3- باقي المؤتمرين حضروا بالصفة: أعضاء اللجنة الإدارية، عضوات مكاتب الأجهزة المسيرة، امرأة عن كل 4 منتخبين، أعضاء المكتب الوطني لمؤسسة الأعمال الاجتماعية . 4- ليس مصطلح وكيل قدحا، بقدر ما هو توصيف سياسي لممارسة عينية لحظة المؤتمر. خاصة أن رئيس المؤتمر ينتمي إلى فصيل سياسي ظل و لا زال ممانعا ضد ديمقراطية الواجهة . 5- راجع بهذا الخصوص مشاريع مقررات المؤتمر الوطني الثامن:التقرير العام،الوضع التعليمي ،الملف المطلبي. 6- مشروع التقرير العام الصفحة 2من كتيب المشاريع. 7- مما أفضى إلى تسلل أسماء غائبة عن المؤتمر إلى لائحة أعضاء الجنة الإدارية التي أتت بها لجنة الترشيحات، و سقوط مناضلين ذوي تجربة و مسؤوليات محلية وإقليمية و جهوية منها ،بينما وردت أسماء مناضلين حديثي العهد بالانخراط . 8- الاتفاق الذي وقعه الكاتب العام المنشق يوم 13 مايو 2002 حول النظام الأساسي ونظام التعويضات. 9- مشروع المقرر التنظيمي و القوانين الصفحة 32 من كتيب المشاريع. 10- ملصق ك د ش لفاتح مايو 2006 يتضمن هذا الشعار. 11- جاء في تصريح لعبد الحي بلقاضي (عضو المكتب الوطني) لجريدة"اليسار الموحد"عدد من 12الى 16 يوليوز2006 أن المكتب الوطني لن و ت طلب من الوزارة تشكيل لجنة مشتركة لمتابعة أجرأة الميثاق و تأسف لمماطلة الوزارة و استفرادها بالأمر. 12- نحيل إلى استجواب الكاتب العام ل"اليسار الموحد"عدد 12-16/07/2006. 13- مشروع المقرر التنظيمي و القوانين – انظر الكتيب ص 32. 14- تدخل عضو المكتب التنفيذي في الموضوع حول حالة التنافي مع قانون المركزية ينسحب على المتقاعدين وليس المغادرين طوعا.
#من_أجل_توجه_نقابي_ديمقراطي_كفاحي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حصيلة بقتلى العاملين في المجال الإنساني خلال 2024
-
4th World Working Youth Congress
-
وزارة المالية العراقية تُعلن.. تأخير صرف رواتب الموظفين شهر
...
-
بيسكوف: روسيا بحاجة للعمالة الأجنبية وترحب بالمهاجرين
-
النسخة الألكترونية من العدد 1824 من جريدة الشعب ليوم الخميس
...
-
تاريخ صرف رواتب المتقاعدين في العراق لشهر ديسمبر 2024 .. ما
...
-
وزارة المالية العراقية.. تأخير صرف رواتب الموظفين شهر نوفمبر
...
-
يوم دراسي لفريق الاتحاد المغربي للشغل حول: تجارة القرب الإكر
...
-
وزارة المالية العراقية.. تأخير صرف رواتب الموظفين شهر نوفمبر
...
-
الهيئة العليا للتعداد العام للسكان تقرر تمديد ساعات العمل لل
...
المزيد.....
-
الفصل السادس: من عالم لآخر - من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة
...
/ ماري سيغارا
-
الفصل الرابع: الفانوس السحري - من كتاب “الذاكرة المصادرة، مح
...
/ ماري سيغارا
-
التجربة السياسية للجان العمالية في المناطق الصناعية ببيروت (
...
/ روسانا توفارو
-
تاريخ الحركة النّقابيّة التّونسيّة تاريخ أزمات
/ جيلاني الهمامي
-
دليل العمل النقابي
/ مارية شرف
-
الحركة النقابيّة التونسيّة وثورة 14 جانفي 2011 تجربة «اللّقا
...
/ خميس بن محمد عرفاوي
-
مجلة التحالف - العدد الثالث- عدد تذكاري بمناسبة عيد العمال
/ حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
-
نقابات تحمي عمالها ونقابات تحتمي بحكوماتها
/ جهاد عقل
-
نظرية الطبقة في عصرنا
/ دلير زنكنة
-
ماذا يختار العمال وباقي الأجراء وسائر الكادحين؟
/ محمد الحنفي
المزيد.....
|