|
جدلية الاغتراب والوهم بين صلاح نيازي وابن زريق
وديع العبيدي
الحوار المتمدن-العدد: 1690 - 2006 / 10 / 1 - 09:05
المحور:
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
[المهمّ أن لا ينتهي الانسان كليّة] قيل أن الانسان يولد ومعه سرّ حياته، أما صلاح نيازي فقد ولد ومعه لغز حياته. ولد في مدينة لا ينتسب اليها، بسبب ظروف عمل الوالد. ومع ذلك لم يكشف عن (مسقط رأس) العائلة الأصلية أو الموثق فيها صورة قيد العائلة. وبذلك أنبت لغزه الأول، ربما ليقنعنا بفكرة الغربة والاغتراب المبكرة في ذاته. فالتاريخ ليس ذا قيمة في مفهوم الشاعر، التاريخ في أي مستوى من مستوياته، الوطنية أو الشخصية. ان بيوغرافيا المؤلف، ليست نصاً يضعه المؤلف وانما القاعدة التي يقوم عليها النص. هي المصابيح البلدية التي تضيء الطريق إلى فهم المؤلف. لنتأمل فقط شعر السياب بدون قصة حياته، ومسرحيات لوركا بدون قصة موته، وأدب غوته وتولستوي وكامو والجواهري وغيرهم بدون سيرهم الشخصية وتفاصيلها. فالدراسة الأدبية، تودّ الارتكاز على بيانات سيروية لاستجلاء دلالات النص واحتمال مبرراته. ولا يحصل المرء على قناعة أزاء اصرار الشاعر على ترك مكان الصورة فارغاً داخل [إطار أدبي توثيقي]، وبالتالي استمرار اللغز كمعامل تضادّ سلبي في تقنين تجربة الشاعر. وللتخلص من حالة اللغز، التي تؤرق المؤلف نفسه أكثر من القارئ، يبحث عن معادل نفسي أو ذهني يحرره من وطأة أو تبعة الهروب المستمرّ أمام نفسه. يحدد المعادل النفسي في مفهوم الاغتراب ذي الدلالة الذاتية والوجودية، مرتفعاً عن فكرة الغربة بالمفهوم الاجتماعي السائد. بينما يتخذ من (الوهم) لازمة ذهنية ودالة ثانية للتحرر من لغز (اللغز). ورغم العلاقة الجوانية المتناصة لمفهومي كل من [الاغتراب/ الوهم] فقد أراد المؤلف لهما أن يكونا القاعدة التي تستند اليهما تجربته الشعرية، وبالتالي أي محاولة للاقتراب من دراسة واستطلاع هذه التجربة. بدايات صلاح نيازي كانت في عرامة أجواء الصراع الأيديولوجي [الماركسي/ القومي] في شوارع العراق الستيني. لكن الشاعر رفض أن يكون في أي جانب منهما، مفضلاً التحليق في سماء ثالثة. وكما أن سلطة النجوم، حسب المعتقدات الشرقية وبنات نعش، هي التي ترسم قدر الانسان وتوجه مسيرة حياته، فقد جاءت حادثة مقتل أخيه [في حمأة الصراع ذينك الأيديولوجي] ليضيء له فكرة (الهروب) وتجسيد فكرة الاغتراب واقعاً، رافضاً فكرة الموت المجاني التي ما زالت تبلط شوارع الجمهورية العراقية. مؤسطراً قصيدته المطولة (كاويس في فضة الشمس) عام 1962 . ان الطريقة التي وردت فيها إشارة الشاعر لتلك الحادثة، بكل ما فيها من ايجاز مؤلم، يذكر بوصف حاتم الطائي لمشهد موته:
أماويّ إن أنا دلوني الذين أحبّهم.. لملحودة في الأرض من أهلها قفرُ وراحوا سراعاً ينفضون أكفهم.. يقولون قد أدمى أصابعنا الحفرُ
يدل على حرارة وطزاجة الجرح الفاغر ومبلغ الألم العميق والتأثر الذي استوطن روح الشاعر منذئذ ورفض أن يهيل التراب عليه. ليعكس بالتالي مركزية هذا الحادث على شخصية الشاعر الفكرية/ النفسية وتجربته الشعرية بالمحصلة، مما زاد أو ساعد في أدلجة مفهوم الاغتراب أولاً، ثم فلسفة الوهم في مرحلة تالية أثر تراكم الاحباط والألم. بالمقابل، ثمة شحة في التفاصيل، ونوافذ مغلقة لا يعكس زجاجها قليلاً من الضوء لبناء هذا الاحتمال. هذا الغموض الذي يكتنف تفاصيل الشاعر نيازي يذكر إلى حدّ ما بالغموض الذي يلفّ حياة وليم شكسبير بالمقارنة مع عطاءه المسرحي ودوره في الأدب العالمي. ولا أدري إذا كان ثمة من صلة في هذا المجال. وفي كل الأحوال، تبقى الدراسة النفسية لجملة الظروف الموضوعية [السياسية والاجتماعية] المحيطة بالشاعر طريق الاستدلال في فهم ما ورائيات نصوصه وتجربته المتميزة.
غصن مطعم بشجرة غريبة صلاح نيازي نهر عميق وهادئ وصافٍ في بحر الشعرية العراقية والعربية، شاعر وأديب أكاديمي، صاحب ورئيس تحرير أول مجلة أدبية في المهجر(الاغتراب الأدبي) {1985-2001} صدرت له عدة مجموعات شعرية ودراسات نقدية. ولد في ذيقار/ جنوب العراق(1935)، وعاش في بغداد؛ ومنذ 1965 يقيم في لندن حيث عمل وأكمل دراسته العليا. وحسب تصنيفه فهذه المسيرة/النهر تتكون من فرعين أو رافدين رئيسين: الثقافة والتراث العربي؛ الثقافة والحضارة الغربية. ومن هنا تبدو ضرورة الفصل والربط أو التمييز بين نغمتين في سلّمه الشعري. بعبارة أخرى أن نثرية نيازي الانسيابية العالية لا تقلّ عن شعره الخليلي أو التفعيلي الضارب بعيداً في أرض الستينيات الشعرية لما زخرت به من تجربة وتأصيل لقصيدة الجيل السابق. لكن ما يثير التساؤل ليس فقط اغترابه الأدبي والشعري في مسيرة الثقافة العربية؛ انما ذلك النفي الذي اختاره أو فرض عليه من ساحة الشعر والنقد في العراق؛ وعدم تعكّسه على ركيزة في بلده بعد إقامته{1965} المبكرة في لندن. ان مجموعته الشعرية الأولى جاءت بعد خمسة عشر عاماً{1977} على قصيدته البكر، وبعد إثني عشر عاماً على رحيله القسري. اثنا عشر عاماً مدة كافية للتأمل والمراجعة ومناقشة الألوان والمشاعر، فكان العنوان جامعاً شاملاً،هجرته خارج الجغرافيا انما أهّلته لهجرة أكثر أهمية وعمقاً نحو الداخل. شاعر مقل في النشر كثير التأمل، بطيء في الكتابة، عميق في المعاينة، دقيق في التعبير. هاجسه الكلمة والحركة والهمسة والنأمة. كان يحفظ ديوان الشعر العربي ويطرب للايقاع وتفتنه الصورة؛ فإذا وقف أمام الحضارة الغربية اعترف بالقصور وعاود تلقيح شجرته الثقافية بغصن غربي مشبّع برائحة الموسيقى الكلاسيكية وغنى المدارس الفنية في الرسم ومقومات الشخصية الغربية المفطورة على النظام والتدوين واحترام الآخر. (غصن مطعم بشجرة غريبة) يتضمن نبذة وافية عن أفكار المؤلف في الحياة والسياسة والثقافة أكثر مما يفترض من السيرة الشخصية. ولذلك، رغم أن تقسيم الكتاب الى فصول تحمل أسماء المدن التي شهدت خطواته، يشي بما يشبه السيرة، إلا أنه لم يضفْ إلى عنوان الكتاب- كما هو مألوف في هذه الأحوال- سطراً يشير الى مضمون الكتاب (سيرة أو فصول من سيرة) أو أن السيرة [ذاتية أو أدبية]. وقد اعتمد ضمن ما اعتمد المنهج المقارن في الكتابة مما يعد جديداً في كتب السيرة، فيصور مدن الشرق بمنظور الغرب ويقدم صورة الغرب (لندن) بمنظور الشرقي. ولعل في ذلك مما ينبه إلى نواقص التكوين الشرقي على الصعيد المدني والفردي. ومن هذا المنظور-المقارن- تضمن القسم الشرقي للكتاب من السيرة الشخصية وسيرة المكان أكثر من السيرة الأدبية، والعكس من ذلك في القسم الغربي منه، الذي ركز على الملامح الثقافية المقارنة ولم يكشف من الجانب الشخصي غير ما تفترضه الضرورة أو يرد عبر السياق. ورغم أنه وصل لندن الباردة بملابس صيفية، فلا نعرف كيف حصل على غرفة لدى العائلة الانجليزية دون معونة من أحد أو لغة. ولا يفصح عن سبب سفره بمفرده تاركاً زوجته التي [تتكلم الانجليزية بطلاقة] وطفلته الوحيدة. وأسرف في وصف معاناة العوز والغربة التي قتلها بالانصراف لتعلم اللغة والتعمق فيها، ويفجؤنا قبل نهاية الكتاب بحصوله على درجة الدكتوراه دون ذكر اسم الجامعة او الأستاذ او الاطروحة؛ هذه الدرجة العلمية اذا لم تدخل في السيرة الشخصية فهي تشكل جزء أساسا من السيرة الأدبية والثقافية. والسيرة – أية سيرة- وإن ارتبطت بالفرد وخصوصياته فانها عندما تكتب تصبح مدينة للتأريخ، ومن حق القارئ، أن يقرأ سطوراً كاملة غير مجزوءة أو مجتزأة. ذلك ما جعل هذا الكتاب المهم في اسلوبه، والمتفرد في تجربته غير مكتمل، ويعاني من فراغات كبيرة. نتمنى رؤيتها مكتملة وبالشكل الذي يقدم بيوغرافيا كاملة وتجربة شعورية ووجودية كشف الكتاب طرفاً منها. وذكر الروائي عبد الرحمن مجيد الربيعي في جريدة الزمان اللندنية [8-11/15-11/22-11-2002] بعض ما يدعم تلك السيرة المشتركة. ليس تواضعاً أن يحجم المثقف العربي عن الاهتمام بسيرته- عندما يكون له دور اجتماعي أو ثقافي أو سياسي- وهو من حق القراء عليه ومن حق التاريخ كشف الحقائق، لمعرفة صانعيه، وتعرف الأمة أبناءها، وتتميز الأخطاء من المحاسن، ويتمكن من له صلة من الإضافة أو المحاججة. ان كتب السيرة في الغرب تتصدر قوائم أفضل المبيعات وتحظى بالتقدير والعناية من قبل الناشر والقارئ ولكن قبل ذلك من المؤلف نفسه. أما على الصعيد العربي فلم يظهر الكتاب الذي يستولي على اهتمام مثيل. لأن معظم من قدموا سيرهم من السياسيين أو الأدباء، تعاملوا بأنصاف السطور والحقائق، متحاشين إغاضة هذا وعامدين مجاملة ذاك، على طريقة مؤرخي العصر العباسي، فطمست حقائق وضاعت شواهد، ونمت شجرة التاريخ العربي وفيها زيغ ونواقص ومناطق داكنة. ان أيقونة الأجواء النفسية والفكرية التي فرضها الشاعر على نفسه ونصوصه، كان لها دور كبير في عدم توقف النقاد والباحثين عند شعره وآرائه النقدية. وبالتالي، التهميش الذي عانى منه طوال أكثر من أربعة عقود، بينما أفردت دراسات وكتب لنصوص لا تصمد بالمقارنة أمام متانة لغة نيازي الشعرية. ان عدم اهتمام المدونة النقدية العراقية أو العربية بشاعر معين، لن يقلل من شاعريته أو أهميته التاريخية. كما هو الحال مع نزار قباني مثلاً أو مظفر النواب. لكننا نجد هنا، مزايا فنية معينة وظروف اجتماعية مناسبة ساعدت في اختزال المسافة بين المبدع وجمهوره، لتجعل كل من قباني والنواب شاعرين أكثر شعبية وقرباً من قلب المتلقي وذهنه، تنساب قصائدهما شفاهاً مثل الأغنية والمثل. وهي حالة لم تتيسر لدى صلاح نيازي، للأسباب الآنفة. والسؤال: ألم تكن الظروف مواتية له لتجاوز هامش العزلة التي تراكمت مع الوقت. ألم يكن عمل نيازي مذيعاً في الاذاعة البريطانية مساعداً في اتصاله المباشر بملايين المستمعين [بالمقارنة مع السوداني الطيب صالح في هذا المجال!]. ألم يكن وجوده في لندن منذ أربعة عقود قريباً من قلب الأحداث والعلاقات. ألم تكن درجته الأكادمية تمنحه فضاء واسعاً للحركة على صعيد التنقل وترجمة أفكاره ووجهات نظره. ألم تكن مجلة (الاغتراب الأدبي) مشروع دورية ثقافية فاعلة يمكن أن يلتف حولها المثقفون العرب في وقت لم تكن الصحافة الثقافية بهذه الزحمة وقبل انتشار الانترنت. ان ما قدمه الشاعر الدكتور والناقد والاعلامي المخضرم صلاح نيازي خلال مسيرته الأدبية قليل جداً قياساً إلى إمكانياته وانتظارات القارئ ، بين مجاميعه الشعرية القليلة [سبعة كتب]، كتاب نقدي واحد (إشكالية البطل القومي..)، كتاب سيروي واحد (غصن مطعم بشجرة غريبة)، كتاب مترجم واحد (يوليسيس). بالمقابل، واحد وخمسون عدداً من مجلة (الاغتراب الأدبي). كل تلك، كانت فرص مفتوحة وظروف ممكنة، لحرق المسافة تجاه المتلقي. ولكن. كان انتماء الشاعر للحظة نفسية في بداية الستينات أقوى من التفكير في الخروج عنها أو مغادرتها. وهذا ما انعكس على شخصيته وشاعريته وأفكاره. صدر له: كاويس في فضة الشمس- 1962 (قصيدة مطولة) / الهجرة الى الداخل- 1977/ نحن- 1979/ الصهيل المعلّب- 1988/ وهم الأسماء –1996/ أربع قصائد- 2003 /ابن زريق وما شابه ( قصيدة واحدة بعدة أصوات)- 2004 . اضافة الى ثلاثة كتب في النقد والسيرة والترجمة . *
كيف تأتيكم الأفكار ناضجة كالتين المفلوع؟ في التجربة الشعرية لصلاح نيازي
تتداخل في نصوص صلاح نيازي أو تتنازع رؤيته الأدبية شخصيتا الشاعر والناقد بشكل واضح، ما يضفي على نصه وتجربته الشعرية أعباء ثقيلة، لم يعن له الاهتمام بها وفك خيوطها. ما جعل منه شاعراً إشكالياً، ومثقفاً إشكالياً له آراء دقيقة وصارمة، بحاجة للكثير من المناقشة والدراسة. بشكل لا ينسجم مع خواص الاختزال والتكثيف الشديد التي يمارسها الشاعر مع وسائل الاتصال. قد يكون من المجازفة بمكان القول، أي الشخصيتين تتقدم الثانية (الشاعر أم الناقد)، لكن الواضح أن حضور الرقيب الداخلي في نصوص الشاعر يطغى على حضوره، سيان أكان ذلك رقيباً فنياً أو اجتماعياً. ويبقى احجام الدكتور صلاح نيازي عن التوجه للنقد الأدبي والدراسات، شكل خسارة مزدوجة للطرفين: المنتج والمتلقي، بغرض النظر عن الأسباب الذاتية والموضوعية التي يدرجها ازاء احجامه، وأثر العوامل النفسية في الابداع الثقافي. نصوص الشاعر تؤكد انتماءه الى خريطة الشعر العربي المعاصر في مساحته الاجيالية العريضة، كما ينعكس في حرصه على تضمين مجاميعه قصائد تتفاوت بين القريض المجزوء كما في مجموعة [وهم الأسماء] { الصحراء- الرحيل الى بغداد}، وشعر التفعيلة (مشارف بغداد). وهي ظاهرة وردت لدى شعراء آخرين منهم عبد الاله الصائغ [سنابل بابل] أو أجيال أكثر حداثة مثل مقداد مسلم [ليلة شهرزاد الأخيرة]. إذ تأخذ القصيدة مساراً عروضياً ثم تحاول التحلل من بعض قيوده سواء في طول البيت وعدد التفعيلات أم النوء به كما في الشطر الأخير (مشارف بغداد): ودجلة انثى انتشى جسمها/ فضاقت الضفاف لا تلمّها. أما قصيدة (الماء) فتنساب رقراقة متهادية في موسيقاها الرتيبة المتساوقة، فتبدو عند كتابتها بدون تشطير أو تجزئة وبما يتناسب مع انسيابية القراءة: تحيرت في بابها، عطش البنت للماء، بي عطش الرمل لا أرتوي غير دجلة ماءا قلت، يا أيها الغريب الملثم، أسقيك دجلة بالكف، بالكف؟ أشرب حتى اليدين ولا أرتوي من ضفافك، يرتبك الكوز بين يدينا، أتضحك ساقيتي من لساني الغريب؟ قطعت البراري إليك، يجفّ على جسدي عرقي مثلما جفّ فوق الزجاج المترب ماءٌ.. أحدق، كم ذا أحدق، في كل سرب مهاجر.. ص100
متسللاً الى قصيدة النثر الأكثر انسجاماً مع الحالة التاملية الساهمة. فالشكل الفني في شعره إذن؛ انعكاس للحالة النفسية والشعورية والفكرية وليست قالباً جاهزاً لتحنيط وقولبة المشاعر والافكار. ويبدو انه تعمّد تقديم هذه التجربة في قصيدة { استحالات ابن تُومَرْت: فقسمها أربعة أقسام متمثلاً حنينه الطاغي الى وطنه، فكان القسم الاول الذي سبق ذكره من شعر الشطرين بموسيقاه المنسجمة مع الحالة الشعورية العاطفية الصاخبة بالاسئلة المغلقة : أبتاه ما أنا فاعل/ أي الطريق أواصل/ كل الطريق مجاهل / ص94 حتى تهدأ النفس قليلاً وتفرغ من صخب المشاعر فيخفّ ايقاع القصيدة في القسم الثاني { مشارف بغداد}، للانتقال الى الموسيقى الدائرية المتداخلة مع موسيقاه الداخلية/ المنولوج في القسم الرابع {الماء} ثم تتحول الى الهدوء المتأمل الذي يراقب حركة الحياة ويصطاد منطق السيرورة والصيرورة بدل طرح الأسئلة المغلقة أو الجمل الحاسمة وذلك في القسم الثالث{ الجذر}. فاذا استبدلنا ترتيب القسمين الثالث والرابع محل بعضهما، صحّ افتراضنا في التدرج النفسي/ الموسيقي الشعري/ التفكري. ويشيع في المجموعة توظيف الموروث لاستنطاق الراهن واستدراجه أو أسطرته؛ إذ ينقسم الموروث في هذه المجموعة الى ثلاثة أقسام: التأريخ الميسوبوتامي القديم/ التراث الديني والاسلامي/ التراث الاجتماعي ممثلاً في القيم والتقاليد والامثال والأساطير الشعبية. ويمكن ملاحظة بؤرتي التمركز المتقابلتين هنا؛ تأريخياً: السومريات: تحديداً عشتار وتموز ومخارجهما التأويلية: استيقظ السومريُّ، فرك عينيه، كأنه نام بعض ليلة لم يجد " أور" ولا عشتار، ما الذي حدث؟ .... تحت جلد كل عراقي، سومري يصيح: نوح، نوح، نوح. / ص 10 منتقلاً من مداخلة التاريخ السومري بالديني الى مداخلة التاريخ الديني الاسلامي بالتراث الاجتماعي الراهن في مكان آخر: الداية تصيح: يا عليّ، يا عليّ، يا عليّ / ص15 أما البؤرة الثانية فهي: الراهن الذي يمثل لحظة من عمر التسعينات، المكان: صالة الاستقبال في مطار هيثرو: على اللوحة الخشبية السوداء في المطار تتقلب الأرقام والأوقات والبلدان، تهبط أمم وتحلق أمم إلاّ الطائرة العراقية ثابتة على اللوحة كفراشة مشكوكة بدبوس ستتأخر ساعتين. القشة حلقت في الهواء ونزلت على ظهر بعير أخيراً / ص 6-7
اتخذت القصيدة من أحد مظاهر الحصار الدولي [1991- 2003] على العراق قاعدة لبناء الاستهلال ومنطلقاً لمعالجة أوضاع العراق منتقلاً من البعد السياسي إلى البعد الاجتماعي ومتخذاً طبيعة الانسان العراقي ومكوناته النفسية وأثر العوامل الميثولوجية والغبيبة في صياغة مظاهرها السلوكية، وبمنهجية مقاربة من رؤى علي الوردي في هذا المجال. زار الشاعر العراق في السبعينيات، عقب عقد من مغادرته الأولى، متوجاً ذلك بصدور مجموعته الثانية (الهجرة إلى الداخل) في مراوغة لغوية شفيفة مقابل الاستبطان أو التأمل الروحي. يراقب الشاعر لوحة المغادرة والهبوط منتظراً حركة الطائرة الخضراء أو موعد الرحلة إلى بغداد، وهنا تبدأ سلسلة انثيالات ذهنية ونفسية، تتحرك من الأفق الدولي [ تتقلب الأرقام والأوقات والبلدن، تهبط أمم وتحلق أمم]؛ فالحصار والقرار المفروض على العراق هو قرار (أممي)، بلدان وأمم صادقت عليه وأوقعته، والدلالة الثانية هنا هي المقارنة، لماذا تطير طائرات كل البلدان [إلا الطائرة العراقية ثابتة على اللوحة] مثل قشة مشكوكة بدبوس تنتظر النزول (أخيراً) على ظهر البعير. في استعارة غير مباشرة لمقولة [القشة التي قصمت ظهر البعير]. ومع تبين دالة البعير هنا الممثلة بالعراق وهي صورة متداولة على غير صعيد: تارة بالمعنى الاقتصادي والطبقي في البيت الشعري [ العيس في البيداء يقتلها الظما، والماء فوق ظهورها محمول] أو صورة الجواهري الأكثر وضوحاً: [ تشكين من زهو جنات منشّرة، على الضفاف ومن جوع الملايين] أو حكمة السياب الأثيرة [هل مرّ عام والعراق ليس فيه جوع!]. أما الدلالة الثانية للجمل أو البعير في الحالة العراقية فهي التي ترددت كثيراً سيماً في ظروف ما بعد الاحتلال حسب المقولة الشعبية [لو طاح الجمل كثرت سكاكينه]. بينما تبقى دلالة (القشة) رمزية رهينة الاجتهاد والتأويل، قد تكون مباشرة أي غزو الكويت [الثاني من آب 1990] الذي حرّك المجتمع الدولي وأقام الدنيا ولم يقعدها كما يقال، رغم أنه لم يتجاوز ستة أشهر [2/8/09- 17/1/91] وهي المدة المحددة لاستكمال الاستعدادات العسكرية ونقل نصف مليون جندي للمنطقة حسب تقديرات البنتاغون؛ بالمقارنة مع ثمان سنوات من حرب مواجهة ضروس لم تحرك الرأي العام أو المجتمع الدولي، مما يجسد عمق النفاق العالمي القائم على قدسية المصالح الغربية في المنطقة أولاً وأخيراً. وقد تكون القشة هي الضرورة الدكتاتورية التي أسقطت كل أوراق التوت العراقية وغير العراقية في أفضل استثمار لطروحات علي الوردي وأفضل شهادة إثبات لها. وربما كانت هي الضرورة الامبريالية التي استطاعت بتوقيع من غورباتشوف التحول إلى قوة عظمى وحيدة بيدها مصير العالم (والعراق)، حياته وموته، سعادته وشقاؤه. وقد وردت هاتان [القشتان] مقترنتين لدى شاعر آخر: هل كنا بحاجة لصدام حسين لنكتشف خواءنا الداخلي هل كنا بحاجة لأميركا لنكتشف خواء الأنظمة.. *
وإذ يطول الانتظار، ويفـقـد الأمل في الخطوط الجوية ، يغـفو " ويأخذ الجفن صفة الحجر، يزداد ثقله لحظة بعد لحظة... النوم أشد حاجات الانسان أنانية" / ص8 فيتحول الشاعر من اليقظة الى الحلم، حيث يتحول الميناء الجوي الى ميناء بحري: أسمع بوضوح ارتطام الموج، ونخيل الرافدين والزنابيل الخوص أشمّ رائحة الديرم والعباءات السود سيهبط عما قليل: السياب ولميعة عباس عمارة ويجري بيننا بويب والمطر سيهبط عبد الكريم قاسم، وابن زريق البغدادي المسافة بين بغداد ومطار هيثرو عشر سنوات كاملة / ص9 هل هي فعلاً عشر سنوات، أم عشرة آلاف سنة؟ ها هو يؤكد: تحت جلد كل عراقي أنين راكد منذ قرون، وعباءة وفي كل وجه، تراب سومري، ووعثاء في الأطلال يتفتت التأريخ، وفي الصحراء لا وجود له / ص9-10
ان هول الكارثة [الأمروصدامية] التي نزلت على رأس العراق أيقظت فيه أسئلة كثيرة ، كان لها انعكاسات وتشظيات غير متناهية، يشكل الحفر التاريخي أحد مظاهرها، ليس بمعنى التسليم أو الهروب لذلك التاريخ وانما التشكيك فيه ومحاكمته كذلك، كما يتجسد في حركة الإشارات والرموز التاريخية لدى الشاعر.. استيقظ السومريُّ، فرك عينيه، كأنه نام بعض ليلة لم يجد " أور" ولا عشتار، ما الذي حدث؟
هذا التشكيك لا يستند إلى مسافة زمنية طولها خمسة آلاف سنة بين أور وهيثرو وانما يتعداه إلى متوالية الانكسار والنشيج الذي يقننه الشاعر كأحد الخصائص الفسلجية أو الوراثية المحمولة على جينات العراقيين [DNA] مما لا فكاك منه.. .... تحت جلد كل عراقي، سومري يصيح: نوح، نوح، نوح. تحت جلد كل عراقي أنين راكد منذ قرون جدلية الأنين والقرون هذه ترددت –هي الأخرى- لدى غير شاعر، مثل لازمة طبيعية تضاف إلى الظواهر الجغرافية لبلاد التصقت بها صفة السواد، حيث يقول أديب كمال الدين: منذ تعرفت إلى الوحشة نبت لي ذوائب وأنياب ونبت لي تاريخ دموي وجغرافيا زرقاء ونبت لي غناء سري عميق كالفرات وزعيق رغبات وحشية تحاصرني كما تحاصر الدبابة أعمى في البرية ونبت لي أنين طوله مليون سنة منذ أن بكى نوح ابنه... [قصيدة جيم شين (مج حاء)] ويصف حسن النصار وطأة ذلك التاريخ بوطن [يدوس بحذائه الذي يزن سبعة آلاف سنة من الألم على أفئدة المحبين] ، فيصرخ من أعماقه.. بعدما سقطت كل الأوطان نهضت أنت أيتها المرأة أنت وطني.. [حسن النصار في مطولته الشعرية (وقال نسوة)]*
وتبقى أهمية تحديد الرقم عشرة هنا، لعلاقتها بالفاصلة الزمنية بين مغادرته الأولى في الستينيات وزيارته الأولى عقبها، والفاصلة الزمنية بين زيارته الأخيرة والمرتقبة، وهي القاسم المشترك بين مدد الحروب العراقية [1980- 1991] ومعدل استمرار مدة الحصار [1990- 2003]. وبعد ترسيم صورة الاستهلال ووصف آلام طول الانتظار يتسلل إلى تفاصيل المشهد المتوزع بين صور الجنود وصور الامهات والعوائل، ليتحول من الراهن إلى التاريخ بمستوياته المتعددة، ومن الواقع إلى الاستبطان النفسي والميثولوجي. يتعامل الشاعر مع القصيدة تعامل الرسام مع اللوحة، إذ يضع أدواته كلها على المنضدة وعندما يبدأ عمله لا يميز بين قطع التأريخ وتصنيف الرموز مع دقته وحنكته في تحريكها ومزجها مع بعضها على كولاج قماشته الشعرية أو الشعورية، ولذلك غالباً ما يتداخل الرمز في الجملة أو الصورة لأن هذه المكونات انما ذابت عبر آلاف ومئات السنين وما زالت تتفاعل في ضمير المجتمع بحيث رسمت صورته الحاضرة أو هويته الاجتماعية والثقافية الأصيلة. التاريخ القديم، الوسيط، الحديث والمعاصر والراهن في كل مراحله ومستوياته وظروفه، يمزجها بلباقة ومع كثير من الألم. هل الحنين، الشوق الذي حرك ذاته الى مطار هيثرو.. ذلك الحنين الذي يعيده الى الاغنية التراثية الأصيلة من مدينته الجنوبية الممددة في انتظار المطر أو المطار: [للناصرية.. للناصرية../ تعطش واشربك ماي.. بكفوف ايديّه]، فيعيد انتاجها في قصيدته : أسقيك دجلة بالكفّ، بالكف، أشرب حتى اليدين ولا أرتوي من ضفافك، يرتبك الكوز بين يدينا.. وهو إذ لا يذكر مدينته الناصرية ، المستلقية على حافة الصحراء الممتدة جنوباً نحو الجزيرة العربية، والمحاصرة بشط الفرات والهور من الشمال ممثلاً في البيت الأسبق: بي عطش الرمل، أما المشخص الآخر فهو تحديده: لا أرتوي غير دجلة ماءاً..(العراق)، وهنا تنفصل الدلالة من مدينة الناصرية / أور الواقعة على الفرات إلى بغداد الرشيد الواقعة على دجلة، وهي التي تتردد لدى كثيرين عندما تكون الاشارة وطنية غير محددة فتكون بغداد رمز العراق، وتكون دجلة رمز بغداد أو دالة العراق كما في قصيدة الجواهري المشهورة عن دجلة الخير. ويمكن اعتبار ان هذه القصيدة المركونة في آخر الديوان، وبذوبانها مع القصائد الأخرى في بودقة المجموعة سيما الاولى التي تتحدث عن الطائرة انما تمثل زيارة أو رحلة ذهنية الى الوطن الأم. متمثلاً وقوفه بعد كل تلك السنين على مشارف مدينته الصحراوية، يـقول: تحيرت في بابها، /ص100 البيت الذي يستهل به القصيدة؛ ثم يصحو من الحلم ويتساءل كما في مطلع قصيدته الأولى: هل وصلت الطائرة بعد؟ / ص3، ويتكرر ذكر حالة النوم التي تحيل على أهل الكهف /10، وهي من بنات الرؤى الشعرية التي تستقرئ الآتي وتكشف الغمام، آخذين بنظر الاعتبار تأريخ صدور المجموعة عام 1996 بكل ما اكتنف تلك الفترة حتى 1998 من ملابسات سياسية ومحاولات دولية واقليمية، استطاعت ان تبسط لنا حالة الانفراج النسبي أواخر عام2000. أما الراهن الذي يمزق به الشاعر اللعبة الجيلية منضماً الى الجيل الشعري الأخير في حركة الشعر العراقي والقصيدة التسعينية : في الأوقات الحرجة أغبطكم أيها الشعراء، وفي السرّ أحسدكم كيف تأتيكم الأفكار ناضجة كالتين المفلوع؟ أية حوصلة تمضغ لكم الشعر وتزفه بأفواهكم؟ / ص3
بكل هدوء، يتجول الشاعر فوق مشاعرنا، يتخيّر كلماته بكل حنكة ومران، ثم يوخزها مثل دبّوس في جلدنا، أو يوخزنا بها؛ هل يختلف الأمر. صلاح نيازي في (وهم الأسماء) يحرق اللعبة الجيلية في الشعرية العراقية وينضمّ الى جيل الثمانينيين والتسعينيين الذين صرمت عشر سنوات الحرب وعشر سنوات الحظر، أعمارهم، يتبنى رؤاهم ومعاناتهم وكلماتهم البريئة براءة الشظية.. خارج الثكنة العسكرية تجمهر الناس كأن في يوم حشر ينتظرون الأحياء العائدين من الحرب من بعيد جاءت اللوريات العسكرية البنادق مرفوعة بالطول فوق الرؤوس كأن الجنود يعومون الى الرقبة في طوفان البنادق مرفوعة بالطول والأصوات تشقّ بعضها بعضاً " اللوريات" عائدة ببقايا الأحياء أكتافهم بلا رتب، وقمصانهم بلا أزرار أياديهم مجاديف في نهر جافّ من موجة يابسة الى موجة نوح، نوح، نوح بقايا أحياء، وأكتاف بلا رتب في حومة كهذه، لا تهم الأطراف المفقودة بقية انسان، أية بقية تكفي المهم أن لا يختفي الانسان كليّة النجاة في الحرب، هي الانتصار الحقيقي أولاً وأخيراً /ص11- 12
هذا هو الراهن الذي يعوم فيه الشاعر ويجذف، بيديه في نهر جاف، كما يقول، الراهن المترسب في قاع الزمن منذ قرون، الراهن الذي يتجاوز اللحظة في مطار هيثرو دون أن ينفصل عنها، هذه هي الحقيقة الشعرية، وهذه هي القضية التي يتعامل معها أو بها الشاعر بحثاً عن مخرج في السومريات أو الأديان أو التأريخ الاجتماعي للبشر. والشاعر الناقد الحاذق الصابّ جلّ جهده على تقنية المفردة الشعرية والصورة الشعرية، يوازن كل ذلك، في انسجام وهدوء مستفـزّ، تاركاً كلماته تتماوج في دواخلنا، مصدرة أصوات انهيارات وتقاصف جرّاء تصادماتها وتساقطها على بعضها، أما هو.. فيذهب الى زاويته مبتسماً ليشرع في كتابة قصيدة أو نصّ جديد، يضيف فيه اكتشاف جزر جديدة في بحر الشعور العراقي، السومري، ممهدة لرحلة أخرى، أصعب من الاولى. **
من القصيدة إلى الملحمة
تنطوي قصيدة نيازي على تجربة حسّية زاخرة وجغرافيا معرفية شاسعة؛ يضع الشرق والغرب في قصعة واحدة، ويخلط الصورة واللون مع الصوت والرائحة.. سوّرها البياض ماعت صخرة البياض غيماً ليّناً رخوا ما أوحش اللون بلا رائحة تستاف، أو بالصوت مكسوا ص63 كلمة الشاعر نيازي ليست هينة، قطعة موزونة بميزان الصاغة، أو رمز خارج من مختبر عالم باحث. ليست عقلية مجردة، أو شعورية تلقائية طائشة، كلمته كائن حي بدم ولحم، فكر ومشاعر. وليس من السهل فهم قصائده بدون الوشاية بصاحبها، أو بالبيئة التي أنجبتها. يضمّ هذا الكتاب [أربع قصائد/ 72-2003] أربعاً من قصائده، التي تعتبر استمراراً لتجربته المتجهة دائماً نحو النثر الشعري أو رفع الشعر إلى مستوى النثر بعبارة أوضح، ضمن تعريف الشاعر لقصيدة النثر "كل قصيدة أصيلة، وما همّ إن كانت موزونة أو منثورة، هي امتداد وانفصام في آن واحد، أي تراثية وابتكارية. التراث لا يعني مدحه أو قراءته قراءة سياحية. بل هضمه وتحليله. يقتضي هذا بلا شكّ، لا التمعن في الشعر القديم فحسب، بل التمعن في النثر وأساليبه المختلفة في الفلسفة والتاريخ والرحلات والمقامات والقصص الشعبية بلهجاتها المحلية. أي الإحاطة بقدر الامكان بالنشاطات الفكرية السابقة دون الاقتصار على الثقافة الشعرية فقط"/ص66. وتنماز هذه القصائد بعلاقتها الوجدانية الحميمة بذات الشاعر، بدءً من [الجندي وبنات نعش] المعبرة عن مشهد أليم من مشاهد الطفولة في مدينة الناصرية. بينما تمثل الثانية محاكمة للمقتل التراجيدي لفقيد الثقافة العراقية الحرة الشاعر محمود البريكان في منزله بمدينة البصرة التي لم يغادرها حتى الموت. محنة شفيق الكمالي قصيدته الثالثة والتي تذكر بقصيدة {وهم الأسماء}ص75 من مجموعة تحمل نفس الأسم/1996،وقصيدة تتناول مقتل وزير{داخلية} عراقي؛ والذي تمّ تصفيته في ظروف غامضة، والقصيدة مثل سابقتها أقرب الى المحاكمة التاريخية منها الى التأسي الذي يمكن قراءته في قصيدة البريكان. أما قصيدة {لولو} فهي رثائية{ص18-غصن مطعم بشجرة} لا تخلو من مناظرة وجودية لقضية الموت والحب. وينبغي الالتفات الى الهوامش المعلقة في ذيل كل قصيدة، سيما القصيدتين الأخيرتين حيث "القصيدة معنية-كذلك- بمفعول الوهم" ونعرف أن "الوهم" و "كذلك" عطف على "وهم" الأسماء/ القصيدة السابق ذكرها.أو "هذه القصيدة الرثائية معنية كذلك بتداعيات اللون الأبيض".. الشاعر هنا يواصل حالة بناء سابقة، حالة يعمل على انضاجها في هذه المجموعة، وهذه الملاحظات مقصودة للفت انتباه الناقد الذي ما تزال مكافأة الجريدة أو الوزارة تصرفه عن المسؤولية الأخلاقية لعمله. ومن جهة أخرى يكشف عدم جدية الشاعر في القول "لا علم لي كذلك إن كانت لديّ رسالة للقارئ من خلال الكتاب"/ص69 فقد كانت هذه الرسالة ممثلة دائماً في مشروعه الشعري ورسالته الفكرية ولكن التواضع المفرط قد يضرّ برسالة الفنان أيضاً.! القصائد الأربع الصادرة في كتاب مستقل مؤشر باتجاهين، أحدهما: مكنة الشاعر وميله للمطولات الشعرية الواضحة في مسيرته والتي ترفع القصيدة إلى مرتبة ملحمة والشعر إلى مشروع. وتستند هذه إلى طريقته في المعالجة الفكرية وما تتضمنه من انثيالات وتشظيات يتداخل فيها الواقع بالميثولوجيا والراهن بالتاريخي، ناهيك عن حساسيته المفرطة في بناء الجملة والصورة والمفردة الشعرية، ما يذكر بحساسية الشاعر الغربي في هذا المجال وفي مقدمتهم اليوت وأرضه الخراب. أما الاتجاه الآخر: فيتعلق بالمضمون الذي تتمحور حوله القصائد الأربع المتمثل بدالة الموت، بالمعنى الوجودي الذي شكّل أحد محاور الشعرية العراقية والأسئلة العقلية المجردة في فكر وحضارة وادي الرافدين. بيد أن مغزى الشاعر من وراء ذلك، يتماهى إلى/ أو مع حالة ذاتية تبرر هذه الانتباهة والتركيز، ممثلة بحادث اغتيال شقيقه في أحد شوارع بغداد في خضم فوضى صراعات بداية الستينيات وأثرها المستديم على شخصية الشاعر وشعره. ان فكرة الاغتيال (السياسي) هي العامل المشترك بين اغتيال شقيقه في بداية الستينيات، اغتيال كل من شفيق الكمالي وسمير الشيخلي في الثمانينيات واغتيال الشاعر محمود البريكان في مستهل الألفية الثانية. بعبارة أخرى أن الاطار (السياسي) للموت وليس المضمون المجرد أو المفهوم الوجودي للموت، هو ما يشغل الشاعر منذ [كاويس في فضة الشمس/ 1962] حتى اليوم [2003]. ويقوم هذا الرأي على دعامة، أن (أطوال) كل من [القصائد الأربع] ليس أكثر من (أطوال) بعض قصائد مجموعته السابقة [وهم الأسماء]. لكن تلك القصائد لم تكن تعكس ظلال ذاتية مباشرة قدر ما كانت ملامسة موضوعية لأجواء الكارثة/ الهاوية التي خيمت على العراق، ممثلة بالحروب أو الحصار في أول قصيدتين من [وهم الأسماء]. وهنا نجد أن (بنات نعش) غير بعيدة عن أجواء (الجندي) الوارد في المجموعة السابقة: من بعيد جاءت اللوريات العسكرية البنادق مرفوعة بالطول فوق الرؤوس كأن الجنود يعومون الى الرقبة في طوفان البنادق مرفوعة بالطول والأصوات تشقّ بعضها بعضاً " اللوريات" عائدة ببقايا الأحياء أكتافهم بلا رتب، وقمصانهم بلا أزرار أياديهم مجاديف في نهر جافّ من موجة يابسة الى موجة نوح، نوح، نوح بقايا أحياء، وأكتاف بلا رتب في حومة كهذه، لا تهم الأطراف المفقودة بقية انسان، أية بقية تكفي المهم أن لا يختفي الانسان كليّة النجاة في الحرب، هي الانتصار الحقيقي أولاً وأخيراً..
في [وهم الاسماء] تلعب الأجواء الموضوعية العامة دوراً رئيساً، أما في [الأربع قصائد] فالأولوية للأجواء الذاتية الخاصة، وحسب التدرج الزمني، بدء ببنات نعش من بقايا طفولة بعيدة، ظلال الاغتيال السياسي [1958- 2003] في القصيدتين التاليتين، إلى (لولو) عن موت قطة عائلة الشاعر في لندن. هذا التدرج يقابل سيرة ذاتية غير مباشرة تنطلق من الناصرية عبر بغداد إلى لندن، محمولة على دالة واحدة هي الموت، وموشومة بطابع الارهاب والاغتيال. ولا أدري كيف أمكن رفع موت قطة إلى مستوى موت إنسان أو إغتيال سياسي بالقيمة المعنوية أو المادية أو النفسية إلا أن يكون انعكاساً لمبلغ الاستهانة بالبشر في النظام العربي أو النظام العالمي، وهم يقدَّمون قرابين باذخة على مذبح المصالح الغربية أو أطماع الحكم والتسلط. (أربع قصائد) الصادرة عام 2003 أي بعد واحد وأربعين عاماً على (كاويس في فضة الشمس)/ 1962 تأكيد لعمق آثار حادث اغتيال شقيق الشاعر عليه والتي ما زالت تتشظى داخل ذاته وفكره وتتكشف عن تجليات متجددة. **
الشعر والدراما هل الحقيقة أضعف من الوهم؟.. ابن زريق وما شابه "قصيدة واحدة بعدة أصوات"
تمثل تجربة المنفى احدى العلامات الفارقة في شعرية الدكتور صلاح نيازي والمقومات الفاعلة التي ما يني يرسخ بناءه عليها. فقد لازمته في كل كتاباته خارج الوطن حتى أصبح أو كاد لا يستطيع الكتابة بدونها أو بعيداً عنها. ولعل المفارقة أو المعادلة التعويضية التي وقف عليها أو توصل إليها عبر معالجته الحسية والفكرية هي الشكّ. ذلك الذي يقتضي محو أحد طرفي المعادلة لتبرئة الحواس من عبث الرهان. توقف صلاح نيازي العميق لدى المفردة، معايشته ومواطنته لها وسمه بجدية متطرفة وألم وحزن مستديم. تلك الجدية جعلت منه حديّاً غير قابل للمهادنة أو المجاملة. فصلاح نيازي الشاعر الرقيق المرهف الذي حمل نفسه ذات أربعة وستين ليموت خارج الوطن، رهن نفسه لثلاث: الجديّة والحديّة ورهافة الحسّ. فكيف يقنع نفسه أو يتهمها بالسقوط في الوهم ليتحرر من وطأة الحنين. وهي جملة تمرحلات نفسية وفكرية دامت أربعة عقود من الزمن نقلته من عنفوان الشباب إلى عتو الشيخوخة. هل تزن كتاباً بعنوانه؟ هل تزن طيراً باسمه؟ هل تنفر من وردة حلق السبع؟ لم إذن لا أنقطع عن وهم الأسماء؟ حاولت، أقسم أني حاولت، وعضضت شفتي مرات. أعترف، قبل كل شيء، أني مخطئ أزن كتاباً بعنوانه أزن طيراً باسمه ولا أتصور حلق السبع وردة أعترف أني مخطئ. .... هل الحقيقة أضعف من الوهم؟. / 75-76/ وهم الأسماء
ثمة علاقة عضوية كبيرة بين مجموعة (وهم الأسماء/1996) وبين (ابن زريق وما شابه) رغم أن هذه العلاقة غير مقطوعة في عموم قصائده الأخرى. لكن الخيط الذي يهمنا هنا هو سلطة الوهم في بنية القصيدة الفكرية. ونعرف أن [المفردة] ليست ولادة عشوائية لدى الشاعر. فابن زريق البغدادي " شخصية (...) مختلقة اخترعها شاعر عباسي وتبنى كتابة سيرتها الزائفة بعض مؤرخي الأدب." ص16 . فما المبرر لجوء المؤلف إلى التاريخ أو الميثولوجيا للتوفر على امكانيات تعبيرية لا يتيحها الواقع، وهو ما عوّل عليه الشاعر غير مرة..[ يقول في ذيل واحدة من قصائده "أنها استندت إلى شخصية تاريخية لأسباب فنية، إلا أنها لم تلتزم بأي تسلسل تاريخي"].. بل استند إلى شخصيات ومسميات معاصرة كأطر أو محاور "فنية" غير مرة، أما الاستناد إلى شخصية وهمية "مختلَقة" فهي نقلة نوعية على صعيد التجربة الشعورية والشعرية لدى الشاعر. ابن زريق بالأندلس لا شبه له بابن زريق في الصحراء وفي مخفر الحدود استحال إلى حمل يثغو الانسان يتغير من عام إلى عام، ومن بلد إلى بلد الفراق الطويل موت حي. /49- ابن زريق
ان الخطاب الذي تستند اليه تجربة الشاعر هنا أو الرسالة التي يريد ايصالها لنا تتجاوز المعالجة "الفنية" التي يتوكأ عليها الشاعر، لا لشيء، إلا لأن قصيدة نيازي ليست أحادية الجانب، ولم تكن كذلك يوما ما، انها قصيدة مثلثة أو مكعبة، تتساوق فيها المحاور الفنية/ الفكرية/ النفسية جنباً إلى جنب وتنمو كجسد حيّ متلاحم غير قابل للتجزئة أو الانفصام. فالقصيدة لدى صلاح نيازي هي مشروع ينوء بهمين: هم فكري يحاول الاجابة من خلاله عن ملابسات تجربته الحياتية بين الوطن والمنفى، القاعدة والاستثناء، بين الحياة كهبة طبيعية والاغتيال كأداة قهر وإلغاء. هل الموت هو صورة من صور الاغتيال؟.. مثلما الاغتيال هو صورة من صور الموت. أيهما القاعدة وايهما الاستثناء؟.. في العراق أو العالم؟.. ما سجله الموت غير الطبيعي في العراق خلال العقود الأخيرة (ربما) يفوق حالات الموت الطبيعي. إذا كانت سلطة الموت والغياب قاهرة إلى هذا الحدّ، وتتحدى الحياة ولو كانت (في أبراج مشيدة)، فلابدّ أن الموت (الفيزيقي) هو القاعدة، وما الحياة سوى استثناء باهت. في قول منسوب للامام علي [أرى الناس نياماً إذا ماتوا انتبهوا]، والمسيح الذي أعدم على الصليب ارتفع للسماء مبشراً بالفردوس، والملوك كانوا يتحولون إلى آلهة (أبدية) لدى بعض الشعوب القديمة بعد موتهم، كالفراعنة. فالحياة، بالمفهوم الأوسع، مجرد وهم، وهم جميل، ربيع قصير، هدنة استراحة ضمن ماراثون طويل لا يعلم به أحد. هل الحلم الذي يتيح لنا رؤية الموتى والتحدث معهم والذهاب إلى عوالم لا قبل لنا بها، رسالة مشفرة بهذا المعنى. هل لكل ذلك علاقة بخلود ذكر الذي يتعرضون للاغتيال واستمرارنا في الحياة (الذهنية/ اللاشعوية) مع أناس ماتوا قبل سنوات أو عقود. هل ماتوا حقاً أم نحن الذين متنا، وما إطلالتنا على الحياة إلا (وهم/ دنيا)؟.. ان سيل الاسئلة هنا يمكن أن لا ينقطع، دون الأمساك يخيط واحد يؤكد (حقيقة) أن الحياة وهم، وليست (الأسماء) لوحدها، كما في مجموعة أو قصيدة نيازي بهذا العنوان. ان تشخيص كلمتي [شفيق] في دلالتها المباشرة على الشفقة، و [كمال] في دلالتها المباشرة على الكمال والاكتمال، ووضعها في مقابل [وهم] هو أحد ارهاصات وهواجس الشاعر المستمرة. والتي قادته ملاحظته المستمرة لها إلى أن معظم الناس لا تنسجم شخصياتهم مع أسمائهم. ان القصيدة هنا لا تثبت ولا تنفي، ولكنها تقدم دعاوى وطروحات. وعدم الاثبات والنفي، يعني بالمقابل استمرار معاناة الشاعر إزاء المعضلة الاجتماعية/ السياسية/ الوجودية. ومن هنا نرى أن ابن زريق لا يمثل غاية لدى الشاعر قدر كونه أداة أو مرحلة للانتقال إلى مستوى أكثر شمولية، أي تعميم الوهم الذي يبقى غاية حسية وفكرية يطفئ عذاب المنفى والاغتراب.. متّ بالأندلس لم أنزل من صلب ولم تحبل بي امرأة. /36 ابن زريق
من هذا المنطلق يضعنا الشاعر أمام عالم جديد لا يلزمنا فيه غير "رتوش" فنية وقناعات (لا واعية) مستندة إلى منظومة القصيدة الاساسية [الجن والجنون والهذيان]/16.. حتى كلبك ينكرك يا عوليس أنت الآن شيء شيء، مجرد شيء طارئ وغريب اسمك عوليس ولست بعوليس. /48 ابن زريق. .. ما من شيء ثابت إلا الصحراء /46 ابن زريق.
وتأتي (ابن زريق وما شابه) القصيدة المطولة في كتاب والمعتمدة على النفس الملحمي الدرامي والمقاربة المسرحية في سلسلة من الملاحم أو القصائد المطولة ذات النفس الملحمي التي اصدرها أدباء عراقيون في كتب مستقلة في محاولة جادة لترجمة بعض وجوه الكارثة. .... نخلص من كل ذلك إلى أن .. 1- تجربة الشاعر قامت أو تبلورت وتمحورت حول المعطيات النفسية والفكرية لحادث اغتيال شقيقه، والتي كانت وراء اختياره [المنفى] ورفض الموت على الأرض التي أطلقت الرصاص على أخيه. على الصعيد الفكري تجلت في موقف سلبي من المجتمع والمؤسسة، معبراً عنها بفكرة (الاغتراب) التي تطورت إلى فكرة (الوهم) وتمثل قصيدته الأخيرة (ابن زريق وما أشبه..) ذروة تأملاته وتجليات تلك الظاهرة. فابن زريق الذي يعود إلى وطنه يستوقفه رجال الحدود ولا يعترفون بأوراقه الثبوتية أو بوجود شخصه. أي أن القصيدة تنقل وطأة (الاغتراب) الى الجانب الاخر/ المجتمع أو المؤسسة التي تنكرت للفرد وبما يشبه حالة الغاء متبادل من الطرفين، أو الغاء التاريخ على فرض انه مجرد وهم/ اختلاق. وهي الفكرة التي ظهرت كذلك لدى شعراء آخرين مثل أديب كمال الدين [الفراغ سيد العرش ونحن عبيده] أو قوله.. والنون شيء صعب المنال /انه من بقايا حبيبتي الامبراطورة /ومن بقايا ذاكرتي التي نسيتها ذات مرّة /في حادث نوني عار تماما ًعن الحقيقة / ومقلوب، حقا ً، عن لبّ الحقيقة 2- قصيدة الشاعر أقرب إلى الملحمة من حيث المعالجة الفكرية والطول وأدنى إلى الدراما والمسرح عبر تعدد الأصوات وتقنية المشاهد وبناء الجملة الشعرية على أساس الصورة. خيار النص الملحمي هنا لا يستبعد أن يكون أحد ارهاصات حادث الاغتيال، باعتبار ان الملاحم تدور حول الصراع والموت، طول الملحمة كناية عن النزيف المستمر بدلالاته المادية والنفسية والذاكراتية، ومصطلح (الملحمة) مشتق من (ل ح م = لحم) كناية عن الجثة، وهو مختلف عن المصطلح الغربي [Epic] ذي الدلالة الشعرية. وعبارة (ملحمة) عنوان المكان الذي يبتاع فيه اللحم والمعروف خطأ - كذلك- بـ(المجزرة) ذات الابعاد القانونية الجنائية، أما اللحام فمهنة ثانية تختلف عن (الجزار)، وهي من الاخطاء المتداولة في لغة العرب. 3- للشاعر تجربة عميقة ومميزة على صعيد الفكر والشعر ولكن ما قدّمه خلال مسيرته هو نزر يسير من امكانياته وقدراته. 4- غلبة الوعي الأكادمي [الملاحظة/ البحث والتعمق/ المنهجية] على عطاءه الثقافي، مما يتكشف عن شخصية نقدية وثقافية مميزة. 5- رغم انطلاقه من الذات إلا أن قصائده محملة بارهاصات اجتماعية تتأرجح بين الوطن والكارثة. حارصاً في رسم صوره على موازاة أو تفريغ شحنات نفسية عارمة.. وفكّ تناقضات الواقع والتأريخ على صفحة الورقة/ اللوحة ، مرسخاً خصوصية تجربته في انفتاحها الأفق- عمودي دون حواجز زمنية ، أو الاشكاليات الفكرية والنظرية الفنية للشعرية المعاصرة، مما منح تجربته مذاقاً جديداً يساهم في ارواء ظمأه القديم للتجديد والتأصيل.
من [منفيون من جنة الشيطان] لوديع العبيدي- منشورات الحركة الشعرية في المكسيك/ 2003. [وقال نسوة] شعر.. حسن النصار – منشورات ضفاف/ 2001
#وديع_العبيدي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
رغم أني جملة كتبتها السماء-
-
المنظور الاجتماعي في قصص صبيحة شبر : امراة سيئة السمعة
المزيد.....
-
بعد وصفه بـ-عابر للقارات-.. أمريكا تكشف نوع الصاروخ الذي أُط
...
-
بوتين يُعلن نوع الصاروخ الذي أطلقته روسيا على دنيبرو الأوكرا
...
-
مستشار رئيس غينيا بيساو أم محتال.. هل تعرضت حكومة شرق ليبيا
...
-
كارثة في فلاديفوستوك: حافلة تسقط من من ارتفاع 12 متراً وتخلف
...
-
ماذا تعرف عن الصاروخ الباليستي العابر للقارات؟ كييف تقول إن
...
-
معظمها ليست عربية.. ما الدول الـ 124 التي تضع نتنياهو وغالان
...
-
المؤتمر الأربعون لجمعية الصيارفة الآسيويين يلتئم في تايوان..
...
-
إطلاق نبيذ -بوجوليه نوفو- وسط احتفالات كبيرة في فرنسا وخارجه
...
-
في ظل تزايد العنف في هاييتي.. روسيا والصين تعارضان تحويل جنو
...
-
السعودية.. سقوط سيارة من أعلى جسر في الرياض و-المرور- يصدر ب
...
المزيد.....
-
-فجر الفلسفة اليونانية قبل سقراط- استعراض نقدي للمقدمة-2
/ نايف سلوم
-
فلسفة البراكسيس عند أنطونيو غرامشي في مواجهة الاختزالية والا
...
/ زهير الخويلدي
-
الكونية والعدالة وسياسة الهوية
/ زهير الخويلدي
-
فصل من كتاب حرية التعبير...
/ عبدالرزاق دحنون
-
الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية
...
/ محمود الصباغ
-
تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد
/ غازي الصوراني
-
قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل
/ كاظم حبيب
-
قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن
/ محمد الأزرقي
-
آليات توجيه الرأي العام
/ زهير الخويلدي
-
قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج
...
/ محمد الأزرقي
المزيد.....
|