أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - علي مهدي الاعرجي - تصدعات فكرية لمجتمعات ما بعد الحروب














المزيد.....


تصدعات فكرية لمجتمعات ما بعد الحروب


علي مهدي الاعرجي
انسان

(Ali Mahdi Alaraaji)


الحوار المتمدن-العدد: 7388 - 2022 / 10 / 1 - 03:09
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


الانهيار في المنظومة الفكرية للمجتمعات المتأزمة العربية التي عانت من ويلات الحرب لم تأتِ من فراغ إن ما ترميه عليهم رائحة الدماء وتناثر الأشلاء من انطباعات في الذهن لا يمكن حذفها من مخيلة الإنسان وتبقى متراكمة إلى عهود وعصور متناقلة عبر الأجيال، في بعض المجتمعات يعاب على الهاربين من وقع الانهيار من مسرح الصراع الدموي إنهم يمتازون بشيء من القساوة وعدم الاكتراث وشيء من انعدام التأثر أمر طبيعي لمن فقد أجزاء من عائلته ومن فقد أجزاء من جسده أن يعطي لهذه الحياة أهمية أو اكتراث لذلك لا يعاب عليهم القساوة وعدم الاكتراث بل يجب على الشعوب المترفة أن تنظر لهم بعين مختلفة.
أدرج كلامي هذا بعد عدد من المشاهد الموجعة التي شاهدتها في بعض معسكرات اللجوء في أوربا حيث صادفني تساؤل مستمر عن عدد من الجنسيات المتواجدة في المركز لماذا هم يحملون هذه القساوة و الوحشية؟ في الحقيقة لم يصدمني تصرفهم بقدر اندهاشي الفظيع ممن يسال هكذا سؤال!!. كيف لك ان تجد انسان فقد ذويه تحت ركام منزل كان يمتاز بالمحبة والدفء و المشاعر الجميلة ,كيف لي أن أصف أو أنقل لك صورة لشخص يلملم أشلاء ذويه من على الأرض, تناثرت بسبب سقوط صاروخ على بحبوحتهم السعيدة فحولتهم إلى قطع من اللحم المحترق. يلملم بعضهم هنا إصبع هذه يد هناك قدم هذه عين لطفلة جميلة كانت تلعب وتملأ المنزل ضجيج ,هذه القلوب تحطمت ودفنت مع ذويها وما تبقى منهم عبارة عن هياكل بشرية تسير على الأرض تمارس حالة إنسانية طبيعية من أكل وشرب ولبس الخ. قبل أيام كان هناك لقاء إلى الفنان كاظم الساهر وهو يتحدث عن بعض الاحلام المرعبة التي تصاحبه عن الحرب والقتل والدمار شخص مثله محاط بكم من المحبة والاهتمام ويعاني من سقوطه في بقعة الأمن والأمان إلى اليوم وبعد مضي أكثر من ثلاثة عقود وهذا الرجل يعاني من مخلفات الحروب. إذن هو أمر فظيع لا يمكن أن يحذف من الذاكرة.
إن مجتمعات ما بعد الحروب تعاني من انهيار في المنظومة الخلقية والإنسانية وتعاني من انهيار في منظومة العدالة لأنها غالبا ما تتحول إلى مجتمعات تتسابق من أجل رغيف العيش وتفقد عندها رهبة القتل ويصبح الدم شيء طبيعي جدا وليس للموت معنى .ان هذا الصراع ينتج لنا تقزم فكري وازدياد لمنطق الخرافة و تعالي تواجد الأضرحة ومزارات الصالحين و الأولياء من أجل التوجه لهم لقضاء حوائجهم أو علاجهم. هذا السبب يأتي لانعدام الساند المالي ومراكز الاستطباب المجهزة بالشكل الطبيعي ويتراكم الأمر حتى يصل إلى ازدياد عدد المنجمين وعدد المشعوذين الذين يعتبرون مخلصين الناس من أوجاعهم وباعثين لهم أرزاقهم. وهذا الأمر لا يصيب فقط بسطاء القوم بل يماسك حتى عقلائهم بسبب انغلاق الأبواب أمامهم وانعدام الفرصة لتحقيق ذاتهم وخلق مجال إبداعي يستطيع من خلالها أن يرسم ملامح اجتماعية جديدة.
(إن من هوان الدنيا أن تنهي وظيفة العقل وتذهب متشبث إلى قول ساحر أو منجم أو وسيط يدعي منزلة عند الله لترمي عليه همومك وأوجاعك علك أن تجد متنفساً أو أن تجد ضوء لحلمك الموءود من قبل ولادته فتخسر أموالا وتخسر من العمر الذي لا يكرر يام وتجد نفسك في تسافل وتجده في تعال ومحبة ومكانة كاذبة في قلوب الناس ويزدادون ثراء ونزداد فقر.)
إن مرحلة تحول المجتمعات المهزومة إلى التصديق بالساحر والمنجم لا يمكن أن يعتبر ذنباً بل هو من قساوة وصعوبة الحياة، يحتاج الإنسان أن يصنع لنفسه عالم من الوهم والكذب والأساطير تتيح له فسحة من العيش. ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل! لذلك تجد الجدل والشعوذة والسحر والاستطباب العربي والاستطباب المبارك منتشر في مجتمعاتنا على الرغم أنه يخضع إلى العامل النفسي.إن هذا التأزم الفكري ينتج لنا إنسان لم يكمل أشهر التكوين التسعة في رحم الحياة ويقذف على شاطئ البحر يصارع ويعاني من غباء وتخلف اجتماعي وانعدام الفرص وضياع الوجود البشري له بالكامل، يسانده صور الحروب وانهيار شبه تام إلى منظومة الاقتصادية واعتلاء طبقة فاسدة من الساسة في إدارة ملف الحكم, بالمطلق ينتج لنا مجتمع غير صالح للانسجام وبلد غير صالح للحياة البشرية.
نحتاج اليوم الى أكثر من مركز لعلاج أزمات ما بعد الحروب ونحتاج برامج مكثفة ومناهج دراسية تعيد بناء شخصية الطفل العربي في مناطق الحروب وكما نحتاج إلى مشاريع عمل تقتل البطالة يتبعها قانون صارم يجعل من الجميع تحت رقابته. لا يمكن أن ننهي آثار الحروب لكن في التتابع الزمني ستنتهي هذه الأجيال وتظهر لنا أجيال جديدة بدماء لم تلوث بما أصابنا من إشعاع فكري ليخلق لنا بلدان مسالمة متحضرة بعيدة عن الدمار والخراب العام وتنتمي إلى أوطانها لا الى مكوناتها المتنوعة من العرقية والمذهبية وغيرها



#علي_مهدي_الاعرجي (هاشتاغ)       Ali_Mahdi_Alaraaji#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الله,انا ,الوهم,و الوجود
- الأنظمة السياسية تنتج معارضة شبيهتها
- ثرثرة سياسية
- غباء شعب
- مبادرة الشرق للانسداد السياسي في العراق
- كيف تصنع صنم مقدس
- التُّرَّهَةُ في الشك وافكار انسانية
- غويران الحسكة وحرير العراق اغرد خارج السرب
- ايران ما بعد سليماني والمد الافقي في العراق وشمال افريقيا
- التكوير و القيامة بين النص و العلم الجزء الثاني
- التكوير و القيامة بين النص و العلم الجزء الاول
- فكرة عن المشهد العراقي ولا يوجد عراق جديد
- خربشات, ديمقراطية العراق و الجهاز الهضمي مخرجات اجتماعية
- حديث عن المارثون الشعبي للتملق قبل الانتخابات
- خربشة عن غرابة طبقات المجتمع العراقي والصراع السياسي
- الدين والمذهب والمعتقد... القذف والشتم واللعن ! حتى اباحة ال ...
- نبوءة في الحرب القادمة اميركا إيران والسعودية
- صناعة المقدس .... و.ه.م قانون حكيم فهيم
- ... انا الله ....
- الانسان بين إيماءات الدين وصراع الوجود الجزء الخامس


المزيد.....




- تردد قناة طيور الجنة كيدز 2024 نايل سات وعربسات وخطوات ضبط ا ...
- خبيران: -سوريا الجديدة- تواجه تحديات أمنية وسط محاولات لتوظي ...
- أردوغان يهنئ يهود تركيا بعيد حانوكا
- “السلام عليكم.. وعليكم السلام” بكل بساطة اضبط الآن التردد ال ...
- “صار عندنا بيبي جميل” بخطوات بسيطة اضبط الآن تردد قناة طيور ...
- “صار عنا بيبي بحكي بو” ثبت الآن التردد الجديد 2025 لقناة طيو ...
- هل تتخوف تل أبيب من تكوّن دولة إسلامية متطرفة في دمشق؟
- الجهاد الاسلامي: الشعب اليمني حر ويواصل اسناده لغزة رغم حجم ...
- الجهاد الاسلامي: اليمن سند حقيقي وجزء اساس من هذه المعركة
- مصادر سورية: الاشتباكات تدور في مناطق تسكنها الطائفة العلوية ...


المزيد.....

- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - علي مهدي الاعرجي - تصدعات فكرية لمجتمعات ما بعد الحروب