|
القرآن محاولة لقراءة مغايرة 107
ضياء الشكرجي
الحوار المتمدن-العدد: 7386 - 2022 / 9 / 29 - 14:49
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
وَلا تَكونوا كَالَّذينَ تَفَرَّقوا وَاختَلَفوا مِن بَعدِ ما جاءَهُمُ البَيِّناتُ وَأُلائِكَ لَهُم عَذابٌ عَظيمٌ (105) قبل تناول مضامين الآية نشير إلى الخطأ في قول «جاءَهُمُ البَيِّناتُ»، بينما الصحيح «جاءَتهُمُ البَيِّناتُ». الآية تحذر المسلمين من أن يكون حالهم حال من قبلهم من أتباع بقية الديانات، حيث تفرقوا واختلفوا وتكافروا وتعادوا وتقاتلوا، ومع هذا لم ينفع التحذير، بل بمجرد أن رحل عنهم المؤسس، سرعان ما دبت الخلافات والعداوات والحروب، لاسيما في زمن الخليفتين الثالث والرابع، وما بعدهما. والقرآن يقر بأن الأديان كانت سببا للاختلاف بقول «كانَ النّاسُ أُمَّةً وّاحِدَةً فَبَعَثَ اللهُ النَّبِيّينَ مُبَشِّرينَ وَمُنذِرينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الكِتابَ بِالحَقِّ لِيَحكُمَ بَينَ النّاسِ فيمَا اختَلَفوا فيهِ وَمَا اختَلَفَ فيهِ إِلَّا الَّذينَ أوتوهُ مِن بَعدِ ما جاءَتهُمُ البَيِّناتُ بَغيًا بَينَهُم»، وتناولناها في محلها. يَومَ تَبيَضُّ وُجوهٌ وَّتَسوَدُّ وُجوهٌ فَأَمَّا الَّذينَ اسوَدَّت وُجوهُهُم أَكَفَرتُم بَعدَ إيمانِكُم فَذوقُوا العَذابَ بِما كُنتُم تَكفُرونَ (106) وَأَمَّا الَّذينَ ابيَضَّت وُجوهُهُم فَفي رَحمَةِ اللهِ هُم فيها خالِدونَ (107) هناك من يرى في هذه الآية ومثيلاتها تعبيرا عن ثمة تمييز عنصري بسبب اللون، حيث نجد إن بياض الوجوه ممدوح وسوادها مذموم. لكن يمكن أن يرد بأن البياض والسواد معنيان هنا بمعنيهما المجازيين، أي البياض والسواد المعنويين، باعتبار أن البياض يرمز للنور والسواد للعتمة. لكن من أجل عدم الوقوع في اللبس وسوء الفهم، كان بالإمكان اختيار تعبير آخر، كأن يقول «يَومَ تَتَنَوَرُ وُجوهٌ» وَّ«تَدلَهِمُّ وُجوهٌ»، و«الَّذينَ ادلَهَمَّت وُجوهُهُم» و«الَّذينَ أَشرَقَت وُجوهُهُم». المهم إن من مسودي الوجوه يومئذ حسب هذه الآية هم الذين استجدت لديهم قناعة مغايرة، بعدما كانوا من قبل على دين الإسلام، فتركوه إلى الإلحاد أو اللاأدرية أو الإيمان اللاديني أو إلى دين آخر اقتنعوا به أكثر من قناعتهم بالإسلام. إذن ذوو الوجوه المبيضة يومئذ والمستحقون حصرا برحمة الله ونعيمه وجنته خالدين فيها أبدا، هم المسلمون المؤمنون الملتزمون، وربما فرقة واحدة من فرق المسلمين دون غيرها، حسبما تذهب إليه الكثير من فرق المسلمين المحتكرة للحق لنفسها والمكفرة لغيرها، وهم غير مخطئين حسب معايير الإسلام نفسه، لأن الفرق بين فرقة وأخرى يصل في حالات إلى درجة اعتبارهما دينين مستقلين، وإن كانت بينهما مشتركات، حالها حال المشتركات بين الأديان المختلفة الإبراهيمية وغير الإبراهيمية. تِلكَ آياتُ اللهِ نَتلوها عَلَيكَ بِالحَقِّ وَمَا اللهُ يُريدُ ظُلمًا لِّلعالَمينَ (108) الله بكل تأكيد لا يريد ظلما بالناس، لكن الله بالصياغة المحمدية إنما هو بكل تأكيد إله ظالم أشد الظلم، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا. فهو أي هذا الإله المحمدي لا يثيب المحسن على إحسانه ويعاقب المسيء على إساءته، بقطع النظر عن الإيمان وعدم الإيمان، وبقطع النظر عن العقيدة، فيما يفترض بالعدل الإلهي وفق النظرة الفلسفية المجردة والمتجردة، علاوة على أن شدة وأمد العقاب لا يتناسبان بأي حال من الأحوال مع الفعل المعاقب عليه، أو غالبا بسبب العقيدة الخطأ التي اعتمدها المعاقب، ليس بقصد الوقوع في الخطأ، بل بسبب الوراثة وتأثير البيئة والقصور. وَللهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الأَرضِ وَإِلَى اللهِ تُرجَعُ الأُمورُ (109) بلا شك إن الله إذا كان هو الذي خلق كل شيء من العدم، فكل شيء مخلوق عائد له، وإليه ترجع أمور البشر وسائر المخلوقات الحية، يقيم العدل الذي افتُقِدَ في عالم المادة، مع التحفظ على مصطلح السماوات وفهم القرآن لها، مما لا يتفق مع الحقائق العلمية عن الكون. كُنتُم خَيرَ أُمَّةٍ أُخرِجَت لِلنّاسِ تَأمُرونَ بِالمَعروفِ وَتَنهَونَ عَنِ المُنكَرِ وَتُؤمِنونَ بِاللهِ وَلَو آمَنَ أَهلُ الكِتابِ لَكانَ خَيرًا لَّهُم مِّنهُمُ المُؤمِنونَ وَأَكثَرُهُمُ الفاسِقونَ (110) كل أتباع دين بحسب دينهم هم أفضل وأشرف البشرية كلها، فاليهود شعب الله المختار، والمسيحيون هم الذين خصّهم الله بالخلاص، والمسلمون هم خير أمة أخرجت للناس. وتذكر الآية سببين لهذا التفضيل، الأول حسب الترتيب في الآية، وليس حسب الأهمية هو مزاولتهم (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر)، والثاني إيمانهم بالله، وهنا سيقال إن الآية ذكرت الإيمان بالله فقط، ولكننا نعلم إن الإيمان بالله وحده لا يكون إيمانا مقبولا ما لم يكن مقرونا بالإيمان برسول الله محمد وكتاب الله القرآن وشرائع الله التي هي شرائع الدين الإسلامي، ثم الآية تخاطب المسلمين بعدّهم خير الأمم من دون البشر، ولو كان الإيمان بالله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مقصودين بمعنييهما العامين لا المفهومين الخاصين وفق الإسلام، لاعتبر القرآن كل من آمن بالله وزاول الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مشمولا بوسام الانتماء إلى خير أمة أخرجت للناس. أما أتباع الأديان الكتابية الأخرى حسب هذه الآية فـ«مِنهُمُ المُؤمِنونَ وَأَكثَرُهُمُ الفاسِقونَ». ثم الكثير من المنكر، لاسيما الذي هو بدرجة الحرمة، في الإسلام، ليس منكرا في بقية الأديان، وكثير من المعروف الواجب، إما هو معروف لكن غير واجب في الأديان الأخرى، وإما هو غير معروف بل ربما منكر لَن يَضُرّوكُم إِلّا أَذًى وَّإِن يُّقاتِلوكُم يُوَلّوكُمُ الأَدبارَ ثُمَّ لا يُنصَرونَ (111) يقال إن اليهود كانوا يؤذون فريقا من المسلمين، عندما ينفردون بهم، والظاهر إن الأذى كان بالكلام والاستهزاء، وربما التهديد، في وقت ضعف المسلمين، ولا يبعد أن تكون رواية المسلمين صحيحة، لأن أتباع الأديان، لاسيما آنذاك، وكثير منهم اليوم، هم سواء في التعصب، وفي رفض الآخر المغاير، وإيذائه متى استضعفوه. فهنا تخفف الآية على أولئك المسلمين الذين كانوا يلاقون الأذى من أولئك اليهود، وتعدهم بالغلبة إذا ما جاءت المواجهة والقتال. ضُرِبَت عَلَيهِمُ الذِّلَّةُ أَينَ ما ثُقِفوا إِلّا بِحَبلٍ مِّن اللهِ وَحَبلٍ مِّنَ النّاسِ وَباؤوا بِغَضَبٍ مِّنَ اللهِ وَضُرِبَت عَلَيهِمُ المَسكَنَةُ ذالِكَ بِأَنَّهُم كانوا يَكفُرونَ بِآياتِ اللهِ وَيَقتُلونَ الأَنبِياءَ بِغَيرِ حَقٍّ ذالِكَ بِما عَصَوا وَّكانوا يَعتَدونَ (112) القرآن يتخذ عن الله قرار إصدار حكم الذلة في الدنيا والآخرة بحق أهل الكتاب الذي لم يصدقوا بالدين الجديد، بسبب (كفرهم) بـ(آيات الله)، وبسبب دعوى قتل أسلافهم للأنبياء، ولا يفهم كيف يقرر القرآن من القاعدة الصحيحة في أنه «لا تَزِرُ وازِرَةٌ وِّزرَ أُخرى» من جهة، وكيف يؤاخذ قوما بما فعل أجدادهم الأولون من جهة أخرى، مما يعد ناقضا للقاعدة المذكورة. ثم القتل، وهو جريمة مهما كانت مبرراتها، خاصة إذا كانت بسبب الاختلاف في العقيدة، قد ارتكب من كل الأديان تجاه بعضها البعض. وإذا كان ارتكاب الدين الثاني لقتل الآخر المغاير جرى من أتباع الدين لاحقا، وليس من المؤسس، فالدينان الأول والثالث مارسا القتل تجاه الآخر المغاير في مرحلتي التأسيس، على الأقل هذا ما ورد في الكتابين المقدسين نفسيهما لهاذين الدينين. ولا ندري ما معنى قتلهم «الأَنبِياءَ بِغَيرِ حَقٍّ»، فالقتل كله باطل، لاسيما قتل الأنبياء مع افتراض وجود أنبياء، ومع علم الطرف القاتل بكونهم أنبياء.
#ضياء_الشكرجي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
القرآن محاولة لقراءة مغايرة 106
-
القرآن محاولة لقراءة مغايرة 105
-
القرآن محاولة لقراءة مغايرة 104
-
لن ننهض إلا بعد القطيعة مع التاريخ
-
القرآن محاولة لقراءة مغايرة 103
-
القرآن محاولة لقراءة مغايرة 102
-
الإسلام دين أم دين ودولة 2/2
-
الإسلام دين أم دين ودولة 1/2
-
القرآن محاولة لقراءة مغايرة 101
-
القرآن محاولة لقراءة مغايرة 100
-
القرآن محاولة لقراءة مغايرة 99
-
القرآن محاولة لقراءة مغايرة 98
-
القرآن محاولة لقراءة مغايرة 97
-
القرآن محاولة لقراءة مغايرة 96
-
القرآن محاولة لقراءة مغايرة 95
-
القرآن محاولة لقراءة مغايرة 94
-
القرآن محاولة لقراءة مغايرة 93
-
القرآن محاولة لقراءة مغايرة 92
-
القرآن محاولة لقراءة مغايرة 91
-
القرآن محاولة لقراءة مغايرة 90
المزيد.....
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
-
الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
-
إيهود باراك يفصح عما سيحدث لنتنياهو فور توقف الحرب على غزة
-
“ألف مبروك للحجاج”.. نتائج أسماء الفائزين بقرعة الحج 2025 في
...
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|