أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فاطمة ناعوت - -هشام سليم-… الأبُ الجسور














المزيد.....

-هشام سليم-… الأبُ الجسور


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 7385 - 2022 / 9 / 28 - 12:26
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


نُخفي عنها الجرائد! وأتمنى ألا يتسرّب لها هذا المقال، وهي المعتادة على قراءة جميع مقالاتي! ولا أدري كيف سأُعزّيها؟! وكيف سيكونُ الحوارُ بيننا بعد رحيل ابنها! أخشى زيارتها؛ وأطمئن عليها من خلال صديقتنا المشتركة السيدة "مشيرة محمود"، والممرضات المرافقات. رحل "هشام" الجميل قُرّة عين أمّه السيدة "زينب لطفي"، ولا ندري كيف نخبرها بالفجيعة وهي بعدُ لا تعرفُ شيئًا عن مرضه الذي خطفه منّا! كان حريصًا على ألا تعرف، وكنّا حريصين؛ نخترع الحيلةَ تلو الحيلةِ لإخفاء الأمر عنها. استوحشته حين تأخر في مهاتفتها. قبل عام كانت في زيارتي وأخبرتني باكيةً أن "هشام" الحنون لا يسأل عنها! اتصلتُ به ومازحتُه بأنني خطفتُ والدتَه، فقال إنه مطمئنٌ عليها معي. جاهدَ ألا يبدو صوتُه واهنًا وأخبرها أنه بخير ومعتكفٌ في الغردقة. هو الابنُ البارُّ الذي صوتُه يردُّ إليها روحها العطشى لاحتضانه والشبع من عينيه الطيبتين وملامحه التي اقتطف وسامتَها من والده مايسترو كرة القدم كابتن "صالح سليم” رحمه الله. في جميع لقاءاتنا في بيتها الأنيق بالزمالك، كانت تقول لي: “سيلڤوبليه، هاتي الصورة اللي على الكونسول." فأنهض وآتي بصورة تجمع الشقيقين خالد وهشام؛ طفلين على البلاج. تشير إلى هشام قائلة: “عمرك شوفتي طفل أجمل من كده؟!” ثم تُقبّل الطفلين، وتعطيني الصورة لأعيدها. يتكرر هذا الطقسُ في كل زيارة وكأنه صلاةُ عشق أمٍّ لولدين صارا كلَّ حياتها بعد رحيل الزوج الآسر الذي كان وسيظل أيقونة الموهبة والرقي والأخلاق، لا في الملاعب فقط، بل في فنّ الإدارة النزيهة، حتى صار مثلا يُضرب في السمو والتحضّر. باغت المرضُ "هشام" منذ عام ونصف، فسقط في حبائله التي لا فكاك منها إلا بالإذعان. والحقُّ أن المرض لم يباغته بل أعطاه مؤشراتٍ واضحةً خلال السنوات الماضية، لكن هشام "الأب" كان مشغولا بمعركة أخطر وأنبل مع ابنه "نور". بدأ الأبُ المحترم "هشام سليم" الرحلة الطبية الشاقة مع الضنى الغالي، حتى استقام "نور" على عوده شابًّا وسيمًا كامل الرجولة. انتهت المعركةُ الطبيّة، لتبدأ المعركةُ التنويرية مع مجتمع لا يرحم؛ فيه بعضُ بشر "حِشريين" يزجّون بأنوفهم الطولى في حيوات الناس ويقررون لهم مصائرهم ويُنصّبون من أنفسهم قضاةً وجلادين، وهم لا يعرفون شيئًا عن عذابات الناس. أوجعوا "هشام سليم" بسياطهم وأهلكوه بألسنٍ أحدَّ نِصالا وأشرسَ من سيوف التتار. كل هذا والسرطانُ المُهلكُ يرعى في الجسد النحيل ويعطي إشاراتِه المتكررة، لكن هشام "الأب" تجاهل أوجاعَ الجسد ليساند الابن "نور" في معركته المجتمعية مع غلاظ لا يرحمون. ولمّا استقر حالُ الابن، بدأ الأبُ معركته الشخصية مع المرض اللعين، لكن الوقت كان قد فات! أنشب السرطانُ أنيابَه المخيفة في الجسد، فوهنَ وخارَ وسقط. تحمّل من الآلام والأوجاع جبالا قاصمة لا قِبَل لإنسان بتحملها. هل سانده أحدٌ؟ لا أحد. "هذا الزحامُ لا أحد” كما يقول الشاعر. نسيه الجميعُ، والأمُّ لا تدري عن مرضه شيئًا لتكون سندًا وعونًا ودعاءً. كنّا، ومازلنا نخافُ عليها في كِبَرِها لئلا تسقطَ إن علمت. كان "هشام" وحيدًا في مرضه إلا من قليلين. ويُطلُّ الآن السؤالُ الموجع: “آلاف المقالات والبوستات ومظاهرات الحبِّ والتمجيد والتعبير عن الحزن لرحيل "هشام سليم"، أين كانت في حياته وهو في أمسِّ الحاجة إليها؟!!! لماذا لا نبدأ في إعلان الحب إلا بعد رحيل المحبوب؟! لماذا نسينا هشام، فلم يرشحه مُخرجٌ أو منتجٌ لأيَّ عمل يساعده على الصمود ومواجهة المرض؟ دفاترُ العزاء التي فتحها الناسُ لرثاء هشام، لماذا لم تكن زهورًا تُقدّم له وهو بيننا ليعرف أنه محبوبٌ على هذا النحو الهستيري، الذي ظهر بعد رحيله؟! لماذا؟! حقًّا لماذا نُمجّدُ موتانا، وننساهم أحياء؟!
احترامي لك أيها الجسور المثقف "هشام سليم" الذي واجه مجتمعًا قاسيًا وكان صخرة صلبة لابنه، وعَبَّدَ مع الطبّ طريقًا وعرة شائكة لم يسبقه إليها كثيرون بهذا الجهر النبيل والجسارة المثقفة. تلك الطريق التي قد يسلكها اليوم كلُّ مأزوم يعاني من غموض الهوية الجسدية مثلما عانى ابنه الجميل "نور”. أشكرك يا هشام لأنك كنتَ سببًا في صداقي مع والدتك الرائعة "أبلة زينب"، حينما كنتُ ضيفةً في برنامجك، وقالت لك: "أحبُّ هذه الكاتبة، هات رقمها.” وهاتفتني الجميلةُ في يوم جميل قبل عشر سنين، وصرنا صديقتين حميمتين. قلبي مع الجميلة الثكلى التي مازلنا نخفي عنها خبر رحيلك. نخفي عنها الجرائد والموبايلات والتليفزيون وكل ما قد يخبرها بالفاجعة. ففي معرفتها موتٌ أكيدٌ لها. أطال الله في عمرها، وأحسنَ مُقامَ "هشام" الجميل؛ كفنان محترم وابن بارّ وأبٍ مثقف.


               ***



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الآخرُ الجحيمُ … الآخرُ الفردوس
- فارساتُ راهباتِ الفرنسيسكان
- لقد نسيتَ كيس الأرز أيضًا!
- السنة المصرية والسنة القبطية وعيد النيروز
- هذا سبتمبر … يا أمّي!
- كوكب ياسمين مصطفى… المصري
- نجيب محفوظ … العصيُّ على الغياب
- ميس كاميليا … مسيو موريس
- سميرة موسى … نابغةُ مصر الخالدة
- في حب العذراء مريم
- أشقائي … شهداء كنيسة -أبو سيفين-
- ماذا علَّمني أبي … وأبي؟
- التعليمُ الراهن … مُعاصَرةٌ وأخلاق
- مهرجان -چرش- … يصدحُ ويزهو
- مدارسُ الفرير … على شرف الماعت
- لماذا تدنّى مستوى خطابِنا؟
- ٢٦ يوليو … تفويضُ الكرامة
- خطاباتُ جدّي وجدّتي … تعليم زمان
- أولادُكم ليسوا لكم … شكرًا للنائب العام
- في الطريق إلى الثمانين … السعادةُ اختيارٌ


المزيد.....




- المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه ...
- عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
- مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال ...
- الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي ...
- ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات ...
- الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
- نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله ...
- الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
- إيهود باراك يفصح عما سيحدث لنتنياهو فور توقف الحرب على غزة
- “ألف مبروك للحجاج”.. نتائج أسماء الفائزين بقرعة الحج 2025 في ...


المزيد.....

- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فاطمة ناعوت - -هشام سليم-… الأبُ الجسور