|
حوارُ أديان أمْ حربٌ صليبيّة
دلور ميقري
الحوار المتمدن-العدد: 1689 - 2006 / 9 / 30 - 09:29
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
مفردة " الحوار " ، مستحدثة في قاموسنا العربيّ وبالتالي ، الإسلاميّ . غنيّ عن القول هنا ، أنّ التأكيد على حداثة تلك المفردة ، لا يُقصد به معناها القاموسيّ ، بل دلالتها المعرفية تحديداً . فمنذ عصر الدعوة كان المسلمون قد بدأوا تبني مفردة " المجادلة " ، بما هيَ عليه من إستلهام لآيةٍ في الكتاب الكريم : " وجادلهم بالتي هي أحسن " . ثم أضحتْ المفردة هذه ، القرآنية ، الأكثرَ شيوعاً في عالم الخلافات الإسلامية ، وخصوصاً العباسية ، المزدهر فيه الفقه والتفسير والفلسفة والتصوف . ففي ذلك العالم ، الموسوم ، كان الفتحُ الإسلاميّ قد إكتملَ إلى حدوده القصية ، من تخوم بوادي الصين مشرقاً ، إلى حدود جبال الغال مغرباً ؛ وأضحى أوانُ الإهتمام بأمور التجارة وأضرابها ، هوَ شاغلُ أهل الخلافة . وما يمكن لنا تسميته ، مجازاً ، بـ " تجارة الفكر " ، كانت من الرواج زمنئذٍ أنها إشتملتْ على ترجمة آثار الفلاسفة الإغريق إلى اللغة العربية ؛ كمؤلفات أرسطو وأفلاطون ، الجدلية ، على سبيل المثال . ففي حين ٍ كانت فيه تلك المؤلفات ، نفسها ، مضروبٌ عليها حُرْم ٌ صارمٌ في أقبية الأديرة ، في أوروبة ، بتشديدٍ من اللاهوت الكنسيّ ، بوصفها أراجيف الوثنيين ؛ فإنها بُعثتْ في شرقنا المسلم إلى نور الحياة اليومية ، الفكرية ، بفضل بعض الخلفاء المتنورين ، كالمأمون بن الرشيد . الطريف ، والهام في آن ، أنّ أهل المعتزلة والمتصوفة وغيرهما من الفِرَق الدينية ، الإسلامية ، إعتمدوا في مجادلاتهم على مفردات وتعابير ورؤى وتحليلات وإستنتاجات ، مقتبسة مما تسنى لهم مطالعته في مؤلفات الإغريق ، الفلسفية ؛ مماهين إياها ، بحذاقة ، مع عقائدهم وإعتقاداتهم وطرق تفكيرهم . لا بل لقد كان إستشهادُ أولئك المسلمون ، المتفلسفون ، بكلمات أرسطو في أحاديثهم ومجادلاتهم من السعة والحرية ، حتى ليظنّ مستمعوهم أنه أحد رسل الله ..
جازَ لي سَوْقُ تلك المقدمة ، التاريخية ، إشتغالاً على مواجع راهن عالمنا الإسلامي ، المبخوس الحظ . هذا العالمُ المقدّرُ له ، هنا وهناك ، الإبتلاء بحكام متعسفين ، جهلة ، يشدّ من أزرهم أهلُ العمائم ، الأكثر جهلاً . هؤلاء الأخيرون ، أضحتْ مهمتهم الوحيدة ، كمشرعين مزعومين ، تمهيدَ طريق الآخرة للرعية ؛ بوصف جنتها الموعودة كبديل ، وحيد ، للدنيا الفانية ، المتخمة بالفقر والجهل والمرض والظلم . وفي الآن نفسه ، إباحة هذه الدنيا ذاتها ، كجنةٍ أرضية ، أبدية ، لأولئك الحكام وأسرهم وزبانيتهم ، يعيثون فيها فساداً وسلباً ونهباً وبطشاً وإرهاباً : هذه الثنائية ، هيَ على رأيي البسيط ، أساسُ عثرة عالمنا الإسلاميّ ، المعاصر ، وسبب محنه المتلاحقة . فالمؤسسات الدينية لدينا ، تتضخم حجماً وموارداً وتأثيراً ، جنباً إلى جنب مع " ضخامة " حجم البؤس الشعبيّ وتردي الحالة الإجتماعية والثقافية والسياسية للوطن ككل . فلا غروَ ، والحالة هذه ، أن تبذل تلك المؤسسات الدينية ، عبرَ دعاتها وأئمتها ومرجعياتها ، كل ما بوسعها من أجل حَرْف أنظار الرعية عن واقعها المزري ، بإفتعال الأزمات وإختلاق أسباب الشقاق ، مع الآخر ، المختلف دينياً أو مذهبياً ؛ وخصوصاً مع الغرب الذي تتهمه ، بمناسبة وبدونها ، بشن حرب صليبية ، جديدة ، على عالم الإسلام . هكذا أزمات ، لا تلهي جماهيرنا المسلمة عن مشكلاتها الحقة وحسب ، وإنما تسهم أيضاً بإضفاء مزيدٍ من الأهمية والخطورة على تلك المؤسسات الدينية ؛ بوصفها ـ كذا ـ حاميَة حِمَى الإسلام والمدافعة الغيورة عن قيمه .
حينما يعلن " الأزهرُ الشريف " ، وهوَ أهمّ مرجعية دينية ، توقيفَ الحوار الإسلامي ـ المسيحي ، حتى يقدّم بابا الفاتيكان " إعتذاره " لأمة محمّد ، عن تصريحه المعروف ؛ هكذا إعلان ، يستدعي أكثر من سؤال من لدن العارف بخلفياته ومراميه : لكأنما نجحت مؤسستنا الدينية ، هذه أو غيرها ، في إجراء حوار حضاريّ ، شفاف ، مع الآخر المختلف دينياً ومذهبياً وإثنياً وفكرياًً ، في داخل مجتمعاتها ؛ كيما يحقّ لها نشدان هكذا حوار مع الخارج ، الغربيّ ، في الضفة المقابلة لمشرقنا المسلم ؟ دينياً ؛ ثمة أمثلة عديدة على تجاهل تلك المؤسسة ـ كيلا نقول تشجيعها ـ ما يتعرّض له أهل الذمة ، من نصارى ويهود وصابئة وغيرهم ، من مضايقات لا تحتمل على كافة الأصعدة الحياتية والروحية . وحوادث مدينة الإسكندرية ، المتواصلة في كل حين ، من تمثلات تلك المضايقات : وهوَ ما يدفع نصارى المشرق والمغرب ، العربيين ، لنشدان الهجرة إلى بلاد الغرب ، النصرانيّ ، خلاصاً من واقعهم المزري ، كمواطنين من الدرجة الثانية . مذهبياً ؛ العمل على ترسيخ شقاق عمره قرابة الألف وخمسمائة عام ، بين مذهبَيْ السنة والشيعة ، خصوصاً ، والتمسك بإعتبار هذا الأخير فرقة ً هرطوقية وأتباعه من الروافض وتكفيرهم ، وبالتالي إعطاء المبرر لإباحة دمهم وتدنيس مقدساتهم ، من قبل النظام البعثي العراقي ، البائد ، وأخلافه من الجماعات الإرهابية : فلا عجبَ ، إذاً ، أن يتجه شيعة بلاد الرافدين أولاً إلى الغرب ، وتحديداً أمريكة وبريطانية ، لتخليصهم من عسف الطاغية صدام ؛ وتالياً إلى جارتهم ، إيران الشيعية ، بوصفها سنداً روحياً لهم ، وأن يعلنوا تبرأهم من أهل العروبة أجمعين . إثنياً ؛ الصمت المريب ، المتواطيء ، على محاولات الإبادة العنصرية ، التي تعرّض لها الأكراد ( وهم مسلمون سنة بغالبيتهم العظمى ) ، طوال النصف الثاني من القرن المنصرم ، علاوة على ما يواجهه الآن إخوانهم في الدين والمذهب ، في إقليم دارفور السوداني ، من محاولات مماثلة : حدّ أنّ هؤلاء وأولئك ، خلاصاً من علاقاتهم بأخوانهم في الوطن نفسه ، صاروا ينشدون الحماية الدولية ، التي يوفرها الغربُ أساساً ، ويتهيأون من ثمّ لإعلان إستقلالهم . فكرياً ؛ تبني تلك المؤسسة الدينية ، المفترض فيها الإعتدال ، الإسلوبَ التكفيري / الإرهابي ، فيما يتعلق بالعلاقة مع الكتاب والمبدعين ، وتدخلها في منح الترخيص لمؤلفاتهم أو منعها بحجج دينية ، واهية . وأمثلة التعامل مع روايات نجيب محفوظ ، تغني عن كل إسهاب في هذا المضمار : هنا أيضاً ، سيدخلُ الغربُ ، الديمقراطيّ ، على هذا الخط ، كملتجأ آمن لأدبائنا ، بما توفره أنظمته الليبرالية من حرية تعبير ونشر .
#دلور_ميقري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
نصرُ الله والعَصابُ المُزمن للفاشية الأصولية
-
سليم بركات ؛ الملامحُ الفنيّة لرواياته الأولى
-
خيرُ أمّةٍ وأشرارُها
-
إعتذار بابا الفاتيكان ، عربياً
-
وليم إيغلتن ؛ مؤرخ الجمهورية الكردية الأولى
-
الثالوث غيرَ المقدّس
-
الحادي عشر من سبتمبر : خمسة أعوام من المعاناة
-
الجريمة والعقاب : طريق نجيب محفوظ في بحث مقارن 3 / 3
-
الأعلام العراقية والإعلام العربي
-
علم الكرديّ وحلمه
-
الجريمة والعقاب : طريق نجيب محفوظ في بحث مقارن 2 / 3
-
محفوظ ؛ مؤرخ مصر وضميرها
-
الجريمة والعقاب : طريق نجيب محفوظ في بحث مقارن 1 / 3
-
كردستان ، موطن الأنفال
-
ثقافة المقاومة أم ثقافة الطائفة ؟
-
المقاومة والمعارضة 2 / 2
-
المقاومة والمعارضة
-
الكوميديا السورية
-
إنتصار الظلامية والإستبداد ؟
-
ثقافة المقاومة ، ثقافة الموت
المزيد.....
-
طلع الزين من الحمام… استقبل الآن تردد طيور الجنة اغاني أطفال
...
-
آموس هوكشتاين.. قبعة أميركية تُخفي قلنسوة يهودية
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|